الرئيسية | بالأبيض و الأسود | الملكية الفكرية: ضرورة أم ترف؟ الائتلاف المغربي للملكية الفكرية نموذجا – محمد مقصيدي

الملكية الفكرية: ضرورة أم ترف؟ الائتلاف المغربي للملكية الفكرية نموذجا – محمد مقصيدي

محمد مقصيدي

الملكية الفكرية هي السلطة المباشرة التي يمنحها القانون للشخص المادي أو المعنوي على منتجات الإبداع والخلق التي يأتي بها العقل سواء في المجال الفني والأدبي كالمتون الأدبية والأعمال الفنية (الملكية الفنية والأدبية وهو ما يعرف بحق المؤلف)، أو في المجال الصناعي كالاختراعات والصور والأسماء والرسوم الصناعية (الملكية الصناعية والتجارية)، وتخول هذه السلطة للشخص المالك حق الاستئثار والانتفاع بما يدره العمل موضوع حق الملكية من مردود مادي، لمدة معينة من الزمن يحددها القانون.

وإن كانت الملكية الفكرية بشكلها القانوني والمؤسساتي حديثة التكوين حيث تعتبر معاهدة بيرن لحماية حق المؤلف في سنة 1886 أولى المعاهدات المرجعية بين العديد من الدول في حماية الإبداع الأدبي والفني، وكانت قد سبقتها اتفاقية باريس الخاصة بحقوق الملكية الصناعية، وذلك بعد النقاش الذي انطلق بشكل كبير سنة 1873 في المعرض الدولي للاختراعات بفيينا حيث امتنع المخترعون الأجانب من الحضور خوفا من السرقة، فإن هذا لا يعني أن الملكية الفكرية في شقها الأدبي والفني الذي يهمنا هنا في هذا الموضوع لم يكن مطروحا، بل يمكن الإشارة إلى التشريعات الأولى لحماية حق المؤلف الصادرة بعد الثورة الفرنسية، وذلك سنة 1791 وقد اختص بمؤلفي المسرحيات وأعطاهم الحق وحدهم في نشر مسرحياتهم في حياتهم ولورثتهم بعد وفاتهم لمدة خمس سنوات، لتشمل بعد ذلك كل المصنفات الأدبية طيلة حياة المؤلفين، وقد أصدرت الولايات المتحدة الأمريكية قانونا مشابها سنة 1831. كما أنه تم تأسيس أول جمعية دولية لرعاية حق المؤلف في باريس سنة 1878.

أما في العالم العربي فتمت مناولة الملكية الفكرية منذ القديم أيضا، وتم التطرق لها في موضوع السرقات الشعرية والأدبية، كما خص لها العديد من النقاد أبوابا بكاملها في كتبهم كالجرجاني وابن رشيق. كتب عبد الرحمان بن أبي بكر جلال الدين السيوطي كتابا كاملا بعنوان ” ملخص الفارق بين المصنف والسارق” يهاجم فيه شخصا سلخ كتبه، محتجا بالتاريخ والأخلاق والأحاديث النبوية من قبيل : “بركة العلم عزوه إلى قائله”، ومما ورد في هذا الكتاب:

“” والله إن سارقا يسرق الأشعار، وهي بالنسبة للعلم رخيصة الأسعار، فيعز على المسروق منه ويشتد، وينبه على سرقته ويعتد، ويساعده على ذلك أهل الأدب، وينتدبون لإفضاحه مع من انتدب، ويؤلفون الكتب في هتكه، ويدرجونه في خبر المهمل وسلكه، ألم تر إلى كتاب ” الحجة في سرقات ابن حجة ” وعقد علماء البيان في كتبهم السرية، بابا في السرقات الشعرية، كل ذلك إعطاء للفضائل حقها، وتوفية بنسبة الحقوق إلى من استحقها…”

وليس هذا الكتاب هو الكتاب الأول الذي يتناول السرقات الأدبية والشعرية بل سبقته أعمال أخرى كثيرة، حتى أننا نجد شعراء من العصر الجاهلي يتناولون موضوع السرقات الشعرية كما أورد مثالا كعب بن زهير: ” ما أرانا نقول إلا معارا / أو معادا من لفظنا مكرورا “

ربما يعتقد البعض أن الإبداع الأدبي والفني لا ينبغي أن يكون مقرونا بالحقوق المادية والمالية وأن المبدع لا يجب أن يتقاضى أجرا على إبداعه، أو في أحسن الأحوال لا يجب أن يحتكره ويقرنه بالمنافع المادية المباشرة، بحجج مختلفة منها أن العلم والفن يجب أن يكون مشاعا ولا يجب منعه على الناس، لكن الفنان والمؤلف عموما يجب أن يأكل ويعيش أيضا مثله مثل باقي من يقومون بوظائف أخرى في المجتمع، إلا أن هذه الانتقادات تبقى بلا سند، فمهنة الطب كذلك تطرح هذه المشكلة، ولا ننسى الهجوم الشرس الذي قام به الفلاسفة على السفسطائيين حول تقاضيهم الأجر على مهمة التعليم حيث اعتبروا هذا الأمر مرفوضا بتاتا، وكان التدريس قبل أن يأتي السفسطائيون بلا مقابل مادي، بل حتى سقراط اعتبر تقاضي المقابل المادي على مهنة التعليم أمرا مشينا…

لا نتناول هنا الملكية الصناعية باعتبارها قسما من الملكية الفكرية، والانتقادات الموجهة لها، وجشع بعض الشركات والمؤسسات الصناعية كما يحدث مثلا في مجال الأدوية، إذ نركز هنا على الملكية الأدبية والفنية فقط، بمعنى حقوق المؤلف والحقوق المجاورة لها.

