عن راهنية قصيدة اليوم | مبروكة علي

عن راهنية قصيدة اليوم | مبروكة علي

مبروكة علي:   لم يعد الشعر على ما كان عليه ديوان العرب ومفتتح حديثهم ، الحرب التي نسفت المدينة ومحت معالمها وبعثرت تفاصيل الشوارع وذاكرة الأرصفة، نهشت جسد القصيدة و أعادت ترتيب الملامح من جديد وفق معطيات الحرب: (الرصاص/ الجثث المشوهة/ الطريق الطويل للمنفى/ أشياؤنا التي تركناها ولم تتركنا /….). الشاعر لم يعد “شاعرا ” فحسب ولسان حال الجمال، بل أن خطابَه الجمالي لصالح الموت أكثر من صلاحيته للحياة ودفاعه عنها كخيار، فصار لاجئا و منفيا و شهيدا و معتقلا ومقتولا و جائعا و وجد نفسه أمام مهمات أخرى لم تكن من مهام القصيدة أو كان يمكن للقصيدة أن تكون في غيابها. وأمام فضاعة الحرب و انتشارها الوحشي قَضَت الضرورة التي تبيح المحظورات أن يلبس (الرهيف) عباءة “المؤرخ” و يدون تاريخ إنسانيته المغتصبة، أن يوقظ النار داخل ذاكرة العالم كي لا ينسى، ربما بأدواتٍ تتفارق عن أدوات القصيدةِ من قبل، تصدم وتوجع أكثر  هكذا يجد نفسه في مسرح الجريمة متورطاً بها، يُعيد الصوت لمن كممت أصواتهم ظلما و يصرخ في محاولة منه لإعادة ترتيب الأولويات وفق ما استجدَ من أحداث وهي غالباً كثيرة ومتسارعة. من منطلق هذا الوعي الضمني والإنساني الثقافي _وهنا أضع الوعي الإنساني سابقا للوعي الثقافي لأن الثقافة التي لا تنبع من إنسانيتنا هي محض هواء وهراء_ والتورط الذي يقع الشاعر فريسته ما لم يكن ليوثق صرخة الوجع فأنه لايخلق شعراً وبالتالي شاعراً!. ثمة شعر” مختلف” نقرأه اليوم خصوصا عند الشعراء السوريين و العراقيين مع خصوصية كل تجربة منهما، شعر يحاكي الموت والخوف والمنفى و الدمار والحنين، يحاكي الحرب التي تقتل الحياة، يحاول أن يواجهها بدل الاختباء وراء اللغة ومحاولة تجميلها  يركض تماما مقابلها وكأن القصيدة لم تعد تخاف أن تركض وسط القذائف في ساحة معبأة بالجثث أو حتى أن تركب “البلم” لتختنق وقد شربت ما شربت من الماء الملح. ثمة جمالية شعرية تنبع من ذاك النبش الوحشي للقبح من خلال تعرية الواقع وكشف ما كنا نداريه بأحكام كثيرة لعل أكثرها بلاهة أن الشعر جمالي وليس مطالبا بتبني “قضايا” معينة في حين أن أي تغير أو ثورة لا يتم ما لم يمر عبر التغير و الفعل الثقافي، نحن فشلنا كعرب مرات ومرات لأننا دائما ما وضعنا الفعل الثقافي ضمن الدرجات الأدنى قصيدة اليوم رغم حساسيتها تحاول التفلّت من صروف القصيدة التقليدية وتنحاز للسرد، للسيرة، كما لو أنّها تعاني فراغاً في شكلها القديم أو ضيقاً وهي في حالها الجديدة تقدم بديلاً موازياً جمالياً وأكثر فاعلية، لكنه بديل مرهونٌ بالتنظير له وإخراجه من حالة الحالة الفردية إلى النَسق.

