الرئيسية | فكر ونقد | رواية “ثلاثية الرباط” للكاتب والمفكر عبد الكبير الخطيبي أو ثلاثية الجنس والسلطة والمال | مراد الخطيبي

رواية “ثلاثية الرباط” للكاتب والمفكر عبد الكبير الخطيبي أو ثلاثية الجنس والسلطة والمال | مراد الخطيبي

 مراد الخطيبي

 

مراد الخطيبيصدرت رواية الأديب والمفكر المغربي عبد الكبير الخطيبي (11 فبراير 1938-16 مارس 2009) بالفرنسية في طبعتها الأولى سنة  1994 تحت عنوان : Triptyque de Rabatوصدرت أيضا باللغة العربية ضمن منشورات الرابطة ا بالبيضاء سنة 1998 تحت عنوان “ثلاثية الرباط”و ترجمها المترجم والباحث المغربي فريد الزاهي.

تضم الرواية التي تقع في 139 صفحة، 13 فصلا من بينها “الطيف” و “في الوزارة” و”في المتاهة” و ” المنشقون” و” في الديوان” و ” ضرورة الكتمان” و “اختفاء” وغيرها من العناوين المثيرة التي تدور في فلك ادريس الشخصية المحورية في الرواية وما يفرزه صوته وحضوره من علاقات متشابكة وأحداث وتيمات نسجت في قالب سردي وتخييلي غاية في الإبداع والجمال.

Triptyque de Rabatويبدو أن “ثلاثية الرباط” رواية لم تنل حظها الوافر من لدن الباحثين والنقاد على غرار العمل الإبداعي الأول الذي أصدره الأديب عبد الكبير الخطيبي سنة 1971 تحت عنوان “الذاكرة الموشومة La mémoire tatouée. ورغم كون “الذاكرة الموشومة” سيرة ذاتية أساسا إلا أنها تتوفر على مقومات فنية تجعل منها عملا روائيا متفردا. تؤرخ لفترات مهمة من حياة عبد الكبير الخطيبي ابتداء من مرحلة ولادته إبان الحرب العالمية الثانية إلى غاية ذهابه إلى فرنسا من أجل استكمال دراسته العليا بجامعة السوربون بباريس بفرنسا في شعبة علم الاجتماع.وتتخلل هذا المسار العام للعمل محطات عديدة تتحدد وفق أزمنة وأمكنة مختلفة.

“ثلاثية الرباط” رواية لا تقل أهمية عن الرواية السالفة الذاكرة من خلال لغتها العميقة والقوية وتوظيفها لآليات وتقنيات روائية

وكذا لطرق متنوعة في الحكي ببراعة شديدة من بينها الوصف المركز والدقيق والسخرية والاستعارة والجنس و الفلاش باك وتيار الوعي الذي يميز عادة كتابات الروائية فرجينيا وولف.

ما يميز الرواية أيضا هو تطابق عالمها التخييلي مع الواقع السياسي والاجتماعي المرتهل الذي يعيشه المغرب حاليا علما أنها صدرت كما سلف الذكر سنة 1998 تزامنا مع اقتراب مرحلة حكومة التناوب السياسي في المغرب. بمعنى آخر، هذه الرواية باعتبارها ورشة للكتابة وأيضا للتأمل والتفكير كانت سابقة لعصرها بكل حمولاته السياسية والفكرية والثقافية.

 مدينة الرباط وهي المدينة المركزية في الرواية تمثل جزءا من كل فهي تجسد عالم المغرب كله بكل تناقضاته أولا باعتبارها عاصمة المغرب من الناحية السياسية وثانيا باعتبارها ملاذا لكل الطامحين في مناصب سياسية وإدارية مرموقة.

راهنية الرواية تتمثل في كونها تنبش في الجوانب السلبية التي تحيط بثلاثية الجنس والسلطة والمال وتدق ناقوس الخطر حول الوضع الكارثي للعمل السياسي حيث أصبح وسيلة للاسترزاق والكسب والوصول إلى أعلى المراتب في هرم السلطة على حساب الشعب. في حين أن العمل السياسي الحقيقي يجب أن يدفع في اتجاه التأطير والوقوف إلى جانب المجتمع. الفساد الإداري أيضا عنصر رئيسي في الرواية وما يتخلله من شراء للذمم والرشوة والمحسوبية والكسب غير المشروع والوصول إلى المناصب الإدارية بطرق بعيدة كل البعد عن مبدأ الكفاءة و الاستحقاق.

الجنس أيضا مفتاح مهم لفهم الرواية وتفكيك مدلولاتها وتشفير عناصرها باعتبارها خطابا يفسر الواقع ويحلله ويدعو بشكل غير مباشر إلى انتقاده وتجاوزه. الرواية تنتقد التعامل الغير السليم مع المرأة باعتبارها جسدا ليس إلا . وتنتقد أيضا الانتهازيين الذين يبيعون ضمائرهم ليصلوا إلى السلطة وبعدها يمارسون سيادتهم على الأنثى.الجنس الذي لا زال مقهورا في مجتمعاتنا العربية رغم كل المزاعم التي تسعى لإثبات العكس.

الرواية في مجملها تصور بشكل درامي الوضع القهري الذي أصبح يعيشه المجتمع المغربي من خلال حالات يأسه من كل إصلاح

وعدم ثقته في السياسة والسياسيين الذين خذلوهأكثر من مرة.

“ثلاثية الرباط” رواية يمكن اعتبارها رواية واقعية سياسية لكنها تحتوي على مقومات فنية مهمة وكتبت بأسلوب جميل وراقي كما أن ترجمتها العربية حاولت  بدورها الحفاظ على قيمتها الإبداعية عن طريق استعمال عدة آليات في الترجمة منها ما هو مباشر مثل: الترجمة الحرفية، الترجمة بالدخيل أو الاقتراض، الترجمة بالنسخ. ومنها ماهو غير مباشر على غرار: الاقتباس والتصرف، المعادلة أو المقابلة، التكييف، التحوير باستراتيجياته الثلاث: تبديل الثابت، الترجمة بالزيادة، الترجمة بالنقصان أو الحذف.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.