الرئيسية | فكر ونقد | اليهود والترويج للموسيقى المغربية على المستوى العالمي | عبدان عبد الفتاح – المغرب

اليهود والترويج للموسيقى المغربية على المستوى العالمي | عبدان عبد الفتاح – المغرب

عبدان عبد الفتاح (باحث في التراث اليهودي المغربي)

لقد  تتبع  بعض من الباحثين المغاربة ( كمحمد الحداوي ومحمد المدلاوي وأحمد أيدون ) في دراساتهم هجرة التراث الموسيقي المغربي مع الطوائف اليهودية، ومعانقته للعالمية، على يد يهود المغرب الذين انتشروا في مختلف أصقاع العالم الحيوية، علما أنهم لم يهاجروا كلهم إلى إسرائيل، بل هاجر كثير منهم إلى فرنسا وكندا وإسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية وحتى بعض بلدان أمريكا اللاتينية، وهم مشبعون بالقيم والثقافة المغربية بأبعادها الحضارية والعاداتية وأيضا الموسيقية، وكان الملحون لونا من هذه الألوان الهامة التي شاعت في العالم بفضلهم.

وقد صدر أخيرا كتاب عن الآلة الموسيقية الأندلسية المغربية باللغة العبرية، عن وزارة الثقافة، وبتنسيق مع خلية التراث اليهودي المغربي وجمعية هواة الطرب الأندلسي والغرناطي في المهجر يتقدمهم الفنان العازف على آلة الرباب الربي مايير عطية الرباطي المحتد، والفنان سامي المغربي، ويشمل هذا الكتاب على عديد من القصائد التراثية في مختلف أصنافها الملحون والغرناطي والأندلسي وأيضا الشعبي[1].

وإننا نقف موقف اعتزاز من الرفض الذي أبان عنه اليهود المغاربة المهاجرون من سياسة التذويب والانصهار الثقافي الذي ظلت السلطات الحاكمة بإسرائيل تسعى إلى إرسائها على الثقافة اليهودية المغربية الوافدة، لكن تشبث اليهود المغاربة ومقاومتهم لفكرة الانصهار جعلهم يؤثرون في الحركة الفنية والثقافية بإسرائيل عامة، حتى صارت الموسيقى الأندلسية تعم الفضاءات الرسمية والاحتفالات الدينية بهذا البلد.

فقد غنى الفنان المرحوم سامي المغربي  مثلا في كل مكان من أرجاء العالم، وكانت رحلاته الأولى خارج المغرب غير مقتصرة على فرنسا، وإنما امتدت إلى القارات الخمس إلى أن وافته المنية في شهر مارس 2008 بكندا[2]، فأثر في مختلف الجاليات اليهودية المغربية التي لا زالت إلى اليوم لا تحيي حفلاتها وأعراسها إلا على نغمات الموسيقى المغربية اليهودية[3].

فبفضل حركية الطائفة اليهودية المغربية التي أشرنا إليها ذاع التراث المغربي في مختلف البلدان وتأسست العديد من الأجواق والفرق الموسيقية اليهودية بفضل تشبث تلك الجاليات من المهاجر بهويتها المغربية، بالرغم من كل الإحباطاتالمترتبة عن دواعي الاستلاب في محيط الهجرة،كتأسيس الجوق الأندلسي الإسرائيلي على يد الموسيقار الكبير، المغربي الأصل والمولد، أبي عيلام أمزالاﮒ في أواسط التسعينات من القرن العشرين، الذي قام بعد ذلك بتأسيس أيضا  أوركيستراه الجديدة المسماة “الجوق الأندلسي الإسرائيلي – أنــدا-ئيل”[4]،  فلن نستغرب عندما نعلم بأن اليهود المغاربة بالمهجر ما زالوا يترنمون إلى الآن بنصوصهم الدينية التي تم تلحينها وفق قواعد الموسيقى الأندلسية والغرناطية[5]. إن التراث الموسيقي واحد من الروابط الثقافية الهامة التي لا زالت تربط الجيل الثاني بإسرائيل بأصوله المغربية المشروعة.

ومن نماذج الفانين اليهود الذين بصموا لمستهم الفنية في إشاعة التراث المغربي اليهودي المنشد الجديدي ألبير بوهداناALBER BOUHADANA المقيم حاليا بباتريس والذي له اسطوانة من صنف 33 لفة احتوت في وجهها الأول على شذرات من ميزان قدام الماية، والوجه الثاني على شذرات من قدام رصيد الذيل وكلا الوجهين مغنى باللغة العبرية برفقة أرفع الأصوات اليهودية المغربية المتواجدة ببلاد المهجر وبأداء جوق الرباط للطرب الأندلسي، كما له قرصين من نفس التراث الموسيقي المغربي الأول على طبع “قدام الحجار” المشرقي وأداء جوق فاس. والثاني من طبع ” قدام عراق العجم” مصحوب بجوق شباب الأندلس، وقد أهدى هذا الفنان أعماله الفنية إلى جلالة الملك محمد السادس أثناء زيارته لباريس لما كان وليا للعهد في التسعينيات من القرن الماضي[6].

