الرئيسية | فكر ونقد | شعرية حلم اليقظة – غاستون باشلار

شعرية حلم اليقظة – غاستون باشلار

أيها المنهج، أيها المنهج، ماذا

تريد مني؟ إنك لتعلم أني أكلت من اللاوعي.[1]

1

 

لقد حاولنا في كتاب حديث، متمِّم لكتب سابقة ومكرَّس للخيال الشعري، أن نُظهِر الفائدة التي يقدِّمها المنهج الفينومينولوجي [= الظاهراتي] من أجل مثل هذه الاستقصاءات. إذ إن المقصود، حسب مبادئ الفينومينولوجيا [= المذهب الظاهراتي]، أن يظهر بوضوح تامٍّ وعيُ الذات المندهشة بالصور الشعرية. ويبدو لنا أن هذا الوعي، الذي تريد الفينومينولوجيا الحديثة أن تُلحِقَه بكل ظواهر النفس، يعطي قيمةً ذاتيةً مستمرة لصور ليس لها، على الأغلب، سوى موضوعية مشكوك فيها. إنها موضوعية عابرة. وحين نُلزِم أنفسنا بعودة منظَّمة إلى أنفسنا، وإلى بذل جهد إيضاحي في حدوث الوعي،
أو فيما يخص صورة من الصور لشاعر من الشعراء، فإن المنهج الفينومينولوجي يقودنا للدخول في محاولة تواصلية مع وعي الشاعر الخلاق. وهكذا تصبح الصورة الجديدة – الصورة ببساطة – وبكلِّ بساطة، أصلاً مطلقًا، أصلاً للوعي. ففي ساعات الاكتشافات العظيمة تستطيع الصورة الشعرية أن تكون رشيم الشاعر، رشيم كونٍ متخيَّل أمام حلم يقظة الشاعر. وينفتح وعيُ الاندهاش بكلِّ سذاجة أمام هذا العالم الذي خلقه الشاعر. وإن الوعي، من غير ريب، مُعَدٌّ لاستثمارات كبرى. وإنه ليتكون بقوة بالأحرى، فيهبُ نفسَه لأعمال يمضي تناسقُها من الأفضل للأفضل. فلـ”وعي العقلانية”، خصوصًا، فضيلة الدوام؛ وهي تطرح قضية صعبة على الفينومينولوجي. إذ المقصود بالنسبة له أن يقول كيف يتتابع الوعي في سلسلة من الحقائق. ولكن، على العكس من ذلك، حين ينفتح الوعيُ المتخيِّل على صورة منعزلة فإنه – على الأقل للوهلة الأولى – يتحمل مسؤوليات أقل. وإذا وُضِعَ الوعيُ المتخيِّل حيال صور منفصلة فإنه يستطيع حينئذٍ أن يحمل مواضيع تربوية أصيلة لمذاهب فينومينولوجية.

ولكن ها نحن أمام تناقض مضاعف. فالقارئ الغفل سيسأل: لماذا تضع كتابًا عن حلم اليقظة بآلة فلسفية ثقيلة هي المنهج الفينومينولوجي؟ وسيقول الفينومينولوجي المهني، من جهته: لماذا نختار مادة مائعة كالصور لكي نقوم بعرض مبادئ فينومينولوجية؟

يبدو أن كلَّ شيء سيكون بسيطًا إذا اتَّبعنا مناهج عالِم النفس الذي يصف ما يرصد، والذي يقيس مستويات، ويصنف نماذج، ويرى ولادة الخيال عند الأطفال، دون أن يفحص في الحقيقة عن كيفية موته عند عموم الناس؟

ولكن هل يمكن لفيلسوف أن يصبح محلِّلاً نفسيًّا؟ وهل يستطيع أن يطوي عنجهيته، فيكتفي بالوقوف على الوقائع، بينما كان قد دخل، بكلِّ ما يتطلَّبه الشغف، في مملكة القيم؟ يبقى الفيلسوف، كما نقول اليوم، “في وضع فلسفي”، ويدَّعي في بعض المرات أنه يبدأ كلَّ شيء. ولكن، للأسف، إنه يتابع… فقد قرأ كتبًا كثيرة من كتب الفلسفة؛ وكان عذرُه في ذلك أنه يدرسها ويدرسها. ولقد شوَّه “أنظمة كثيرة”. وعندما يأتي المساء، ويكف عن التدريس، فإنه يعتقد أن من حقِّه أن ينغلق على نفسه ضمن نظام من اختياره.

وهكذا، فقد اخترتُ الفينومينولوجيا، آمِلاً في أن أفحص ثانية، بعين جديدة، عن الصور المحبوبة بوفاء، المثبتة في ذاكرتي، التي لم أعد أدري إذا ما كنت أتذكر أو أتخيل عندما أجدها ثانية في أحلام يقظتي.

2

إن تشدد الفينومينولوجي فيما يخص الصور الشعرية بسيط على كلِّ حال: إنه يرجع إلى التركيز على فضائلها الأصلية، وإلى اجتذاب كائن أصالتها نفسه، وإلى الاستفادة من علامة إنتاجها النفسي الذي هو إنتاج الخيال.

إن هذا التشدد في تقييم الصورة الشعرية من أصل نفسي؛ وقد ينتهي، والحال كذلك، إلى قسوة مبالغ فيها. وسيكون الأمر كذلك إذا لم نستطع أن نجد فضيلة ذات أصالة للمتغيرات نفسها. فهذه تؤثر في النماذج المثالية الأكثر تجذُّرًا وقوة. ومادمنا نريد أن نعمِّق، في الفينومينولوجيا، أسلوبَ التحليل النفسي المدهش فإن أقل متغيِّر لصور مدهشة يجب أن يساعدنا في تنقية استقصاءاتنا. فدقة الجديد تحيي الأصول وتجدِّد فرح الاندهاش وتُضاعِفُه.

وتضاف في الشعر، إلى الاندهاش، فرحةُ الكلام؛ ويجب أخذ هذا الفرح في مطلقه اليقيني. فالصورة الشعرية، حين تبدو كائنًا جديدًا من كائنات اللغة، فإنها لا تقارَن، وذلك باتباع طريقة الاستعارة الشائعة، مع صمام ينفتح ليطلق غرائز مكتومة. فالصورة الشعرية تضيء بنورها الوعيَ. وإنه لمن العبث أن تبحث لها عن سابق في اللاوعي. والفينومينولوجيا، على الأقل، مؤسَّسة لكي تأخذ الصورة الشعرية من خلال كائنها الخاص كاستقصاء يقيني للكلام، وكقطيعة مع كائن سابق. وإذا أصغينا إلى التحليل النفسي فإننا سنعود لنعرِّف الشعر بأنه زلة كلامية مهيبة. ولكن الإنسان لا ينخدع وهو متحمس؛ وذلك لأن الشعر قَدَرٌ من أقدار الكلام. وحين نحاول أن ندقق في الوعي باللغة على مستوى الشعر فإننا سنكوِّن انطباعًا بأننا نلامس إنسان الكلام الجديد بكلام لا يتعيَّن بالتعبير عن أفكار، أو عن مشاعر، ولكنه يحاول أن يحوز على مستقبل. وربما نقول إن الصورة الشعرية، بما لها من جديد، تفتتح مستقبلاً لغويًا.

وعندما نستخدم المنهج الفينومينولوجي بشكل متلازم لفحص الصور الشعرية فإنه يبدو لنا أننا خضعنا للتحليل النفسي بشكل آلي. كما سيبدو لنا أننا نستطيع، بوعي واضح، أن نكتم مشاغلنا القديمة في ثقافة التحليل النفسي. إننا لنشعر في الفينومينولوجيا وكأننا قد تخلصنا من أفضلياتنا – تلك الأفضليات التي تحوِّل الذوق الأدبي إلى عادات. وكنَّا، بسبب الامتياز الذي تعطيه الفينومينولوجيا لما هو قائم، في استقبال الصور الجديدة التي يهبها الشاعرُ لنا. وكانت الصورة حاضرة، حاضرة فينا ومنفصلة عن كلِّ الماضي الذي استطاع أن يهيئها في روح الشاعر. وكنا أحرارًا، من غير أن نهتم بـ”مركِّبات” الشاعر، ومن غير أن ننبش في تاريخ حياته. لقد كنا أحرارًا في العبور من شاعر إلى آخر، ومن شاعر كبير إلى شاعر صغير. وكان ذلك بمناسبة صورة بسيطة تكشف عن قيمتها الشعرية بغنى متغيراتها. وهكذا فإن المنهج الفينومينولوجي يُلزِمُنا أن نجعل، بدهيًّا، من الوعي بأكمله أصلاً لأقل المتغيرات. فالمرء لا يقرأ الشعر وهو يفكر في شيء آخر. وما إن تجدِّد الصورة الشعرية نفسها، ولو كان ذلك بسمة واحدة من سماتها، حتى تُظهِر سذاجةً واضحة.

يجب على هذه السذاجة المستيقظة نظاميًّا أن تمنحنا استقبالاً صافيًا للقصائد. فنحن، في دراساتنا عن الخيال الفعال، نتبع الفينومينولوجيا، إذن، كما لو أنها مدرسة للسذاجة.

