الموجة الثقافية – المضيق
احتفاء باليوم العالمي للشعر، الذي أقرّ من قبل منظمة الأونيسكو ،و قام المغرب بتفعيله عربياً. بدأت فعاليات الدورة الرابعة للمهرجان المتوسطي للشعر بالمضيق ( دورة الشاعر المغربي عبد الرفيع الجوهري) بمشاركة عربية ودولية واسعة؛ المغرب، فلسطين، سلطنة عمان، العراق، سوريا، الجزائر ، لبنان، السعودية، تونس، اسبانيا ،صربيا ،كوبا ، المكسيك. بناما. تنظم المهرجان جمعية “العمل الثقافي” في المضيق بشراكة مع “اتحاد كتاب” المغرب. جرت الفعاليات على مسرح للا عائشة، قراءات شعرية، وأوراق نقديه قرأت المنجز الشعري للمحتفى به، اضافة إلى تكريمات وشواهد تقديرية. عبد الرفيع الجوهري: شاعري مغربي ، له تأثير فعال في المشهد الثقافي والفني، تم تلحين قصائده وذاع شهرتها في الوجدان المغربي مثل اغنية ” راحلة” راحلة وانت قريبة أحن اليك وأظمأ للعطر للشمس في شفتيك وحين تغيبين يغرق قلبي في دمعاتي وحين تغيبين يغرق قلبي ويرحل صبحي تضيع حياتي. قدّم الشاعر والروائي المغربي محمود عبد الغني في ورقته النقدية، الشاعر المحتفى به عبد الرفيع الجوهري: انقطع الشاعر عن كتابة الشعر، وهو ما يجعل لمّ ملامح قصيته شيئا صعبا. لكن لابأس فالذاكرة تحتفظ له بملامح الشاعر المناضل الذي تغنى بالأحاسيس، والقمر، والغروب والشروق، والأنهار، والقلوب المتعبة. لهذا السبب تهافت عليه الملحنون والمغنون. كما انه كاتب نثر من طراز مغاير، وناقد مجتمعي يعرف أعداءه، الذين هجم عليهم وجعل الناس تسخر منهم. المغاربة يقدرون هذا الرجل، وربما هذا سر الاحتفاء به في مدينة المضيق. يستنتج المتابع لمسيرة الشاعر الجواهري، ومن خلال الكلمات التي احتفت به، بأنه ظلّ أميناً لمسيرته الشعرية، ولمواقفه وتحالفاته، فقد نوه في كلمته؛ بالخير والسلام والمحبة، مُبدياً أسفه وحزنه على ما آل اليه مصير العالم من حروب وقتل وتهجير. سيظل الشاعر أينما كان، ومهما تكن مواضعاته، ساهراً على العالم يرعاه ويصونه. الكاتب والمترجم المغربي مصطفى النحال، شهد على الشاعر الجواهري من باب انجازاته الشعرية وخاصة مجموعته الشعرية” كأني أفيق”. مرة سأل صحفي فرنسي شاعراً حول آرائه في الحب والسياسة والأدب، فقال له الشاعر: كل ما تطلب ستجده في شعري، ان شعري هو حياتي، وأنا قابع بين دفتيه”. يكتب النحّال: يشكّل هذا الديوان كأني أُفيق، الصادر عن دار أبي رقراق (2010)، في التجربة الطويلة والغنيّة والمتنوّعة لأستاذنا العزيز الشاعر عبد الرفيع جواهري مرحلة متقدّمة من الناحية الإبداعيّة والدلالية. وهو يرسّخ تلك العلاقة الراسخة والمتينة التي يقيمها الأستاذ عبد الرفيع مع اللغة العربية بتراكيبها وبلاغتها وإيقاعاتها، وانتسابه العميق إلى شجرة الشعر العربي الوارفة. قراءاتٌ متعددةٌ ومفتوحة يوفّرها لنا هذا الديون. يمكن أنْ نعتبره سيرة ذاتية شعرية تؤشّر عليها القصيدة الأولى “كأنّي أرى” حيث ينطلق الشاعر من طفولته، من حبل الصّرّة وصوت أمّه، ليستحضر تاريخ علاقته الوجدانية والجسديّة، بكلّ الحواسّ، بمدينة فاس، ويسترجع ذاكرتها، وتاريخ أسرارها الرّوحية والحضارية. كما يمكنُ أن نقرأ الديوان كرحلة، كَسَفَرٍ استعاديّ في حضارة فاس، سفرٍ مشبع بالحنين والتجلي لفضاءات فاس المتعدّدة: الاسم والجغرافيا والتاريخ…والأعلام التي طبعت مسيرة 12 قرنا. وابن عربي جاءه الفتح في مدينة