الرئيسية | سرديات | رجل وحيد يخشى الأحلام | أحمد أبو خنيجر

رجل وحيد يخشى الأحلام | أحمد أبو خنيجر

أحمد أبو خنيجر  ( مصر):

 

         على نحو مباغت مرت في حلم لم يكن يخصها، لا أدري سبب مرورها على هذا النحو، حتى الحلم- في الصباح- كانت تفاصيله قد تساقطت، و لم يبق منه سوى مرورها المباغت؛ حاولت بكل طاقتي تذكر بعض التفاصيل التي قد تخبرني عن سبب مرورها بحلم- على الأقل- لا يخصها، لكن ذاكرة الأحلام اللعوب لم تسعفني بشيء.

         أحاذر عند الاستيقاظ من التحرك مباشرة، أبقى لفترة خاملا و كسولا محاولا استرجاع ما جرى في ليلتي من أحلام، علها تنير لي بعضا من متاهات و متاعب روحي، و كم يكون بهيجا عندي أن مرت الليلة بسلام دون أحلام؛ في ذلك الصباح لم يكن متبقيا من الحلم سوى مرورها الخاطف، مما أربك روحي و جعلني متوترا بعض الشيء، و لما ذهبت للعمل ورأيتها اقتربت منها متعللا بأشياء كثيرة، فقط لأهمس ملقيا العبء عن روحي: ابتعدي عن أحلامي.

         ربما تفاجات من قولي، و من صوتي شديد الارتباك، لكن بسمة عينيها البهيتين قالتا: لا. فتحركت مبتعدا و أنا أرى نفس العينين، بنفس الضحكة- في الحلم- قد ارتسما أمامي بكل قوة و وضوح.

         ربما كنت أسير وحيدا و ضائعا، تائها في صحراء، أو غابة، أو جزيرة يغرقها البحر بموجه، لا أتذكر أن كنت خائفا أم لا، فقط إحساسي بالوحدة و الضياع و العجز، في قلب هذا الإحساس رفت عينها ببسمتها في سماء حلمي، فانتبهت من نومي مكروبا و مرددا: مالها و مال أحلامي؛ و حين وجدتها في الصباح أمامي، همست: ابتعدي.

*        *          *                  *                 *          *

تمتعت لليالٍ طويلة بالنظر إلى السقف مبتهلا ألا تغشاني الأحلام، و كنت قد نسيت الحلم القديم أو تناسيته؛ كانت ليال صافية بلا أحلام، فقط الضجر و الكآبة تمرح فى سماء روحي، لكن ذلك لم يدم، فينما كنت عائدا من سفر طويل مجهد، أحن بعده للحظة أفرد جسدي فيها على سرير وحدتي، غافيا و مستمتعا ببعد العالم عنى، و بعدى عن العالم، قبل النوم كانت تناوشني بعض الخواطر، فرحت أرددها جالبا لعيني الوسن المشتهى:

لم تكن سوى ظلال

لا تفضي إلى شيء

فقط

إلى ظلام.

************

ربما يشف الحلم عن معنى

أو إلى متاهة

فما بال أحلامي

مشوشة بالحزن.

*********

أريد لها أن تمضى هكذا

بلا كدر

كنسمة لم يبللها المطر.

*********

ما بال الحياة ثقيلة

بلا وزن

………..

لم أكمل الخاطرة الأخيرة، أو ربما أكملتها، لأن ملاك النوم كان قد طار بى في أرض أحلامي، و كان نبع و جدول و زهور و أشجار صغيرة تنفث عبيرها فى الجو، و كان غناء عذب يتحدر من غيمة تقترب لتحط على النبع، و الغناء الساحر ينسكب داخل روحي، يغسلها و يطهرها من قلقها، صوت طفولي لعوب، يهاجم مسام روحي جميعا، فأتلفت بحثا عنه، لأراها تنبت من قلب الغيمة، واقفة بجوار النبع، لاهية تغنى، غير منتبهة لوجودي الضائع فى البهاء الذي ينبعث منها و يحيط بها، أكانت تداعب فراشة، أم تطير وردا في سماء الحلم ليغني من حولي كجوقة يردد خلفها، لم أعد قادرا على البقاء مكاني، و حين حاولت التقدم نحوها، رفعت عينها محذرة: إن اقتربت احترقت. و كأنما صوتها يقطر غواية يدفعني نحوها، و قبل أن أنقل قدمي ردني ملاك النوم لسرير وحدتي أحاور الخاطرة الأخيرة التي ما أكملتها.

 *            *                  *               *                     *

         في اليوم التالي، رغم التعب قررت الذهاب إليها، و أكون أكثر وضوحا و حدة و أنا أطلب منها و بحزم أن تبقى بعيدة عن أحلامي، فأنا رجل يخشى الأحلام كما يخشى الحياة، كانت مولية ظهرها و أنا متقدم من خلفها نحوها، و حماس يتأجج بداخلي للانتهاء من الحكاية، لكن صوتها أرجفنى و جعلني أقف على بعد خطوة منها، بينما هي تستدير بكامل ألقها و طغيان أنوثتها، و صوتها العذب يغنى نفس أغنيتها على النبع.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.