الرئيسية | سرديات | الأوهام في باطن بعضها أحلام بشارات | أحلام بشارات

الأوهام في باطن بعضها أحلام بشارات | أحلام بشارات

أحلام بشارات (فلسطين):

 

     لقد كنت أريد أن أكون قاصة، أو هكذا توهمت، تعرفون يعيش الإنسان حياته واهما، يتوهم أشياء فتحصل أشياء أخرى، وعلى هذا الأساس اختلفت مصائر، ونشأت قصص مكان قصص، ونام أشخاص في فراش ناس آخرين، ولبس آخرون ملابس كانت اختيارات غيرهم، المهم، لم أحرم نفسي من متعة الوهم، كنت أريد لنفسي ما أريده لها، وظللت أتمنى بشكل يومي أن ينمو جهاز تسجيل إلى جانب دماغي النّشِط، كنت قد آمنت بما سمحت لي به مخيلتي، ليست المخيلة وحدها، بل المكان أيضا، المكان الذي هو مزيج من التلال الصغيرة، والجبال الصغيرة، والوديان الصغيرة، والجداول الصغيرة، والبيوت الصغيرة، والمخلوقات الصغيرة، والناس الأشقياء.. الأشياء الصغيرة التي إذا اجتمعت حوالي إنسان شقيّ فإنها تتحول إلى المكان المثالي الذي تكبر فيه أفكاره، وفي هذه الحالة لا يمكن لذلك الإنسان سوى أن يمارس الطيران كعادة يومية، أو أن يلجأ إليها عندما يفكر بالهرب دون أن يسافر بعيدا، من هنا امتزج الوهم الأول؛ وهم القصة، بوهم آخر ظلّ يكزني في عاطفتي قائلا: أنت شاعرة! وعلى هذا الأساس، رغم إنكاري الدائم القاسي، تكونت لديّ مجموعتان شعريتان، مازلت أخبئهما إلى الآن، ولدي شيء من اليقين أنهما ستظلان مخبئتين؛ فمن يجرؤ على الشعر غير شاعر بأوهام صافية! وبسبب كل هذه القصائد التي أخبئها وتلك التي أهملها في رأسي فتضيع، بدت القصة كأنها الحل الظاهري لأوهام في باطن بعضها لفتاة تسحرها “اللغة”، فتسرُب الشعر داخل القصة أخافني، على الأقل لديّ مجموعتان قصصيتان غير منشورتين مقابل المجموعتين الشعريتين غير المنشورتين للسبب نفسه، واحدة عنوانها: دوائر برتقالية، والثانية: ظل للوردة، فيهما، الثانية تحديدا، روح الشعر تضغط باتجاه أن تكبر، تتنسخ من بعضها، ثم تتراجع، لتتوقف في شكل حائر. إنها تعريف لحالة الذوبان الذي لا يصل إلى نهايته؛ فهل كنت قاصة لحين لأني أردت أن أكون شاعرة! نشرت مجموعتين قصصيتين، رحت إليهما بدافع الرغبة في النجاة من الأوهام من ناحية، وكرد عليها، وهذا سبب النجاح أحيانا، أن تكون قويا فلا تخف، وبديل الخوف فكرة غير شعرية، وهكذا فأنت تبتعد، وهكذا يتعبّد مضيُّك في طريق القصة، بهذه الحيلة التي تجعل شخصا يعيش باسم وسمعة ووسامة لشخص آخر في داخله لم يتضح من هو، ما اسمه. قلت: أنا سأفعل كذا، الذي اسمه كذا، وفعلته كما هو، وناديته باسمه: قصة، فناداه الجميع باسمه: قصة؛ سمّى البعض ذلك تجريبا، وسميته اقتراحات جميلة؛ فكانت مجموعتي الأولى: “لأني أحبك” 2005، جمعت فيها محاولاتي الأولى في الكتابة، ومجموعة “تأبينات زرقاء “2010، قصص قصيرة جدا، تكشف رغبات قوية في كتابة الشعر. هكذا كان الأمر، فكان رصيدي من القصة القصيرة، إلى جانب الشعر المخبأ، إلى جانب قصص الأطفال، إلى جانب روايات اليافعين، هذه الأخيرة التي ظهرت كمخلّص لواحدة تحب أن تعترف بالمخاوف، وتؤمن بالسخرية كحل، وتطرح أسئلة متشككة أمام سامعين جدد يستمعون إليها باهتمام، فتنتقل إليهم عدوى الاعتراف. إنها، إذن، المخاوف في باطن بعضها، وكل هذا الكلام ليس مناسبة كي أقول: لقد جئتَ يا طفلي لأني كنت أحلم بشجرة! لا يكاد يمضي يوم لا أقول فيه، اليوم سأكتب قصة، مقابل عبارة أخرى أرددها مصدرها أوتار أخرى: لا أريد أن أكتب قصيدة؛ ثمة يقين شخصي بأن القصة بإمكانها أن ترد العالم، الذي نراه يزداد جنونا، إلى عقله، وفيما تحتاج الرواية أن تعي اللحظة التاريخية فتأخذ وقتها، وفيما يتهوّر الشعر وراء عواطف الناس، من يفعل ذلك غير القصة!.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.