الرئيسية | حوار | عبد الواحد مفتاح متحدثا عن الصراع المغاربي المشرقي : إننا نعيش “لاقطبية ثقافية” مريحة

عبد الواحد مفتاح متحدثا عن الصراع المغاربي المشرقي : إننا نعيش “لاقطبية ثقافية” مريحة

حاوره عزالدين بوركة:

 

عن السجال الذي افتحه صلاح فضل، بهجومه على النقد المغاربي، وانبرى له الشاعر والناقد صلاح بوسريف، لتتوالى الردود وتلتحق أقلام أخرى، للخوض في مطارحات قديمة/جديدة حول المركز الثقافي، هل مازال مشرقيا؟ أم انتقل إلى الهوامش وما كان مغيبا في اللامفكر فيه في الثقافة العربية (المغرب الكبير والأردن)؟ جدال ومطارحات سال فيها مداد كثير نجدها من النوع الصحي ولو في حده الأدنى، من تحريك مياه أسنة واستعادة شيء من الحيوية النقدية التي تزهر وتنمي بعضه البعض.
نتوقف هنا مع عبد الواحد مفتاح، أحد النقاد الشباب ومن بين أهم متابعيهم للساحة الثقافية، حتى نغرف من رؤيته خاصة أن قراءاته عرفت ترحيبا مشرقيا كما في المغرب.

 

  • تابعت التهجم الذي قام به صلاح فضل ،على النقاد المغاربة كيف نظرت إلى الأمر؟ وكيف تصنفه؟

قد لا أكون ميالا للسجالات الثقافية والدخول فيها رغم ما تضخه من دماء جديدة، وتحرك الساحة الثقافية  العربية هذه التي تحيا في حالة من الضبابية والركود غير الصحي، إلا أن هجومات صلاح فضل غير المبررة والفضفاضة بجملتها على النقد المغربي، لا أعتقدها تستحق كثير بالٍ، خاصة أنها ترديد لنزعات استعلائية دشنها قبله عديدون؟ ليس أخرهم سعدي يوسف طبعا ! والسبب ليس أن النقد المغاربي حائط قصير، أو حتى افتقادنا لثقافة المناوشات والبيانات النارية المكتوبة على عجل، ولكن لأن النقاد المغاربة في ترف عن كل هذا، حيث تجدهم يشتغلون في جهد وأنات، على مشاريعهم الجمالية والفكرية، بعيدا عن المفرقعات الإعلامية، وهو ما يجعلك تجد أن كبرى الأطاريح الرصينة النقدية والفكرية بالمدونة العربية، هي من نصيب مغاربيين: محمد أركون، عبد الله العروي، محمد عابد الجابري، محمد بنيس، محمد مفتاح، وأخرون كما لمشارقة قليلون أيضا هم بعيدون عن الضجيج العام ربما غالبيتهم يعيشون في عواصم أروبية وهو أدعى لعدم الإصابة بالعدوى من أمراض المشهد العام، تلك العدوى التي كان الراحل الكبير محمود درويش شديد الخوف منها.

  • لكن صلاح فضل ركز هجومه على الغموض داخل النقد..؟

(مقاطعا) دعنا نتكلم عن السريالية كمدرسة فنية، أو الدادائية أو حتى التجريدية، فليذهب السيد: صلاح فضل لينتقدها على اعتبار أن ارتكازها الأساسي  يقوم على الغموض الفانتاستيكي، (يضحك) شعر أدونيس والدفاع المستميت بأحقيته بنوبل ألا يقوم هذا الشعر على هذا العامل، أم أن صلاح فضل ما إن حصل على جائزة العويس، حتى أصبح من لا يكتبون بلغة الجرائد اليومية لا يروقونه، محمد مفتاح حصل عليها قبله، ومتابعة نصوص هذا الناقد الكبير، تصعب على غير المتخصصين، من دوي الحنكة والدربة الأكاديمية وله إسهام وافر في نقد النقد، وهو مضمار يستلهم لغة ذهنية بالغة التجريد، ومعرفة بالمناهج العلمية وتقاطعاتها، ما يجعلنا أمام موسوعات نظرية في أطروحاته، يصعب على المتتبع العادي حتى المتخصص أحيانا فك خَوَرزمياتها والنفاد إلى المعرفة الجديدة التي تقدمها. إذن فلنضرب منجز هذا الأخير عرض الحائط، لأن كتاباته صادرة فقط للنخبة.