بل إن الحقوق المادية للمؤلف تتجاوز حقوق المالك لتمس الحقوق المادية للجماعات والدول وهو ما يضيع على هذه الدول والجماعات الكثير من فرص التنمية والتقدم، وهو ما ينبه إليه دائما رئيس الائتلاف المغربي للملكية الفكرية الدكتور والخبير الدولي في الملكية الفكرية عبد الحكيم قرمان، حيث يؤكد أنه لا يمكن الاستهانة بما يمكنه أن تحقق الملكية الفردية من ثروات مادية للشعوب إذ تم الاشتغال على موضوع الملكية الفكرية بشكل صحيح.

الائتلاف المغربي للملكية الفكرية نموذجا : 

لقد صادق المغرب على العديد من المعاهدات الدولية المتعلقة بحماية الملكية الفكرية وخاصة حماية حقوق المؤلف، وأبرم مجموعة من الاتفاقيات المتعددة الأطراف والاتفاقيات الثنائية في هذا المجال، إذ يعتبر المغرب ثاني دولة عربية تصادق على اتفاقية بيرن لحماية المصنفات الأدبية والفنية سنة 1917 بعد تونس، كما تم تأسيس المكتب المغربي لحقوق المؤلفين سنة 1965، وصادق على اتفاقية المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو) سنة 1971، لكن سنة 2016 سوف تعرف قفزة نوعية في ميدان الملكية الفكرية بالمغرب، إذ تم تأسيس الائتلاف المغربي للملكية الفكرية بعد مشاورات عديدة بين الفاعلين في الميدان الأدبي والفني والمختصين القانونيين والخبراء الدوليين في مجال الملكية الفكرية، لإعطاء دفعة قوية في ظل التعثرات وبعض المشاكل والجمود في المجالين القانوني والمؤسساتي. خطوة تأسيس الائتلاف المغربي للملكية الفكرية كانت تحديا كبيرا وإنجازا غير مسبوق تحمل في حركتها وعيا عميقا بمشروع ثقافي تنموي يتماشى بالموازاة مع ما تعرفه الدينامية الاقتصادية والمجتمعية بصفة عامة بالمغرب، ويكمن الحضور القوي للائتلاف المغربي للملكية الفكرية الذي يعتبر هيئة مدينة حقوقية اقتراحية وترافعية في العديد من المرتكزات نذكر منها:

طبيعة الهيئة: إن إفراز هيئة من هذه الطينة في مجال حيوي “الثقافة” من داخل النسيج المدني له من الأهمية ما له، فهو يأتي لإشراك المثقفين والفاعلين والفنانين والأدباء أنفسهم في الدفاع عن حقوقهم ومصالحهم بشكل مباشر وحضورهم كقوة اقتراحية في مشاريع ومقترحات القوانين والمساطر التي تهمهم، في وقت تتوجه فيه الدولة إلى الانفتاح على المجتمع المدني ومنحه صلاحيات كبيرة للمشاركة بفاعلية في تدبير الشأن العام.

المقاربة الموضوعية: يعتمد الائتلاف المغربي للملكية الفكرية في أرضيته القانونية، والتنظيمية، والأدبية على التعددية والانفتاح على كل المشارب الفكرية دون التقوقع في خط إيديولوجي أو سياسي منغلق من أجل خدمة الثقافة والتنمية الثقافية بالمغرب باعتبارها جوهر التنمية الاقتصادية، كما ينظر إلى العمق الثقافي المغربي والموروث الحضاري كركيزة أساسية من أجل التنمية المنشودة. وهو ما يجعل الهيئة ليست هيئة تختص بالدفاع والترافع عن حق المؤلف أو الحقوق المجاورة وغيرها فقط، بل هيئة تترافع من أجل الثقافة والإبداع المغربيين وتمتلك رؤية واضحة ومشروعا مجتمعيا من أجل تنمية شاملة ومستدامة.

ثم لا يجب أن ننسى أن رئاسة الدكتور والخبير الدولي في الملكية الفكرية عبد الحكيم قرمان لهذا الائتلاف المغربي للملكية الفكرية ساهم في أن تكون للهيئة دينامية قوية في المغرب وخارجه، ومكن من إرساء قواعدها، وذلك ببعد النظر والحنكة التي راكمها لعقود طويلة نظرية وممارسة في الميدان، وطبيعة التواصل الذي خلقه داخل هذه الهيئة. كما منح لهذه المؤسسة توازنا جعل الساهرين على إدارتها وكل الفنانين والمبدعين يسيرون جنبا إلى جنبا منتصرين للفن والثقافة والمصالح العليا للمغرب على الحسابات الشخصية التي لطالما هشمت العديد من المشاريع الثقافية والكبرى التي كنا نحلم بها في أوطاننا.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.