الرئيسية | حوار | مصطفى الغتيري للموجة: الرواية العربية بألف خير وهي في تطور مضطرد

مصطفى الغتيري للموجة: الرواية العربية بألف خير وهي في تطور مضطرد

حاوره : عبد الواحد مفتاح

 

الحوار مع مصطفى الغتيري، هو حوار مع أحد أبرز الروائيين المغاربة، وأكثرهم إنتاجا، على طول ما قدمت مسيرته للمكتبة العربية، من روايات ومجاميع قصصية تتسم بطابع التميز والجدة، على مستوى الكتابة التي يبتكر دائما لها أساليب جديدة، على مستوى الطرح والبينية.

مصطفى الغتيري يفتح لنا هنا نافدة للإطلالة الواضحة على بعض عوالمه، والأسئلة الملحة المتعلقة بمنجزه، هذا الذي هو بحاجة لأكثر من حوار لسبر أغواره، والاقتراب أكثر من الخطوط الغائرة التي خلفها على مستوى الطرح الأدبي، وأثره في المشهد الثقافي العربي ككل.

 

  • كبداية لهذا الحوار ، ما فاتحة النص الذي ورطك في عالم الكتابة؟ خبرنا قليلا عن البدايات؟

 حقيقة من الصعب تذكر أول نص كتبته وورطني في هذه الورطة الجميلة، لكن أتذكر أول نص نشرته في تسعينيات القرن الماضي وعنوانه” أيام في الجحيم” وقد ضمته فيما بعد مجموعتي القصصية البكر”هواجس امرأة” وكنت قد استهللته بإهداء لأبي العلاء المعري وهذه السطور فاتحته:

“أكوام بشرية متكدسة، حرارة مرتفعة. الجو يدنو من الاختناق، وقرص الشمس تعلق بالقرب من الرؤوس، يسكب أشعة بلا انتهاء. أنظر إلى قدمي، فإذا الأرض مختلفة، تغطيها قشرة غريبة. تشعرك أنك تقف على جسم شبه متحرك. أجمع شتات ذهني. أحاول أن افهم. أين أنا؟ أول ما أتأكد منه متجرد من ملابسي. عار تماما. أختلس النظر إلى الناس من حولي، فأذهل. الأجساد عارية، والأقدام حافية، والشعور مسترسلة. أشعر بالخجل يكتفني. أنظر إلى الأعلى. السماء غير السماء. ولا سحابة واحدة. الزرقة تعتورها حمرة أرجوانية. وقرص الشمس يدنو من الناس بشكل غريب. ما هذا؟ أتصادم مع الأجساد العارية، فإذا الجميع منشغل عني، يرددون في صوت واحد : الرحمة ! الرحمة! “

  • لديك رغبة عارمة في الكتابة، ما يوضحه غزارة إنتاجك؟ ماذا عن طقوسك الكتابية ؟

 لا أخفي عشقي للكتابة ورديفتها القراءة، لذا أشعر بأنني لا أحتاج إلى طقوس من أجل الانغماس في كليهما.. أحيانا يتردد في دواخلي بأنني” وجدت كي أقرأ وأكتب” ورغم ما يبدو للمتتبعين من غزارة إنتاجي إلا أن ما أشعر به في أعماقي من شغف لهذه اللعنة الجميلة يجعلني آسف للكثير من الوقت الضائع بسبب الوظيفة والتزامات الحياة وانشغالاتها.

-تقول ” وظيفة الكتابة بشكل عام هي هذا الحفر العميق في الذات وفي العالم من حولنا وفي اللغة كذلك ، أن تكتب معناه أن تتجاوز القشرة السطحية للأشياء، و أن تبحث عن العلاقات العميقة التي تربط الأشياء فيما بينها” هل تجد للكاتب اليوم دور في وقت نشهد فيه مقولات مثل أن الوقوف في مظاهرة هو أجدى من كتابة رواية جمالية، تخاطب قارئ بدء يندثر وجوده؟

