الرئيسية | فكر ونقد | ثورة المكان في شعر محمد بنميلود | سعيد تكَراوي

ثورة المكان في شعر محمد بنميلود | سعيد تكَراوي

سعيد تگراوي

 

محمد بنميلود استثناءٌ في الساحة الشعرية المغربية خاصة والعربية عامة، يشكل نموذجا خاصا من الكتابة شعرا ونثرا، وما يهمنا في السياق الكتابة الشعرية. لقد أحدث ثورة في الإبداع الشعري من حيث لغته، إنهااللغة التي تعدُّ:عنصراً مهما في تشكيل أبنية الوعي في الواقع، بما يشتمل عليه من جوانب سياسية واجتماعية واقتصادية.” (1)

وهذا ما نعتبره – إلى حدٍّ ما- ضربا من التعبير الثوري في رصد قضايا اجتماعية، إنها لغةٌ بسيطة تغلفها أحيانا صورٌ شعرية أقرب بكثير إلى ما يستهدفه الشاعر من الكشف عن واقع نماذج بشرية تمثل عمق المجتمع المغربي، حيث ينفذ إلى قاع هذا المجتمع ليعري عن حقيقة مُرةٍ محاكيا واقعا حقيقيا بعيدا عن الزيف والتمويه، ولاسيما وأن الشاعر يسعى لتصوير الواقع الحقيقي للمهمش والمنبوذ والمنسي  دون روتوشات بغيةَ الكشف، منتقيا الكلمة المناسبة التي تكون أكثر التصاقا بهذا الواقع. فالشاعر يروم الكلمة التي تحقق هدفا معينا، تلك الكلمة التي تعتبر: ” … معادلاً لغوياً للفعل الثوري في الواقع.” (2)

و بذلك، يغدو شاعراً يجول دروب العاصمة وشوارعها  ليلا ونهارا حاملا بوصلة الرصد الممثلة في خيال ثوري يروم الواقعيةَ كما يمثلها أناسُ  أزقة الرباط، وأحيائها القديمة، وشوارعها المكتظة، وباراتها التي لا تتوقف عن أغاني الأسى، و اهتزازات الأجساد بالأنين، عسى أن يكون النبيذ خلاصا لجراح التمزق النفسي والاجتماعي.

محمد بنميلود – من هذا المنطلق – شاعر الأمكنة الواقعية بامتياز بكل حيثياتها وكائناتها، شاعر الشارع بكل تناقضاته، والزقاق القديم بكل تعقيداته، شاعر الإسكافي، وبائع السجائر بالتقسيط، والعاطل والمعطَّل، والمتسكعين، وأصحاب الدكاكين الصغيرة،  شاعر الحانة المزدحمة بالسكارى والراقصات، وهو في الوقت ذاته شاعر المثقف، وشاعر الأستاذ، والمحامي والقاضي والعسكري، وشاعر كل الفئات والشرائح الاجتماعية…

فالكتابة الشعرية عند محمد بنميلود ناقوس استثنائي يقرع من أجل إحقاق نظام أخلاقي من خلال التجربة الإنسانية التي تعكس ثورةً استثنائيةً تناولها خصوصا في ثلاث قصائد: “سكين خضار”،  و”امرأة وحيدة “، و” البناؤون “…

 يعبر عن فضاء النشأة بقوله  في قصيدة :”سكين خضار”:

“ولدت بلا إخوة

في الحي الخطير

كان علي أن أدافع عن نفسي

بأظافر قطة الميناء” ( 3 )

يحيل المقطع إلى مكانين: الحي الخطير والميناء، وكل مكان في السياق يحمل الخصوصية نفسها مع المكان الآخر: الصراع من أجل البقاء. ويمكن أن نكشف عن مقارنة مضمرة بين المتكلم والمشبه به في السياق؛ أي قطة الميناء وإذا كان الصراع في المكان الأول صراعا خارجيا مع الآخر دفاعا عن النفس من أجل البقاء، فإن الصراع الثاني صراع معادل للصراع الأول مع العلم أن الصراع في المكانين معاً يثويان صراعا نفسيا ناجما عن التوتر الداخلي. فالحي مكان الولادة، والحياة، وصفة الخطورة تضفي عليه ثنائية البقاء/ الفناء.

أما الميناء  لغة ، كما جاء في المعجم الوسيط هو: “( المِينَى ): مرفأ السفن. (…). ( الميناء): المينى. “(4)

ولا نكاد نعثر في المعاجم على فعل اشتق منه لفظ الميناء باعتباره اسم مكان على وزن مفعل. والفعل الأكثر قرباً من حيث الاشتقاق هو فعل ونى، والذي يحمل دلالات التعب والإعياء: التعب من أجل البقاء على الحياة. من تم فإن رسوَّ السفن ناجمٌ عن إعياء وكلل ربابنتها والراكبين البحر. وقد يكون الرسو لإفراغ ما تشحنه السفن لتعاود من جديد ركوب البحر.

