مارتن لوثر كينغ
ترجمة: جمال خيري
(إِلَّمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَطِيرَ، فَاجْرِ. وَإِلَّمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَجْرِيَ فَامْشِ. وَإِلَّمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَمْشِيَ فَازْحَفْ. وَلَكِنْ، عَلَيْكَ أَنْ تَتَقَدَّمَ مَهْمَا فَعَلْتَ) م.ل.ك
أَنَا سَعِيدٌ لِأَنِّيَ اسْتَطَعْتُ أَنْ أَكُونَ مَعَكُمُ الْيَوْمَ فِي هَذَا التَّجَمُّعِ الَّذِي سَيَذْكَرُهُ التَّارِيخُ كَأَكْبَرِ مُظَاهَرَةٍ مِنْ أَجْلِ الْحُرِّيَةِ عَرَفَهَا بَلَدُنَا.
قَبْلَ قَرْنٍ مِنَ الزَّمَنِ، قَامَ أَمْرِيكِيٌّ جَلِيلٌ، يَحْمِينَا بِظِلِّهِ الرَّمْزِيِّ الْيَوْمَ، بِتَوْقِيعِ إِعْلاَنِ تَحْرِيرِنَا. جَاءَ هَذَا الظَّهِيرُ التَّارِيخِيُّ كَنُورٍ عَظِيمٍ مِنَ الْأَمَلِ شَعَّ فِي عُيُونِ مَلاَيِينَ مِنَ الْعَبِيدِ السُّودِ كَانُوا يُحْرَقُونَ بِلَهِيبِ الظُّلْمِ الْمُبِيدِ. جَاءَ كَفَجْرٍ بَهِيجٍ لِيُنْهِيَ لَيْلَ أَسْرِهِمُ الطَّوِيلَ.
وَلَكِنْ، هَا مَرَّ قَرْنٌ، وَالْأَسْوَدُ لَمْ يَتَحَرَّرْ بَعْدُ؛ مَرَّ قَرْنٌ وَحَيَاةُ الْأَسْوَدِ مَازَالَتْ مُعَوَّقَةً بِقُيُودِ الْإِقْصَاءِ وَسَلاَسِلِ الْمَيْزِ؛ مَرَّ قَرْنٌ وَالْأَسْوَدُ مَازَالَ يَعِيشُ مُنْفَرِداً فِي جَزِيرَةِ الْفَقْرِ الْمُدْقِعِ وَسْطَ مُحِيطِ الرَّفَاهِيَةِ الشَّاسِعِ؛ مَرَّ قَرْنٌ، وَمَازَالَ الْأَسْوَدُ يَتَلَهَّفُ عَلَى هَامِشِ الْمُجْتَمَعِ الْأَمْرِيكِيِّ وَيَعِيشُ مَنْفِياًّ فِي أَرْضِهِ.
أَتَيْنَا هُنَا إِذَنْ، لِنَفْضَحَ هَذَا الْوَضْعَ الْمُخْجِلَ. أَتَيْنَا إِلَى عَاصِمَةِ بِلاَدِنَا لِنَتَقَاضَى مَا يَعُودُ لَنَا. حِينَ كَتَبَ بُنَاةُ جُمْهُورِيَّتِنَا كَلِمَاتِ الدُّسْتُورِ وَإِعْلاَنِ الاِسْتِقْلاَلِ الْمُدْهِشَةَ، وَقَّعُوا سَنَداً لِأَمْرٍ يَرِثُهُ كُلُّ الْأَمْرِيكِيِّينَ. وَكَانَ هَذَا السَّنَدُ وَعْداً بِضَمَانِ حُقُوقِ الْحَيَاةِ وَالْحُرِّيَةِ والسَّعَادَةِ مَوْقُوفَةً لِكُلِّ الْمُوَاطِنِينَ، نَعَمْ، لِكُلِّ الْمُوَاطِنِينَ، السُّودِ مِثْلَ الْبِيضِ.