3

أمام الصور التي يحملها الشاعرُ إلينا، وأمام الصور التي ما كنَّا قط نستطيع أن نتصورها بأنفسنا، تكون سذاجةُ الاندهاش طبيعية. ولكن عيش المرء هذا الاندهاش سلبيًّا يعني أنه لن يشارك بعمق كافٍ في التخييل الخلاق. وإن فينومينولوجيا الصورة تطالبنا أن ننشط للمشاركة في التخييل الخلاق. وبما أن هدف الفينومينولوجيا أن تضع الوعي في الحاضر في زمن شديد التوتر فيجب أن نستنتج أنه لا توجد فينومينولوجيا سلبية تخصُّ سمات التخييل. ونذكر، بعيدًا عن التفسير المعكوس المرتكَب غالبًا، أن الفينومينولوجيا ليست وصفًا تجريبيًّا للظواهر. فالوصف التجريبي هو عبودية الواصف للموضوع؛ ويكون ذلك عندما يجعل لنفسه قانونًا تبقى الذاتُ به في إطار السلبية. ويستطيع وصف المحلِّلين النفسيين، من غير ريب، أن يحمل بعض مستنداته. ولكن على الفينومينولوجي أن يتدخل لكي يضع هذه المستندات على محور القصدية؛ أي أن تكون هذه الصورة التي أعطيتَها توًّا لي، فعلاً لي، وأن تصير – وهذا ذروة غرور القارئ – شغلي الشاغل! وأيُّ مجد هو مجد قرائي إذا استطعت، بمساعدة الشاعر، أن أعيش القصدية الشعرية! إذ بقصدية الخيال الشعري، تجد روحُ الشاعر الفتحة الضميرية لكلِّ شعر حقيقي.

أمام طموح بَلَغَ الإفراطُ فيه ذروتَه، مضافًا إلى أن كلَّ كتابنا يجب أن يقوم على أحلام يقظتنا، فإن على مشروعنا، كفينومينولوجيين، أن يواجه تناقضًا جذريًّا. وإنه لمن الشائع فعلاً تسجيلُ أحلام اليقظة بين ظواهر الانبساط النفسي. فالمرء يحياها في زمن منبسط، زمن لا ليونة في قوته. وبما أنها تطرأ من غير قصد فهي غالبًا ما تكوِّن ذاكرة أنها هروب من خارج الواقع، دون عثور على عالم وهمي متماسك وباتباع “منحدر أحلام اليقظة” – منحدر يهبط باستمرار – إذ إن الوعي يتمدد ويتناثر، ويغشاه الظلام بالنتيجة. إنها، إذن، ليست على الإطلاق تلك التي نحلم فيها أن نُعِدَّ “بحثًا في الفينومينولوجيا”.

ماذا سيكون موقفنا في حضور مثل هذا التناقض؟ إننا سنبتعد عن محاولة تقريب مصطلحات أطروحات التضاد البدهية بين التحليل النفسي لأحلام اليقظة فقط وبين مواقف فينومينولوجية بالفعل. وسنزيد التباين أيضًا حين نعلق أبحاثنا بأطروحة فلسفية نريد أن ندافع عنها بادئ ذي بدء: إن الشعور بالوعي، فيما يخصنا، هو إنماء للوعي، وزيادة في النور، وتقوية للتماسك النفسي. وتستطيع سرعتُه أو آنيَّتُه أن تحجب النموَّ عنا. ولكن ثمة نمو كينوني في كلِّ شعور بالوعي. فالوعي معاصر لصيرورة نفسية شديدة؛ صيرورة تسري شدتُها في الحياة النفسية برمَّتها. فالوعي وحده فعل؛ إنه الفعل الإنساني. إنه فعل يَقِظ، فعل مليء. وحتى إنْ بقي الفعلُ الذي يتبع معلقًا، أو الفعل الذي وجب عليه أن يتبع، أو ذاك الذي قد وجب عليه أن يتبع، فإن لفعل الوعي امتلاؤه اليقيني. وإننا لن ندرس هذا الفعل في البحث الحاضر إلا في ميدان اللغة؛ وبصورة أدق أيضًا، فإننا سندرسه في ميدان اللغة الشعرية، وذلك عندما يخلق الوعيُ المتخيِّل الصورةَ الشعرية ويعيشها. إن تكثير اللغة، وخلقها، وإبراز قيمتها، وحبها – كلُّ هذه نشاطات ينمو فيها وعي الكلام. ففي هذا الميدان المحدود جدًّا نحن متأكدون أننا سنجد عددًا من الأمثلة التي ستُثبِت أن أطروحتنا الفلسفية أكثر عمومية من تكثير الصيرورة الجوهرية لكلِّ شعور بالوعي.

ولكن أمام هذا التركيز على الوضوح، والتشديد على الشعور بالوعي الشعري، نتساءل إذا أردنا أن نأخذ دروسًا في الفينومينولوجيا. فمن أية زاوية يجب علينا حينئذٍ أن ندرس أحلام اليقظة؟ ونقول هذا أخيرًا لأن أطروحتنا الفلسفية الخاصة تزيد مشكلات قضيتنا. فلهذه الأطروحة، بالفعل، نتيجة طبيعية: إن وعيًا يتناقص، وينام، ويحلم، قد كفَّ أن يكون وعيًا. ذلك لأن أحلام اليقظة تضعنا على المنحدر السيئ، أو على جرف هاوية.

بيد أن ثمة خاصية ستنقذ كل شيء، وستسمح لنا أن نتجاوز الاعتراضات التي يقوم التحليلُ النفسي بها للوهلة الأولى. فأحلام اليقظة التي نريد أن ندرسها هي أحلام اليقظة الشعرية؛ وهي أحلام يقظة يضعها الشعر على المنحدر الجيد، المنحدر الذي يستطيع وعيٌ مؤمن أن يتبعه. وإن أحلام اليقظة هذه إنما هي أحلام تكتب نفسها، أو هي على الأقل تَعِدُ بالكتابة. ولقد سبق لها أن كانت أمام هذا الكون الكبير الذي هو الصفحة البيضاء. وإن الصور، والحال كذلك، تتركب وتنتظم. فلقد كان الحالم يسمع أصوات الكلام المكتوب. وثمة كاتب، لم أعد أعثر عليه، كان يقول إن منقار الريشة كان عضوًا من أعضاء الدماغ. وأنا أعتقد أنه عندما تنفث ريشتي فإنني أفكر بشكل معوج. فمن سيعيد لي الحبر الجيد لحياتي المدرسية؟

تستيقظ كلُّ المعاني وتتناغم في أحلام اليقظة الشعرية. وإن هذه التعددية للمعاني هي الأمر الذي تسمعه أحلامُ اليقظة الشعرية، ويجب على الوعي الشعري أن يسجله. وما يناسب الصورة الشعرية هو ما قاله فريدرك شليغل عن اللغة: إنها “خلق تمَّ دفعة واحدة.”[2] وينبغي على الفينومينولوجي أن يحاول أن يعيش هذه الدفعات من الخيال.

وبالتأكيد فإن المحلِّل النفسي يرى أن الطريق إلى دراسة الشاعر الملهَم أكثر مباشرة. إنه يقوم بدراسات واقعية عن الإلهام، معتمدًا على عبقريات خاصة. ولكن هل يعيش بسبب هذا ظواهرَ الإلهام؟ لم تعد هذه الوثائق الإنسانية عن الشعراء الملهَمين صالحة للرواية إلا ضمن ملاحظات موضوعية مثالية، ومن الخارج. والمقارنة بين الشعراء الملهَمين ستعمل على إضاعة جوهر الإلهام، وذلك لأن أية مقارنة من المقارنات تقلِّل من قيمة مصطلحات المقارنة. وإن كلمة “إلهام” عامة جدًا. وهي بسبب هذا لا تقدر أن تحدد أصالة الكلام الملهَم. وفي الواقع فإن التحليل النفسي للإلهام فقير فقرًا بدهيًّا؛ ويبدو ذلك حتى عندما نستعمل قصصًا عن الجنات الصنعية. فالوثائق التي يمكن للمحلِّل النفسي أن يعمل عليها، في مثل هذه الدراسات، تُعتبَر قليلة جدًّا، خاصة وأن المحلِّل النفسي لم يضطلع بها فعلاً.

لدينا مفهوم ربة الفن Muse.[3] وكان على هذا المفهوم أن يساعدنا على إعطاء كائن الإلهام؛ كما كان عليه أن يجعلنا نعتقد بوجود ذات سامية تناسب الفعل “ألهم”. غير أن هذا المفهوم لا يستطيع أن يندرج، بطبيعة الحال، ضمن مفردات الفينومينولوجي. فعندما كنت شابًّا مراهقًا كان يصعب علي أن أفهم أن شاعرًا أحبه كثيرًا يستطيع أن يستخدم “ربة الفنون” والعود. إذ كيف للمرء أن يقول متيقنًا، وكيف له أن ينشد هذا البيت لشاعر كبير، وهو يمنع نفسه أن يضحك ضحكًا متواصلاً:

عودك فخذ، يا شاعر، وامنحني قبلة.

لقد كان هذا أكثر مما يحتمله طفل من شمبانيا.

لا! فربة الفن، وقيثارة أورفيوس، وأشباح الحشيش والأفيون، لا تستطيع إلا أن تحجب عنا كائن الإلهام. وأما شعرية أحلام اليقظة المكتوبة، المساقة لإعطائنا الصفحة الأدبية، فتذهب، على العكس من هذا، مذهبًا تكون لنا فيه أحلام يقظة منقولة، وملهِمة، أي تعطينا من الإلهام ما يتساوى مع مواهبنا كقراء.