فالميناء مكان مفتوح على مغامرة البقاء والفناء بعد ركوب البحر، وهو في أدبيات النقد محطة من الحياة. والعيش فيه مغامرة أكبر، وغير محصور على كائن بشري بل كائن حيواني، حيث يوظف الشاعر القطة.  وإذا كان هذا الجنس الحيواني أليفا، فتواجده في الميناء يحيل إلى كونه شريدا، وعليه أن يدافع عن نفسه في وضع التشرد. فالشاعر لم يقصد القطة في ذاتها، بل ما يشكل أداة الدفاع عندها ” الأظافر “. وذلك ما نلاحظه من خلال مايلي:

الخطاطة 2

تحيل الخطاطة إلى تبيان حلقة الصراع القائمة على علاقة المشابهة. فالميناء ، كما سلف الذكر، محطة استراحة من تعب أو بالأحرى من ضغط مأهول البحر، وكل من يرتاد هذا الفضاء فلابد أن يتحمل صراعا من أجل البقاء سواء كان إنسانا أو حيوانا، وبذلك فالميناء محطة البقاء، والبقاء مقرون بالصراع. من هذه النقطة بالذات يقوم الشاعر باختيار القطة التي تصارع من أجل الحياة داخل هذا الفضاء أي الميناء. ومن أجل تحقيق هدف البقاء، فإن الوسيلة التي تستعين بها هي المخالب للدفاع عن النفس . في هذا السياق، نستنبط المقارنة التي أقامها الشاعر، لكونه يصبح مماثلا للقطة، والميناء مماثلا للحي الخطير، والمخالب مماثلة للعصابة التي يترأسها داخل الحي الخطير.

فالميناء إذن، محطة استراحة من تعب، وركوب مجتمع المياه المحفوف بالمخاطر. إنه محطة صراع من أجل البقاء على قيد الحياة. وهنا يأتي التماثل جليا بين الميناء والحي الخطير، حيث القاسم المشترك: الصراع.

إن تماثل هذه العناصر داخل النص كما عايناها في الخطاطة أعلاه، تجعلنا نستحضر ما قاله كانط في سياق حديثه عن خرافات لافونتين : ” يمكن أن ننظر إلى الإنسان على أنه حيوان من نوع أعلى، ينشئ فلسفات وقصائد على نحو شبيه بدود القز حينما يصنع الشرانق، والنحل حينما يصنع الخلايا”. (5)

إن علاقة المشابهة التي أقامها الشاعر تنبني على رؤية فلسفية نحو المجتمع، إنها ثورة داخلية نفسية  حيال واقع صعب، حيث اتخذ الشاعر الميناء والقطة والمخالب رموزا لتفسير هذا الواقع.

يربط الشاعر إذن، مكان النشأة  بمكان معين،  وهو الحي الخطير، فالحي استحضار زماني ومكاني: زمن الولادة في مكان هو الحي، والحي: حيز مكاني يتسم بالحياة وحركة الناس. لكنه حي يصفه الشاعر بالخطير. و من سمة المكان الخطير: الدفاع عن النفس لضمان استمرارية الحياة.؛ إنه مكان يكشف فيه الشاعر عن مدى الصراع/ الصراعات الدائم/ ة للحفاظ على الاستمرار،  والخطير- من جهة أخرى-  حي فقير، حي طبقة اجتماعية يهيمن فيها القوي، ويصف الفضاء بكونه فضاء الدفاع عن النفس، حيث ينبغي أن يدافع عن نفسه، فالشاعر يمثل مكانا خاصا.  وفي هذا السياق قد نستعير هنا ما قاله أرنو: ” أنا المكان الذي أوجد فيه”. (6)

يقول محمد بنميلود:

” في الحيّ الخطير

كان عليّ

أن أدافع عن نفسي”  (7)

فالشاعر حدد مكانا ليعبر عن طبيعته حيث ينبغي أن يكون فيه مدافعا عن نفسه، ويعطي بذلك تشبيها للذات في أن يكون شبيها بقطة الميناء التي تصارع وتدافع عن نفسها بشراسةٍ في زحمة القطط والصيادين، إنها القطة المنبوذة التي وجدت نفسها في ميناء: مكان يعكس صورة  الصراع من أجل البقاء، والحياة، والتواجد.

فهذا المكان مكانُ النبذ والصراع،  من تم، تأتي المقارنة بينه وبين مكان النشأة الذي  يصوره تصويرا خاصا وقاتما، إذ يقول :

” وأن أترأس

عصابة

الصبية ” (8)

إن المكان – باعتباره عالما شعريا للشاعر محمد بنميلود – يتسم تارة بالحركة، وأخرى بالثبات. فالحركة مرتبطة بذات الشاعر لأنه يترأس ويدافع عن نفسه؛ وهو بحاجة لحركة قوية داعمة لحاجته الملحة في خلق عوامل فاعلة للدفاع عن النفس بتكوين غطاء قوي أو بالأحرى سند، ومعين ( عصابة)، ولكن في الوقت ذاته يقرُّ بثبوت هذا العالم وكأنما رؤيته هنا تخرج من حيز ضيق إلى حيز أكثر فسحة وشساعة وذلك من خلال قوله :

“والآن أيضا

لاشيء في العالم يتغير

بعد مرور الحقب

سوى انهيار الإمبراطوريات

وتفرق الصحاب في القارات

ملاحقين الغبار” (9)

إن الرؤية هنا أكثر شمولية سعيا منه لاستحضار تداعيات الإنهيارات الكونية/ العالمية، بما فيها الانهيار العربي، وهي تداعيات سلبية انبثقت من انهيار إمبراطوريات متعاقبة، وهو بلا معين، فيقوم الشاعر باستنطاق التاريخ الذي تبدل وتغير، وكأنه يختزل المشهد ليقول: إن النبذ والعزلة في الحي الخطير نتيجة ذبذبات الكون البشري، وهنا نلاحظ تداخل الزمان والمكان، فالمقطع يعرض حيزا زمكانيا  بدءا بمشيرات كالتالي: ” والآن/ يتغير/ بعد مرور الحقب/مرت” ، أما العالم/ الإمبراطوريات/ القارات  مشيرات دالة على المكان. وتتضح بجلاء هنا ثنائية الحركة والثبات، الحركة على مستوى انهيار الإمبراطوريات، وملاحقة الغبار… أما الثبات فيتجلى في عدم تغيُّر العالم رغم مرور الحقب، وهذا ما يشكل حقيقة الثبات في حركة  الزمن، وهي رِؤية خاصة قابلة لتأويلات عديدة منها: لاجدوى من أي حركة تستهدف التغيير.

