الرئيسية | سرديات | عتبة الإدارة | مصطفى الجرتيني

عتبة الإدارة | مصطفى الجرتيني

مصطفى الجرتيني

طال انتظاري قبل أن يستقبلني المدير “الكبير”، للتأشير على مقرر تعييني…
في قاعة الانتظار، قال لي الدُكَّالي، كما قدّم لي نفسه أول مرة، إن المدير يستهويه الموظفون المُنضبطون الذين يشتغلون في صمت، ولا ينطقون بكلمة “لا” في وجهه مباشرة، لكن يمكن للواحد أن يقول له “نعم” ثم يفعل ما يحلو له. هذه أبجديات الإدارة… انْسَ كلّ ما درسته في الجامعة، وانْسَ تلك الإجازة في الاقتصاد التي بحوزتك.
كان ضخم البنية، مترهل البطن، يلهث واقفا كان أو جالسا. يرتدي سترة سوداء وسروالا أخضر. يضع ربطة عنق بألوان كثيرة، لم أر مثلها قط. ربطة عنق برسوم تضم كل أشكال الفواكه والخضر، من عنب وكرز وموز وتفاح وإجاص وجزر وباذنجان ولفت…
بدا الدُكَّالي على عجلة من أمره، إلا أنه لم يُفوِّت الفرصة ليدُلَّني على المكان المخصص للمسجد، مشيرا إلى أنه هو من يؤُمُّ المصلين، وعليّ أن أنضبط لأوقات الصلاة كما العمل، وأنه من حق الموظفين التمتع بوقت كافِِ للصلاة، وخاصة يوم الجمعة. قال لي إنه سينتظرني هناك بعد أن أنهي مقابلتي مع المدير. سنصلي الظهر سويّا، والمدير سيصلي هو الآخر هناك. وهذه فرصة من ذهب كي يراني في المسجد ساجدا إلى جانبه.
انتابني مزيج من الأحاسيس بالخوف والرهبة من الإدارة والمدير والعمل والدُّكَّالي والمسجد والصلاة. ترددت كثيرا قبل الموافقة على اقتراحه. أعرف أنني لم أُصلِّ يوما ما بالكيفية الصحيحة المطلوبة. صليت فقط بعضا من أيام الجمعة حين تكون معدتي فارغة، فأجدها مناسبة لأكل كسكس المحسنين اللذيذ، وصليت ركعات في رمضان حين كان يرغمني صديقي “الأخ” على مرافقته إلى المسجد، وكنت أخجل منه، هو الذي كان يتدبر لي، بين الحين والآخر، بقشيشا يساعدني به في تدبير أمور دراستي…
أعلن الدُكَّالي عن صلاة الظهر في باحة الإدارة، وكان كل مرة يصوب “فوهة” فمه نحو مكتب المدير ليشعره بحلول موعد صلاة الظهر. آذانه يهز أرجاء الإدارة وصوته المختلط بالشهيق والزفير واللهاث يبعث على الرعب. يجيبه المدير بالضغط على “السّرسارْ” فتكون الإشارة قد وصلت.
أقام الصلاة، وصلّيا معا… الموظفون الآخرون الذين يحرصون على الصلاة جنب المدير، كانوا في عطلة!

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.