الشعر المغربي والانعطافة النسقية الجديدة | نور الدين الزويتني

الشعر المغربي والانعطافة النسقية الجديدة | نور الدين الزويتني

نور الدين الزويتني (المغرب):   يعرف الشعر العربي اليوم مرحلة زاهية جدا، وذلك على مستوى كل البلدان العربية، بل يمكن الحديث عن طفرة جديدة شبيهة بطفرة التجديد التي شهدتها الستينات. وإذا كان النقاد دأبوا على ربط طفرة الستينات بعوامل ثقافية وسياسية أساسا مثل نكسة حزيران 1967، فإن هذه الفورة الشعرية الحالية يمكن تأطيرها والتأريخ لها بالطفرة المعلوماتية والتواصلية الكبيرة التي يعرفها عالمنا المعاصر. لكن إذا كانت طفرة الستينات الشعرية قد همت بالأساس المشرق العربي لعدة عوامل تاريخية وثقافية وسياسية، وجعلت من بلدان عربية كالعراق ومصر وسوريا ولبنان بلدانا رائدة على مستوى التجديد والانتشار الشعري، ورافعة للوعي الشعري الجديد في باقي الأقطار العربية خصوصا بلدان المغرب العربي، فإن الطفرة الشعرية الجديدة همت كل الأقطار العربية بشكل متواز جدا..حيث نلاحظ اليوم بشكل ملموس غياب المركزية المشرقية التي هيمنت بظلها على المشهد الشعري لعقود كثيرة. بل يمكن القول أن المركز نفسه تشظى بشكل رهيب جدا. ينبغي أن لا ننسى أن المركزية التي نتكلم عنها كانت مركزية تراتبية، بمعنى أنها كانت مؤسسة على هيمنة الإعلام الورقي كمجال إنتاج ثقافي تتحكم في وسائل إنتاجه نخبة ثقافية معينة تسهر بعناية على ترتيب المشهد الثقافي حسب شروط واعية إرادية وغير واعية يصعب الدخول في تفصيلها الآن… في هذا الإطار العام يمكن أيضا الحديث عن الفورة الشعرية التي تعرفها بلدان المغرب العربي والتي يمكن ملاحظتها في المستوى العالي للنصوص التي ينشرها شعراء هذه البلدان على مواقعهم وصفحاتهم الخاصة، وأيضا في ما تنشره لهم مجلات إلكترونية رائدة كمجلة الموجة الثقافية، ومجلة ك ت ب، ومجلة أفق الشعر المغربي، ومجلة قصيدة النثر، ومجلة الكلمة وغيرها. المغرب الأقصى لا يشذ عن هذه الفورة التي بدأت معالمها في الاتضاح تماما ابتداء من العشرية الثانية للقرن الواحد والعشرين، حيث لاحظت بهذا الخصوص ومنذ بداية العشرية المذكورة شيئين هامين: أولهما ظهور انعطافة نسقية  Paradigm shiftجديدة وعميقة حتى لا أقول جذرية على مستوى الحساسية الشعرية في المغرب، وهي انعطافة قد لا يكاد يراها المنغمسون إلى العنق في النسق القديم. هذه الانعطافة النسقية تتسم بحساسيات وجماليات وانشغالات جديدة جدا وغريبة عن جماليات وحساسيات الأجيال السابقة التي كان يتم تصنيفها فيما قبل بشكل أجيالي، وهي في الحقيقة أجيال ثلاثة، جيل السبعينات وجيل  الثمانينات وجيل التسعينات ثم بعد ذلك إرهاصات وبداية الطوفان المعلوماتي التواصلي. يمكن رصد هذه الجماليات والاشتغالات الجديدة على مستوى اللغة البسيطة والثيمات اليومية المتداولة والرؤية التي يغلب عليها مرح المكاشفة والاحتفال بالذات والعلاقات الصغيرة مع الأشياء، وأيضا اللعب بالكلمات والأشياء والرؤى بكل ما يعني اللعب من شغب وشقاوة ونزق، بعيدا عن رصانة أجيال السبعينات والثمانينات خصوصا، وأنماط تصوراتهم العليا Archetypes من قبيل الشاعر الملتزم سياسيا، الشاعر النبي، أو الرائي أو الزعيم أو الحكيم أو الرائد أو غير ذلك من أنماط كانت تحكم متخيل تلك الأجيال وما سبقها من أجيال هي أيضا. وقد انتبه الكثير من النقاد العرب الشباب خصوصا المتتبعين للإبداع الشعري الرقمي إلى هذه الحيوية والكثافة التي باتت تطبع الإبداع الشعري المغربي الذي لا تكاد تخلو منه مجلة أدبية اليوم. الأمر الثاني الذي لاحظته مع ابتداء العشرية الثانية من القرن العشرين هو بزوغ أسماء شعرية جديدة سجلت حضورها الشعري بعنفوان قوي على الساحة. أذكر منها بشكل اعتباطي وعلى سبيل المثال لا الحصر الشعراء عبد الإله المويسي، محمد مقصيدي، عبد اللطيف الوراري، فاطمة الزهراء بنيس، سامح درويش، كريمة نضير، محمد بنميلود، محمد كنوف، يونس الحيول، نجيب مبارك، عبد الرحيم الصايل، دامي عمر، وداد بنموسى، عزالدين بوركة، حسن بولهويشات، لحسن هبوز، حسنة أولهاشمي، حسن حجازي، نزار كربوط، علية الإدريسي البوزيدي، هادي السعيد، عبد الله بلحاج، واللائحة طويلة..  إذ يكفي أن تقرا نصوص هؤلاء حتى تدرك حجم وعمق الانعطافة المفصلية التي تميز اللحظة الشعرية الراهنة بالمغرب. شعراء تسكنهم انشغالات بعيدة جدا عن الانشغالات التي كانت متداولة لدى الأجيال السابقة من اهتمام بالنشر الورقي الذي لم يعد أغلب هؤلاء الجدد يعيرونه انتباها، أو انتزاع اعتراف من أب أو أخ شعري، أو ولاء لجهة ما. إنهم آباء وإخوة أنفسهم. لا يدينون بالولاء إلا لتكنولوجيا الوسائط المتعددة التي منحتهم الحرية والاستقلالية والوسائل لتحقيق ذواتهم الشعرية كما لم يتح لشاعر تحقيقها من قبل.