وإذا كان الأمر هكذا فالوثائق كثيرة بالنسبة لفينومينولوجي وحيد، وحيد تمامًا. والفينومينولوجي يستطيع أن يوقظ وعيه الشعري بمصادفة ألف صورة غافية في الكتب. فهو يدوِّي للصورة الشعرية بالمعنى نفسه للـ”دويِّ” الفينومينولوجي الذي حدَّد سماتِه أوجين مانكوفسكي جيدًا.[4]

ولنسجِّلْ، على كلِّ حال، أن أحلام اليقظة، خلافًا للأحلام، لا تُروى. ولكي يتم إيصالها يجب كتابتُها، كتابتها بانفعال، وتذوُّقها، والعيش فيها مرة أخرى، وذلك بمقدار أفضل من كتابتها ثانية. ونحن نلامس هنا ميدان العشق المكتوب. فأما الدُرْجَة فتذهب، وأما ما ينفع فيبقى. وثمة أرواح هي، بالنسبة لها، اتصال بين شعرين، واندماج بين حلمين من أحلام اليقظة. فالرواية، نصًّا، تعبِّر عن الحب عبر صور متنافسة واستعارات. والكتابة واجبة لكي يتم الحب قولاً. غير أن المرء، مهما كتب، لا يكتب كثيرًا. فكم عاشق، بعد أن عاد من موعد حنون، فتح سجل الكتابة! فالحب لم يكف قط عن التعبير عن نفسه؛ وهو يعبِّر بمقدار أفضل كلما كان الحلم فيه أكثر شعرية. إن أحلام اليقظة تهيِّئ نعومة الحب لروحين وحيدتين. وإن امرأً واقعًا في الهوى لن يرى هنا سوى أشكال فانية. ولكن يبقى أن نقول إن الهوى العظيم إنما يتم عبر أحلام يقظة عظيمة. فواقعية الحب تنقطع عندما تنفصل عن لاواقعيتها.

ونفهم فورًا ضمن هذه الشروط كم ستكون المناقشات معقدة، كما سنفهم أنها ستكون متحركة بين أمرين: بين علم نفسي خاص بأحلام اليقظة، معزَّز بملاحظات عن الحالمين، وبين فينومينولوجيا الصور الخالقة، تلك الفينومينولوجيا التي تميل نحو إعادة الفعل المجدِّد للُّغة الشعرية، حتى عند القارئ المتواضع. ونفهم أيضًا، فهمًا أكثر شمولاً، الفائدةَ التي تحصل من تحديد فينومينولوجيا التخييل، حيث يكون الخيال في مقامه، بل في المقام الأول، وكأنه مبدأ من مبادئ الإثارة المباشرة للصيرورة المادية. إن الخيال يمتحن المستقبل، وهو أولاً عامل الطيش الذي يحرِّرنا من الثبات الثقيل. ولسوف نرى أن بعضًا من أحلام اليقظة الشعرية عبارة عن فرضيات لحيوات توسِّع حياتنا وتمنحنا الثقة في الكون. وسنسوق […] عددًا من البراهين الدالة على منح الثقة بالكون تمنحها أحلامُ اليقظة. فعالَم يتشكل في أحلام يقظتنا إنما هو عالَمُنا. وهذا العالم الذي نحلم به يرشدنا إلى إمكانات يكبر بها كائننا في كوننا هذا. وثمة شيء مستقبلي في كلِّ كون يحلم المرء به. ولقد كتب جو بوسكيه:

يستطيع الإنسان أن يصبح كلَّ شيء في عالم يلد منه.

وإذا أخذنا الشعر في حميَّا حدوثه الإنساني، وفي ذروة الإلهام التي يعطيها الكلام الجديد لنا، فما الخدمة التي يمكن أن تؤديها السيرة الذاتية، وهي تقول الماضي، ماضي الشاعر الثقيل؟ وإذا كان عندنا ميل ما للمشاحنة فأيُّ ملفٍّ يلامس مبالغات السيرة الذاتية نستطيع جمعه؟ إننا لن نعطي عن ذلك سوى مثل عن هذا.

منذ نصف قرن أراد أمير من أمراء النقد الأدبي أن يأخذ على عاتقه شرح شعر فِرلين، وهو شعر يحبه قليلاً. وكيف يمكن للمرء أن يحبَّ شعر شاعر يعيش على هامش الأدباء:

لم يره أحد لا في البولفار،[5] ولا في المسرح، ولا في واحد من الصالونات. إنه في مكان ما، في طرف باريس، في خلفية مخزن لتاجر من التجار، يشرب خمرة زرقاء.

خمرة زرقاء! أي شتيمة للبوجوليه الذي يشرب في المقاهي الصغيرة على ذرى جبل سانت جونوفييف! وينهي الناقد الأدبي نفسه كلامه متخذًا من القبعة أداة لتحديد شخصية الشاعر. لقد كتب يقول:[6]

تبدو قبعته اللينة متطابقة مع فكره الحزين، خاصة وقد حنى أطرافها المبهمة حول رأسه. إنها نوع من الهالة السوداء فوق جبهة مهمومة. قبعته! إنها لسعيدة أيضًا، إذ هو سعيد في هذه الساعات، ومتقلبة الأطوار كامرأة جد سمراء. فهي مدوَّرة تارة، ساذجة، كقبعة طفل في أوفيرنيا أو من السافوا؛ وهي مخروطية تارة أخرى، ومشقوقة كما يفعل أهل تيرول. ومائلة، كأنها الجمجمة، فوق الأذن، ثم هي مخيفة جدًّا تارة ثالثة: وإننا لنعتقد حين نرى تصفيفة شعره أننا حيال قاطع طريق، بالمعنى العالي والهابط؛ فجناح للأسفل وجناح للأعلى، الأمام كمقدمة الخوذة، والخلف كغطاء الرقبة.

هل ثمة قصيدة واحدة، في عمل الشاعر برمَّته، في وسعها أن تشرح عن القبعة بمثل هذه الالتواءات الأدبية؟

إنه لمن الصعب جمع الحياة والعمل الأدبي. وإن كاتب السيرة يستطيع أن يساعدنا حين يقول لنا إن هذه القصيدة كُتِبَتْ بينما كان فِرلين سجينًا في سجن مونس:

السماء من فوق السطح

زرقاء جدًّا وهادئة جدًّا.

في السجن! من ذا الذي لا يكون في السجن في الساعات السوداوية؟ ففي غرفتي الباريسية، بعيدًا عن مسقط رأسي، أعيش أحلام اليقظة على طريقة فِرلين. لقد كانت السماء في الماضي تمتد فوق المدينة الحجرية. وفي ذاكرتي تغني المقاطع الموسيقية التي لحنَّها ريونالدو هان لقصائد فِرلين. وكم من الانفعالية الكثيفة، وأحلام اليقظة، والذكريات تنمو بالنسبة إلي، فوق هذه القصيدة. أقول فوق – ليس في الأسفل وليس في حياة لم أعشها – وليس في الحياة الشقية للشاعر البائس. ألم يهيمن العمل، بنفسه وفي نفسه، على الحياة؟ أو ليس العمل غفرانًا لمن عاش بتعاسة؟

إن الشاعر، يستطيع، بهذا المعنى على كلِّ حال، أن يكدس أحلام اليقظة، ويجمع الرؤى والذكريات.

يقودنا النقد الأدبي النفسي نحو اهتمامات أخرى. فهو يصنع من الشاعر إنسانًا. ولكن المشكلة تبقى قائمة في النجاحات الكبرى للشعر: كيف يمكن لإنسان، رغمًا عن الحياة، أن يصبح شاعرًا؟

ولكن حبذا العودة إلى مهمتنا البسيطة التي تتجلَّى في تحديد السمة البنَّاءة لأحلام اليقظة الشعرية. ولكننا ننظر في هذه المهمة لنسأل عما إذا كانت أحلام اليقظة، في كلِّ الظروف، ظاهرة استرخاء وهجران. وذلك ما يقترحه علم النفس الكلاسيكي.

4

إن علم النفس يخسر أكثر مما يربح إذا أغلق مفاهيمه الأساسية وأوقفها تحت إيحاء الانحرافات الاشتقاقية. وبهذه الطريقة ينهي الاشتقاق الفوارق الأكثر وضوحًا التي تفصل بين الرؤيا وأحلام اليقظة. وبما أن علماء النفس، من جهة أخرى، يسعون وراء السمة الأكثر انتشارًا فإنهم يدرسون الرؤيا أولاً، الرؤيا الليلية المدهشة، ويولون قليلاً من الاهتمام لأحلام اليقظة، لأحلام لا تمثل بالنسبة إليهم سوى أحلام مبهمة، من غير بنية ولا قصة ولا لغز. ذلك لأن أحلام اليقظة عبارة عن قليل من مادة ليلية منسية في وضح النهار. وإذا تكثفت المادة الحلمية في روح الحالم قليلاً فإن أحلام اليقظة تسقط في الحلم؛ وإن نفحاتها، التي سجلها عالِم النفس، تخنق الحياة النفسية. وهكذا تصبح أحلام اليقظة نعاسًا، وينام الحالم. وهكذا يرسم نوعٌ من قَدَرِ السقوط تتابعًا لأحلام اليقظة في الحلم. ألا ما أفقر أحلام اليقظة التي تدعو إلى الوسن! ويجب أن نتساءل أيضًا عما إذا كان اللاوعي نفسه في هذا “النعاس” لا يكابد من سقوط الكائن. ذلك لأن اللاوعي يأخذ عمله في أحلام النوم الحقيقي. ويعمل علم النفس باتجاه قطبي التفكير الواضح وباتجاه الحلم الليلي. ويكون هكذا متأكدًا أنه يملك في حوزة فحصه ميدان النفس الإنسانية.