فمتن محمد بنميلود الشعري” يقدم بناء فنياً للمكان الزماني، ويعتمد على التشكيل المركب الذي يتم وفق قوانين تفاعلاته الخاصة، يؤدي إلى الخروج من دائرة الزمن المغلق إلى نهايات مفتوحة، تدفع الحركة مع القصيدة كي تتنامى وتستمر وتنتقل من مرحلة إلى مرحلة تالية، ويتم هذا البناء بواسطة اللغة التي يعمل الشعراء على تخصيبها، وبث حركية الإبداع في تراكيبها.” (10)

ليعود الشاعر بعد ذلك، ويرصد حالته:

” وحيداً

وبلا إخوة

في مواجهة العالم ” (11)

إن العالم الصغير في نهاية المطاف يحيل إلى  الوطن والذي لا يشكل إلا جزءا من عالم كبير:عالم التغييرات والانهيارات المتعاقبة، عالم لم يعرف أي تغير أو تطور في رؤية الشاعر ، وبالتالي فالشاعر يتدرج في رصد المكان من العالم الأكبر إلى الكبير إلى الخاص، وهو الحي، وكأن العالم مترابط الأجزاء من حيث أفضيته. و بهذا التدرج يزداد الشاعر إحساسا بالوحدة والعزلة. لكنه سرعان ما  سيلتفت بالخطاب إلى الذات التي لا تكشف في الجوهر إلا عن ذوات متعددة تذوب في ذات الشاعر:

” ليس في يدك سوى

سكـين الخضار

نصف الحادة ” (12)

إنها صورة تمثل صورة الحياة البسيطة والقاسية.

فالشاعر بتصويره للحياة في مكان الكدح والفقر والصراع من أجل البقاء يشير إلى مكان النضال للبقاء.

وهذا التصوير نعتبره منطلقا لثورة على مستوى المكان : ثورة انطلق فيها الشاعر بالتعبير البسيط، واللغة التي يفهمها الخاص والعام ، وكأن الشاعر يحاكي لغة اليومي بطريقة ثورية، لكنه سرعان ما سيخلص وهو في سياق الحديث عن الذات من العنصر الحركي إلى العنصر الرؤيوي وهنا تتحقق قفزة نوعية على مستوى النص الشعري من حيث ثورة المكان:

” وليس في عينيك سوى

غيوم الشِّعر

تتحوّل سريعًا إلى بكاء” (13)

يبدو الشاعر في هذه القفزة، وكأنه انتقال من الابتذال اليومي القاسي إلى تصوير يأخذ السياق نفسه، لكنْ بنبرة أكثر شعرية، يمتزج فيها الأرضي بالسماوي، والواقعي بالشعري بغية إيصال  طبيعة الحزن المقرفة والميؤوس منها، إذِ الرؤية تتجاوز الأرضي، وكأنه يناشد هذا العلوي بالقول بأن غيوم الشعر تغمر عينيه. وقد نعتبر هذا المقطع مثابة الوقفة التي يريد الشاعر منها التخلص من سيزيفية العذاب في الحي الخطير، إلا أنه سرعان ما سيختزل هذه الوقفة في النزول للتو إلى رصد الحالة النفسية من خلال تحوُّلِ أمطار غيوم الشعر إلى دموع.

يربط الشاعر الجانب النفسي بالمكان مستمرا في عرض الصورة القاتمة والتراجيدية حيث معالم الحزن مهيمنةٌ، إنه المكان/ الأفق السوداوي الحزين الذي يعرضه قائلا:

 ” كلّما نظرتَ خلفك

رأيتَ الأفق

حزينًا

كبحّة الرّاقصات ”  (14)

فالرؤية المأساوية تملأ الأفق، ولا يلبث أن يعود للواقع من خلال تشبيه الحزن ببحة الراقصات اللواتي أنهكهن الواقع.

إن الشاعر محمد بنميلود لم يبق محاصرا في شعره بوصف المكان فقط، بل تجاوز ذلك إلى النزول إلى قاع المجتمع لإعطاء صور عن حالات اجتماعية تعاني وضعا مزريا واصفا بذلك نماذج بشرية مثلما نجد في قصيدتي: ” امرأة وحيدة ” و” البناؤون “، حيث يحاكي في النصين مكانين من خلال نموذجين بصور أكثر بساطة من حيث اللغة. وإذا كانت :” لغة الشعر تعرف بوصفها خروجاً أو انزياحاً عن قواعد النظام اللغوي المستخدم في الحياة اليومية، أي النظام النثري.” (15)، فإن الشاعر يحاكي الواقع في النصين المذكورين: “امرأة وحيدة” و” البناؤون” بلغة بسيطة، وهذه المحاكاة إنما هي تعبير يروم فيه الشاعر الكشف عن أمكنة/عوالم تعيش فيها هذه النماذج. ومن هنا نستمد ثورة مكان بشكل عفوي وتلقائي ثورة بسيطة إلى حد يزيلُ فيه الشاعر حجابا على نماذج من القاع المجتمعي.