الـوردة المجـروحة بـالإثم | عبد الفتاح بن حمودة

الـوردة المجـروحة بـالإثم | عبد الفتاح بن حمودة

عبد الفتاح بن حمودة (حركة نص تونس):  كلّ ما أذكره هو أنّني كنت مأخوذا بالبرق وخائفا. لم تكن الكتابة سهلة مطلقا لأنّها ببساطة، مليئة بالإثم، بالألم واللّذّة والضّجّة الخالقة للضوء أيضا. لم أكن «نبيّا» بل كنت غصنا بلا ذاكرة أو سماء مشروخة بالعصافير. سنوات مختلفة مرت وأنا أجمع أثمار هذه «الوردة» بعناء بهيج، في هذه الأرض الشيقة بهشاشتها وهذه السّماء المدلهمّة بالرّيش والسّيقان الصّغيرة. حيث كل حرف آهة، حيث آلاف الكلمات التي تُكتب ولا يبقى منها إلاّ القليل : برقيات مثلا أو رسائل مقتضبة أو صلوات صغيرة محروسة بعظام الموتى. كذا كنت أكتب وأمحو، حتى أن الكتابة صارت محوا، انتزاعا لذاكرة خاصّة يدور زمنها فوضويّا دون كَلَل. أمّا ما يجري حول «إشكاليات النصّ الشعري العربيّ والتونسيّ المعاصر» فكان خطيرا وملائما لطبيعة هذا النّصّ الجنونيّ مثل مسألة الجنوح إلى الغموض والعلاقة الشائكة المترتّبة عن ذلك بالقارئ والعالم واللّغة. وأدركت في كلّ «نصّ» أو «كتابة» أنّ من اعتقد أنّ «النّثر يجرّدنا من الإحساس بالعلوّ» واهم في أكثر من موضع. ففي النّثر ننفتح على أكثر من جهة وعلى أكثر من ريح مخصبة. وسمّيت النّصوص والكتابات النثريّة «الشّعريّات المفتوحة» الحاملة لشعريّتها المخصوصة في ذاتها، كما هي، غنيّة بالضرورة بسياقات لغويّة جديدة وبعلاقات نحويّة تجدها في جنوح إلى الصّورة البكر. مأخوذة بدلالات خارجة عن لغة القواميس الجافّة في مجملها. وأعدت كلّ شيء إلى عمق الاهتمام بالذّات في علاقتها المتينة بالأسماء والأشياء، بالثقافة والطّبيعة، مع إضافة عنصر أصيل في كلّ عمليّة إبداعيّة وهو«الطّيران أو الجنون» وبناء على ذلك وصلت إلى « وردة » مجروحة دائما : «اللّغة» و«الوجود» وهشاشة الكائن والذات كاتبة أوقارئة. الاهتمام بالبحر دون معرفة قصوى بالزبد والرّمل والأصداف المشعلة بالشوق الإنسانيّ العارم، اهتمام ساذج. الاهتمام « بالوردة » دون النّفاذ إلى عمقها قصور وعماء فاسد. عواءُ الوردة امتيازُها الوحيد. الاهتمام بالجبال دون معرفة منطق الزواحف أو معرفة العلاقة الأصلية بين المغاور والنمل والعناكب، أو دون فهم واستقصاء إشارات الماء على الأحجار ، هو اهتمام بائس لا جروح فيه. اهتمامنا الوحيد نحن شعراء الحركة التونسية الجديدة هو الضحك بلا هوادة ومعرفة ما إذا كانت أفواهنا مليئة حقا بالدماء والقشّ والتراب والمياه. همّنا الوحيد تلك «الوردة» القميئة ذات الضّجيج العالي في الأسافل، للاستفادة من لعنتها وقداستها. نضع سيقاننا المتورّمة في وحلها لنطير دائما إلى أرض ليست محروقة. تلك اللّعنة التي نعتبرها معينا لاغتراف المزيد من الحرقة والنزق والشيطانيّة. ثمّ تحويل تلك الجحيميّة الرائعة إلى شجر التأليف والنسج والحبكة والتّخييل وغيرها من ضروب أدوات تكاتف النصّ، ثمّ تحويل ضحكاتها إلى مياه وتحويل ندفات الثلج المتطايرة من رؤوسنا إلى مرايا مدهشة. وفي هذه «الوردة» أو هذه الحياة المجنونة، أفكّ الرموز والإشارات النائمة بين الأعشاب. أفكّ أزرار«الكائن» لأجعل لهذا النّهر القريب منّي أو السّاكن فيّ أسماءً وحرائقَ. لا يهمّ إذا كان النّهر لايعرف مداه فهو جسدي هذا. آلتي هذه. أخطائي وخطاياي هذه ! في هذه « الوردة » الرائعة تتجمد المياه لقدوم عشاق كثيرين : قارىء أفعل معه فعل تَفاتح مجيد. وقارىء يفعل بي ما فعلَتْه أمطار غير عادية هذه الأعوام. وقارىء يفعل ما لا يريد. أحصر اهتمامي بتلك«الوردة» التي تسخر من كثرة المحبّين والنّدمان. تنام باكرا ولكنها تظلّ في حركة دائمة. حقّا لا شيء ينام في الدّاخل فالمدن تتحرّك فيما أخذته من حياة الشاعر وفيما لم تأخذه من حياته أيضا. اللّعنة ثم اللّعنة على الشعراء والكتّاب والنّقّاد والرّسّامين والفنّانين جميعا – المتاجرين بأحزان القدامى- الغارقين في الشوارع بلا عصافير أو مياه أو أرض أو سماء أو وردة أو بحر، الغارقين بلا أمطار. لهم رماد ووحْل لا يضيء. ولنا أرض وسماء وأغصان. موتوا أيّها الأشباه لأنّكم لم تهتمّوا بالنّسيان. موتوا لأنّكم بلا ذاكرة وأقدامكم ليس لها أبّهة. وتمجّدي أيّتها الكتابة بذاكرة العصافير. تمجّدي يا ذاكرة المياه. تمجّدي لأنّ خصرك مجروح بالإثم. تمجّدي أيّتها «الوردة» بآنيتك المترعة بالدم بمياه الينابيع.