مِنَ الْوَاضِحِ الْيَوْمَ أَنَّ أَمْرِيكَا لَمْ تَفِ بِالْتِزَامِهَا فِي مَا يَخُصُّ مُوَاطِنِيهَا السُّودَ. فَعِوَضَ أَنْ تُشَرِّفَ هَذَا الْوَاجِبَ الْمُقَدَّسَ، مَنَحَتْ أَمْرِيكَا لِلشَّعْبِ الْأَسْوَدِ شِيكاً دُونَ رَصِيدٍ؛ شِيكاً أُعِيدَ إِلَيْنَا مَكْتُوباً عَلَيْهِ : “اعْتِمَادٌ دُونَ تَمْوِيلٍ”. نَرْفُضُ أَنْ نُصَدِّقَ أَنَّ بَنْكَ الْعَدَالَةِ يُعَانِي الْإِفْلاَسَ. نَرْفُضُ أَنْ نُصَدِّقَ أَنَّ ثَمَّةَ اعْتِمَادَاتٍ غَيْرَ مُمَوَّلَةٍ فِي الْخَزِينَاتِ الْكَبِيرَةِ لِفُرَصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَبِالتَّالِي، لَقَدْ أَتَيْنَا هَا هُنَا لِقَبْضِ شِيكِنَا، الشِّيكِ الَّذِي سَيَمْنَحُنَا تَحْتَ الطَّلَبِ مَوَارِدَ الْحُرِّيَةِ وَالْأَمْنِ وَالْعَدَالَةِ.
لَقَدْ أَتَيْنَا إِلَى هَذَا الْمَكَانِ الْمُقَدَّسِ لِنُذَكِّرَ الشَّعْبَ الْأَمْرِيكِيَّ بِالْمَطَالِبِ الْمُلِحَّةِ جِداًّ فِي الْوَقْتِ الرَّاهِنِ. لَيْسَ الْوَقْتُ لِلتَّفَرُّغِ لِتَرَفِ الاسْتِرْخَاءِ أَوْ لِلِاكْتِفَاءِ بِحَلٍّ تَدْرِيجِيٍّ مُخَدِّرٍ مُهَدِّئٍ. لَقَدْ آنَ الْأَوَانُ لِإِنْجَازِ كُلِّ وُعُودِ الدِّيمُقْرَاطِيَّةِ وَجَعْلِهَا وَاقِعِيَّةً؛ لَقَدْ آنَ الْأَوَانُ لِتَرْكِ وِهَادِ الْإِقْصَاءِ الْمُعَتَّمِ الْبَائِسِ وَالتَّقَدُّمِ نَحْوَ طَرِيقِ الْعَدَالَةِ الْعُنْصُرِيَّةِ الْبَهِيِّ؛ لَقَدْ آنَ الْأَوَانُ لِكَيْ نُسَاعِدَ أُمَّتَنَا عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْ رِمَالِ الظُّلْمِ الْعُنْصُرِيِّ الْمُتَحَرِّكَةِ وَنَضَعَهَا عَلَى صَخْرِ الْإِخَاءِ الصَّلْبِ؛ لَقَدْ آنَ الْأَوَانُ لِكَيْ نَعْمَلَ عَلَى تَحْقِيقِ الْعَدَالَةِ لِكُلِّ أَبْنَاءِ الْإِلَهِ. سَيَكُونُ خَطَأً مُدَمِّراً لِكُلِّ الْأُمَّةِ إِنْ هِيَ رَفَضَتْ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى مَطَالِبِ الْأَسْوَدِ الرَّاهِنَةِ الْمُلِحَّةِ، وَإِصْرَارِهِ عَلَى تَحْقِيقِهَا. لَنْ يَنْتَهِيَ هَذَا الصَّيْفُ الْخَانِقُ، صَيْفُ الاِسْتِيَاءِ الشَّرْعِيِّ لِلْأَسْوَدِ، إِلاَّ إِذَا أَتَى خَرِيفٌ مُنْعِشٌ بِالْحُرِّيَةِ وَالْمُسَاوَاةِ.
سَنَةُ ثَلاَثٍ وَسِتِّينَ وَتِسْعِمَائَةٍ وَأَلْفٍ لَيْسَتْ نِهَايَةً، بَلْ بِدَايَةٌ. وَالَّذِينَ يَأْمَلُونَ أَنْ يَكُونَ الْأَسْوَدُ الْآنَ فِي حَاجَةٍ إِلَى إِطْفَاءِ غَضَبِهِ وَبَعْدَ ذَلِكَ سَيُبْدِي رِضَاهُ، سَتَكُونُ يَقْظَتُهُمْ عَنِيفَةً إِذَا مَا الْأُمَّةُ عَادَتْ إِلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ رَتَابَةٍ. لَنْ تَكُونَ لاَ رَاحَةٌ وَلاَ طُمَأْنِينَةٌ فِي أَمْرِيكَا إِلَى أَنْ يَحْصُلَ الْأَسْوَدُ عَلَى حُقُوقِهِ الْوَطَنِيَّةِ كَامِلَةً. سَتَسْتَمِرُّ أَعَاصِيرُ الشَّغَبِ فِي زَعْزَعَةِ أُسُسِ أُمَّتِنَا إِلَى أَنْ يَطْلَعَ نَهَارُ الْعَدَالَةِ مُشْرِقاً فِي الْأُفُقِ.