ففي نص “إمرأة وحيدة” لا نستبعد أن الشاعر إنما يحاكي وصفا واقعيا يعبر عن حالة اجتماعية، ذلك أن: ” المكان الذي يعيش فيه البشر مكان ثقافي، أي أن الإنسان يحول معطيات الواقع المحسوس وينظمها، لا من خلال توظيفها المادي لسد حاجاته المعيشة فقط، بل من خلال  إعطائها دلالة وقيمة ” (16)

فوصف المرأة الوحيدة وصف فيزيولوجي وسوسيولوجي. ولابد من إشارة إلى ملاحظةٍ أساس؛ وهي صيغة التنكير التي وردت عليها الكلمة، مما يعني أنه لا يقصد امرأة بعينها، بل إنها نموذج لنساء كثيرات يعشن في أقاصي العزلة.

 يقول الشاعر:

” العجلتان الخلفيّتان

عملاقتان

العجلتان الأماميّتان

صغيرتان

صاعدةً إلى الطّابق التّاسع

نازلةً من الطّابق التّاسع ” (17)

فهذه المرأة ذات الصدر والأرداف سمينةٌ، وذاتُ بنية مكتنزة. تعيش وحيدة في الطابق التاسع وهو ما يعبر عن مفارقة مابين مكان إقامتها، وبنيتها الجسدية، وهذه المفارقة تكشف بجلاء عن ميزتين:

– الميزة الأولى: الجانب الفيزيولوجي للمرأة، وكونها تعيش وحيدةً بالطابق التاسع.

– الميزة الثانية: جانب التوتر على مستوى ما يرمز إليه البيت بكونه مكان الدفء.

فالميزتان تطرحان تناقضا كبيرا بين المكان ومواصفات هذه المرأة، ولا سيما وأن البيتَ في المنظومة الباشلارية:” كيانٌ متميز لدراسة ظاهراتية يقيم ألفة المكان من الداخل(….)” (18)

لكن هل هي ألفةٌ محقَّقة فعليا، أم أنها مفتعلة، ولا تتحقق إلا عن طريق الاستحضار؟ فالمرأة الوحيدة لا يمكن أن تتمثلَ الألفة بداهةً إلا بالاستحضار.  لأن باشلار في سياق حديثه عن البيت يضيف:” وذلك لأن البيت يمدنا بصورة متفرقة، وفي الوقت ذاته يمنحنا مجموعة متكاملة من الصور.” (19)

يواصل الشاعر وصفه للمرأة:

” كجرّار حنون

تتبعه اللّقالق

تحرثين الأدراج”  (20)

وهي – في نظر الشاعر- تشبه جرارا حنونا أثناء عملية الحرث، حيث تتبعه  اللقالق لإشباع حواصلها. إن التشبيه بسيط، إلا أنه يعطي صيغة حركية في عنصري المكان وشخصية المرأة. فالجرار في الحقل والمرأة في أدراج عمارة بلا مصعد والجامع بينهما فعل الحرث، إذ شبه الشاعر الصعود عبر الإدراج  بعملية الحرث، مما يعني تشبيه المرأة بالجرار. والتشبيه في رأينا ينحو منحى السلب، ذلك أن حرث الأدراج وحرث الأرض متضادان ويقومان على السلب. فحرث الأدراج غير مخصب وحرث الأرض عملية خصب مما لاشك فيه. إذن فالحرث بالنسبة للجرار عملية إخصاب الأرض التي ينجم عنها حنو لكائنين:

١- كائن بشري أي الإنسان الذي يستفيد من عملية الحرث.

٢- كائن حيواني يحصره الشاعر في أسراب اللقالق.

ونستطيع أن نفسر ذكر اللقالق تفسيرا آخر. فاللقلق في المعاجم طائر من الطيور الضخمة، طويل الساق والعنق والمنقار، وهو من الطيور المهاجرة هادئ الطبع، يبني عشه فوق سطوح المنازل والمآذن، والأسوار العالية. إن الإحالة من المعاجم تدل على تقارب نسبيٍّ بين المرأة واللقلاق(21)

أما اللقلق كرمز، فيتفق النقاد أن عودته بعد هجرته تدل على عودة الحياة للأرض. كما ورد في معجم الرموز :

“La cigogne est très généralement un oiseau de bon augure. Elle est un symbole de piété filiale, car on prétend qu’ elle nourrit son père vieillissant (…)”(22)

  فاللقلق رمز الحنو، والطاعة، والتآلف، والهدوء، والخصب،  والحياة…، مما يعني أن هناك تقاطعات    بينه وبين المرأة.

بناءً على البعدين المعجمي والرمزي، فإن اللقلاق والمرأة يتقاطعان في بعض العناصر، ويتضادان في أخرى، يجمع بينهما السكن في المكان العالي، والهدوء. أما التقاطع الضدي فيعكسه الخصب واللاخصب. فالجرار معادل للخصب، والمرأة وهي تحرث الأدراج معادلة للَّاخصب.