 الكتابة ومعها القراءة عملية معقدة ومركبة عميقة. حين انخرطت فيها شعرت بأن بناء بداخلي ينهار تدريجيا ليحتل مكانه بناء مختلف، لقد ساعدتني الكتابة كثيرا في إعادة بناء الذات على أسس جديدة ومتينة. مع الكتابة لا مسلمات ولا يقينيات. كل شيء يتم بناؤه من جديد على أسس فكرية وعلمية ومنطقة صلبة، لا مجال للمهادنة. كل شيء على المحك. الكتابة تفيد الكاتب في الكشف عن العلاقات العميقة والخفيفة ما بين الأشياء والظواهر، كما أنها تتيح للكاتب الاهتمام بأدق التفاصيل، إذ لا يخفى أنه بفضل تلك التفاصيل يبني عوالمه المتخيلة. لكل ذلك فالكتابة وسيلة لإعادة تأهيل الذات، ودورها أعمق وأكثر فعالية واستمرارا في الزمان.

من جانب آخر أنا أميز طبعا ما بين الكاتب والإنسان أو قل المواطن، فإذا كان الكاتب كمواطن مطالب بالدفاع عن قضايا وطنه بشكل مباشر كالنزول إلى الشاعر للاحتجاج ضد الفساد أو المطالبة بإصلاحات، فإنه كأديب مطالب بالالتزام تجاه إبداعه بالدرجة الأولى، ويكفيه فخرا أن يقدم لنا نصا أدبيا مقنعا ينمي ذوقنا وينر عقولنا ويحقق لنا إشباع نفسيا وجماليا مرغوبا.

  • كيف ترى لهجرة بعض الشعراء للرواية، وهي هجرة جماعية كما يبدو، هل قدمت جديدا للرواية؟

علمنا تاريخ الأدب أن لكل فترة تاريخية جنسها الأدبي الذي يطغى على ما سواه، فتولي الأقلام حبرها نحوه، ففي وقت ما ساد الشعر عما سواه، ثم جاء دور القصة القصيرة لتفتن العقول والنفوس، ويبدو أنه قد حان الدور على الرواية، التي ازداد عدد مبدعيها بشكل مضطرد، حتى أن هناك من المبدعين من هجروا جنسهم الأدبي الأصلي الذي عرفوا به ويمموا وجوههم قبل الرواية، ومنهم الشعراء طبعا، وأظن أن هذا الأمر صحي وسيساهم في ازدهار الفن الروائي، الذي يبقى رغم كل شيء الأكثر مقروئية عالميا، وأظن أن ظهور الجوائز الأدبية المحتفية بجنس الرواية ليس بعيدا عن تشجيع هذه الظاهرة، ويمكنها أن تفسر نسبيا هجرة الشعراء نحو الرواية.

  • هناك عدد من الدراسات والكتابات على منجزك الروائي، هل أنت كاتب مرتاح نقديا بهذا التعبير؟

 بصراحة أعتبر نفسي محظوظا نقديا فبالإضافة إلى مقالات متناثرة هنا وهناك في الكتب والمجلات والجرائد لقد كتبت عن تجربتي المتواضعة أربعة كتب، واحد عن تجربتي في القصة القصيرة والثاني عن قصصي القصيرة جدا وكتابان احدهما في المغرب والثاني في فلسطين عن بعض رواياتي، وما كتب عني يتوزع على امتداد الوطن العربي في العراق وسوريا واليمن وتونس وتونس والسودان والجزائر فضلا عن المغرب.

  • بوصفك روائيا وقارئا جيدا للرواية العربية، هلا أوضحت لنا وجهة نظرك بشأن الرواية العربية المعاصرة والروائيين العرب المعاصرين لك؟

الرواية العربية بألف خير وهي في تطور مضطرد وأصبحت نصوصهم الجيدة تنافس الرواية العالمية، لقد أصبحت لنا روايات بمقاييس عالمية وبصراحة يعود الفضل في ذلك بالإضافة إلى مجهودات المبدعين الشخصية إلى الجوائز العربية التي وضعت ضمن مقاييس التحكيم الاهتمام بالبعد الحكائي في الرواية وهذا ما منحنا نصوصا بمواصفات عالمية، تشرف الإبداعية العربية بحق.

 – ما هو السؤال الذي يشغلك كمثقف حاليا؟

 يشغلني سؤال التنوير في ارتباطه مع سؤال القراءة والمقروئية في المغرب وفي الوطن العربي.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.