وَلَكِنْ هُنَاكَ شَيْءٌ عَلَيَّ أَنْ أَقُولَهُ لِشَعْبِي وَقَدَمُهُ عَلَى الْعَتَبَةِ الْفَاتِنَةِ الَّتِي تُوصِلُ إِلَى قَصْرِ الْعَدَالَةِ: وَنَحْنُ نُنَاضِلُ لِلْحُصُولِ عَلَى الْمَكَانِ الَّذِي يَعُودُ لَنَا، عَلَيْنَا أَلاَّ نَكُونَ جَارِمِينَ عَبْرَ سُلُوكَاتٍ شَنِيعَةٍ. عَلَيْنَا أَلاَّ نَبْحَثَ عَنْ إِطْفَاءِ عَطَشِنَا إٍلَى الْحُرِّيَةِ بِالاِرْتِوَاءِ مِنْ كَأْسِ الْمَرَارَةِ وَالْحِقْدِ. عَلَيْنَا أَنْ نَقُودَ كِفَاحَنَا دَائِماً عَلَى مُسْتَوىً عَالٍ مِنَ الشَّرَفِ وَمِنَ الاِنْضِبَاطِ. عَلَيْنَا أَلاَّ نَدَعَ مَطَالِبَنَا الْخَلاَّقَةَ تَنْتَكِسُ بِالْعُنْفِ الجَسَدِيِّ. دَائِماً وَأَبَداً، عَلَيْنَا أَنْ نَسْمُوَ إِلَى الْأَعَالِي الْجَلِيلَةِ حَيْثُ نَدْحَضُ الْقُوَّةَ الْجَسَدِيَّةَ بِقُوَةِ الرُّوحِ.
يَجِبُ أَلاَّ يَدْفَعَ بِنَا الاِلْتِزَامُ النِّضَالِيُّ الْجَدِيدُ الْبَاهِرُ الَّذِي تَخَلَّلَ مُجْتَمَعَ السُّودِ، إِلَى فَقْدِ الثِّقَةِ فِي كُلِّ الْبِيضِ، لِأَنَّ كَثِيراً مِنْ إِخْوَانِنَا الْبِيضِ، مِثْلَمَا يُبَرْهِنُ عَلَى ذَلِكَ تَوَاجُدُهُمْ هُنَا الْيَوْمَ، قَدْ تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ قَدَرَهُمْ مُرْتَبِطٌ بِقَدَرِنَا. وَلَقَدْ تَوَصَّلُوا إِلَى إِدْرَاكِ أَنَّ حُرِّيَتَهُمْ مُرْتَبِطَةٌ بِشَكْلٍ مُتَمَاسِكٍ بِحُرِّيَتِنَا. لاَ نَسْتَطِيعُ أَنْ نَتَقَدَّمَ وَحْدَنَا فِي طَرِيقِ النِّضَالِ. عَلَيْنَا أَنْ نَعِدَ بِأَنَّنَا سَنَمْشِي دَائِماً إِلَى الْأَمَامِ. عَلَيْنَا أَلاَّ نَتَرَاجَعَ.