ولعل الخصب الكامن في حنو الجرار على العنصرين المذكورين سالفا، يسعى من خلاله الشاعر إلى إثارة الحنو لدى المتلقي على المرأة الوحيدة. وبالتالي فإن اختيار اللقالق ليس اعتباطيا، بل فرضته رغبة الشاعر في الكشف عن التطابق والتضاد بين المرأة وهذا النوع من الطيور.

فالأدراج للصعود إلى الطابق التاسع في عمارة بلا مصعد يثير حنوا على امرأة وحيدة  فالشاعر محمد بنميلود يدرك حق الإدراك التماثل بين المرأة الوحيدة والجرار وهو تماثل قائم على زمانين.  من جانب آخر فعملية الحرث محدودة إلا إذا ارتبطت بحرث مرتبط بكل الفصول وهو ما نراه مؤكدا لأن الجرار حنون على مدار السنة وفي كل الفصول، إذ  أن لكل فصل حرثه وإلا ماتت اللقالق المرتبطة بالجرار كذلك تلك المرأة هي على مدار السنة منهكة صعودا وهبوطا على أدراج من أجل البقاء والحياة حاملة كل نهار سلة خضار وربطة بقدونس في عمارة بلا مصعد ولا بواب:

”  كلّ نهار مشمس

في يدك سلّة خضار

وربطة بقدونس

في العمارة الّتي بلا مصعد

وبلا بوّاب”. (23)

ويحدث أن تتدحرج البندورة من الأعلى حتى المرآب،  لكنها لن تهبط من أجل بندورة، إذ في وقت الحصاد يتناثر الزرع  في الحقول النائية ليبقى معاشا لكائن آخر:

“أحيانًا

تتدحرج البندورة

من الأعلى

حتّى المرآب

كما يحدث في الحقول البعيدة

حين يكون الحصاد

وفيرًا” (24)

مابين البيت والمرآب مسافة فاصلة تلخص أبعاد الصعود والنزول : الصعود عبر الدرج والنزول عبره، لكن العدول عن النزول إيحاء من الشاعر لإنقاذ السيدة من نزول افتراضي لحضيض محتمل، رغم انه كائن أصلاً.

فلعبة الصعود والنزول تدخل حيز الترميز من قبل الشاعر، ونلامس ذلك في تمظهرات إبداعية شتى وفي أدبيات النقد أيضا؛ ولا سيما وأنها مرتبطة بالحيز المكاني باعتباره : ” تقنية يتجاوز بها المبدع  واقعه، فيصعد إلى السماء والفضاء، وقد ينزل إلى أعماق الأرض والبحار، ليثبت الرمز نفسه، ويهرب، بل ينسرب من خلاله أو ينقده “(25)

 واذا ما أمعنا النظر هنا، فإن الصعود محدود، فهو منحصر فقط في الطابق التاسع، ويحيل تحديد

الوجهة ما بين الشقة في الطابق التاسع والمرآب، إلى ما هو أكثر من ذلك، حيث الصعود مقترن بالأعلى والمرآب مقترن بالأسفل؛ ذلك  أن العلو ضرب من الرغبة في الانفلات والهروب من الحضيض لإيجاد الدفء. هنا يمكن طرح سؤال: هل يمكن أن يتحقق الدفء عبر الصعود  إلى الطابق التاسع  حيث الشقة/ البيت؟

وفي هذا السياق يقول باشلار:” البيت هو ركننا في العالم، إنه كما قيل مراراً، كوننا الأول، كون حقيقي بكل ما تملكه الكلمة من معنى. وإذا طالعنا بألفة فسيبدو أيأس بيت جميلاً،” (26)

وبناء على ذلك فإن البيت القابع في الأعلى ( الطابق التاسع) وبحكم بنية المرأة الجسدية فإن ثمة يأساً من هذا الوضع يجعل البيت جميلا، وإن كان احتمال الدفء الحقيقي يلفه الغياب، ذلك أن الوحدة مهيمنةٌ، وذلك ما يجعل المرأة تعيش فراغا، فالبيت والفراغ على حد قول باشلار : ” ليسا مجرد عنصرين متجاورين من المكان. فهما، في مملكة الخيال، يثيران أحلام يقظة متعارضة.” (27)

ولعل هذا التعارض تقتضيه ثنائية الكائن والممكن، أي ما توجد عليه المرأة، وما ينبغي أن توجد عليه، مما يجعل التطابق كاملا مع ثنائية الخصب واللاخصب السالفة الذكر.

يستمر الشاعر محمد بنميلود في اقتناص ظواهر اجتماعية قاسية، حيث يغوص في دروب مجتمع مقهور ومسكوت عنه شعرا وإبداعا، فمن الحي الخطير، في قصيدة ” سكين خضار”، والمرأة المنهكة المقيمة بالطابق التاسع في عمارة بلا مصعد في نص ” امرأة وحيدة”  يقتنص الشاعر حالة أخرى، وهي حالة البنائين باعتبارهم طبقة اجتماعية لا تعرف الترف ورغد العيش. فقصيدة :” البناؤون ” سفرٌ إلى قاع المجتمع وحضيضه لرصد حالة اجتماعية أهم ما يمكن أن نقول تعيش داخل غابة الفقر والكدح الإهمال.

يقول عبد الله الغذامي:” إن القصيدة … لا تكتفي بأن تقول فقط، أو أن تعبر فقط، أو أن تصور فقط، وإنما تسعى إلى توظيف كل ذلك لتجعل منه احتمالا نصوصيا لعالم جديد، ليس انعكاساً لأي عالم قائم، سواء في الخارج أو الداخل.” (28)

 فالعالم الجديد في القصيدة عَالمٌ بقدر ما هو قائم في الخارج، فإنه قائم في الداخل حيث يتدخل الخيال لبناء النص دون الابتعاد عن جوهر الواقع.