فاس. فكانت الكتابة بالصمغ استكشافٌ لفاس التي “سقَتْ بِسُلافتها” ترجمان أشواق شيخ الفتوحات ابن عربي ومعراجه [الإسرا إلى المقام الأسر]. ربّما لهذا السّبب تقول كلود أدّاس في كتابها ابن عربي أو البحث عن الكبريت الأحمر، باريس، غاليمار، 1989، (ص. 182): “لو كان بإمكان ابن عربي أن يختار اسماً رمزياً لمدينة فاس، لكان سيسمّيها “نور”، لأنّه للمرة الثانية يرتقي فيها إلى منزل النور”. فاس الجنة المستوحاة من ألَق المكان الشعري ومجده، دعت الشاعر لدخول جنتها بعد أن رآها بعين القلب. فتجلت له أنهار خمرها وأرائكها المبثوثة. ومن لحظة التجلي والفناء في فاس يولد الشاعر العاشق من جديد. وهي لحظة ميلاد لا يعرفها إلا من ذاق وجرّب، يقول في قصيدة “تجَلَّيْتِ لي” (ص81). لا يغادر الأدب والفن جدلية الزمان والمكان، فقد يصير المكان زمانياً، كما الطفولة التي هي نتيجة المكان لكن تفعيلها يأتي من طريق الوقت، وكذلك الزمن فهو حامل الأمكنة، ومفعّل جدواها، كي تصبح حاضرة ضمن سيرورته. الشاعر عبد الرفيع الجوهري مترحل مكانياً؛ الرباط، فاس ومراكش، كما هو مترحل نصياً بين الشعر الغنائي والشعر النضالي المنفتح على المجتمع. تناول الشاعر والكاتب المغربي أحمد زنيبر، الشاعر المحتفى به من زاوية المكان، يقول: ” يحضر اسم الشاعر عبد الرفيع جواهري أحد الرموز البارزة، في مجال القول الشعري، الذين تنقّلوا بين أمكنة عدة منها فاس ومراكش والرباط وغيرها، إذ حظيت كل مدينة من المدن المغربية باهتمام خاص. وكان نصيب الرباط محفوظا حين اتخذ الشاعر جزءا من طبيعتها موضوعا، ويتعلق الأمر بتخليد نهرها الرقراق الفاصل بينها وبين مدينة سلا، ضمن قصيدته الشهيرة: “القمر الأحمر”، ولعلها كانت التفاتة ذكية منه إلى عنصر الماء، الذي كاد الرباطيون يتناسونه بفعل الرتابة والزمن، وكأنما أصابهم عطب في النظر. يقول في مطلع هذه القصيدة: “خجولا أطل وراء الجبال وجفن الدجى حوله يسهر ورقراق ذاك العظيم على شاطئيه ارتمى اللحن المزهر وفي موجه يستحم الخلود وفي غوره ترسب الأعصر” إلى آخر القصيدة، حيث الوصف الدقيق لتفاصيل النهر وعبوره في الزمان والمكان. وكذا ما يصاحبه من صور رومانسية آسرة، حيث الليل والعشق والقمر وتوالي الأسئلة، يقول: “أفي مرجكم تولد البسمات؟ أفي ليلكم قمر أحمر؟ ورقراق موجاته أغنيات أمن سحره تنبع الأنهر؟”. اللافت، أن مهرجان الشعر المتوسطي في المضيق، قد بدأ كملتقى شعري، لكن سرعان ما انفتح على امكانيات شعرية متنوعة مستضيفاً شعراء من مختلف الحساسيات ومن بلدان متنوعة، وهكذا، أصبح مهرجاناً شعرياً مستقلاً بذاته، بفعل الدعم والمساندة من جميع الأطراف المعنية، وبهذا الصدد تقول الشاعرة فاطمة الزهراء بنيس/ منسقة المهرجان: “يواصل المهرجان المتوسطي للشعر بمدينة المضيق المغربية حضوره المشع من خلال تنظيم دورته الرابعة بمشاركة مكثفة لشعراء ينتمون لحساسيات إبداعية مختلفة. فقد صارت مدينة المضيق الساحرة وجهة شعريّة بامتياز لشاعرات و لشعراء من مختلف الجغرافيات . و إلى جانب الاحتفاء باليوم العالميّ للشعر، يُكرم المهرجان المتوسطي بالمضيق هذه السنة، قامة إبداعية كبيرة أغنت المشهد، الأدبيّ المغربيّ بعطائها المتميز، و هي : الأستاذ عبد الرفيع جواهري الذي يندرج اسمه ضمن لائحة الشعراء المغاربة الكبار اللذين أثروا وأمتعوا وجداننا بأجمل وأعمق القصائد.