أحاول ان أدافع عن نفسي من التلف | محمد ناصر المولهي

أحاول ان أدافع عن نفسي من التلف | محمد ناصر المولهي

محمد ناصر المولهي (تونس):   يصعب بل يستحيل تحديد مفهوم كلي للشعر وللقصيدة. أبدأ بتسمية قصيدة التي تخلص منها الخطاب الشعري ليصبح نصا، متخففا من كل ما يمكنه أن يثقل كاهله من إلزامات وزنية عروضية، رسخ اعتقاد خاطئ أنها الشكل الإيقاعي الوحيد الممكن، وزخرفة فضفاضة وزائدة بلاغية كانت أو لغوية. لن أسعى إلى تعريف للشعر فالشعر قد يختلف مفهومه حتى عند الشاعر نفسه وحتى بين نص وآخر. لكن ما يرسخ قليلا ربما هو لماذا أكتب الشعر؟ في اعتقادي الخاص، الذي لا يمكنني أن ألزم به أحدا حتى نفسي وأشترك ربما مع آخرين سابقين أو لاحقين، كتابة السرد هي صنعة بينما الشعر رغم امتلاكه لجانب الصنعة إلا انه يحافظ على حركاته الانفعالية، التي تظهر خاصة في إيقاعه، ولا أقصد هنا الإيقاع الوزني أو حتى الصوتي الخارجي بل الإيقاع ككل متوسع. لذا النص الشعري عندي التقاء فريد بين لحظتي صفاء ذهني وروحي يركز طاقة كتابية على جزئيات قد تكون متناهية الصغر لخلق نفسه منها وإعادة خلقها بدورها، فالشعر هو الأقدر على أن يعيد إلى العالم بريقه ودهشته التي أفقدته إياها كثير من العوامل. ثم في هذا العالم المتسارع بشكل فوضوي، وحدها مرونة الشعر ولمعته البرقية القادرة على الإمساك به. أكتب الشعر كحالة ذاتية خاصة من خلالها أحاول أن أرفع أمام ذاتي -أولا- صوت وحركة وعناصر ذاتي والآخرين، محاولا أن أكتب جزءا من العالم دون تحويله إلى أي شيء سوى نفسه كما أراها وتراها اعين كثيرة اكتسبتها وأكتسبها من ممارستي القرائية والحياتية. لقد مضى زمن الشاعر المنبري النجم، ذاك الذي لا يتجاوز عند الآخرين آذانهم وانفعالهم، ومن يراهن اليوم على كتابة الشعر عليه أن يراهن أولا على أن هذا هو فعل لذاته أولا وللآخرين الذين في ذاتهثم خارجها. هناك كثيرون يكتبون كترف فكري وجمالي، لهم ذلك وليس لنا حق في مصادرة أي رأي او توجه، لكن في رأيي الخاص أنا – حتى وأنا اكتب ذاتي- فكتابة الشعر بالنسبة إلي موقف فكري وجمالي وأخلاقي أحاول أن أنصف به صوت كل هامش في العالم، وأدافع عن نفسي من التلف.

