الرئيسية | بالواضح | جمهورية مصر السلفية ! | رباب كمال

جمهورية مصر السلفية ! | رباب كمال

رباب كمال – مصر

 

تصاعدت وتيرة الإرهاب في مصر من جديد، تحديدا بعد إزاحة ُحكم الإخوان المسلمين عن السلطة في مصر.

 ضرب الإرهاب مصر بضراوة في شمال سيناء على وجه الخصوص وأصبح الجيش المصري يواجه الجهاديين وتنظيم الدولة الإسلامية وجها لوجه.

تعرض المدنيون (مسلمون و مسيحيون) في خضم هذه الأحداث في  مناطق شمال سيناء للإرهاب الذي أدى إلى نزوحهم من ديارهم، وتصاعدت العمليات في شهر يناير وفبراير 2017 حيث تم استهداف منازل الأقباط  وتم قتل 7 مسيحيين أمام أفراد عائلاتهم، مما أدى إلى تهجير ونزوح أعداد  كبيرة من الأسر المسيحية من مدينة العريش.

 في ظل هذه الأحداث التي تعلن فيها مصر محاربة تنظيم الدولة الإسلامية في سيناء، نسمع خبرًا يجعلنا نتوقف كثيرًا أمامه، وهو خبر سجن الشيخ محمد نصر خمس سنوات بتهمة ازدراء الأديان في 26 فبراير 2017. والشيخ محمد نصر  هو الشيخ  الذي ُاشتهر بتوجيه النقد اللاذع لمؤسسة الأزهر وللمناهج الأزهرية لما تحويه من تراث ديني يؤسس للعنف و التمييز.

في حقيقة الأمر فإن قضايا ازدراء الأديان لاحقت عدد من الـُكتاب المصريين  في سنوات ما بعد انتهاء حكم الإخوان، من بينهم الروائي كرم صابر عام 2014 والباحث إسلام البحيري عام 2015  والكاتبة فاطمة ناعوت في 2016.

ودومًا نجد الرد حاضرًا من بعض الإعلاميين عن مثل هذه الأحكام لأنها أحكام القضاء وعن قانون ازدراء الأديان لأنه رفض البرلمان مؤخرًا المساس بالقانون.

وهنا علينا أن نتساءل بشكل موضوعي عن رغبة الدولة في الإبقاء على هذا القانون، لقد اُنتخب الرئيس السيسي في مايو 2014 وظلت مصر خالية من التمثيل البرلماني حتى ديسمبر 2015، أي أن الرئيس قام على مدار عام ونصف بتولي مهمة التشريع وقام بإعداد حوالي 250 مشروع قانون ولم يفكر الرئيس أن يقوم بإعداد مشروع واحد لحماية المفكرين من سيف قانون ازدراء الأديان،  وهذا أمر لابد أن نضعه في الاعتبار لأنه مؤشر واضح بأن الرئاسة لم يتولد لديها الرغبة في القضاء على هذا القانون، وأظن أنه تساءل مشروع إن سألنا “هل أبقت الرئاسة على قانون ازدراء الأديان إرضاء للأزهر؟”

سُيرد علينا البعض قائلين بأن الرئيس المصري طالب بتجديد الخطاب الديني، وهنا علينا أن نتساءل ثانية، هل المقصود تجديد الخطاب الديني أم توجيه الخطاب الديني لمصالح النظام السياسي؟

هل يعيد التاريخ نفسه ؟

3هل  ُيعيد التاريخ نفسه، و يؤازر الأزهر الدولة في مواقفها السياسية.. في مقابل عدم المساس بتلك القوانين التي تكمم أفواه معارضي الأزهر وتُخرس ألسنة وأقلام من ينتقدون التراث الديني ؟

لقد تعرضت مصر -في تسعينيات القرن الماضي – لموجة إرهاب عاتية على يد الجهاديين. والدولة لم تكن موفقة في الحلول الأيدلوجية لمواجهة هذا  الإرهاب، بل كانت سببا في تحضير “عفريت الأصولية”، فحين واجهت إرهاب الجهاديين قبل 25  عاما، لجأت الدولة للأزهر على أساس أنه صوت السماحة والاسلام الوسطي الذي سينحاز للدولة ضد الإرهاب.

