الحسين الحوري
الحسين حوري: مأساوية مُثقف قتله “غرامتشِي” | سعيد غيدَّى
سعيد غيدَّى:
“عندما يعيش الانسان لنفسه فقط، فإنّه يعيش ويموت صغيرا مهما كبر، وعندما يعيش لغيره، فإنّه يعيش ويموت عظيما مهما صغر”
-ألكسي دو تكفيل Alexis de Tocqueville
“لم يقتُلن أحد؛ أحبّكم جميعا”، كانت آخر عبارة وجدت بالقرب من جسد مسجى بارد كقطعة ثلج، والحبل ملفوف بعنقه، في بيت كان قد وضعه صديق له تحت تصرفه بمدينة المحمدية.
هكذا وضع الكاتب والمسرحي الحسين حوري حدّا لحياته ذات يونيو من سنة 1987، في مشهد مأساوي لمثقف عصامي ارتبطت شرايينه بوجدان الأرض والإنسان، وصال بمسرحياته كل بقاع البلد، وهو يحاكي المآسي اليومية للإنسان المغربي.
ظهر الحسين حوري مؤسسا لتجربة مسرحية جديدة سماها مسرح المرحلة، وقد جاء تنظيره النقدي في سياق ما كان يسمى ب”مسرح الهواة” الذي كان يعج بالحركة والنشاط والإبداع والصراع الذهني والفني والجمالي،إذ كان هذا المسرح يتسم أيضا بتطاحن النظريات الإيديولوجية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وفكريا ودينيا.
تناول الحسين حوري في مسرحياته مواضيع سياسية واجتماعية وثقافية وقومية وإنسانية من منظور مادي وواقعي جدلي، خرجت من رحم المعاش اليومي والواقعي، وتحاكي مغرب “المرحلة” أي زمن الجمر والرصاص، واستبداد نظام الحسن الثاني ورجالاته، وما يكيدونه من مكائد للمناضلين والطلبة والحقوقيين وقتها، فركز كثيرا على تصوير بطش الأنظمة السياسية، وقهرها للإنسان الضعيف كما في مسرحيته:”الزمن الأحدب”، كما كانت باقي أعماله احتجاج وأسئلة وقلق وغضب وثورة أحايينا كثيرة. هذه المحاكاة اليومية وهذا الانتماء العضوي للحوري كانت أسبابا في غزارة انتاجاته المسرحية(مجنون المدينة، والحرباء ، والأشجار واغتيال مرزوق عن رواية الكاتب عبد الرحمن منيف، وزمن الأقزام، وأين الرؤوس، والزمن الأحدب، ومسرحية الطوفان، وحلم اليقظة، والسلخ، والكرش وعربة القمامة، والمحرك، والنقمة، ولعجاج، ومجنون المدينة، وعبده والكراكيز)مقارنة مع الكثير من المسرحيين من أبناء جيله.
وكان الحسين حوري يعتبر المسرح دوما مسؤولية تاريخية متأثرا في كتاباته بالمفكر الألماني بريشت/بريخت-على الأقل في تلك المرحلة-، نافيا أن يكون المسرح بالمقابل مجرد فرجة فلكلورية مجانية مفرغة من محتواها، خالية من أي بعد إيجابي. كما يستند في منظوره التصوري للمسرح؛ إلى الواقعية الاجتماعية والحركية التاريخية، ورصد جدلية الصراع الطبقية والإجتماعية، ومواكبة كل التحولات التي تقع على الصعيد الخارجي من خلال الارتباط الجدلي بين المسرح والواقع.
عاش الحسين حوري صعلوكا تتقاذفه الأزقة والشوارع، يقدم أعماله أينما حل وارتحل، في الجامعات وفي المعامل وفي الساحات العمومية، وفي جلسات الرفاق، لم يكن له عنوان ولا رقم هاتف ولا سكن يأويه في التعب الأخير، عاش مناضلا حرا جعل من مسرحياته الكثيرة بنادقا صوب الاستبداد والظلم، طاردته أجهزة البوليس في الشوارع، حرمته من حقه في الحصول على بطاقة اتحاد كتاب المغرب، كان يشمئز من انصاف الكُتّاب واشباه المسرحيين، وكان يؤمن أن الزمن زمن الاصطفاف إلى الإنسان المقهور، والانتماء إلى عشيرة شرفاء الوطن، فألف عشرات المسرحيات وأخرجها ثم مثلها، آخرها مسرحية “الحرباء” التي تحاكي واقع المغرب سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا.
انتحر الحسين حوري شنقا، وفي حفل مهيب قبل اتحاد كتاب المغرب عضويته، وحضر تأبينه الشاعر المصري الراحل أحمد فؤاد نجم والقى كلمته المؤثرة، كما بعث الكاتب الروائي السعودي عبد الرحمن منيف كلمة التأبين بعد أن تعذر حضوره، معترفا بالتجربة الرائدة للحوري في تحويل “الأشجار واغتيال مرزوق” إلى مسرحية.
إن حوري عاش للوطن وللبسطاء والمسرح، وما قتله أساسا هو هذا العشق القاسي لمعنى الحياة والحلم بوطن للجميع، وبمسرح لا يقبل بالصمت والتهريج أو تلميع صور الحاكم غير العادل والمتسلط في مجال الثقافة أو السياسة أو المجتمع أو السياسة. لقد استجاب حوري الحسين لنداء الواقع ونداء المرحلة التاريخية وصاغ إجابته بشكل إبداعي وثقافي عكسته ممارساته الدائمة ومجموع أعماله المسرحية.
انتحر الحسين حوري في بيت ليس له، انهى مساره التراجيدي بمشهد أكثر مأساوية، انسحب رفاقه كل لاذ بصمته، أقبرت تجربة مسرح الهواة وحل محلها المسرح الاحترافي في مقالب ثقافية ممخزنة تجعل السلطة تتحكم في زمام الأمور، وتقيد بذلك حرية الإبداع والخلق، ترك الحسين وصيته الشهيرة: “لم يقتُلن أحد؛ أحبُّكم جميعا”.
الحسين حوري الحسين حوري: مأساوية مُثقف قتله "غرامتشِي" | سعيد غيدى سعيد غيدَّى غرامتشِي 2016-01-16