  • هذه المطارحات وغيرها تضمر وراءها أزمة المركز الثقافي، سؤالي هل مازال مشرقيا في تحديدك؟

دعني أقول أن هذا المركز الثقافي كان وبالاً ثقافيا.. حتى أيام كان مُسلّما بمشرقيته، ماذا جنينا؟ تغييب كامل لباقي الطيف الأدبي، أدب الأندلس على سبيل المثال، وذلك الجيش الجرار من مفكري الحقبة لم يكن يتم النظر إليهم إلا في المناسباتية، وكلما أريد تلميع صورة الإسلام، لنقول أنهم عظماء مسلمون، تاريخ ثقافي بأكمله وأدب كان مغيبا في اللامفكر فيه، كما أن من لا يريد الإنصات إلا إلى ذاته مصيره واضح سلفا.. عدم القطبية التي نعيشها اليوم تبدو مريحة، رغم أني لا أريد الدخول في تفاصيل أين انتقل المركز الثقافي اليوم، لأن لا أهمية له.

  • هذا تأكيد منك أن المركز لم يعد مشرقيا؟

دعني أقول لك قطعا نحن مدينون للمشارقة، ولحركة النهضة العظيمة التي تمت هناك، وسَلطَت نور العقل داخل الفكر العربي، لن أبدأ بطه حسين أو أنتهي بإسم معين، الريادة بدأت في مصر، بمشاركة لبنان والعراق، لكن اليوم الثقافة العربية تخوض صراع وجودي، أمام تكالب هذا المد الأصولي، وسيطرة الفكر الغيبي والخطابات السطحية، والعاطفية الطائفية، لا أحد يستطيع الكلام عن قيادة جهة معينة للثقافة العربية لوحدها، إنها فكرة مثالية لست من هواتها، وهذه المطارحات التي نتكلم عنها مقبولة، ومن الصحي تثمينها، إلا أنها تبقى جانبية بالنظر إلى أسئلة أخرى أكثر إلحاحا اليوم، من قبيل الترجمات الأساسية، والمعجم الحديث، وإنشاء مؤسسات ثقافية مشتركة، تضمن استقلالية المثقف، وتنمي فعاليته، إلى جانب التكتل داخل مد تنويري قادرا على الانتشار أفقيا في قلب الشعوب العربية وضخ نور العقل فيها.

  • سؤالي هنا متى تتوقف هذه السجالات والمطارحات؟

هي نادرة عموما بتسليم تفوق المشارقة فيها، والفاعل ليس غير الإعلام نحن في الدول المغاربية لا نملك إعلاما قويا ومتخصص، إلى جانب التأثر البالغ بالأدب الفرنسي، الذي يفرغ لدينا نرجسيته البالغة، الأدباء المغاربة لا يولون كثير اعتراف لبعضهم البعض، فما بالك… إلى جانب الإغراق في الأكاديمية، التي يقابلها في الضفة الأخرى كتابات كثيرة سطحية، كثيرا ما تم توصيف بعض الإعلامية منها بالأدبية…

  • هذه عوامل نقص..؟

لا لا (مقاطعا) نحن عموما أمام جسد واحد للثقافة العربية، وليس إزاء مشهد كروي، وأزمة الثقافة صارت مفهوما عالميا، مع اختلاف العوامل والحيثيات، بعد الاجتياح المتوحش للعولمة أعتقد سنتجاوز ما وقع سريعا، أذكر الحوارات بعد كلام سعدي يوسف عن الشعراء المغاربة، تأثرت كثيرا بما قال، لكن بعد الحديث معه وتعميق النقاش، أظهر تراجعا كما صرح ” كل الشعراء المغاربة أصدقائي، ولي معهم علاقة قديمة ومتينة. المشهد الشعري المغربي مطمئن. وحتى في فترات الانحسار ظل الشعر المغربي حيا”. وهو ما لم يكن تجاوزه إلا بعد النقاش الهادئ بعيدا عن الكلشيهات الجاهزة والملاسنات العابرة. ما يحصل اليوم ليس غير سحابة صيف عابرة، لأن هناك أسئلة حقيقة، تنتظرنا جميعا أساسية أولا.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.