الموجة الثقافية | عبد الواحد مفتاح
عبد الواحد مفتاح:
تجتاح مجلة الموجة الثقافية عددها السادس، بخطى ثابتة وأسلوب ومنهجية، الملاحظ أنها تجاوزت كثيرَ تعثرات البدايات وسؤالها. طبيعة العمل، كفاءة القائمين من هيئة التحرير، إلى جانب امتياز أناقة الطبعة وخلوها من الأخطاء، وجودة الورق، كلها عوامل مساعدة على بروز منبر متميز متخصص في الثقافة، أبر الغائبين عن المشهد العربي ككل.
كلنا نعلم الإكراهات الحقيقية والعقبات، التي تواجه أي عمل مهما كان نوعه ذا طبيعة ثقافية في مغرب اليوم، خاصة مع محدودية الدعم إلى انعدامه، إلى جانب عدم وجود مؤسسات ثقافية فاعلة مساندة وتضعضع القائم منها، هذه وأشياء غير قليلة غيرها، تجعل من الإحقاق تهنئة فريق هذه الموجة التي استطاع خط تحريرها الانفلات من السائد، المحمي بحجة (الجمهور يريد هذا)، وأن يهب لها الجرأة على الخوض في الطابو والمسكوت عنه في احترافية ثابتة ونوعية، على مستوى المجلات المتخصصة، فالارتهان الواضح للخط التنويري داخل العالم العربي وانتهاج صفائيته، إلى جانب وضع الدفاع عن الحقوق الأساسية للإنسان أهم أولويتها بالإعلاء من حقوقه الفردية، والذهاب بالتنظير إلى حدود مجتمع التعدد.
أما على المستوى الإلكتروني، فموقع المجلة والأرقام المطمئنة، التي يشير إليها محرك البحت حول عدد الزوار، هو السبب الذي جعلني أكتب هذه السطور بأريحية لا بأس بها.
سؤال الجرأة هنا يذكرنا بالتضييق على مجلة نيشان مؤخرا إلى إخماد أنفاسها بذلك الشكل غير المستساغ، إلى جانب اعتقال علي المرابط، وقبله لمتتبعي الذاكرة الثقافية توقيف مجلة الثقافة الجديدة، لمحمد بنيس ونخبة من المثقفين المغاربة، في محاولة لتكبيل تلك الطاقات الشابة التي كانت تحمل حلم مغرب ثقافي متعدد ومغاير.
مخاطر كاملة تتماوج بهكذا فعل ثقافي مغاير، تاريخ النشر في المغرب، ينبهنا إلى ذلك إلا أن محمد مقصدي وعز الدين بوركة ومحمد العياشي، والكوكبة الجميلة التي تقود هذه الموجة، بعزيمة وحسن تملك لأدوات الاشتغال الإعلامي والتدبير الثقافي، يرسي لنا ساحل جديد ومطمئن. أتذكر بمرح شديد، تلك المجلة التي كانت تصل بالبريد العادي، والتي كانت تصدرها مجموعة الغارة الشعرية لكل من رشيد نيني قبل أن يصبح مدير نشر أكبر جريدة بالمغرب، وسعيد الباز طبعا إلى جانب سعد سرحان، اللذان ظلا وفيان لجمرة الشعر، تلك المجموعة النبيلة التي كانت تصر على نشر أعمال وإبداعات بالمتاح، إلا أن الجدية والتميز الشديد وصم أعمالها على محدوديتها، بالبقاء سعيدا بالذاكرة الثقافية المغربية.
أوجاع وإكراهات وأمال، ما يطال الطموح إلى منبر ثقافي مغربي، حامل لشرطية النضج والجودة على مستوى الورقي والإلكتروني، هو الآن ما يسبب هذا التواطؤ الفرح لمثقفين مغاربة مع هذه الموجة. على أن تكمل حماسها ومنجزها إلى بر ترسيخ تقاليد حقيقية مغايرة، وهو ما يليق أكيد بمنتخب المحترفين من “لاعبي الباسكيط” الثقافي الذين يقودونها.
الموجة الثقافية عبد الواحد مفتاح 2016-06-09