الثقافة والميليشيا | مازن المعموري

الثقافة والميليشيا | مازن المعموري

مازن المعموري (العراق):   ظهر التداول التمثيلي للثقافة مع منتصف عشرينيات القرن الماضي في العراق والوطن العربي ليؤكد انبثاق عصر جديد بلغة مختلفة عصرية تحاول تنوير المجتمع ونقله الى مرحلة التمدن الغربي بامتياز في ضوء إقامة دولة مؤسسات ومدارس وتعليم غربي مستعار، في حين بقي الفرد العربي متعلقا بتراث ثقيل لا يقبل التراجع، ثم جاءت الايديلوجيا القومية لتزيد الطين بله، فتاخذ من التراث عصبيته الشوفينية وعنفه الذي وسم تاريخنا المعاصر بالكامل، مما حول المثقف إلى نموذج سلطوي لا يستطيع الخلاص من تبعات العرف الاجتماعي لصورة (الأفندي) القديمة ذات الاصول العثمانية المرتبطة بطبقية الموظف والعسكر ، وهذا الموقف خلق نموذج الازدواجية للمثقف بدون استثناء . ما بعد 2003 قدم لنا انهيار الدولة بشكل كامل، وحلّ مؤسساته العسكرية والأمنية نموذج الميليشيات او العصابات التي ظهرت كبديل حيوي لتمثيل الهوية الطائفية وتدمير البنى المكونة لمفهوم الوطن والدولة القديمة تحت طائل الضغط الوحشي لصورة صدام حسين، فكان الانتقام هو الهدف الوحيد لتلك العصابات التي أمسكت زمام الامور وحازت على قبول المجتمع ورجال الدين الذين شكلوا غطاء شرعيا لانحطاط أخلاقي ساهم في سرقة المال العام وتدمير البنى التحتية والعيش على فتات الوظيفة الوهمية ومعسكرات التدريب والقتل الطائفي لكلا الطرفين (شيعي – سني ) وهي ظاهرة مستعارة أيضا . كلا الظاهرتين ( ثقافة – ميليشيا ) تنتميان لعالمين مختلفين تماما ، فكيف اجتمعا في مكان واحد مثل العراق ؟ الجواب واضح ، وهو ان الارادات المتصارعة لا تستطيع التعايش ابدا، وما نريده من كلمة ثقافة هو انها تستطيع ان تحول الميليشيا من دلالة (العصابة) الى دلالة (القوة) وهي الغاية الاهم في ستراتيجية العمل التجريبي للشعرية اليوم، بما إننا نمثل هذه الشعرية بامتياز، وأعني الخطاب الثقافي للشعر كقوة قادرة على التأثير في المحيط المكون له، وهنا نكون امام خيارات القوة التي تتمثل في آليات الاعلام الحديثة مثل النت والتصوير والفديو، بصفتها هوية عصر التقانة. ميليشيا الثقافة نزعة مفرطة لمواجهة الذات عبر الفن والشعر والموقف، لذلك اصبحت خيارا لا يقبل المساومة في لحظة أزمة تاريخية نعيشها يوميا، نختلف مع الجميع كما لو ان الاختلاف سمة شخصية تتحول الى هوية ثقافية في ضوء ممارستنا للشعر عبر اكتشاف أمكنة مزدحمة بالعلامات والحاضر المستعاد من غيبته، نعم اننا نعيش في الغياب رغم حضوره المدمر لفعل المواجهة مع الذات اولا، والمجتمع الضائع ثانيا، فيما يقدم لنا الشعر فرصة للقول وتسويق خطابنا عبر وسائل النت والميديا ، الكلمة لم تعد وحدها قادرة على التواصل اذا لم يكن هناك صورة تتقدم عليها وتُحْدثها كفعل لحظوي مبتكر لخطوة الشعر القادمة.