ولكن ثمة أحلام يقظة أخرى لا تنتسب إلى هذه الحالة الشفقية حيث تختلط الحياة النهارية والحياة الليلية. فالحياة النهارية تستحق دراسة مباشرة من عدة جهات. وإن أحلام اليقظة ظاهرة روحية وجد طبيعية – ومفيدة جدًّا للتوازن النفسي – ولا يجوز أن نعالجها كانحراف في الحلم، لكي ندرجها، من غير مناقشة، في باب الأحلام. ولكي يتم تحديد أحلام اليقظة نجد أن من المناسب أن نعود إلى أحلام اليقظة نفسها. وحينئذٍ سنرى، على وجه التحديد، أنه يمكن للفرق بين الحلم وأحلام اليقظة أن يتضح بوساطة الفينومينولوجيا، وذلك لأن المداخلة الممكنة التي يقوم بها الوعي في أحلام اليقظة تحمل إشارة قاطعة.

لقد استطعنا أن نتساءل فيما إذا كان هناك وعيٌ للحلم فعلاً – وإن غرابة الحلم لتبدو وكأنها ذاتٌ أخرى تحلم فينا: “زارني حلم.” هذا هو الشكل الذي يوقِّع على سلبية أحلام الليل الكبيرة. ويجب أن نسكن هذه الأحلام مجددًا لكي نقتنع بأنها كانت لنا. وبعد فوات الأوان نصنع منها قصصًا، وحكايات لزمن مضى، أو مغامرات لعالم آخر. إذ من الصعب أن يحافظ المرء على ما يأتيه من بعيد. إننا غالبًا ما نضيف، ببراءة، عن غير وعي منا، سمة تزيد من جاذبية مغامرتنا في مملكة الليل. هل لاحظتم هيئة الرجل الذي يروي حلمه؟ إنه يبتسم لمأساته، ولذعره. إنه بها يتسلَّى؛ ويريد منكم أن تتسلوا بها.[7] وقد يتمتع راوي الحلم بحلمه في بعض المرات كما يتمتع بعمل مبتكر؛ إنه يعيش فيه أصالة ممثلة. وهو يندهش عندما يقول له المحلِّل النفسي إن حالمًا آخر قد عرف هذه الأصالة نفسها. وإن يقين حالم الأحلام بأنه عاش الحلم الذي يرويه يجب أن لا يوهمنا. فذلك يقين مجلوب، يتعزز في كلِّ مرة يرويه.

وليس ثمة تطابق أكيد بين الذات الراوية والذات الحالمة. ولذلك فإن تفسيرًا فينومينولوجيًّا للحلم الليلي يُعتبَر، بسبب هذا، مشكلة صعبة. ولعلنا سنحظى، من غير شك، ببعض العناصر لحلِّ هذه القضية، ولكن بشرط أن نطور علم النفس أكثر مما هو عليه، وأن نطور، من جراء ذلك، فينومينولوجيا أحلام اليقظة.

فعوضًا أن نبحث عن الحلم في أحلام اليقظة، سنبحث عن أحلام اليقظة في الحلم. فثمة فسحات من الهدوء وسط الكوابيس. ولقد سجَّل روبير ديسنوس هذه التداخلات بين الحلم وأحلام اليقظة:[8]

إني، وإن كنت نائمًا وحالمًا ولا أستطيع أن أفصل بين الحلم وأحلام اليقظة، إلا أني أحتفظ بمفهوم الزخرف.

وإذا كان الأمر كذلك فيمكن القول إن الحالم، في ليل النوم، يجد إشراق النهار؛ وإنه، والحال كذلك، يعي جمال العالم. وإن جمال العالم المحلوم به يهبه وعيَه للحظة.

وهكذا فإن أحلام اليقظة تفصح عن راحة للكائن، كما هي تفصح عن الهناء. ويدخل الحالم وأحلام يقظته، جسدًا وروحًا، جوهر السعادة. ففي زيارة إلى نيمورس في العام 1844، خرج فكتور هوغو مع الغسق لكي “يرى بعض الأحجار الرملية”. هبط الليل، وسكنت المدينة، أية مدينة:[9]

لم يكن كلُّ ذلك، لا مدينة، ولا كنيسة، ولا نهرًا، ولا لونًا، ولا نورًا، ولا ظلاً، كان هذا حلمًا من أحلام اليقظة.

مكثت طويلاً بلا حراك، وأسلمت نفسي ببطء لينفذ فيها هذا المجموع، المتعذَّر بيانُه، لصدق السماء، لسوداوية الساعة. ولا أدري ما دار في خلدي. ولا أستطيع أن أعبِّر عنه. لقد كان هذا واحدة من اللحظات التي لا توصف، حيث يشعر المرء أن في ذاته شيئًا يغفو وآخر يستيقظ.

وهكذا فإن عالمًا بأسره يأتي ليساهم في سعادتنا عندما تأتي أحلام اليقظة لتزيد من راحتنا. ويجب أن يقال لمن يريد أن يحلم جيدًا: ابدأ بأن تكون سعيدًا. حينئذٍ تخطُّ أحلام اليقظة قَدَرَها الحقيقي: إنها تصبح أحلام يقظة شعرية؛ ويصبح كلُّ شيء، فيها وبها، جميلاً. وإذا كان للحالم “مهنة” فإنه يصنع مع أعماله أثرًا من الآثار. وسيكون هذا الأثر عظيمًا بشكل آلي.

يتكلم الفيزيائيون غالبًا عن “انفتاح على العالم”؛ ولكن عندما نسمعهم يتكلمون فالأمر يبدو وكأنهم لا يملكون إلا حجابًا واحدًا، يكفي أن يُزاح لكي يجد المرء نفسه فجأة، في لمحة واحدة، أمام العالم. وكم من تجربة فيزيائية عملية كان بإمكاننا أن نحظى بها لو أننا أوْلينا اهتمامًا أكبر بأحلام اليقظة الشعرية. وإن الانفتاح على العالم الموضوعي والدخول فيه، وتكوين عالم نعتبره موضوعيًّا، من الأمور الطويلة المعالجة، ولا يمكن أن يقوِّم وصفَها إلا علم النفس الاختباري. غير أن هذه المعالجات، لكي تكوِّن عالمًا مستقرًا عبر ألوف التصويبات، تجعلنا ننسى روعة أولى الانفتاحات. بينما تمنحنا شعريةُ أحلام اليقظة عالمَ العوالم. ذلك لأن أحلام اليقظة الشعرية عبارة عن أحلام كونية. إنها انفتاح على عالم جميل، بل على عوالم جميلة. وهي تمنح للأنا اللاأنا، على اعتبار أن هذه هناءة الأنا. فاللاأنا هي من خواصي. وهذه اللاأنا الخاصة بي هي التي تفتن أنا الحالم. وإن الشعراء ليعرفون كيف يجعلوننا نتقاسمها وإياهم. وأما ما يتعلق بأناي الحالمة فإن اللاأنا الخاصة بي هي التي تسمح لي أن أعيش ثقتي بأنني في العالم كائنٌ. وحيال العالم الواقعي يمكن للمرء أن يكتشف في نفسه كائن القلق. مقذوفون نحن، إذن، في العالم ومسلِّمون لِلاإنسانية العالم وللسلبية فيه. وإذا كان الأمر كذلك فإن العالم هو العدم الإنساني. غير أن مقتضيات وظيفتنا الواقعية تضطرنا أن نتأقلم مع الواقع وننتج آثارًا واقعية. ولكن شعرية أحلام اليقظة، في جوهرها بالذات، ألا تحررنا من الوظيفة الواقعية؟ وإننا، ما إن نتأملها في بساطتها، حتى نرى أنها شاهد للوظيفة غير الواقعية. وهي وظيفة طبيعية، ومفيدة، وتحفظ النفس الإنسانية خارج كلِّ فظاظات اللاأنا المعادية واللاأنا الأجنبية.

ثمة ساعات في حياة الشاعر تمثِّل فيها أحلام اليقظة الواقعَ نفسه. وما يدركه يكون إذن ممثَّلاً. فالعالم المتخيَّل يبتلع العالم الواقعي. ولذا فإن شيلي يضع بين أيدينا نظرية فعلية للفينومينولوجيا، وذلك عندما يقول إن الخيال قادر على “أن يجعلنا نخلق ما نرى”[10]. فإذا تابعنا شيلي، وإذا تابعنا الشعراء، فإننا نجد أنه يجب على فينومينولوجيا الإدراك نفسها أن تُخلي المكان لفينومينولوجيا الخيال الخلاق.

إننا بالخيال، وبفضل دقة وظيفة اللاواقع، ندخل عالم الثقة، عالم الكائن الواثق، العالم الذاتي لأحلام اليقظة الشعرية. وسنعطي في مقبل ما سيأتي عددًا من الأمثلة عن هذه الأحلام الكونية التي تربط بين الحالم وبين عالمه. فهذا الاتحاد يهبُ نفسَه بنفسه إلى التقصِّي الفينومينولوجي. ذلك أن معرفة العالم الواقعي تحتاج إلى أبحاث فينومينولوجية معقدة. وإن العوالم التي تمَّ الحلم بها، عوالم أحلام اليقظة النهارية، المستيقظة جيدًّا، لتُعتبَر جزءًا من الفينومينولوجيا فعلاً. وهكذا فإننا أقدمنا على التفكير أنه يجب أن نتعلم الفينومينولوجيا مع أحلام اليقظة.