 واصطاد الأزهر في الماء العكر وربط بين تأييده للدولة في مواجهة الجهاديين، وبين منح الدولة إياه سلطات ليلاحق  بها الليبراليين والعلمانيين وأنصار دعاة الدولة المدنية.

فطالب حينها شيخ الأزهر الأسبق الشيخ جاد الحق على جاد الحق استيضاحا من مجلس الدولة بشأن سلطات الأزهر في الرقابة على الأعمال الأدبية والمرئية والمسموعة، وكان له ما أراد على يد المستشار طارق البشري رئيس قسم الفتوى والتشريع بمجلس الدولة  في 10 فبراير 1994، أي بكل اختصار، دعم الأزهر الدولة في حربها ضد الإرهاب في مقابل الحصول على سلطات لكبح كماح الليبراليين .

 كان هذا الحدث أمر في غاية الأهمية لنعي جيدا علاقة الدولة المصرية حاليًا بمؤسسة الأزهر. فالدولة تستخدم الأزهر كذراع ديني يمنحها الشرعية الدينية ويستصدر لها فتاوى مؤيدة لها،  بينما يحصل الأزهر من الدولة على سلطات يمارس بها سطوته الدينية. (أما الخلافات فهي ليست جوهرية لدرجة الطلاق السياسي).

معرفتي بالشيخ محمد نصر

لا يمكن لنا أن ننكر أن الشيخ محمد نصر كانت له صولاته وجولاته في إطار مناهضة الأصوات الأكثر تعصبًا و تطرفًا بل أرق مضاجع مشايخ الأزهر والسلفية على حد سواء ..

فأنكر الشيخ محمد نصر ما جاء في حديث البخاري حول عذاب القبر وقال لا يوجد ثعبان أقرع في القبر ولا حتى ثعبان بشعر، وانتقد حديث مسلم وما جاء فيه حول بعث الرسول بالسيف، أي أنه في حقيقة الأمر كان يمثل صوت  ُيجمل وينقح الكثير من التراث، كما أنه من الشيوخ الذين حذروا من خطورة ارتداء النقاب..

أتذكر أن أول لقاء جمعنى بالشيخ محمد نصر كان في ديسمبر عام 2014، حين قدمت معه ندوة ثقافية في القاهرة في إطار تجديد الخطاب الديني، ولربما أتذكر اعتراضي على بعض ما قاله الشيخ نصر، لأن الشيخ نصر نقد تطبيق الحدود حسب أحاديث البخاري وطالب بأن يكون القرآن مرجعيتنا لتطبيق الحدود، وكان وجه اعتراضي واضحًا، فالدولة المدنية من المفترض ألا تقر تطبيق الحدود حسب الشريعة الإسلامية سواء كان مصدرها البخاري أو القرآن و أن حدود البتر والقطع  من المفترض أنها أصبحت من مخلفات هذا الزمان، خاصة وأن السجون أصبحت وسيلة العقاب في دول العالم المتحضر (وقد تبنى الشيخ  هذا الفكر فيما بعد  لكن من وجهة نظر تأويلية وليست بالضرورة بمفردات حقوقية).

لقد حكمت محكمة شبرا الخيمة في مصر  يوم 26 فبراير 2017 على الشيخ محمد نصر بازدراء الإسلام في الاتهام الذي وجه إليه  بانكار حد القطع أي حد السرقة في القرآن حيث  فسر الشيخ  الآية على أنها لا تعني البتر بالضرورة بل تعني المنع.

هل نفهم من ذلك الـُحكم بأن القضاء المصري والدولة المصرية لديهم قناعة بتطبيق حدود البتر و قطع اليد ؟!

هل تنتصر مصر على الإرهاب وهي ترتدي جلباب السلفية القصير؟ هل تنتصر مصر على الإرهاب بدعم السلفية أم بدعم ثقافة تنوير واضحة  تتبناها الدولة ؟

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.