أن تكون شاعرا | سناء مكركر- شڤيبرت

أن تكون شاعرا | سناء مكركر- شڤيبرت

سناء مكركر- شڤيبرت (ألمانيا):   أن تكتب عن الشعر والشعراء هو كأن تكتب عن ظواهر طبيعيه تقف عاجزاً حائراً أمام سطوتها، وتعرفُ في الوقت نفسه أن حياتك لن تعود كما كانت من قبل. أن تولدَ لتكون شاعراً، يعني أن تبقى غريباً عن هذه الأرض، ترى ما لا يراهُ الآخرون، أن تهاجركٓ روحك لترجعَ مثخنةً بالجراح من حربٍ لم تشاركْ فيها، وأحياناً كثيره لا تعودُ من قصيدةٍ رحلتَ إليها لتوثيق أسماء جنودٍ مجهولين سقطوا قبل إعلانِ هدنةِ السلام بسويعاتٍ قليله، أن ترسمَ الفراشات على القماش الرمادي لخيام المشردين في هذا العالم لينسى الأطفالُ وهم يلاحقونها، جوعهم وغربتهم، أن تزرعَ الأقحوان على مقابر المنسيين لتبدو أكثرَ تقبلاً لأرواحنا الخائفه. أن تكتبَ قصيدةَ غزلٍ لمتسولةٍ جميلةٍ بثياب رثه فتردَ إليها كرامتها التي سلبها رنينُ القطع النقدية التي يرمي بها المارة إلى رصيفِ الذلِ أمامها. أن تكون شاعراً يعني أن يسكنَ روحك ملاكٌ يضئُ شمعةً فيها، ليخترقَ شعاعُ كلماتك ثقوبَ الأبوابِ الموصدة، فتنقشعُ العتمةُ عن ساكنيها. أن تكون شاعراً هو أن تكون وطناً للأرواح التي لا وطنَ لها، أن تكون نبتةَ الصبار التي اختارتْ الصحراءَ لتواسي رمالها.

كتابة الشعر قضاء على السواد | نبيل أكنوش

كتابة الشعر قضاء على السواد | نبيل أكنوش

نبيل أكنوش (بلجيكا):   كتابة الشعر تتطلب حساسية مفرطة، تتطلب سنوات تتطلب القراءة القراءة ثم القراءة لشعراء من مختلف بقاع الأرض والتشبع بثقافات مختلفة.. بالإضافة إلى قراءة مختلف أجناس الكتابة.. الاحتكاك بأدق تفاصيل الحياة، التماهي مع الجميل والتفاعل مع القبيح..! نعم ذاك التفاعل باختلافه يخلق للشاعر منعطفات تجعله يطل على الاخر وعلى جوانب مظلمة للإنسان.. هنا تظهر الرجة وردة الفعل المحركة لفعل الكتابة.. الشاعر إنسان مفرط في إنسانيته… إنسان بكل بساطة يشتغل بقوة على تلك النقطة الضئيلة فينا.. ” الإنسان “ لهذا اخترت كتابة الشعر.. ارغب حقا في القضاء على السواد الذي بداخلي..