إن أحلام اليقظة الكونية، كما سندرسها، إنما هي ظاهرة من ظواهر الوحدة؛ وهي ظاهرة تجد جذرها في روح الحالم. وهي ليست في حاجة إلى صحراء لكي تستقر وتنمو. إذ يكفي أي عذر – من غير ما سبب – لكي نضع أنفسنا في “ظرف من الوحدة”، في ظرف من الوحدة الحالمة. وإنه لتستقر في هذه الوحدة الذكرياتُ نفسها في لوحات. فالإطار يطغى على المأساة. وتأخذ الذكريات الحزينة على الأقل السلامَ من السوداوية؛ ويضع هذا الأمر فارقًا بين حلم اليقظة والحلم. فالحلم يبقى مثقلاً بانفعالات كوبِدَتْ في حياة النهار. فللوحدة في الحلم الليلي عداوة من العداوات دائمًا. إنها غريبة. إنها ليست وحدتنا فعلاً.

إن أحلام اليقظة الكونية لتُبعِدُنا عن الأحلام المشاريع، ذلك لأنها تضعنا في عالم، وليس في مجتمع. فثمة نوع من الاستقرار والهدوء ينتمي إلى أحلام اليقظة الكونية. وهي تساعدنا في الهروب من الزمن. إنها حالة. فلنذهب إلى عميق جوهرها: إنها حالة روحية. ولقد سبق منا القول […] إن الشعر يحمل إلينا وثائق عن فينومينولوجيا الروح. فالروح كلُّها توهَبُ مع الكون الشعري للشاعر.

وتبقى للذهن مهمة صناعة الأنظمة، وترتيب التجارب المختلفة، في محاولة لفهم الكون. فالصبر يليق بالذهن لكي يوطِّن نفسه على قول ماضي العلم. فماضي الروح بعيد جدًّا. والروح لا تحيا مع مرور الزمن. إنها تجد راحتها في الأكوان التي يتخيلها حلم اليقظة.

إننا لنعتقد، إذن، أن في مقدورنا أن نبين أن الأخيلة الكونية تنتمي إلى الروح، إلى الروح المتحدة، إلى الروح كمبدأ لكلِّ وحدة. أما الأفكار فتُصفَّى وتتضاعف في تعاطي الأذهان. وأما الأخيلة فإنها تحقق في سنائها بين الأرواح تقاربًا غاية في البساطة. وثمة نوعان من المفردات يجب تنظيمهما لكي يُدرسا: الأول هو العلم، والثاني هو الشعر. ولكن هذه المفردات لا يتناسب بعضُها مع بعض. وسيكون من العبث إنشاء قاموس لترجمة لغة من اللغات إلى لغة أخرى؛ ذلك لأن لغة الشعراء يجب تعلُّمها مباشرة، وبصورة جد دقيقة، يجب تعلمها ككلام الأرواح.

ومما لا ريب فيه أنه يمكن للمرء أن يطلب إلى فيلسوف أن يقوم بدراسة تقارُب الأرواح، وذلك في ميادين أكثر مأساوية، يتم فيها تسخير قيم إنسانية أو فوق إنسانية، وذلك لكي تظهر أنها أكثر أهمية من القيم الشعرية. ولكن هل من المفيد للتجارب الكبرى للروح أن يُعلَن عنها؟ وهل نستطيع أن نُسِرَّ إلى أعماق كلِّ “دويٍّ” لكي يشارك كلُّ قارئ لصفحات حساسة، بطريقته، في دعوى حلم اليقظة الشعرية؟ إننا نعتقد فيما يخصنا […] أن الطفولة المجهولة تكشف، أكثر من أيِّ شيء، عن الروح الإنسانية، وبصورة لا تقدر عليها الطفولة المتميزة، لاسيما إذا أخذنا في الاعتبار وجودها في محيط التاريخ العائلي. ومع ذلك فإن المهم أن يكون تصويت الصورة محكمًا؛ وإذا كان الأمر كذلك فيمكن أن نأمل، إذن، أنها ستأخذ طريق الروح، دون أن تتخلص منها في اعتراضات الذهن النقدي. كما نأمل أن لا توقفها آليةُ الكبت الثقيلة. وكم هو بسيط أن يجد المرء روحَه في عمق حلم اليقظة. ذلك أن حلم اليقظة يضعنا في حالة مخاض روحي.

وهكذا فإن طموحنا الفلسفي يُعتبَر كبيرًا في دراستنا المتواضعة للصور البسيطة. وإنه ليتجلَّى في إعطاء الدليل على أن أحلام اليقظة تمنحنا عالم الروح. وإن الصورة الشعرية تحمل شهادة روح تكتشف عالمها، أي العالم الذي تريد أن تحيا فيه، والذي تكون فخورة في العيش فيه.

5

أريد أن أعطي مبررات هذا العنوان، وذلك قبل أن أشير إلى الأسئلة الخاصة التي تعالجها هذه الدراسة على وجه التحديد.

وأنا أتكلم عن شعرية حلم اليقظة – على حين أن العنوان الذي شدني طويلاً هو بكل بساطة: “حلم اليقظة الشعري” – أردت أن أبين قوة التماسك التي يتلقاها الحالم عندما يكون مخلصًا فعلاً لأحلامه لأن أحلامه تتماسك بفعل قِيَمِها الشعرية تحديدًا. والشعر يكون، في الوقت ذاته، عالمه؛ بينما يستطيع الحلم الليلي أن يبلبل روحًا، وأن ينتشر في النهار نفسه، وفي الحماقات المبذولة في الليل. بينما يساعد حلمُ اليقظة الجيد الروحَ فعلاً على التلذُّذ براحتها، وعلى التلذذ بوحدة سهلة. غير أن علماء النفس، في سكرتهم الواقعية، يركزون كثيرًا على سمة الهروب في أحلام يقظتنا. وإنهم لا يعترفون بأن حلم اليقظة ينسج حول الحالم علاقات ناعمة، وأنه “مطَّاطي”. وباختصار، فإن حلم اليقظة، بكلِّ ما يحمله هذا المصطلح من قوة، يجعل من الحالم كائنًا شعريًّا.

أما فيما يتعلق بمن يحلم، بالمكوِّن للحلم، فيجب أن نعترف فيه، إذن، بطاقةٍ شعرية، نستطيع أن نشير إليها بالشعرية النفسية. كما يجب أن نعرف أنه في شعرية النفس تجد كلُّ القوى النفسية تناغمَها.

ونحن نريد أن نُدخِل، إذن، قدرة الربط والتناغم بدءًا من الصفة وانتهاء باسم الموصوف؛ كما نريد أن ننشئ شعرية لحلم اليقظة الشعري لنسجل بذلك، مكررين الكلمة نفسها، أن الاسم الموصوف قد عمَّ كلَّ جنبات الكائن. إنها شعرية لحلم اليقظة الشعري. وإنه لطموح كبير، طموح كبير جدًا، وذلك لأنه سيأتي لكي يعطي لكلِّ قراءةٍ للشعر وعيَ شاعر.

ومما لا ريب فيه أننا لن نحرز نجاحًا تامًّا في هذا الانقلاب الذي يجعلنا نعبُر من التعبير الشعري إلى وعي المبدع. أما إذا استطعنا، على الأقل، أن ندير مثل هذا الانقلاب الذي سيعطي وعيًا جيدًا لكائن حالم، فإن شعريتنا لحلم اليقظة ستبلغ هدفها.

6

فلنقل الآن باختصار ضمن أية حالة ذهنية قمنا بكتابة […] هذه الدراسة. وقبل أن نمضي قُدُمًا في البحوث عن الشعرية الاختبارية – وهي أبحاث تقوم، كما هي عادتنا كفيلسوف حذر، على وثائق محددة – فقد أردنا أن نكتب فصلاً أكثر هشاشة، ومن غير شك جد شخصي. وحول هذا الأمر، يجب علينا أن نباشر الشرح […]. وكنا قد وضعنا عنوانًا لهذا الفصل: “أحلام يقظة عن حلم اليقظة”. وقد قسمناه إلى قسمين، يحمل القسم الأول العنوان: “الحالم بالكلمات”؛ والثاني: “روح الذكورة وروح الأنوثة”. ولقد عملنا […] على تطوير أفكار جريئة، سهلة النقض، ذاتية جدًّا. وما نخشاه هو أن يتوقف القارئ؛ إذ لعله لا يحب أن يجد واحة من الفراغ في كتاب كان قد وُعِدَ فيه بترتيب الأفكار. ولكن مادام مقصودنا أن نعيش في ضباب النفس الحالمة فقد أصبح من حقِّ الصدق علينا أن نقول كلَّ أحلام اليقظة التي تغرينا، وكلَّ أحلام اليقظة المتميزة التي تزعج غالبًا أحلام يقظتنا الرشيدة. كما صار حقًّا علينا أن نتبع حتى النهاية ذيول الزيغ المألوفة عندنا.

إنني، بالفعل، حالم بالكلمات، حالم بالكلمات المكتوبة. وأعتقد أني أقرأ. ثمة كلمة تستوقفني. أغادر الصفحة. مقاطع كلمات تهتاج. ونبرات المدِّ تنقلب. وتهجر الكلمةُ معناها كما لو كان حملٌ زائدٌ شديد الثقل يمنع من الحلم. وتأخذ الكلمات، والحال كذلك، دلالات أخرى كما لو كانت تملك الحق أن تكون شابة. وتذهب الكلمات، باحثة في غابة المفردات عن أصحاب جدد، عن أصحاب سوء. وكم من صراعات صغيرة يجب حلُّها عندما نعود من أحلام اليقظة المتشردة إلى الألفاظ الرشيدة.

