متابعات- عن مختبر السرديات
الرواية… في مواجهة الأسئلة الحارقة
احتفاءً بمحمد برادة الكاتب والمثقف والباحث الجامعي، يعقد مختبر السرديات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك بالدار البيضاء، لقاءً نقديا حول روايتيه الأخيرتين (بعيداً من الضوضاء ،قريبا من السكات – موت مختلف) وذلك يوم الاثنين 20 مارس 2017 ابتداءً من الساعة الثالثة بعد الزوال (15.00) بقاعة الندوات ، بمشاركة : الأساتذة : الميلود عثماني ، عبد الرحمان غانمي، بوشعيب الساوري، عبد الفتاح الحجمري وشعيب حليفي بالإضافة إلى الباحثين : عبد العلي دمياني ، نور الدين بلكودري رضوان متوكل خديجة الزاوي، عبد الجليل أنور.
يمثل الروائي والناقد والمترجم محمد برادة، بمفرده، مشروعا من مشاريع الثقافة المغربية المعاصرة، وسفيرا، فوق العادة، لثقافة تقدمية، استطاعتْ أن تجد لها صدى كبيراً في كل العواصم الثقافية العربية.
فمنذ لعبة النسيان(1987) إلى موت مختلف(2016)، استطاع برادة أن يشيد له جغرافية تخييلية، أثارتْ المختصين والقراء، نظراً لجدتها وملاءمتها لروح العصر وغوصها في قضايا التاريخ والذوات والمصائر والكتابة والذاكرة والنسيان وصور الآخر. بهذه التوليفة الإبداعية، يدعونا الرجل إلى أن نتحلَّ بالصبر والجرأة والمغامرة ونحن نتجاور مع عوالمه التخييلية قراءً ممتنين لطاقته السردية، ومشروعه المتكامل واتساع رقعة السرد والتشخيص والفحص والنقد والمقاومة، في وقت مالتْ فيه الكثير من الكتابات إلى الانغمار في الأرشيف، تجنبا لإثارة وجع الواقع وعذابات الذاكرة.
وقد نشر الأستاذ محمد برادة، خلال الثلاث سنوات الأخيرة روايتين متميزتين؛ بعيداً من الضوضاء ،قريبا من السكات(2014)، وموت مختلف(2016). وهما روايتان تجمع بينهما قواسم لطالما ميزت الكتابة السردية لدى برادة ( ثنائية الواقعي والتخييلي، قضايا الكتابة الروائية، علاقة السرد بالواقع والتاريخ والذات، السعي إلى استنطاق الأنساق الثاوية خلف الصور والعلاقات والخطابات)، لكنهما روايتان خلقتا لنفيسهما دوائر وعوالم حكائية متمايزة. فرواية “بعيدا من الضوضاء، قريبا من السكات”، هي ، في الآن نفسه، امتداد لهذه الاستراتيجيات السردية، وجزء من المختبر السردي لبرادة، لكنها تعالج موضوعاً شائكاً ومصيريا: هل من الممكن كتابة تاريخ المغرب؟ فمن خلال استلهام تاريخ ثلاث شخصيات (توفيق الصادقي وفالح الحزاوي ونبيهة سمعان)يضعنا السارد بإزاء حيوات خاصة وعامة، ويغمرنا ، في عالم يتداخل فيه تاريخ المغرب وتاريخ الأفراد ،في ظل الحماية ومقاومة وحركة وطنية واستقلال ومحاولات للانقلاب ومرحلة سنوات الرصاص، وما تلاها من أحداث، أحداث ستبصم حياة هذه الشخصيات، مما يجعلنا أمام توليفة سردية وتركيبة تخييلية يتداخل فيها المصير الجماعي بالمصير الخاص.
أما رواية موت مختلف، فهي ، على المستوى الماكرو- تخييلي امتداد لرواية “بعيدا من الضوضاء قريبا من السكات” لأنها دعوة إلى الانفعال بالأمكنة والشخصيات، ودعوة إلى الحنين الجارف.إنها رواية عميقة في رصدها لتاريخ فرنسا، من خلال مصفاة تجربة منير(ابن منطقة دبدو). وهي أيضاً، رصد لتاريخ اليسار المغربي، بخاصة، والتاريخ المغربي الحديث، بعامة. هي رواية حارة لكونها تشرح، من خلال تفاعلات وانشغالات منير، سيلاً من الصور والوقائع التي يعرضها السارد ، وفق منظورات مختلفة، سمحت للتاريخي والفلسفي والأخلاقي والذاتي بالتداخل والتمازج من أجل حياة جديدة ومتجددة.
بهاتين الروايتين يبصم برادة على تجربتين مثيرتين، سواء من خلال إخلاصهما لمكونات الكتابة الروائية عنده، أو من خلال خوضهما في تيمتين جديدتين : كتابة التاريخ من خلال التذكر والوجدان والتعلق بالأمكنة والشخصيات.