كل شيء يأتي متأخرا، الحياة كقصيدة طويلة | محمد حربي

كل شيء يأتي متأخرا، الحياة كقصيدة طويلة | محمد حربي

محمد حربي (مصر):   ضربت موعداً لحبيبتي  “مها” وقلت لها سآتي غداً، أو تأتينني  فمضت سبعة عشر عاماً قبل أن يأتي ذلك الغد، ورقص بيننا نهر روّاغ بأسئلة تشبه التنانين في القصص الخرافية .. والتقينا لنعوِّض الأقمار التي ضاعت منا في الطريق والحروف التي لم تلتئم قصصا وأناشيد. دخلتُ مهنة الصحافة في منتصف الثمانينات مخفيا قصيدتي تحت جلدي، بعد أن صارت الكتابة وظيفة، فبكَيتُ أعواماً طُفْتُ فيها حول الأهرام – وأنا المرحلة الثانوية – كَوَثَنٍ حلال. وعندما بدَأْتُ العمل بالصحيفةِ العريقة، اكتشفت أنّني كنتُ رومانتيكياً أكثر مما ينبغي، وأن الأخبار التي كنت أراها قصيدة الصحفي ، وصلاته اليومية التي تتطلّب قداسة العمل ونزاهة الضمير، كانت أمامي جثثاً ميتة مرّتين في بورصة التربُّح والفساد. وعرفت أن الكاهن الأكبر ” هيكل” الذي أردت تقليده – أو الانتقام منه لأنه كان يجبرني صباح  كل جمعة على قراءة أكاذيبه المنمقة بعناية لكي يرضى عني أبي أويسمح لي باللعب  بعد العصر –  لم يكن سوى كاهن يعشق المرايا، وشاعر فاشل.. ولذلك خَلَتْ الصحيفة بعده من  النور .ظلتّت  زمنا حبيس الصدى  الذي كان يلح عليّ  لاختراق الجدار الذي بيني وبين نفسي والاعتراف للمرآة بقصيدتي ولو من قبيل البنوة الغامضة…  لكنني كنت أخاف القصيدة او اخاف الجهر بها  فقد عشت مقارنات قاسية مع كل من يكتب وكنت ارى اني لا استحق ان اكون شاعرا . *ظلَلْتُ عشرين عاماً أقاوم الورَق الأبيض بعدما مزَّق لي أبي أولى قصائدي وأنا في الخامسة الإبتدائية عن مُدَرِّسَتي.. التي وقعت في غرامها وشبهتها بنور المساجد في الفجر، فنلت علقة ساخنة  لا تزال  آثارها عالقة في خرائط الذاكرة. ثم أخفيت كل ما أكتب حتى لا يراه أخي  الأكبر “هشام حربي “، فهو شاعر حقيقي موهوب وأنا نصف شاعر، كما أخبرتني المرآة ذات مساء ونحن نحتسي  قصيدتين معتقتين . وخفت أكثر عندما أحسست أن أبي الرُّوحيّ محمد عفيفي مطر يعرف أنني أكتب الشعر خِلسة، وكنت أظن أنه سيقتلني لو عرف أنني أكتب ذلك النوع من الشعر الذي لا يُحبّه – “قصيدة النثر”-  فأخفيت عنه وعن العالم ما أكتب حتى لا أغضبه لحظة واحدة.. وكان مطر معروفا بانحيازه لقصيدة التفعيلة وقصيدة المعرفة والقضايا الكبرى وبعدما غافلني ورحل عن العالم ، بكَيْتُ بمرارة لأنّه لم يَقرأْ لي نصاً واحداً، وكلّ نُصوصي طالِعَة من عباءَتِه وابنه شرعية لظله ولو خالفت طريقته المثلى . كلّ شيء يأتيني متأخراً، أم أن الشمس تأخذ وقتاً طويلاً لإعداد غرفتي ؟! أظنّ أن شيئاً واحداً سيأتيني في موعده، وأتمنّى أن تكون قصيدتي  إلى جواري لتحكي لكم  ولأبنائي ماذا فعلت بي الشمس المتأخرة، وماذا فعلتُ أنا في الوقت الضائع.  هل أنقذ الشعر عمري الضائع؟ ربما  هل أنقذني الشعر من الجنون وأنا أرى جثتي تسبقني إلى القبر طواعية ؟ ربما  هل من مهمة الشعر أن يفعل لنا شيئا؟ ألا يكفي أنه طاوعنا على حماقاتنا وخطايانا ورضي عنا؟ ألا يكفيه أنه صار لعبة أثيرة لنا ونحن أطفال  نخطو بحماس إلى الخمسين من دون أن ندري؟ ألا يكفي الشعر أنه كتابنا المقدس السري المعلن الحكيم الأحمق المؤمن الكافر الهش القوي، الذي يمنحنا عالما نستحقه كلما  منحناه أعمارنا؟ كم يبلغ عمري الآن سألني صديق فقلت ديوانين  معلنين وسبعة  في السر يبحثون عن صرخة للميلاد .  