فالشاعر يحاكي طبقة مقهورة ممزقة اجتماعيا، رغم كونها تسعى إلى ترميم الحياة ” صدوع الشمس”:

” كي يرمّموا صدوع

الشّمس ” (29)

وهنا تتجلى إحالة قوية من الشاعر على اعتبار أن ترميم صدوع الشمس يتخذ معنيين:

ا- ترميم الحياة والدفء الإنساني لأنهم يبنون البيوت والشقق والفيلات… وهم  يعيشون في أحياء مهملة ومهمشة، أو هم نازحون من قرىً نائية من أجل لقمة العيش.

ب- الكشف عن حقيقة وضع مزر، وكأن الشاعر يزيل الحجاب عن هذه الفئة المحرومة التي تعتبر صانعة الحياة والاستمرار.

فالبناؤون سواعد الأمة، ويبنون المجتمع، إنهم مصدر الجمال العمراني، رغم أنهم محرومون، حيث:

” البنّاؤون فطروا بالزّيت

البنّاؤون ذهبوا في الفجر الغائم

عبر مسرب الصّباح الطّويل “(30)

يصور الشاعر وضع البنائين، فهُمْ مختلفون في نظامهم الغذائي عن بقية الشرائح الاجتماعية، إنهم بسطاء في حياتهم، يصحون ويفطرون كغيرهم من فقراء هذه الأرض، ليقتحموا ورشاتهم في الصباح الباكر، إنهم أناس عاديون جدا، يشتغلون تحت حرارة الشمس، ليسوا مشهورين شهرة الساسة، ولكنهم يرمموا صدوع الشمس، لعل وصف الشاعر لهم بقصار القامة وصف يحمل معانٍ يمكن اختزالها في قصر اليد، وهنا يتضح مجازا قويا، بذكر العام والمقصود الجزء. يحملون آلاتهم ويشتغلون بتفانٍ، دون أن يكونوا مشهورين – كما سبق الذكر – لأن الشهرة – أو على الأقل بعض الشهرة – لا تلتقي والتفاني في العمل. فهم مكافحون ومقاومون من نوع خاص، لأنهم معرضون للخطر / الموت:

”  داخل الأرواح

بلمسة حانية على خدّ الزّلزال

برقّاص ساعة عملاقة

في جيب الأفق

حين يحلمون

يتقلّبون على سرير

معلّق

على حافة ناطحة سحاب”(31)

يضحون من أجل خلق جمال العمران، لأنه من جمال الحياة. فالبناؤون فنانون ماسكون بحبل الموت دونما خوف، ذلك ما يغرقهم في كوابيس؛ وكأن يومهم مقسم إلى قسمين:

– نهار محفوف بمخاطر الموت.

– ليل مثقل بتعب ذاك الخوف.

إن ليل البنائين  مختلف فلا فرق بين العمل على أسِـرَّةٍ  معلقة على ناطحة السحاب وهم يرممون صدوع الشمس، وأسِـرَّةٍ النوم  الصلبة والمثقلة بأجساد منهكة وكوابيس مرعبة ، ينامون في ورشة البناء، يوقظهم الرعد.

فالورشة هي مكان انتماء هذه الطبقة، لأن المكان :” يعكس أصل الإنتماء، ولكنه قد يتحول – عن طريق التخييل- إلى مكان للأسر أو مسرب لثيمة الخلاص… “(32)

قد نستطيع القول إن الورشة مسرب للخلاص: الحياة والعيش، ومادام أنها أي الورشة مكان للانتماء، فإن خيال الشاعر أحالها بشكل أو بآخر إلى مكان للحياة رغم المعاناة

فالتفاتة الشاعر لهذه الطبقة  وهي تعمل في ورشةٍ، لا تركز على  وصفهم من حيث ما يقومون به من عمل شاق مرهق، بل يتجاوز ذلك إلى وصف حالتهم الاجتماعية، يقول:

” ونساؤهم كلّهنّ مطلّقات وثخينات كالمانجا اللّذيذة

لكنّهم فكهون “

إن البنائين مرحون، وللمرح دلالة خاصة، ذلك أنهم يخففون من وطأة هموم الحياة بمرحهم:

” وأصحاب نكتة أصيلة

مع الصّيارفة

وباعةِ لحم الضّأن الجيّد

البنّاؤون كلّهم أصحاب نكتة

دون أيّ استثناء ” (33)

ويستمر الشاعر في رصد دورة حياة هذه الفئة الاجتماعية، وذلك حين يعيد ذهاب البنائين في الصباح الباكر للعمل منشدين نشيد البحارة المغمورين الذين غدر بهم البحر:

“وحين يمضون في الصّباح الباكر

غير ملتفتين

ينشدون على طرف الحقول

نشيد بحّارة غير مشهورين

غدر بهم البحر

لكنّهم نجوا كلّ مرّة

مقهقهين داخل ضباب الأيّام الجميلة

بلا أيّة أصداء”(34)

فالبحر هو المجتمع القاسي الذي انعدمت فيه الرحمة على فئة تضحي من أجله، لكنهم سعداء في ورشاتهم المحفوفة بمخاطر الموت، ورشات تعكس مكان التفاتة الشاعر بحس تمردي ساعيا إلى  الكشف عن حقيقة نماذج بشرية مهملة اجتماعياً.