ويصبح الأمر أسوأ عندما أباشر الكتابة عوضًا عن القراءة. إذ تحت القلم، ينبسط هيكل المقاطع ببطء. فالكلمة تحيا مقطعًا بعد مقطع، وفي خطر من أحلام اليقظة الداخلية. والسؤال هو: كيف يمكن الحفاظ عليها كتلة واحدة وإرغامها على أن تبقى في عبوديتها المعتادة ضمن الجملة؛ والأدهى أننا ربما نعمد إلى مسح هذه الجملة من المخطوط! أولا يفرِّع حلم اليقظة الجملة التي تم البدء بها؟ إن الكلمة برعم يحاول أن يكون غصنًا. فكيف لا يحلم المرء وهو يكتب؟ إن القلم هو الذي يحلم. إن الصفحة البيضاء هي التي تمنحه الحقَّ في الحلم. ويا ليت المرء يستطيع أن يكتب لنفسه فقط. إلا ما أقسى قدر صانع الكتاب! يجب عليه أن يفصِّل وأن يخيط لكي يحظى بتتابع الأفكار. ولكن، وإن كان المرء بصدد كتابة كتاب عن حلم اليقظة، ألم يأتِ اليوم لترك القلم على غاربه، ولترك حلم اليقظة يتكلم؛ وأفضل من هذا، ألم يأتِ اليوم لكي نحلم بحلم اليقظة ضمن الزمن الذي نعتقد فيه أننا نسجله؟

أنا – وهل أنا في حاجة لكي أقول ذلك؟ – جاهل باللسانيات. فالكلمات، في ماضيها البعيد، تمتلك ماضي أحلام يقظتي. إنها بالنسبة للحالم، لحالمٍ بالكلمات، قد امتلأت عُتْهًا. وليفكر، على كلِّ حال، كلُّ واحد منا فيها، ليحضن قليلاً كلمة مألوفة من بين الكلمات. حينئذٍ فإن التفقيس الأكثر غرابة وندرة سيخرج من الكلمة التي نامت في معناها – داخليًّا – كمستحاثة من المعاني.

نعم، بالفعل، إن الكلمات لتحلم.

لا أريد أن أقول إلا واحدة من خيالات أحلام يقظتي بالكلمات: من أجل كلِّ كلمة مذكَّرة، أحلم بكلمة مؤنثة تشترك معها، تقترن بها زواجًا. وأحب أن أحلم مرتين بالكلمات الجميلة. وبالطبع فإن حركة نحوية بسيطة لا تكفي؛ ذلك لأنها توحي بأن المؤنث نوع تابع. ولن أكون سعيدًا إلا بعد أن أجد المؤنث في جذره تقريبًا، في العمق البعيد، ولنقل في العمق المؤنث.

أما جنس الكلمات، فيا له من تفريع! ولكن ألم نتأكد على الإطلاق من القسمة جيدًا؟ أية تجربة هذه، أو أي نور قاد الاختبارات الأولى؟ إن الألفاظ، على ما يبدو، متحيزة: إنها تفضل المذكَّر حين تعتبر المؤنث، في غالب الأمر، نوعًا منحرفًا وتابعًا.

إعادة فتح أعماق مؤنثة في الكلمات نفسها – ذلك واحد من أحلامي حول فضائل اللسانيات.

إذا كنا قد سمحنا لأنفسنا أن نسرَّ بكلِّ هذا العبث من الأحلام فذلك لأنها قد هيأتنا لقبول أطروحة من الأطروحات الرئيسية التي نريد أن ندافع عنها […]. فحلم اليقظة، بما هو يختلف اختلافًا بيِّنًا عن الحلم الذي يعلوه نَبْرٌ مذكَّرٌ حاد، يبدو لنا بالفعل – وبعيدًا عن الكلمة هذه المرة – من أصل مؤنث. إن حلمًا من أحلام اليقظة، إذ يعيشه المرء في هدوء النهار – نقصد حلم اليقظة الفطري فعلاً – لهو طاقة الكائن نفسها في حالة راحة. وإنه فعلاً، بالنسبة لكلِّ كائن إنساني، رجلاً كان أم امرأة، حالة من حالات أنوثة الروح. وسنحاول […] أن نأتي ببراهين أقل ذاتية لهذه الأطروحة. ولكن، لكي نكسب بعض الأفكار علينا أن نحب الأوهام كثيرًا. وإن الذي يقبل أن يتبع هذه العلاقات الوهمية، وأن يجعل أحلام يقظته الخاصة ضمن أحلام اليقظة لأحلام اليقظة، ربما يجد في عمق الحلم الهدوءَ الكبير للكائن الأنثوي الحميم. إنه سينفذ إلى هذا الخدر من الذكريات الذي هو مرآة جد قديمة.

إن فصلنا الثاني، وإن كان فصلاً اختباريًّا أكثر من الأول، يجب مع ذلك أن يوضع تحت التنويه العام: “أحلام اليقظة لأحلام اليقظة”. وإننا سنستخدم الوثائق التي يعطيها علماء النفس على أحسن وجه. ولكن مادمنا نخلط هذه الوثائق مع أفكارنا الحلمية الخاصة فإنه يليق بالفيلسوف الذي يستخدم علم علماء النفس أن يتحمل مسؤولية ضلالاته الخاصة.

إن وضع المرأة في العالم المعاصر كان موضع أبحاث عديدة. فثمة كتب، كتلك التي كتبتْها سيمون دو بوفوار أو ف. جـ. جـ. بويتنديك، تُعتبَر تحليلات تلامس عمق القضايا.[11] أما فيما يخصنا فإننا سنحتفظ بملاحظاتنا لـ”أوضاع حلمية”، وسنحاول أن نحدِّد كيف أن المذكَّر والمؤنث – والمؤنث خاصة – يصنعان أحلام يقظتنا.

وإذا كان الأمر هكذا فإننا سنستعير معظم براهيننا من علم نفس الأعماق. فلقد أظهر ك. غ. يونغ، في عدد من الكتب، وجود ثنائية عميقة للنفس الإنسانية. ووضع هذه الثنائية تحت الإشارة المضاعفة، روح الأنوثة [= الأنيما] وروح الذكورة [= الأنيموس]. وكان عنده وعند مريديه أنه في كلِّ نفس، مؤنثة أو مذكرة، يجد المرء الحي والمحيي، تارة بشكل متعاضد وأخرى بشكل متنافر. غير أننا لن نتابع كلَّ التطورات التي أعطاها علم نفس الأعماق لهذا الموضوع ذي الثنائية الداخلية. فما نريده فقط هو أن نبيِّن أن حلم اليقظة، في حالته الأكثر بساطة وصفاء، إنما ينتسب لروح الأنوثة. ومما لا ريب فيه أن كلَّ تمثيل مبسَّط إنما يخاطر في جعل الواقع متعددًا؛ ولكنه يساعد في تحديد المنظورات. ولنقل، فيما يخصنا إجمالاً، إن الحلم جزء من الحي وإن حلم اليقظة جزء من المحيي. فأحلام اليقظة، من غير مأساة ولا حدث أو تاريخ، تعطينا الراحة الحقيقية، الراحة الأنثوية. وإننا لنربح فيها طراوة العيش. فالطراوة، والبطء، والسلام، إنما هي عملية حلم لليقظة في روح الأنوثة. ففي حلم اليقظة، يستطيع المرء أن يجد العناصر الأساسية لفلسفة الراحة.

وتذهب نحو قطب روح الأنوثة هذا أحلامُ يقظتنا. وإنها لتعود بنا نحو طفولتنا […]. ولكن يجب علينا، منذ الآن، أن نعيِّن من أية زاوية سنقوم بالفحص عن ذكريات الطفولة.

لقد ذكرنا غالبًا، في أثناء الأعمال السابقة، أننا لا نستطيع أن ننشئ علم نفس للخيال الخلاق ما لم نبلغ حدًّا نميز فيه بوضوح بين الخيال والذاكرة. وإذا كان ثمة ميدان يصعب فيه التمييز بين الأشياء فإنه ميدان ذكريات الطفولة، ميدان الصور المحببة، المحفوظة منذ الطفولة في الذاكرة. فهذه الذكريات التي تعيش بوساطة الصورة، وبفضل الصورة، تمسي في بعض ساعات حياتنا، وخاصة في زمن العمر الساكن، أصل حلم اليقظة المعقد ومادته: فالذاكرة تحلم، والذاكرة تتذكر. وعندما يصبح حلمُ يقظة التذكر رشيمًا لعمل شعري فإن مركب الذاكرة والخيال تتوثق عراهما، وتكون لهما أفعالٌ متعددة ومتناظرة تخدع صدق الشاعر. لذا فإن ذكريات الطفولة السعيدة، بصورة أكثر دقة، يقولها الشاعرُ بصدق. فالخيال يوقظ الذاكرة، ويوضِّحها.

سنحاول أن نقدم، بشكل مكثف، فلسفة لكينونة الطفولة تميِّز السمةَ الدائمة فيها. فالطفولة، في سماتها، تدوم مدى الحياة، وتعود لتوقظ قطاعات عريضة من الحياة الراشدة. ولكي يكون الأمر على هذا النحو يجب أن نعلم أن الطفولة لا تغادر مراقدها الليلية أبدًا. ففي بعض الأحيان يأتي طفل فينا ليسهر في نومنا. ولكن في الحياة اليقِظة نفسها، وعندما ينصبُّ عمل حلم اليقظة على تاريخنا، فإن الطفل الكامن فينا يحمل إلينا جميله. ويجب علينا أن نعيش؛ وإنه لجيد جدًّا أن نعيش مع الطفل الذي كنَّاه؛ إذ نتلقى بذلك وعيًا جذريًّا. فكلُّ شجرة الكائن تلتقي فيه. والشعراء يساعدوننا في العثور على هذه الطفولة الحية، الطفولة المستمرة، والدائمة، والساكنة.

