الرئيسية |
سرديات |
الزلزال: ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي
الزلزال: ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي
حنان الدرقاوي
ضرب الزلزال مدينة ميسور لمدة شهر سنة 1985. ظلت الأرض تميد تحت أقدامنا مرات عديدة في اليوم. كان الأمر مرعبا إذ عشنا في قلق الموت و الخوف من انهيار المباني. كنا نخاف أن تنهار البيوت على رؤوسنا أو أن تنشق الأرض وتبلعنا. كنا صغارا وكان الزلزال أول تجاربنا الوجودية الكبرى. شكل لقاءا لنا مع سؤال الموت. إذا مانشقت الأرض سنموت جميعنا، ثم ماذا بعد الموت؟ هل هناك حياة أخرى كما في القرآن أم أن الموت لايقود إلا إلى العدم،؟ الفراغ، تفتت الأجساد وتحولها إلى غبار يسمد الأرض ويجعل الورد ينبت على جنبات القبور. انتهينا إيمان ونبيل وإخوتي أن نتقي شر الزلزال والآخرة ونصلي على افتراض أن الله موجود ولكي لا نتقولب في الأخرة في حالة وجود الجنة والنار. كنا نقول بفرضية وجود الله حتى قبل أن نسمع عن بليز باسكال الذي كانت له نفس الفرضية وتأسس عليها جزء من فلسفته..
كنا نعقد جلسات جدية، نقرئ القران ونصلي ونبكي بحرقة على مصيرنا المحتوم. طلبت مني إيمان المسامحة لأنها سرقت ممسحتي . قالت وهي متضرعة
– سامحيني على فعلي ذاك. خذي ممسحتي الجديدة ودعيني أنام في سلام
سامحتها لكنني أخذت الممسحة الجديدة رغم ذلك في حالة ما إذا أفلتنا من الموت تكون لي ممسحة جديدة بيضاء نظيفة.
اعترفنا بكل خطايانا وفكرنا أن نطلب المسامحة من العم مختار الذي كنا نسرق حقله ومن البقال الذي سرقنا منه حلوى وبسكويت. كان علينا أيضا أن نطلب المسامحة من أوليائنا الذين نستغفلهم ونغادر الحي بدون إذنهم. ظللنا أياما ونحن نتعذب من شعورنا بالذنب ونشعر بالقهر لأن حياتنا ستنتهي بسرعة. بمقدار ما كنا نصلي كان قلقنا يزداد ونصاب بالهلع. إضافة إلى وسواس الوضوء والنظافة. كنا نعيد الوضوء مرات لشكنا أننا أخرجنا ريحا خاصة أنا التي أعاني من غازات في أمعائي ومن نوبات كوليك، التواء المصارين. قال نبيل أن الشيطان هو الذي يلوي مصاريني ويجعلني أخرج الريح بعد كل وضوء.
كانت الشوارع ممتلئة بالناس والجميع يخاف أن يعود الى بيته بعد الهزات. شرخ جدار في الداخلية وأعطت نيابة التعليم أمرا بإغلاق الداخلية وإرسال التلاميذ إلى قراهم. بعدها تم توقيف الدراسة وبدأت العمالة توزع خياما. فهمنا أن الأمر خطير بعد عملية التوزيع تلك. لم يكن هناك أحد يعطينا معلومات دقيقة عن طبيعة الهزات هكذا كان هناك من يقول أن ميسور واقعة على حدود بركان يستيقظ من غفوته وهناك من يقول أنها واقعة في خط الزلازل وأن الطبقات الأرضية تهتز وسيكون زلزال كبير مثل أغادير ووهران التي زلزلت. كان هناك من يقول أن الثور الذي يحمل الأرض على قرنيه بدئ يتحرك ويريد أن ينقلب على جنبه. ذهبنا لصلاة الجمعة وسمعنا الإمام يقول أن الزلزال هو انتقام من الله نتيجة أعمالنا وأنه علينا أن نستغفر ونصلي ونصوم ونزكي. بعد الصلاة مباشرة أعطيت عشرين فرنكا لمتسول وكنت أنوي أن أشتري جابان كولوبان.
بعد كل هزة كانت تصلنا أخبار مسلية فهناك امرأة وهي في اضطراب الخوف نسيت إبنتها الرضيعة في البيت. هرعت إلى الخارج وهي تحمل وسادة قبل أن تكتشف أنها تركت إبنتها في البيت. كانت تصرخ وتطلب من زوجها أن يدخل البيت ويجلب الطفلة لكن زوجها هو أيضا خاف وهكذا تركا الرضعية ساعات لوحدها. كنا جميعنا مضطربين من الهزات وكنا نخاف من الهزات الليلية وهكذا كنا ننام بأحذيتنا لنتمكن من الهرب حين الهزة. الحقيقة لم نكن ننام إلا قليلا وكنا نستيقظ ونمسك قرائيننا ونقرئ سورة البقرة. البقرة هي آية الحماية وترياق ضد الجزع والخوف.
كان علينا إما أن نسكن الخيام أو أن نلتجئ عند عمي في ميدلت. فضل أبي أن يحملنا عنده. استقبلنا عمي ببرود. قضينا الليلة الأولى في الصالون البارد وكانت هناك أغطية وكان هناك أكل في المطبخ. في الغد قامت زوجة عمي وجمعت الأغطية ووضعتها في غرفتها. أخذت الأكل الذي في المطبخ ووضعته أيضا في غرفتها. أغلقت غرفتها وخرجت. ذهبت عند أمها هي وعمي وقضينا نحن الليلة في جوع وبرد. تغطينا بغطاء الكنبات ” التلاميط” لكننا فوجئنا بأخت زوجة عمي في الغد وهي تجمع تلك الأغطية أيضا وتودعها غرفة أختها. بدا لأمي أنه لا حل سوى أن نتصل بأبي ليجد حلا لتلك الوضعية. تأخر أبي في المجيء يومين قضيناهما في جوع وبرد. كيف يمكن لشخص أن يترك أما وأطفالها لاجئين من زلزال، كيف يمكن أن يتركهم في البرد؟ كان عمي قد كبر في بيت أبي وقاسمنا طعامنا وأغطيتنا لسنوات وأعطاه أبي جزءا من ممتلكاته وحتى زواجه أقامه أبي على حسابه. كيف يمكن لأخ أن يرد صنيع أخيه بمثل ذلك الجحود؟
حلمت في الليلتين الباردتين أن الأرض انشقت في ميسور وابتلعت الجميع، حلمت أيضا بورك دجاجة وأنا التهمه وحلمت بغطاء من ريش الحمام. حلمت أنني أعود إلى ميسور أستمتع بقصص الزلزال بدل البقاء في مكان من جوع وبرد أهله صغار وقاصرون على الإنسانية والأخوة. كان هناك أسوء من الزلزال : حقارة الكائن الإنساني .
2016-10-09