إن الشاعر بنميلود شاعر متأمل للقيمة الإنسانية وللخبرة المكتسبة في الأدوار الاجتماعية القاسية فيعلن -من خلال صوره الشعرية- رفضه للتشيؤ،  دون اعتبار الفرد آلة يمكن سحقها من قبل الأقوياء، مشيراً  إلى غياب الحكم العادل بين حرية الفرد والمساواة الاجتماعية، وبين العمل الشخصي والعدالة الاجتماعية.

هكذا سافر الشاعر بنميلود إلى قاع المجتمع وحضيضه لرصد حالة اجتماعية أهم ما يمكن أن نقول عنها:  إنها  صورة تعكس أسْراً  للمشاعر داخل غابة الفقر والكدح والإهمال.

أما في قصيدة ” البنّاؤون”، فإن الشاعر محمد بنميلود يغوص في دروب مجتمع مقهور ومسكوت عنه شعرا وإبداعا، و يستمر في اقتناص ظواهر اجتماعية قاسية، فمن الحي الخطير، في قصيدة ” سكين خضار”، والمرأة المنهكة المقيمة بالطبق التاسع في عمارة بلا مصعد، يقتنص الشاعر حالة أخرى، وهي حالة البنائين باعتبارهم طبقة اجتماعية لا تعرف الترف ورغد العيش، إنها طبقة مقهورة ممزقة اجتماعيا، رغم كونهم يرممون الحياة ” صدوع الشمس”:

” كي يرمّموا صدوع

الشّمس ”  (35)

وهنا تتجلى إحالة قوية من الشاعر على اعتبار أن ترميم صدوع الشمس يتخذ معنيين:

ا- ترميم الحياة والدفء الإنساني لانهم يبنون البيوت والشقق والفيلات… وهم  يعيشون في أحياء مهملة ومهمشة، أو هم نازحون من قرىً نائية من أجل لقمة العيش.

ب- الكشف عن حقيقة وضع مزر، وكأن الشاعر يزيل الحجاب عن هذه الفئة المحرومة التي تعتبر صانعة الحياة والاستمرار.

إن البنائين هم الذين يبنون المجتمع، وسواعد الأمة الحقيقيون، رغم أنهم محرومون، حيث:

” البنّاؤون فطروا بالزّيت

البنّاؤون ذهبوا في الفجر الغائم

عبر مسرب الصّباح الطّويل ” (36)

يصور الشاعر وضع البنائين، فهُمْ مختلفون في نظامهم الغذائي عن بقية الشرائح الاجتماعية، إنهم بسطاء في حياتهم، يصحون ويفطرون كغيرهم من فقراء هذه الأرض، ليقتحموا ورشاتهم في الصباح الباكر، إنهم أناس عاديون جدا، يشتغلون تحت حرارة الشمس، ليسوا مشهورين شهرة الساسة، ولكنهم يرمموا صدوع الشمس، لعل وصف الشاعر لهم بقصار القامة وصف يحمل معانٍ يمكن اختزالها في قصر اليد، وهنا يتضح مجازا قويا، بذكر العام والمقصود الجزء. يحملون آلاتهم ويشتغلون بتفانٍ، دون أن يكونوا مشهورين – كما سبق الذكر – لأن الشهرة – أو على الأقل بعض الشهرة – لا تلتقي والتفاني في العمل. فهم مكافحون ومقاومون من نوع خاص، لانهم معرضون للخطر / الموت:

”  داخل الأرواح

بلمسة حانية على خدّ الزّلزال

برقّاص ساعة عملاقة

في جيب الأفق

حين يحلمون

يتقلّبون على سرير

معلّق

على حافة ناطحة سحاب” (37)

يضحون من أجل خلق جمال العمران، لأنه من جمال الحياة. فالبناؤون فنانون ماسكون بحبل الموت دونما خوف، ذلك ما يغرقهم في كوابيس؛ وكأن يومهم مقسم إلى قسمين: نهار محفوف بمخاطر الموت،  وليل مثقل بتعب ذاك الخوف. إن ليل البنائين  مختلف فلا فرق بين العمل على أسِـرَّةٍ  معلقة على ناطحة السحاب وهم يرممون صدوع الشمس، وأسِـرَّةٍ النوم  الصلبة والمثقلة بأجساد منهكة وكوابيس مرعبة ، ينامون في ورشة البناء، يوقظهم الرعد.

إن التفاتة الشاعر لهذه الطبقة  وهي تعمل في ورشةٍ ، لا تخلو من وصفهم من حيث ما يقومون به من عمل شاق مرهق، بل يتجاوز ذلك إلى وصف حالتهم الاجتماعية، يقول:

” ونساؤهم كلّهنّ مطلّقات وثخينات كالمانجا اللّذيذة

لكنّهم فكهون ” (38)

إن البنائين مرحون، وللمرح دلالة خاصة، ذلك أنهم يخففون من وطأة هموم الحياة بمرحهم:

” وأصحاب نكتة أصيلة

مع الصّيارفة

وباعةِ لحم الضّأن الجيّد

البنّاؤون كلّهم أصحاب نكتة

دون أيّ استثناء ” (39)

ويستمر الشاعر في رصد دورة حياة هذه الفئة الاجتماعية، وذلك حين يعيد ذهاب البنائين في الصباح الباكر للعمل منشدين نشيد البحارة المغمورين الذين غدر بهم البحر:

“وحين يمضون في الصّباح الباكر

غير ملتفتين

ينشدون على طرف الحقول

نشيد بحّارة غير مشهورين

غدر بهم البحر

لكنّهم نجوا كلّ مرّة

مقهقهين داخل ضباب الأيّام الجميلة

بلا أيّة أصداء”(40)

فالبحر هو المجتمع القاسي الذي انعدمت فيه الرحمة على فئة تضحي من أجله، لكنهم سعداء في ورشاتهم المحفوفة بمخاطر الموت، ورشات تعكس مكان التفاتة الشاعر بحس تمردي ساعيا إلى  الكشف عن حقيقة نماذج بشرية مهملة اجتماعياً.

