تأليف: إِدْوَارْدُو غَالْيَانُو*
ترجمة: الدكتور لحسن الكيري**
لم يكن يوجد شيء و لا أحد. و لا حتى الأشباح كانت توجد. لم يكن هناك أكثر من مجرد صخور صماء، و نعجة أو نعجتين تبحثان عن الكلإ بين الخراب.
لكن هذا الشاعر الأعمى عرف كيف يرى، هنالك، تلك المدينة الكبيرة التي لم تكن توجد. رآها محاطة بالأسوار الضخمة، سامقة فوق التل مشرفة على الخليج؛ و سمع ولولات و زمجرات الحرب التي دمرتها.
و أنشدها. كان ذاك إعادة تأسيس لطروادة. لقد ولدت طروادة من جديد. ولدت من كلمات هوميروس، بعد مرور أربعة قرون و نصف على إبادتها. و هكذا انتقلت حرب طروادة، التي كانت منذورة للنسيان، إلى أشهر حرب بين الحروب.
يقول المؤرخون إنها كانت حربا تجارية. بحيث أغلق الطرواديون ممر العبور نحو البحر الأسود و أنهم كانوا يجنون ربحا كبيرا من ذلك. و أباد الإغريقيون طروادة كي يفتحوا لأنفسهم ممرا نحو الشرق عبر معبر الدردنيل. لكن كانت كل الحروب التي شهدها العالم تجارية أو تقريبا كلها كذلك. لماذا يمكن أن يحق لهذه الحرب التي تكاد تكون غير حقيقية أن تخلد في الذاكرة؟
كانت صخور طروادة لتتحول إلى رمال و لا شيء غير الرمال ملاقية قدرها الطبيعي، عندما رآها هوميروس و سمعها.
هل ما تغنى به لا يعدو كونه مجرد نسج خيال؟
هل كان ابن خيال ذلك الأسطول المكون من ألف و مئتي سفينة، و الموجهة لافتداء هيلينا، الملكة التي ولدت من بيضة بجعة؟
هل ابتدع هوميروس قضية جر آشيل لغريمه المهزوم هيكتور و هو مربوط في مؤخر عربة أحصنة و طاف به عدة مرات على أسوار المدينة المحاصرة؟
و قصة أفروديت التي تلف باريس في عباءة ضباب سحري عندما رأت أنه قد تاه، ألا يمكن أن تكون مجرد هذيان أو شطحة سكر؟
و أبولو و هو يوجه النبلة المميتة إلى كعب آشيل؟ و هل كان أوديس، الاسم المستعار لعوليس، هو من صمم الحصان الخشبي الذي خدع الطرواديين؟
ما حقيقة نهاية أجامنون، المنتصر الذي عاد من حرب العشر سنوات تلك لكي تقتله زوجته في الحمام؟
هؤلاء النساء و أولئك الرجال، هذه الإلاهات و تلك الأوالِهُ التي تشبهنا جدا، الغيورة، المنتقمة، الخائنة؛ هل وجدت فعلا؟
من يدري أنها وجدت. الشيء الأكيد هو أنها توجد.