ويجب علينا أن نشير […] أننا في هذا الحديث عن “حلم اليقظة المتجه نحو الطفولة” لن نعمل على تطوير علم نفس للطفولة. ذلك لأننا لن ننظر إلى الطفولة إلا كموضوع لحلم اليقظة. وهو موضوع قائم في أعمار الحياة كافة. لذا فإننا سنبقى ضمن حلم اليقظة، وفي تأمل روح الأنوثة. ولعل أبحاثًا أخرى ذات أهمية تضيء مآسي الطفولة، وتُظهِر، بشكل خاص، أن هذه المآسي لا تمَّحي، وأنها تستطيع أن تلد مجددًا، وأنها تريد أن تلد مجددًا. فالغضب يدوم، والغضب البدائي يوقظ طفولات نائمة. وقد يشعل الغضب المكظوم، في بعض لحظات الوحدة، مشاريع للانتقام وللجريمة. فيكون هذا الأمر هنا بمنزلة أبنية للحي؛ وهذه لن تكون أحلام يقظة للمحيي. فالأمر يتطلب مخططًا آخر للتحقيق غير مخططنا لكي يختبرها. ولكن على كلِّ عالم نفس دارسٍ للخيال الدرامي أن يرجع إلى غضب الطفولة وإلى تمردات المراهقة. وبالتأكيد فإن عالم نفس للأعماق، كالشاعر بيير جان جوف، لن يفوته هذا. وربما كان عليه أن يضع مقدمة لبعض الحكايات التي أعطاها عنوان: قصص دامية. فإن الشاعر، بثقافة نفسية مكثفة، قال إن في أساس هذه القصص “أحوال للطفولة”.[12] فالمآسي غير المنجزة تمنحنا أعمالاً يكون الحيُّ فيها ناشطًا، بصيرًا، حذرًا وشجاعًا، معقدًا. ومادام الأمر يتعلق بمهمتنا في تحليل أحلام اليقظة فإننا سندع جانبًا مشروعات روح الذكورة. وهكذا فإن حديثنا عن أحلام اليقظة باتجاه الطفولة ليس إذن سوى مشاركة في ميتافيزيقا الزمن الرثائي. وهذا الزمن الرثائي الحميم، زمن الندامة الدائمة، إنْ هو بعد كلِّ شيء إلا الواقع النفسي؛ وإن هو إلا الفترة التي تدوم. وحديثنا إنما يقدِّم، إذن، لميتافيزيقا ما لا ينسى.

ولكنه من الصعب على فيلسوف أن يسهو عن عاداته الفكرية الطويلة. وحتى حين يكتب كتابًا للتسلية فإن الكلمات، الكلمات القديمة، تريد أن تقتحم الأداء. وهكذا فقد اعتقدنا أن من واجبنا أن نكتب فصلاً تحت عنوان متحذلق: “إدراك الحالم”. ولقد سمعت بعضهم يقول، في الأربعينات من حياتي كفيلسوف، إن الفلسفة قد أخذت مسارًا جديدًا من الكوجيتو Cogito ergo sum [“أنا أفكر إذن أنا موجود”] لديكارت. وكان عليَّ أنا شخصيًا أن أعلن عن هذا الدرس الابتدائي. وإني لأرى في نظام الأفكار أن هذه عملية بينة. ولكن ألا نضايق الدوغمائية إن سألنا الحالم إذا كان بالتأكيد هو الكائن الذي يحلم حلمه؟ إن مثل هذا السؤال لا يُفزِع ديكارت. ذلك أن التفكير والإرادة والحب والحلم، بالنسبة إليه، أمور تتصل دائمًا بنشاطه الذهني. فلقد كان متأكدًا – هذا الرجل السعيد – أنه هو، هو بالتأكيد، هو وحده يمتلك انفعالات وحكمة. ولكن الحالم، الحالم الحقيقي الذي يعبُر جنونات الليل، هل هو متأكد من ذاته؟ أما نحن ففي شكٍّ من هذا. ولقد تقهقرنا دائمًا أمام تحليل أحلام الليل. ثم وصلنا، بسبب هذا، إلى هذا التمييز الغامض قليلاً، الذي يقع عليه، مع ذلك، أن يضيء تحقيقاتنا. فالحالم ليلاً لا يستطيع أن يعلن عن إدراكه؛ إذ إن حلم الليل هو حلم من غير حالم. وعلى العكس من ذلك فإن حالم أحلام اليقظة يحتفظ بوعي كافٍ لكي يقول: إنه أنا الذي يحلم بأحلام اليقظة، وإني أنا السعيد، إذ أحلم حلم يقظتي، وإني لم أعد أضطلع بمهمة التفكير. وهذا هو ما حاولنا أن نُظهِره مستعينين بأحلام يقظة الشعراء، وذلك في الفصل الأول ذي العنوان: “كوجيتو الحالم”. ولكن حالم أحلام اليقظة لا يستغرق في عزلة الإدراك. فإدراكه الذي يحلم يمتلك فورًا، كما يقول الفلاسفة، مدرَكه. ويكون لحلم اليقظة مباشرة موضوعًا، موضوعًا بسيطًا، صديقًا للحالم وصاحبًا. وبالطبع فإننا قد وجدنا عند الشعراء أمثلتنا عن الأشياء التي صيَّرها حلمُ اليقظة شعريةً. وحين يعيش المرء فإن من بين كلِّ ظلال الشعر التي يحملها إليه الشعراء نجد أن الأنا، إذ تحلم بحلم اليقظة، تكتشف ليس الشاعر، ولكن “أنا” ناظمة للشعر.

بعد هذا المدخل الفلسفي الجاف، نجد أنفسنا وقد عدنا إلى الفصل الأخير، لنفحص صورًا متطرفة لحلم اليقظة، دون توسل بالذات المهتاجة أو العلم المفرط. فلقد أردت أن أتابع الصور التي تفتح العالم وتجعله كبيرًا. ذلك لأن الصور الكونية تبدو أحيانًا جد مهيبة، فيأخذها الفلاسفة على محمل الأفكار. وحاولنا، إذ عشناها بمقياسنا، أن نظهر أنها، كانت، بالنسبة إلينا، فترات استجمام لحلم اليقظة. فحلم اليقظة يساعدنا على سكنى العالم. ولهذا السبب، إذن، فقد اخترنا عنوانًا لهذا الفصل هو: “حلم اليقظة والكون”. ويمكن للمرء أن يفهم أننا لا نستطيع في فصل قصير أن نعالج قضية جد واسعة. فلقد لامسناها مرات عديدة في أبحاثنا السابقة حين تكلَّمنا عن الخيال، ولكننا لم نذهب في معالجتها أبدًا حتى الأعماق. وسنكون سعداء اليوم إذا استطعنا أن نطرح القضية طرحًا أوضح على الأقل. فالعوالم المتخيَّلة تحدِّد وحدة المشاعر لأحلام اليقظة. وقد بلغنا نقطة نستطيع معها أن نستنطق قلبًا ونطلب منه أن يبوح بحماساته أمام عظمة العالم المشاهَد مليًّا، والمتخيَّل بتأملات عميقة. وقد فعلنا ذلك تمامًا كما يفعله المحلِّلون النفسيون الذين كان بإمكانهم أن يعثروا على مفاتيح جديدة للذهاب إلى عمق الروح، لو أنهم مارسوا التحليل الكوني قليلاً. ومن هذا التحليل الكوني، ها هو مثل نستقيه من صفحة كتبها فرومانتان في دومينيك. إن دومينيك يقود مادلين، في اللحظات الفاصلة لانفعاله، إلى مواقع كان قد اختارها بروية:[13]

أحببت أن أجرب على مادلين خاصة وَقْعَ بعض التأثيرات ذات الصبغة المادية وليس الأخلاقية، والتي كنت أنا شخصيًّا خاضعًا لها باستمرار. وضعتها أمام بعض لوحات تمثل الريف. وقد تمَّ اختيارُها من بين تلك التي كانت لها موهبة أكيدة في إثارتي، وكانت هذه اللوحات مكوَّنة دومًا من قليل من الخضرة، وكثير من الشمس، ومن بحر واسع الامتداد. ثم راقبت في أيِّ اتجاه ستأخذها الدهشة. كما راقبت من أيِّ أطراف الفاقة أو العظمة يستطيع هذا الأفق الحزين والرصين والعاري دائمًا أن يعجبها. واستنطقتُها، بمقدار ما كان هذا يسمح لي، عن تلك التفاصيل من الحساسية الخارجية.

وهكذا يبدو أن الكائن المستنطَق، أمام السعة، يكون صادقًا صدقًا طبعيًّا. فالموقع يسيطر على الفقراء وأصحاب “الأوضاع” الرخوة اجتماعيًّا. وإذا كان الأمر هكذا فأيُّ ثمن سيكون لدفتر صور المواقع، وذلك لكي نستنطق كائننا الوحيد، فيكشف لنا العالمَ حيث يجب علينا أن نعيش في اتساق مع أنفسنا! إن دفتر صور المواقع هذا نتلقاه من أحلام اليقظة بوفرة لا نجدها في عدد من الرحلات. وإننا لنتخيل عوالم حيث يكون لحياتنا كلُّ وميضها، كلُّ حرارتها، وكلُّ امتدادها. وإن الشعراء ليأخذوننا إلى أكوان تتجدد دون توقف. ولقد كان المشهد الطبيعي، في الفترة الرومانسية، أداة شعورية. ولذا حاولنا، إذن، […] أن ندرس امتداد الكائن الذي نتلقاه من أحلام اليقظة الكونية. وإن الحالم ليعرف من أحلام اليقظة الكونية أحلامه اليقِظة من غير مسؤولية – تلك الأحلام التي لا تتوسل برهانًا. ويمكن القول، أخيرًا، إن تخيل كون ما هو القَدَرُ الطبيعي الأغلب لأحلام اليقظة.