إن الشاعر بنميلود شاعر متأمل للقيمة الإنسانية وللخبرة المكتسبة في الأدوار الاجتماعية القاسية فيعلن – من خلال صوره الشعرية – رفضه لتشيء الفرد واعتباره آلة يمكن سحقها من قبل الأقوياء، ويشير إلى غياب الحكم العادل بين حرية الفرد والمساواة الاجتماعية، وبين العمل الشخصي والعدالة الاجتماعية.

**********

 

*مقتطف من كتاب نقدي للناقد سعيد تگراوي بعنوان ” ثورة النص” سيصدر قريبا، وقد تناول فيه الناقد دراسات عن مجموعة من الشعراء المغاربة والعرب.

**محمد بنميلود، شاعر مغربي من مواليد الرباط سنة 1977، يكتب الشعر والقصة والرواية والسيناريو. ينشر قصائده  في منابر وطنية وعربية.  له رواية بعنوان “الحي الخطير” ستصدر قريبا عن دار الساقي – بيروت.

 

المراجع:

(1) اعتدال عثمان ،” إضاءة النص “، دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الأولى، 1988، ص:64

(2)  نفسه، ص:64

(3)  “سكين الخضار”، مجلة الهلال المصرية، عدد مايو 2015

(4)  المعجم الوسيط ،الجزء الثاني،  المكتبة الإسلامية للنشر والتوزيع، تركيا، ص: 1059

(5) دوركايم، قواعد المنهج الاجتماعي ذكره بنروبي، ص: 20 أو 200 (  نقلا عن   ” د حبيب مونسي، فلسفة المكان في الشعر العربي، قراءة موضوعاتية جمالية، منشورات اتحاد كتاب العرب، دمشق 2001   ص:  11

(6) غاستون باشلار” جماليات المكان  ” ترجمة غالب هلسا، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت،  الطبعة الثانية، 1984، ص: 135

(7) “سكين الخضار”، مجلة الهلال المصرية، عدد مايو 2015

(8) نفسه

(9) نفسه

(10) اعتدال عثمان، ” إضاءة النص “، مرجع سابق، ص: 72

(11) نفسه

(12) نفسه

(13) نفسه

(14) نفسه

(15) اعتدال عثمان، ” إضاءة النص “، مرجع سابق،  ص:8

(16)  يوري لوتمان: ” مشكلة المكان الفني ” ترجمة سيزا قاسم، مجلة ” ألف “، البلاغة المقارنة ع6، 1986، ص: 48

(17)  “امرأة وحيدة”، ملحق كلمات، جريدة الأخبار اللبنانية، عدد 02 فبراير 2015

(18) غاستون باشلار ” جماليات المكان” مرجع سابق، ص:35

(19) غاستون باشلار ” جماليات المكان” مرجع سابق، ص:35

(20) “امرأة وحيدة”، ملحق كلمات، جريدة الأخبار اللبنانية، عدد 02 فبراير 2015

(21) ينظر:أحمد مختار عمر:”معجم اللغة العربية المعاصرة”، عالم الكتب، القاهرة، الطبعة الأولى، 2008.وعبد الغني أبو العزم :” معجم الغني الزاهر” مؤسسة الغني للنشر، 2011

(22)  JEAN CHEVALIER, ALAIN CHEERBRANT:” Dictionnaire des symboles”, BOUQUINS, Éditions Robert Laffont, et Éditions Jupiter, Paris, 1982, p:291

(23) “امرأة وحيدة”، ملحق كلمات، جريدة الأخبار اللبنانية، عدد 02 فبراير 2015

(24) نفسه

(25) مدحت الجبار، جماليات المكان في مسرح عبد الصبور، مجلة ” ألف “، ع6، 1986، ص: 28

(26)  غاستون باشلار  ” جماليات المكان” مرجع سابق،  ص:36

(27) غاستون باشلار  ” جماليات المكان” مرجع سابق، ص:64

(28) عبد الله الغذامي، تشريح النص، ص: 39، نقلا عن   ” د حبيب مونسي، فلسفة المكان في الشعر العربي، قراءة موضوعاتية جمالية، منشورات اتحاد كتاب العرب، دمشق 2001   ص:  118

(29) – “البناؤون”، مجلة الهلال المصرية، عدد مايو 201

(30) – “البناؤون”، مجلة الهلال المصرية، عدد مايو 201

(31) – “البناؤون”، مجلة الهلال المصرية، عدد مايو 201

(32) مدحت الجبار، جماليات المكان في مسرح عبد الصبور، مرجع سابق، ص: 28

(33) “البناؤون”، مجلة الهلال المصرية، عدد مايو 201

(34)  نفسه

(36) نفسه

(37) نفسه

(38) نفسه

(39) نفسه

(40) نفسه

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.