حاوره عبد الواحد مفتاح
هو أحد صقور النقد السينمائي المغربي، كاتب غير مهادن في طروحاته ولا مجامل في مقالاته النقدية، التي خطت لنفسها مسارا خاصا داخل هذا الجنس البحثي فائق الأهمية، والمحرك الأساس داخل الصيرورة الإبداعية للسينما المغربية.
فؤاد زويرق القاص والناقد المتميز الذي مد المكتبة المغربية بعدد من المؤلفات الرصينة، التي تحفر عميقا في رسم مسارات منهجية مغايرة وركيزة للسينما المغربية، يطلعنا في هذا الحوار على جانب من اشتغالاته، ويوضح لنا أرائه حول وضعية الحركة النقدية، وعوامل تدني مستوى السينما المغربية، في بوح عفوي وطليق، بعيدا عن الصرامة الأكاديمية التي اعتدناها من هذا الناقد المُجيد والمتميز.
-
تكتب في النقد السينمائي والقصة، أيهما يجد فؤاد زويريق نفسه فيه أكثر؟
أين أجد نفسي؟ في الحقيقة لا أستطيع أن أعزل أو أختار، فالقضية هنا أكبر وأعمق من هذه المقارنة ولها علاقة مباشرة بالانتماء وليس الاختيار، وإلا كنت اخترت الشعر كوني ترعرعت في بيت كله قصائد ودواوين، لذا لا يجوز بالنسبة لي المفاضلة بينهما، ما أستطيع أن أقوله وأؤكد عليه أنني أجد نفسي فيهما معا، فانتمائي متوازن بينهما وبهما ومن خلالهما، فلكل واحد منهما دور في صقل شخصيتي وابراز كينونتها الثقافية، فالقصة والنقد السينمائي عالمان متوازيان يرتبطان ببعضهما البعض ويشكلان بطريقة أو بأخرى عقيدتي الإبداعية، هذا بالنسبة لفعل الكتابة وممارسته، أما بالنسبة للنشر فقد أصدرت مجموعتي القصصية الاولى سنة 2009 ولم أجرؤ بعدها على اصدار المزيد رغم انني اتوفر على ثلاث مجاميع اخرى مخطوطة، ربما – وهذا حسب رأيي الشخصي- كون تجربتي الابداعية في مجال القصة لم تنضج بعد، أو لأن كل ما اكتبه من نصوص قصصية يبقى نزيفا داخليا تختلط فيه مجموعة من العناصر الانسانية الحميمية كالانفعالات والأحاسيس والمشاعر… بالاضافة الى التجارب الشخصية التي أفرغها حروفا كما هي في الواقع بتفاصيلها الدقيقة، مما يجعلني أتردد في مشاركتها مع الغير، أما الكتابة السينمائية فهي رياضة جمالية وفكرية تتناول واقعا فنيا معينا يمس العمل وصاحبه وجمهوره، وعُرفها الأساسي التشاركية.
-
أنت من النقاد غير المهادنين تكتب عكس تيار المجاملات والشللية، في ارتهان واضح إلى الصرامة والموضوعية، ألا يشكل لك ذلك صدامات يتحاشاها الجميع؟
المعروف ان النقد يدفع بالمجال السينمائي الى التطور والارتقاء، وهو جزء من المنظومة الفنية ككل، ولا يمكن بتاتا الاستغناء عنه كونه وسيلة ناجعة لتثقيف وتوعية المتلقي، هذا طبعا لدى الدول التي تحترم هذا الجنس وتعتبره عنصرا مكملا لمعادلتها الفنية، أما لدينا نحن فهو وسيلة يتقرب بها البعض من فئة معينة وسلاح يحارب به اخرى، وذلك حسب اتجاه بوصلته التي تعتمد على الإنتماءات والأهداف، وقد يكون لدى البعض الآخر مجرد أداة صيد يستخدمها عشوائيا وكيفما اتفق لكسب (طرف الخبز) في هذا المهرجان أو (مصاريف) في تلك الندوة، بل هناك من يستخدمه للحصول على بعض الخدمات الساقطة التي نخجل من ذكرها هنا، لكن هذا لا يعني اننا نفتقر الى كتاب ونقاد محترمين، بل بالعكس لدينا بعض الأسماء التي حلقت بعيدا وشيدت سمعتها على نضالها الجاد ضد الشللية والكتابات ”المجاملاتية”، و على التزامها الصادق والمسؤول بمكافحة الرداءة، وعلى سعيها الحثيث لمحاربة الفساد الذي يضرب اطنابه في كل ركن من أركان منظومتنا السينمائية، لكنهم للاسف يعدون على رؤوس أصابع اليد الواحدة.
جهرك بالحق ووضع يدك على مكمن الداء يؤلم كثيرا، ولا يستسيغه الكثيرون في هذا المجال، خصوصا أولئك الكسالى الفاسدون أصحاب المصالح، لذا تجد نفسك من حين لآخر داخل دوامة من الصراعات الوهمية والسطحية التي لا تفيد هذا الميدان في شيء بل لا تقوم سوى بتعميق جراحه أكثر وأكثر.