7

لنقل […] بعض الكلمات [في القراءة]. إننا في وحدتنا، من غير إمكانية نلجأ بها إلى تحقيقات نفسية، يجب علينا أن نبحث عن وثائقنا. وإنها لتأتي من الكتب. فحياتنا كلها قراءة.

إن القراءة بُعدٌ نفسي معاصر. وهي بُعدٌ يبدِّل الظواهر النفسية التي بدَّلتْها الكتابة سابقًا. ولذا يجب أن يأخذ اللغة المكتوبة كما لو أنها واقع نفسي خاص. فالكتاب مستمر مادام، وهو تحت بصرنا كشيء من الأشياء. إنه يكلِّمكم بسلطوية رتيبة لا يملكها كاتبُه نفسه. ويجب على القارئ أن يقرأ المكتوب جيدًا. ولكي تتم الكتابة، نلاحظ، على كلِّ حال، أن الكاتب قد أجرى مسبقًا عملية إبدال. فهو لا يقول ما يكتب. فلقد دخل – ولا يغير من الأمر شيئًا أن يدفع هذا عن نفسه – في مملكة نفس المكتوب.

وتأخذ الحياة النفسية الملقَّنة هنا دوامَها. وإنها لتذهب بعيدًا تلك الصفحة التي يتحدث فيها إدغار كينيه عن قوة الإرسال في الرامايانا.[14] فقد قال فالميكي لمريديه:

تعلموا القصيدة الملهمة؛ فإنها تهب الفضيلة والغنى: إنها لتمتلئ طراوة عندما تتأقلم مع موازين الزمن الثلاثة. وإنها لتكون أكثر عذوبة إذا تزاوجت مع صوت الآلات، أو إذا غُنِّيَتْ على سبعة أوتار الصوت. فالأذن المخلوبة تثير الحب، والشجاعة، والقلق، والذعر… أوه، القصيدة الكبرى، والصورة الوفية للحقيقة.

والقراءة الخرساء، القراءة البطيئة، تعطي للأذن كلَّ هذا التناغم.

ولكن أفضل برهان على خصوصية الكتاب تكمن في كونه واقعًا وافتراضًا للواقع في الوقت نفسه. وإننا لنضع أنفسنا، حين نقرأ رواية من الروايات، في حياة أخرى تجعلنا نتألم، ونأمل، ونشفق؛ ولكن يصحب ذلك، على كلِّ حال، شعورٌ معقد أن قلقنا ليس جذريًّا. وإن كلَّ كتاب يبعث على القلق يستطيع، والحال كذلك، أن يزوِّد بتقنية لتقليل القلق. وإن كتابًا يثير القلق ليقدِّم للقلقين علاجًا تجانسيًّا[15] للقلق. ولكن هذا العلاج التجانسي يبلغ أثره في قراءة متأملة وفي قراءة تعطيها الفائدة الأدبية قيمة. وإذا كان الأمر كذلك فإن مخطَّطين للحياة النفسية يتفرعان؛ والقارئ يساهم فيهما عندما يصبح واعيًا وعيًا جيدًا بجمال القلق. فهو قريب من اكتشاف التصنع فيه، لأن القلق تصنُّع: فلقد خُلِقْنا لكي نتنفس. وإن الشعر في هذا – ذروة كلِّ فرح جمالي – يكون ناجعًا.

وماذا يستطيع الفيلسوف أن يفعل، من غير عون الشاعر، وهو محمَّل بالسنين، ومصرٌّ أن يتكلم عن الخيال؟ وما من أحد يختبر فيه. إنه سيضيع فورًا في متاهة الاختبارات والاختبارات المضادة حيث يهيِّج عالِمُ النفس الذاتَ المفحوصة. وهل يوجد فعلاً في ورشة عالِم النفس، على كلِّ حال، روائز للخيال؟ وهل ثمة علماء نفس من التحمس لكي يجددوا، من غير توقف، الأدواتِ الموضوعية لدراسة الخيال المهتاج؟ إن الشعراء يتخيلون بسرعة أكبر من أولئك الذين ينظرون إليهم وهم يتخيلون.

كيف يمكن للمرء أن يدخل في شعرية فلك زماننا؟ إن عصرًا من الخيال الحر قد انفتح. والصور تغزو الأجواء من كلِّ حدب وصوب، وتذهب من عالم إلى آخر، وتنادي السمع والبصر إلى أحلام مكبَّرة. والشعراء يفيضون بالكبار والصغار، بالمشهورين والمغمورين، بأولئك الذين نحب وأولئك الذين يُبهِرون. إن من يعيش من أجل الشعر يجب عليه أن يقرأ كلَّ شيء. فكم من مرة فاضَ عليَّ نورُ صورة جديدة من كتاب صغير. وعندما يقبل المرء أن تُحرِّكه صورٌ جديدة يكتشف ألوانًا قزحية في صور الكتب القديمة. فالأعمار الشعرية تتحد في الذاكرة الحية. والعمر الجديد يوقظ القديم؛ والعمر القديم يعود ليعيش في الجديد. ولا يمكن أبدًا للشعر أن يكون واحدًا إلا عندما يتنوع.

أي خير تحمله إلينا الكتب الجديدة؟ وإني لأريد أن تقع عليَّ من السماء، كلَّ يوم، قفة مليئة بالكتب التي تتكلَّم عن الصورة الشابة. وهذا النذر طبيعي. وهذا الإعجاز سهل. فالجنة، في الأعلى، أو في السماء، أليست مكتبة عظيمة؟

ولكن لا يكفي المرء أن يستقبل؛ إذ يجب عليه أن يستضيف. ويجب، كما يقول المربي واختصاصية الحِمْية بصوت واحد، على المرء أن “يهضم”. وننصح، من أجل ذلك، ألا نقرأ بسرعة، وأن ننتبه كي لا نبلع قطعة كبيرة. ويقولون لنا: جزِّئوا كلَّ واحدة من الصعوبات إلى أجزاء كثيرة بحيث يمكن لكلِّ جزء أن يُحَلَّ على ما يرام. نعم امشوا جيدًّا، وتجرَّعوا جرعات صغيرة، وتذوقوا القصيدة كأسًا فكأسًا. ولكن ثمة مبدأ يحكمها. إذ يحتاج المرء إلى شهية جيدة في الطعام والشراب والقراءة. يجب أن يشتهي المرءُ في القراءة كثيرًا، في القراءة أيضًا، وفي القراءة دائمًا.

وكذلك، فإني منذ الصباح، وأمام الكتب المبسوطة على منضدتي، أتوجه إلى ربِّ القراءة بدعاء من القراءة المفترسة:

“أعطنا اليوم جوعنا كفاف يومنا…”

*** *** ***

ترجمة: منذر عيَّاشي*

[1] Jules Laforgue, Moralités Légendaires, Mercure de France, p. 24.

[2] “Eine Hervorbringung in Ganzen.” Cf. De l’origine du Langage, 1859, p. 100.

إن إرنست رينال هو الذي أعطى أجمل ترجمة نستعملها.

[3] Muse: “كل ربة من الربات التسع الشقيقات اللواتي يرعين الغناء والشعر والفنون والعلوم في الميثولوجيا الإغريقية.” (عن قاموس المنهل)

[4] La poétique de l’espace, PUF, p. 2.

[5] شارع عريض مشجر، تقوم المقاهي على جانبيه. (م. ع.)

[6] Cité par Anthéaume et Dromand, Poésie et folie, Paris, 1908, p. 351.

[7] أعترف أن راوي الأحلام يصيبني بالملل غالبًا. وقد كان يمكن لحلمه أن ينال اهتمامي لو أنه كان مصنوعًا جيدًا بصراحة. ولكن سماع المرء قصة مجيدة عن خبله! وفي الواقع لم أوضح بعد، نفسيًّا، سبب هذا الملل الذي ينتابني وأنا أستمع إلى قصة أحلام الآخرين، ربما لأني أحتفظ بالصراحة العقلانية. فأنا لا أتابع طائعًا قصة غير متماسكة تمامًا. كما وأني أشك دائمًا بأن قسطًا من الحماقات المروية إنما هي حماقات مختلَقة.

[8] Rober Desnos, Domaine public, Éd. Gallimard, 1953, p. 348.

[9] Victor Hugo, En voyage: France et Belgique. Dans L’homme qui rit (t. I, p. 148), Victor Hugo écrit : « La mer observée est une rêverie ».

[10] يمكن لعبارة شيلي أن تعطى كمبدأ أساسي لفينومينولوجيا الرسم. وإنها لتستوجب توترًا أشد لكي تطبَّق على فينومينولوجيا الشعر.

[11] Simone de Beauvoir, Le deuxième sexe, Gallimard ; F. J. J. Buytendijk, La Femme : ses modes d’être, de paraître, Desclée de Brouwer, 1954.

[12] Pierre-Jean Jouve, Histoires sanglantes, Éd. Gallimard, p. 16.

[13] E. Fromentin, Dominique, p. 179.

[14] Edgar Quinet, Le génie des religions : L’épopée indienne, p. 143.

[15] أي يستعمل العامل المُمرِض للشفاء من الداء، عملاً بمبدأ “وداوِها بالتي كانت هي الداء”. (المحرِّر)

* د. منذر عياشي: باحث من سوريا يهتم باللسانيات،

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.