عزبة التحرير | هدى توفيق
هدى توفيق:
بعد الثورة العظيمة التي حدثت في يناير 2011، في بلدنا الأم الحبيبة مصر في أواخر عام 2012 تقريبًا ، في محافظتي النائية ، والتي دائمًا يتجاهلونها على الخريطة ذاكرين محافظة المنيا ، ويلحقونها بمحافظة الفيوم ، وتسقط محافظتي بني سويف من أي تنويه عنها ، حتي في جولة الأرصاد الجوية ينسونها ، وكأن لا وجود لها.. رغم ذكر أسماء محافظات الصعيد إلي نهاية شريط وادى النيل ، بينما هى مدينة كبيرة، ومعقل الآن لقانون البلطجة الجديد برئاسة زعيم البلطجية (أحمد يوسف) الذى يرتدي الجلابية الصعيدي ، ولاسة علي رأسه كالعرب ، ويحمل فرد سلاح صناعة محلي في جيب سرواله الأيمن وفي الأيسر مسدس صغير كاتم صوت صناعة ألماني مميز، أما المطواة فهى في يده علي الدوام، أو يضعها فى إحدى رسغي اليدين بين ثنايا أسورة جلدية يلبسها دائما، ولا ينزعها أبدًا من رسخ يديه اليسرى ، له منزل كبير في حي المرماح الشهير في محافظة بني سويف، الطابق الأول يستقبل فيه الجمهور وصبيانه وأصدقاءه ، ويتم عقد الاتفاقات وجلسات الصلح والقتل وكل ما يلزم من أمور البلطجة ، التي يضع قانونها الكفء أحمد يوسف وشارع المرماح والمدارس والرمد وكل الأزقة والحواري , التي تتبع هذه الشوارع الرئيسة، تضرب تعظيم سلام للكفء أحمد يوسف سيد البلطجية.
في إحدي المرات، جاءت للكفء أحمد يوسف، فتاة في سن العشرينات، فتاة من حي شعبي، جميلة، وقوية، تشكو له، وهى تبكي أن أحد بلطجية من مركز الفشن التابع لمحافظة بني سويف ، قد اعتدى عليها وسلبها شرفها، وذهبت إلى القسم ولم يفعلوا لها شيئًـا ، وهرب البلطجي ، وضاع كل شيء منها. علي الفور بحث عنه صبيان الكفء وأخذوه إلي القسم فأنكر، والفتاة المسكينة لم تستطع أن تثبت شيئًا بالدليل القاطع؛ فقد مر وقت على الحادثة، فاستلسمت الفتاة لقدرها، إلا أن هذا البلطجي الوقح، أعاد الكرة , واعتدى عليها مرة أخرى فذهبت إلى الكفء شاكية باكية من هذا البلطجي الملعون، الذي يلاحقها وهي فتاة فقيرة من أحد أحياء شارع الخضار تعمل مع أمها فى بيع الخضار علي فرشة على الأرض، وليس لها من سند أو رجل يحميها، يعيشان علي قوت يومهما من بيع أكوام الخضار التي أمامها ، فما كان من الكفء أن أحضره مرة أخرى وبكل عنجهية وجراءة ذهب به إلي القسم، وقال للمأمور شخصيًا بكل سخط وغضب:
– لو طلعته من السجن.. اقتله.. هاتاخده ولا أقتله..
وفرّ المأمور ذات نفسه من أمامه، وأمر بسجنه وترحيله لعرضه علي النيابة وإثبات الواقعة حتى يأخذ حكمًا على قدر جريمته في حق هذه الفتاة الصغيرة الغلبانة ، فما كان من البلطجي المعتدي أن طلب الزواج منها، مدعيًا أن فرجها أمتعه، وهو الفاتح المقدام لعروسته وهو أولي بها، وافق الكفء الكبير مباشرة وأحضر المأذون في القسم وكتب الكتاب، وأقام لهما فرحًا، كان علي مسمع وحديث كل أهالي شارع المرماح والشوارع المجاورة، وانضم العريس إلى صبيان الكفء الكبير تحت إمرته وسلطته، أما الفتاة فكادت أن تموت من الفرح، وقد أصبحت تحت حماية البطل أحمد يوسف، فقانون البلطجة في رأي الكفء الكبير شرف ونزاهة، وهى الصح.. وهانفضل صح الصح..