-
هل نملك اليوم سينما مغربية بالمعنى الكامل للتسمية
لا توجد لدينا سينما مغربية بالمفهوم الصحيح المتعارف عليه ولن تكون، على الاقل في المستقبل القريب، كل ما هنالك اننا نجحنا في تفريخ عدد لا بأس به من المحاولات والتجارب السينمائية التي تبقى أغلبها فاشلة، فرغم ما حققناه من تطور كمي إلا إننا ما زلنا في مرحلة البحث عن الذات، وهي مرحلة ستطول أكثر إذا لم نقم بتقييم مفصل جاد وشامل للكيفية التي يُسير بها هذا المجال، والوقوف على الثغرات الخطيرة المنتشرة به، وأولها الريع السينمائي الذي جعل من هذا المجال لدى البعض مجرد وسيلة سهلة للكسب السريع.
-
كيف ترى استفادة بعض المخرجين من الدعم في دورات متعددة، رغم رداءة أعمالهم المقدمة ؟ ألا يدخل ذلك في الريع السينمائي؟
صحيح وهذا ما تحدثت عنه سابقا، هناك لوبيات متغلغلة داخل هذه المنظومة وتحركها في الاتجاه الذي يخدم مصالحها، ومن ضمن الأدوات التي تستغلها لهذا الغرض مجموعة من المخرجين الذين لم يظهروا يوما كفاءتهم رغم انهم استفادوا من الدعم مرارا وتكرارا، وسيستفدون منه لاحقا أيضا رغم كل ما تعرضوا له من انتقادات حادة تصل حد السخرية والتهكم، لا انكر أن هناك بعض المخرجين المبدعين الذين أبدعوا في أعمالهم وحققوا بعض ما كنا نتمناه، لكن للأسف لا يشكلون تلك القوة الضاربة التي يمكننا الاعتماد عليها لتحقيق ولو القليل من التوازن.
-
سؤال الرداءة يبقى السمة البارزة على غالبية الأعمال السينمائية المغربية؟ ما عوامل ذلك؟ رغم علمنا التكاوين العالية لبعض المخرجين.
النجاح في عمل سينمائي لا يقاس بالتكوين فقط بل بما تملكه من إبداع وموهبة وتميز، وهذا لا ينفي طبعا أهمية التكوين في تحيين أدوات المخرج وصقلها علميا وأكاديميا، بل هو ضروري ونؤكد عليه، لكن المشكل الأساس يبقى في منظومتنا الفاشلة التي تتحكم في سينمانا، والتي استطاعت بنجاح تهميش من يستحق من المبدعين الحقيقيين وتفريخ الكثير من المدّعين الذين لا يتوفرون على الموهبة إطلاقا ولا على التكوين، لنجد أنفسنا في الأخير أمام أعمال مشوهة ورديئة (مع بعض الاستثناءات بطبيعة الحال)، بل زد على ذلك ان هناك بعض المخرجين يضمون الى سيرهم شهادات عليا حصلوا عليها من بلدان أجنبية واذا قمت ببحث بسيط حولها ستكتشف انها مجرد أوراق لا قيمة لها، أو مبالغ في وزنها العلمي، وهنا تكمن مصيبتنا للأسف فالقادر على التزييف والكذب لن يعطي ولن يبدع ولن تستفيد منه السينما الوطنية في شيء، وستكون أعماله مجرد نسخة منه.
-
نشهد صرف أموال طائلة على مهرجانات من حجم مهرجان مراكش، في حين لا نجد سنتيما واحدا يدفع لنشر قيم السنيما في المدارس والمعاهد، أو حتى خلق دور للعرض، كناقد كيف ترى هذه السكيزوفرينيا في التعامل من لدن القائمين على المؤسسات السنيمائية بالمغرب.
تحدثت مرارا عن هذا الأمر فمثل هذه المهرجانات لا يستفيد منها المغاربة بقدرما يستفيد منها الأجنبي، فالكثير منهم يعتبرها مجرد فرصة مجانية للسياحة وعرض ما توفر من أزياء، فلو استغلت مثل هذه الميزانيات الضخمة في تأسيس المعاهد والبحث عن المواهب الحقيقية والكفاءات العالية وانشاء قاعات وصالات محترمة، واستخدمت لإدراج الثقافة السينمائية في النظام التعليمي، والقيام بحملات إعلامية لإبراز مدى جدواها الثقافي وتأثيرها الفكري لكان أنفع وأجدى من تظاهرة سينمائية عقيمة يتواجد فيها كل شيء إلا السينما.
-
كتابك “وجوه من السينما المغربية” يبدو كنواة صغيرة لمشروع توثيقي أكبر، هو موسوعة السينما المغربية، هل من أفق لذلك؟