هُنَاكَ الَّذِينَ يَسْأَلُونَ أَنْصَارَ الْحُقُوقِ الْمَدَنِيَةِ: “مَتَى سَتَكُونُونَ رَاضِينَ؟” لاَ يُمْكِنُ أَنْ نَرْضَى أَبَداً مَادَامَ الْأَسْوَدُ ضَحِيَّةً لِفَظَاعَةِ الْعُنْفِ الْبُوليسِيِّ الَّتِي يَعْجِزُ عَنْ وَصْفِهَا اللِّسَانُ؛ لاَ يُمْكِنُ أَنْ نَرْضَى أَبَداً مَا دُمْنَا، وَأَجْسَادُنَا مُثْقَلَةٌ بِمَشَقَّةِ السَّفَرِ، لاَ نَسْتَطِيعُ أَنْ نَحْصُلَ عَلَى مَسْكَنٍ فِي نُزُلِ الطَّرِيقِ الرَّئِيسِيَّةِ وَفِي فَنَادِقِ الْمُدُنِ؛ لاَ يُمْكِنُ أَنْ نَرْضَى مَادَامَتْ حُرِّيَةُ التَّجَوُّلِ الْأَسَاسِيَّةُ لِلْأَسْوَدِ لاَ تَسْمَحُ لَهُ إِلاَّ بِالتَّنَقُّلِ مِنْ غِيتُو صَغِيرٍ إِلَى آخَرَ أَكْبَرِ مِنْهُ؛ لَنْ نَرْضَى أَبَداً وَهُوِيَةُ أَطْفَالِنَا تُنْهَبُ وَمَادَامُوا يُحْرَمُونَ مِنْ شَرَفِهِمْ عَبْرَ لاَفِتَاتٍ تُعْلِنُ : “لِلْبِيضِ فَقَطْ”؛ لَنْ نَرْضَى مَادَامَ أَسْوَدُ مِيسِيسِيبِّي لَنْ يَسْتَطِيعَ أَنْ يُصَوِّتَ، وَأَسْوَدُ نْيُويُورْكَ يَعْتَقِدُ أَنْ لَيْسَ لَهُ مَا يَسْتَطِيعُ التَّصْوِيتَ لِصَالِحِهِ. لاَ! لاَ، لاَ يُمْكِنُ أَنْ نَرْضَى، وَلَنْ نَرْضَى إِلَى أَنْ تَتَدَفَّقَ الْعَدَالَةُ كَالْوَابِلِ والْحَقُّ مِثْلَ السَّيْلِ الْقَوِيِّ.
لاَ أَجْهَلُ أَنَّ بَعْضاً مِنْكُمْ قَدْ أَتَى هَا هُنَا بَعْدَ بَلاَءٍ كَبِيرٍ وَمَصَائِبَ عِدَّةٍ. وَبَعْضٌ خَرَجَ لِلتَّوِّ مِنْ زَنَازِينِ السُّجُونِ الضَّيِّقَةِ. بَعْضٌ مِنْكُمْ أَتَى مِنْ مَنَاطِقَ حَيْثُ، فِي بَحْثِكُمْ عَنِ الْحُرِّيَةِ، كُلِمْتُمْ بِأَعَاصِيرَ مِنَ الاِضْطِهَادِ، وَتَرَنَّحْتُمْ بِرِيَّاحِ الْعُنْفِ الْبُولِيسِيِّ. إِنَّكُم خُبَرَاءُ هَذِهِ الْمُكَابَدَةِ الْخَلاَّقَةِ. اِسْتَمِرُّوا فِي نِضَالِكُمْ مُؤْمِنِينَ بِأَنَّهَا مُكَابَدَةٌ لاَ مُسْتَحَقَّةٌ وَلَكِنَّهَا مُخَلِّصَةٌ. عُودُوا إِلَى مِسِيسِيبِّي عُودُوا إِلَى أَلاَبَامَا؛ عُودُوا إِلَى كَارُولِينَا الْجَنُوبِيَّةِ؛ عُودُوا إِلَى جُورْجِيَا؛ عُودُوا إِلَى لْوِيزْيَانَا؛ عُودُوا إِلَى الْأَحْيَاءِ الْوَضِيعَةِ وَغِيتُوَاتِ مُدُنِ الشَّمَالِ مُدْرِكِينَ بِأَنَّ هَذَا الْوَضْعَ، بِطَرِيقَةٍ أَوْ بِأُخْرَى، لاَبُدَّ وَأَنْ يَتَغَيَّرَ. وَسَيَتَغَيَّرُ! فَلْنَرْفُضِ التَّمَرُّغَ فِي أَوْهَادِ الْيَأْسِ!
الْآنَ وَهُنَا أَقُولُ لَكُمْ أَصْدِقَائِي إِنَّنَا مَعَ مَا عَلَيْنَا أَنْ نَقُومَ بِهِ لِمُوَاجَهَةِ صُعُوبَاتِ الْحَاضِرِ وَالْآتِي، فَإنِّي رَغْمَ ذَلِكَ أَحْلُمُ. وَحُلُمِي عَمِيقُ التَّجَذُّرِ فِي الْحُلُمِ الْأَمْرِيكِيِّ. أَحْلُمُ بِيَوْمٍ سَتَقُومُ فِيهِ هَذِهِ الْأُمَّةُ وَتُشَرِّفُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ لِمُعْتَقَدِهَا: “نَعْتَبِرُ هَذِهِ الْحَقِيقَةَ قَائِمَةً بِذَاتِهَا، أَنَّ كُلَّ النَّاسِ يُولَدُونَ مُتَسَاوِينَ”.