عزبة الصفيح بعد الثورة تبدل إسمها إلى عزبة التحرير، حدث بها مشكلة هائلة، إستدعت تدخل سريع من الكفء، بعد أن جاءته الأخبار من البلطجية العصافير، ويطلق عليهم ذلك ؛ لأنهم حديثو السن .. وأعمارهم لا تتعدى خمسة عشر عامًا.. يختصون ببيع المخدرات ونقل أخبار البلطجية الآخرين لسيد المنطقة الكفء وبيع الأسلحة البيضاء، بدأت المشكلة علي خمسة آلاف جنيه، أخذوها ثلاثة بلطجية من رجل ما استأجرهم لقتل شخص ما، خمسة آلاف جنيه. فقط لإزهاق روح.. اختلف الثلاثة في إقتسام المال، بعد أن أتموا فعلتهم، اثنان منهم كانا من حي الغمراوي، وواحد من عزبة التحرير، تقابلوا عند عمارات الأوقاف بجانب حي الزهور.. قرابة الساعة التاسعة مساء إلى الواحدة ليلا , وقد أحضر كل منهم بلطجية الغمراوي وبلطجية عزبة التحرير. وكانت عركة كبيرة بالأسلحة البيضاء، والعصي وزجاجات المولوتوف , وهاجت المدينة، وهرب الناس جميعًا إلى البيوت، وأغلقت الأبواب والشبابيك وكل المنافذ، خشية وهلعًا أصاب حي الأوقاف والزهور بل ارتعبت المدينة بكاملها، من جنون هؤلاء البلطجية، إلى أن جاءت الشرطة آخر من تعلم دائمًا، وكانت عربة الشرطة الزرقاء الوحيدة التي أتت، بها سائق ورائد شرطة جديد، كان يعمل في أمن الجامعة (جامعة بني سويف)، ومن يومين فقط نـُقل إلى مباحث بني سويف، وأصابه طلق ناري خطأ في فخذه اليمنى ونقل إلى مستشفي الزهراء، ثم المستشفي العام، وكان تقرير الطبيب به خطأ طبي، لم يتوقف النزيف الداخلي ؛ حيث جاءت الطلقة في شريان دقيق في الفخذ موصل إلى القلب، فمات الضابط الشاب، أما من أطلق النار الذي كان من عزبة التحرير، فهرب على الفور، رغم أنه يتبع رئيس مباحث بندر بني سويف زكريا عزيز، فهو يرأس كل بلطجية عزبة التحرير، ويعرف عنهم كل شيء، ويدير كل شيء معهم وتحت إمرته، إلا أن الولد إرتعب؛ فقد مات ضابط من الشرطة، ولن يقف معه أحد منهم حتى لو كان المأمور نفسه.
هرب إلي مدينة الشرق الجديدة التابعة لمحافظة بنى سويف ، حيث تقطن خليلته وعشيقته صاحبة بيت دعارة شهير في مدينة الشرق، وبات ليلته، يشرب المخدرات ويضاجعها، وانقلب واهتاج كل ضباط الشرطة، وقلبوا المدينة رأسًا علي عقب ولجئوا طبعًا إلي الكفء أحمد يوسف، أن يحضر هذا الولد بأية طريقة، واستجاب الكفء بعد أن هددوه بسجنه ومحو كل ما يخصه من على الوجود.. وأرغم الكفء أصحاب هذا الولد علي الإعتراف بمكانه.