وقد أشار الباحث محمد الحداوي[7] أنه من اعتزاز يهود المغرب بتراثهم المغربي الوطني أسسوا في مختلف بلدان الهجرة ككندا وأمريكا وأوروبا الغربية وإسرائيل مدراس خاصة وأندية فنية لتعليم موسيقى الآلة والطرب الأندلسي، كما أسسوا العديد من الجمعيات الفنية للمحافظة على هذا التراث وترجمة نصوصه إلى اللغة العبرية، كالإصدار الذي أشرفت عليه جمعية المحافظة على الموسيقى الأندلسية المغربية باللغة العبرية، بمشاركة الفنان اليهودي المغربي مايير عطية الرباطي، وهو يناظر ويشمل مخطوط الحايك لمحمد بن الحسن التطواني، وقد أهدي هذا العمل في مجلدين للملك الحسن الثاني تغمده الله برحمته سنة 1995.

بالإضافة إلى اعتنائهم بالموروث الشفهي المغربي اعتنى يهود المغرب بإسرائيل حتى بالتراث المادي فأنشأوا مركزا دوليا يتكون من متحف ومكتبة وعدد من الفضاءات معزز بخزانة للأشرطة والأغاني المغربية التقليدية[8].

إن يهود المغرب عرفوا كيف يحفظون الذاكرة والحيلولة دون ضياعها، إذ إن حوالي مليون يهودي مغربي في العالم يرجون اليوم بقوة واقتناع إلى جذورهم المغربية. كما أن الثقافة اليهودية ظلت على امتداد التاريخ متعايشة ومتجانسة مع الثقافة العربية الإسلامية منذ الإشعاع الحضاري بالأندلس، واستمر هذا التعايش إلى حد الآن بالمغرب، مما جسد صورا راقية من الحداثة والاندماج الحضاري والانفتاح الثقافي[9].

لقد نجح بعض اليهود المغاربة الذين هاجروا أو هجّروا إلى البلاد الإسرائيلية في إسماع همومهم وهموم فئاتهم الاجتماعية، التي ظلت تعاني من الميز والاقصاء، في ظل الصراع البين بين اليهود الأشكناز والسفادريم. واستطاعت أسماء مثل جفريئيل بن سمحون ودانيائيل لينزيني وموشيه بن هاروش واسحاق كينان وشالوم خلفون وغيرهم[10] من التحليق عاليا في سماء الأدب الإسرائيلي الحديث والضفر بالعديد من المسابقات والجوائز الأدبية هناك، والحقيقة أن الإرث الثقافي المغربي ظل صداه يتردد في نفوس المهاجرين المقتلعة من جذورها، نغمة في موسيقاهم، وأنة في أغانيهم، وأعاجيب في فلكلورهم وترنمة في شعائرهم، وشوقا إلى معاهدهم وديارهم[11].

كما استطاع يهود المغرب رغم ما لاقوه من تهميش ووعود كاذبة بديار وبهضاب إسرائيل  المعزولة، التأثير بشكل واضح في العديد من الجوانب الثقافية، إذ يرى الباحث الإسرائيلي دانيال بن سمون أن الطعام الذي يقدم في المؤسسة العسكرية والمؤسسات العامة معظمه من المطبخ المغربي، والموسيقى الكلاسيكية الأندلسية تنتشر في مختلف المدن الإسرائيلية[12].

وإننا نعترف في الأخير أن هذا العمل يظل عاجزا عن تتبع مسار طويل من عطاء وإبداع اليهود المغاربة في فن الملحون الذي عده الدارسون ديوان المغرب، وإنما حسبه أن يقدم ولو صورة واضحة عن هذا التاريخ الثقافي المشترك الذي وسم بالتسامح والتآلف والتصالح. ولعل ما خلدته أقلام المؤرخين والمبدعين أقل بكثير مما باغته الزمن وأضاعته الذاكرة. فالآداب الشعبية وشيجة ثقافية وثيقة بين الطائفة اليهودية والمسلمة، وظلت هذه الآداب خاصة منها الموسيقى موطنا للتوافق ومجالا للقاء.

[1] عن مجلة البحث في التراث الغرناطي، حصيلة وآفاق، الجزء الثاني، منشورات كلية الآداب، وجدة ، 2001، ص 80.

[2]  محمد الحداوي: من مظاهر تراث اليهود المغاربة في الحضارة المغربية، مرجع سابق، ص183.

[3] انطلاقا من شهادات ليهود مغاربة مهاجرين استضافتهم رئيسة المتحف اليهودي الزهرة رحيحيل في برنامج ناس الملاح الذي يبث على أمواج إذاعة ميت راديو.

[4] محمد الملاوي المنبهي: مقال عن تقاليد الموسيقى الأمازيغية لدى اليهود المغاربة، الحوار المتمدن، العدد: 2029 –05/09/ 2007.

[5] محمد الحداوي: من مظاهر تراث اليهود المغاربة في الحضارة المغربية، مرجع سابق، ص 148.

[6]نفسه، ص 146.

[7] محمد الحداوي: من مظاهر تراث اليهود المغاربة في الحضارة المغربية، مرجع سابق، ص 153.

[8]نفسه، ص 163.

[9]  أندري أزلاي: مستشار الملك محمد السادس، من اليوميات المغربية لشهر فبراير 2008.

[10] أحمد الشحات هيكل، يهود المغرب في الأدب العبري الحديث وأوهام الخلاص الزائف، سلسلة الدراسات الأدبية واللغوية، العدد 21، منشورات مركز الدراسات الشرقية، جامعة القاهرة، الطبعة الأولى، 2007. الصفحة 14 وما بعدها.

[11] حاييم الزعفرني: يهود المغرب والأندلس، مرجع سابق، ص 260.

[12]دانيال بن سمون: برنامج الصعود نحو الشتات في إسرئيل: معاناة اليهود المغاربة، الجزيرةالوثائقية، بث بتاريخ 21-05- 2017.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.