تعريف: نحن قصيدتنا فلا تعريف للشعر إلا بجسد الشاعر بحياته وموته وأي اصطلاح  غير الحياة بكامل عنفوانها لا يرضي آلهة الشعر وشياطينه.. فلا تعريف للشعر سوى  موتي الكامل في حرف – أو فنائي بلغة المتصوفة. فيما اسعى لهدمه او بنائه  لست  شاعرا إلا بقدر ما أنا  محوٌ تامّ..  والشعر وخاصة قصيدة النثر التي يقول اصدقائي أني اكتبها  – لازلت أقاوم فكرة أنني شاعر –  يمنحني حرية لا أجدها في أي شيء بالعالم الواقعي ولا في الصحافة التي احترفها الكون كله لي قصيدة.. وكل ما عشته  من  محو وفراغ  كان انتظارا  للتجلّي، وكل ما أفعله الآن مقاومة للضياع وبينهما  أعيش كقصيدة، لا أكتب الشعر بل  أقرأ ما  يتلى علي . لا أدعي الوحي لكنني درويش بلا خرقة او طريقة في الشعر واشكر الشعر الذي منحني فرصة لاعتزال العالم بأوهامهورضي بي مريدا . لا أحلم بتغيير ذلك العالم أريد  نقضه كله وبناء قصيدتين لي يبقيان من بعدي  لكنس الصور التي لم  أستطع كتابتها  . اختيار اخترت القصيدة أم هي اختارتني  لا أعرف ولا أدعي للآن أني شاعر أنا ألعب باللغة ،وأسمح لها أن تلعب بي  كما شاءت وكما شاءت لنا القصيدة. سامحتها علىتأخر  زيارتها لمرآتي  وكنت على وشك الرحيل وسامحتني لتنكري لبنوتها وعشنا معا الآن لحظة المراوغة  نكتب بعضنا بعضا نمتح سويا من  ظلال من سبقونا ونلون عباءة الكلام بألواننا أنا والقصيدة  شخص واحد ولذلك يصعب أن أصفها من بعيد.  أنا قصيدتي وخارجها أتفرج على صورتي *** أنا صورتي وخارجها هناك قصيدة تكتبني **** أنا مرآتي وداخلها صورة تقلد صوتي وتنسخ قصيدتي *** أنا ظلي ومن يمشي فوق النور شيطان يشبه صورتي ويحتسي خمر قهوتي ليمنعني الكتابة *** أتمنى ألا يعرفني العالم كشاعر لأن ذلك خيانة للعلاقة الصوفية بيني وبين نصوصي التي أكتبها لنفسي، سمع العالم بها أم لم يسمع، رضى عنها أم لم يرضَ .. أكتب القصيدة للقصيدة  ولنفسي ولا يهمني قرأ العالم نصي أم  رجمني  بالحجارة…  ***  آبائي من الشعراء العرب والعالميين كثر، فكل سطر شعري هو مرجع وكل ترجمة هي اشتباك جمالي مع القصيدة. أنا ابن عفيفي مطر وأنسي الحاج وصلاح عبد الصبور ورامبو ووالت ويتمان وفرناندو بيسوا الذي أحسده على  نفوسه المتعددة وأتمنى أن  أبتكر لي أشخاصا غيري ربما  لأعرف شكل القصيدة التي أكتبها من بعيد. أنا ابن المعري والنفري والحلاج وسركون بولص وصلاح فائق ووديع سعادة وسان جون بيرس وشقيق حلمي سالم في رضاعة الإيقاع المخبوء في عباءة الريفي وهو ينزل المدينة حافيا ولو انتعل طين الشرائع..  وأنا  تلميذ  كل من يكتبون… *** على الرغم من اهتمام قصيدتي بالمعني وعدم تنكرها له رغم  بعض المشاهد السوريالية بها الا ان صديقا سألني مرة  عن هوية قصيدتي ولماذا يختفي منها  المعنى، وتنتفي الرسالة، فقلت له ما قاله يوجين يونسكو يوما ما : “ليست لي رسالة أنقلها لأحد فلست ساعي بريد”. هامش :  أصدرت فقط ديوانين هما :والرمل إذا غوى- رقائم طينية  و 17 عاما لاصطياد غيمة واحتفظ في ادراج مكتبي بستة دواوين  هي جنرال الصدى، ويوميات شيطان متقاعد، وشرفة الغواية، ودست ظلا فانتبهت ،وأمضي بكتابي وحيدا /ولم يعد يتبعهم أحد . لأنني ارى ان الواقع الثقافي في مصر  لم يعد صالحا لقراءة  القصيدة  واكتفي بالفيس بوك ميدانا للعب والتجربة

أصوات | عادل بد

أصوات | عادل بد

عادل بدر*:   كل ما في فمي لم يعد له يقين في كل سكاكين الكافرين لم يعد مصدر للألم آه لم أتعلم القراءة ولم أسكن امرأة سرية جاءني صارخا الحانات تتغير ولم يعد اسمي صالحا نحيلا إلا من ظله أدمنتك تتساقط ازدهاء – هنا مانحة عشقها سكرا – دون عناء كنت أصعد إلى ذروة عينيك أتسلق رائحة تشي بقدم عارية   *شاعر مصري مقيم في قطر