أَحْلُمُ بِيَوْمٍ يَجْلِسُ فِيهِ أَوْلاَدُ الْعَبِيدِ الْقُدَامَى وَأَوْلاَدُ مَالِكِي الْعَبِيدِ الْقُدَامَى إِلَى مَائِدَةِ الْإِخَاءِ عَلَى الرَّوَابِي الْحَمْرَاءِ لِجُورْجْيَا. أَحْلُمُ بِيَوْمٍ تُصْبِحُ فِيهِ حَتَّى وِلاَيَةُ مِيسِيسِيبِي الَّتِي تَحْتَرِقُ بِنِيرَانِ الظُّلْمِ، وَتَخْتَنِقُ فِي فُرْنِ الاِضْطِهَادِ، تُصْبِحُ فِيهِ وَاحَةً مِنَ الْحُرِّيَةِ وَالْعَدَالَةِ. أَحْلُمُ بِيَوْمٍ يَعِيشُ فِيهِ أَطْفَالِي الْأَرْبَعَةُ الصِّغَارُ فِي أُمَّةٍ لاَ تَحْكُمُ عَلَيْهِمْ بِلَوْنِ بَشْرَتِهِمْ بَلْ بِمَدَى رَزَانَةِ خُلُقِهِمْ.
الْيَوْمَ أَحْلُمُ!
أَحْلُمُ بِيَوْمٍ، حَيْثُ حَتَّى هُنَاكَ فِي أَعْمَاقِ أَلَبَامَا – بِعُنْصُرٍيِّيهَا الْمَلِيئِينَ بِالْحِقْدِ وَبِحَاكِمِهَا الَّذِي لا يَتَشَدَّقُ إِلاَّ بِكَلِمَاتِ الاِعْتِرَاضِ وَالْإِبْطَالِ – أَحْلُمُ بِيَوْمٍ يَسْتَطِيعُ فِيهِ الصِّغَارُ وَالصَّغِيرَاتُ السُّودُ أَنْ يَمْشُوا الْيَدَ فِي الْيَدِ مَعَ الصِّغَارِ وَالصَّغِيرَاتِ الْبِيضِ كَإِخْوَانٍ وَأَخَوَاتٍ.
الْيَوْمَ أَحْلُمُ!
أَحْلُمُ بِيَوْمٍ تَرْتَفِعُ فِيهِ كُلُّ السُّفُوحِ، وَكُلُّ الرَّوَابِي وَكُلُّ الْجِبَالِ تُسَطَّحُ، وَالنَّوَاتِئُ تُسَوَّى، والْمُتَعَرِّجَاتُ تَسْتَقِيمُ، “فَيَتَجَلَّى عِزُّ الإِلَهِ وَيَرَاهُ الْبَشَرُ أَجْمَعُونَ”.
إِنَّهُ أَمَلُنَا. إِنَّهُ الْإِيمَانُ الَّذِي سَأَعُودُ بِهِ إِلَى الْجَنُوبِ. بِهَذَا الْإِيمَانِ سَنَسْتَطِيعُ أَنْ نُمَيِّزَ حَصَاةَ الْأَمَلِ بَيْنَ جِبَالِ الْيَأْسِ. بِهَذَا الْإِيمَانِ سَنَسْتَطِيعُ أَنْ نُحَوِّلَ تَنَافُرَ نَغَمَاتِ أُمَّتِنَا الْمُتَنَازِعَةِ إِلَى سِيمْفُونِيَّةٍ أُخَوِيَّةٍ جَمِيلَةٍ. بِهَذَا الْإِيمَانِ سَنَسْتَطِيعُ أَنْ نَعْمَلَ مَعاً، أَنْ نُصَلِّيَ مَعاً، أَنْ نُنَاضِلَ مَعاً، أَنْ نَدْخُلَ السِّجْنَ مَعاً، أَنْ نُدَافِعَ عَلَى قَضِيَّةِ الْحُرِّيَةِ مَعاً، عِلْماً بِأَنَّنَا سَنَكُونُ أَحْرَاراً يَوْماً مَا، الْيَوْمَ الَّذِي سَيَسْتَطِيعُ فِيهِ كُلُّ أَبْنَاءِ الْإِلَهِ إِنْشَادَ هَذَا الشِّعَارِ بِمَعْنىً جَدِيدٍ : “بِلاَدِي أَنْتِ، بِأَرْضِ الْحُرِّيَةِ الطَّيِّبَةِ، أُغَنِّيكِ أَنْتِ، يَا الْأَرْضُ الَّتِي مَاتَ فِيهَا أَجْدَادِي، يَا أَرْضَ عِزَّةِ الزُّوَارِ، فَلْتُجَلْجِلْ مِنْ مُنْحَدَرِ كُلِّ الْجِبَالِ نَوَاقِيسُ الْحُرِّيَةِ”. وَإِذَا كَانَ قَدَرُ أَمْرِيكَا أَنْ تَكُونَ أُمَّةً كَبِيرَةً فَلاَبُدَّ وَأَنْ يَكُونَ كُلُّ هَذَا حَقِيقِياًّ.