وتم فعلا القبض عليهم من قبل الشرطة، التي صممت علي تولي الأمر، وما كان من الشرطة أن فعلت منه أمثولة للمدينة في مشهد لا يصدق، ولا يحدث إلا في أفلام الرعب.. وأحضرا الولد وفتاته وجردوهما من ملابسهما ماعدا السروال عنده، وهى بقميص نوم شفاف قصير لونه أسود بحمالات رفيعة ، لا ترتدي غيره ووضعوهما على عربة نصف نقل وأخذوهم إلي جامع عمر بن عبد العزيز في شارع المديرية ؛ حيث يصلون علي صديقهم الضابط ، وظلوا يضربونهما بالأحزمة الجلدية التي خلعوها من بناطيلهم.. والبلطجية والناس أجمعون أمام أمناء الشرطة، والأهالي؛ لإعطائهم درسًا قاسيًا لمَنْ يتجرأ أو يفكر ويقتل ضابط شرطة ولو كان قتل خطأ، وأرغموا بعضًا من الناس في قسم الشرطة بالإعتراف فى محضر رسمى ، أنهم ضربوا من الأهالي، دفاعًا عن شرفهم ؛ لأنه يعاشر المومس التي تدير بيت دعارة في مدينة الشرق، ونـُقل الولد والفتاة إلى المستشفي حتى جاء أهل الولد وضربوا الدكتور المختص والممرضة وأفقدوهما الوعي، وأخرجوا الولد بينما فتاته كانت بين الحياة والموت في العناية المركزة، وهرب الولد إلى قرية الحلبية بمحافظة بني سويف بمساعدة رئيس المباحث زكريا عزيز، إلا أنه بعد الضغط عليه من جميع مسئولي الشرطة الكبار أخبرهم بمكانه، إلا أن الولد إستطاع أن يهرب منهم إلى عزبة في عين شمس في محافظة القاهرة.. لكن تم القبض عليه أيضًا وقُدم للمحاكمة، التي أثبت فيها المحامي المغوار أنه قتل خطأ وعقوبة هذا أمام القانون من سبعة إلى خمسة عشر عامًا، وبعيدة تمامًا عن حكم الإعدام، وغرابة الأقدار كان معه في عنبر السجن عصابة المجرمين الأربعة الشهيرة بأولاد الشوارع التى كان زعيمهم يسرق الأطفال، ويفعل لهم عاهة، ثم يعلمهم بعلامة في الجسم أو الوجه.. حتي يفرق بين هذا الطفل وذلك الطفل ليصبحوا أطفال شوارع.
الرجل زعيمهم عندما تحدث مع وكيل النيابة للإدلاء بآرائه، كان يتحدث بكل برود وكأنه لم يفعل شيئًا، ويعترف بكل مباهاة وعظمة أن هذه مهنتي , وأحبها وأنا من المعدمين، وأعشق القذارة والنوم في الخرابات، والزبالة، وممارسة الجنس مع الصنفين، ولي خمس زوجات يعشن تحت سيطرتي، طوال النهار يسرحن بالمخدرات لبيعها، ويأتين آخر النهار يعطين لي ما كسبنه من بيع المخدرات، وأنا آويهن وأطعمهن وأشربهن وأسهر الليل بطوله مع نسائي الخمس نشرب المخدرات ونمارس الجنس إلي أذان الفجر، وأنام النهار كله، وفي نهاية الحديث، الذي ملأ حلق وكيل النيابة بالاشمئزاز والقرف , وكاد أن يبصق عليه لولا ضبط النفس، الذي اعتاد عليه من كثرة ما سمع ورأي في مهنته، ووكيل النيابة يُخبره أيضًا بكل برود وقسوة، أنه إن شاء الله سيعدم.. فردّ الرجل ضاحكــًا ضحكة فاغرًا فيها فاه بأكمله فأوضحت عن أسنان وحش مفترس باصفرارها لحد السواد فى بعض الأسنان وإعوجاجها المقزز فى البعض الآخر. قائلا بغطرسة تامة وكبرياء:
ما فيها شيء نحن أتينا من العدم ، نحن دود الأرض وقذارته وزبالته ولا نستحق إلا العودة إليه، وأنا أستحقها بكل جدارة , ولا أحب غير العيش والموت فهيا أعدموني وأريحوني من هذه الدنيا القذرة والحياة الملعونة.. هيا أعدموني.. لترتاح الحياة من قذارتي.. وأرتاح من قذارتها.. تلك الحياة الملعونة.. الملعونة اقسم بالله إنها ملعونة.
هدى توفيق 2016-02-18