فَاجْعَلُوا نَوَاقِيسَ الْحُرِّيَةِ تُجَلْجِلُ إِذَنْ، عَلَى قِمَمِ نْيُوهَامْبْشَايْرْ الْمُدْهِشَةِ.
وَاجْعَلُوهَا تُجَلْجِلُ عَلَى الْجِبَالِ الْجَلِيلَةِ لِوِلاَيَةِ نْيُويُورْكَ.
وَاجْعَلُوهَا تُجَلْجِلُ عَلَى الْقِمَمِ الْمَهِيبَةِ لِسِلْسِلَةِ أَلْجِينِيسْ.
وَاجْعَلُوهَا تُجَلْجِلُ عَلَى سُنَنِ صَخْرِيَّاتِ كُولُورَادُو الْمُتَوَّجَةِ بِالثُّلُوجِ.
وَاجْعَلُوهَا تُجَلْجِلُ عَلَى حَلَمَاتِ سُفُوحِ كَالِيفُورْنْيَا.
وَلَكِنَّ هَذَا لاَ يَكْفِي.
فَاجْعَلُوهَا تُجَلْجِلُ مِنْ أَعْلَى سْتُونْ مَاوْنْتِنْ بِجُورْجِيَا.
وَاجْعَلُوهَا تُجَلْجِلُ عَلَى لُوكَاوْتْ مَاوْنْتِنْ بِتِنِسِي.
اجْعَلُوهَا تُجَلْجِلُ عَلَى كُلِّ تِلٍّ وعَلَى كُلِّ أَكَمَةٍ فِي مِسِيسِيبِّي، وَلْتُجَلْجِلْ عَلَى سَفْحِ كُلِّ جَبَلٍ.
حِينَ نَبْذُلُ جُهْدَنَا كَيْ تُجَلْجِلَ نَوَاقِيسُ الْحُرِّيَةِ، حِينَ نَجْعَلُهَا تَدَوِّي فِي كُلِّ قَرْيَةٍ وَفِي كُلِّ ضَيْعَةٍ، فِي كُلِّ وِلاَيَةٍ وَفِي كُلِّ مَدِينَةٍ، سَنَتَمَكَّنُ حِينَئِذٍ مِنَ التَّعْجِيلِ بِقُدُومِ الْيَوْمِ الَّذِي يَسْتَطِيعُ فِيهِ كُلُّ أَبْنَاءِ الْإِلَهِ السُّودِ وَالْبِيضِ، الْيَهُودِ وَغَيْرِ الْيَهُودِ، الْكَاثُولِيكِ وَالْبْرُوتِسْتَانْتِ أَنْ يُنْشِدُوا يَداً فِي يَدٍ، كَلِمَاتِ الزِّنْجِيِّ الشَّيْخِ الرُّوحِيَّةَ:
“أَحْرَارٌ أَخِيراً
أَخِيراً أَحْرَارُ
تَبَارَكَ الْجَبَّارُ
أَخِيراً
أَخِيراً
نَحْنُ أَحْرَارُ”
مارتن لوثر كينغ (ولد يوم 15 يناير 1929 واغتيل يوم 4 أبريل 1968)
نص الخطاب الشهير الذي ألقاه يوم 28 غشت 1963 أمام نصب لينكولن التذكاري “لينكولن ميموريال” بواشنطن، إبان مسيرة السود من أجل العمل والحرية.
ولقد اعتمدنا في ترجمتنا لهذا الخطاب على نسخة الأخت تيري-آن ويلش الفرنسية وطعمناها بقراءات أخرى.