الرئيسية | حوار | المفكر المغربي الدكتور سعيد ناشيد للموجة: مجال الصراع على السلطة لم يكن فال خير على المسلمين، وإن العلمانية في واقعنا الراهن شرط لتحقيق السلم الأهلي

المفكر المغربي الدكتور سعيد ناشيد للموجة: مجال الصراع على السلطة لم يكن فال خير على المسلمين، وإن العلمانية في واقعنا الراهن شرط لتحقيق السلم الأهلي

يحاور عزالدين بوركة ومحمد مقصيدي :

  • 1- هل ما تزال مسألة “العلمانية” مطروحة في المغرب والمشرق، خاصة ونحن نرى بعض المفكرين يتهيبون من استعمال مفردة العلمانية، ويفضلون استبدالها بـ”المدنية” أو “الزمنية” أحيانا؟

من نافلة القول إن التاريخ العربي والإسلامي تاريخ فتن متواصلة كقطع الليل المظلم، وفق المتن الحديثي، فِتن نائمة أحياناً وقائمة أحياناً، بدءاً من موقعة الجمل، والفتنة الكبرى، وصفين، والنهروان، وكربلاء، وصولا إلى فتن اليوم في سورية والعراق واليمن وليبيا إلخ. تعني الفتنة وجود قتال طاحن بين المسلمين أنفسهم، قتال تختلط فيه، ومن خلاله، الأبعاد السياسية بالأبعاد الدينية (الخلافة، الإمامة، البيعة، تأويل النص، قدرة الإنسان، الذات والصفات، مرتكب الكبيرة، منزلة الحديث، قضية خلق القرآن، إلخ). ما يعني أن إقحام الدين في مجال الصراع على السلطة لم يكن فال خير على المسلمين، فلا هو ضمن وحدتهم ولا هو جمع شملهم. بل لم يكونوا يتوحدون عندما يتوحدون سوى تحت راية مستبد قاهر يحكمهم بمنطق العصبية والغلبة، تاركا الفتنة نرقد تحت الرماد. لقد

 كان إقحام الدين في مجال الصراع السياسي عامل فرقة وخلاف وفتن. وهذا ليس لنقص في الدين، أو على الأقل ليس هذا هو زعمنا، وإنما بسبب أن النص الديني نفسه (الخطاب القرآني) حمال أوجه كما قال مرّة علي بن أبي طالب. هذا الرجل هو نفسه من رد على مقولة الخوارج “لا حكم إلا لله” بأنها كلمة حق يراد بها باطل. ما يعني أننا أمام خلاصتين على الأقل : أ-  الدين حمال أوجه، أي قابل لأن يتعرض لتأويلات متعارضة؛ ب- قد يُوظف الدين لخدمة أغراض باطلة. وهذا ما يجعل من عبارة “الوازع الديني” مجرد أسطورة فقهية تخالف حقائق التاريخ.

إن المآل الذي انتهى إليه اليوم ما كان يسمى بالربيع العربي، لدليل آخر –نأمل أن يكون الدليل الأخير- على أن إقحام الخطاب الديني في الصراع السياسي، إن لم يقد إلى استبداد مدعوم بتديّن الغوغاء، فإنه يشعل نار فتن لا تبقي ولا تذر.

العلمانية ليست شعارا للمزايدة على أي أحد، العلمانية في واقعنا الراهن شرط لتحقيق السلم الأهلي، قبل أن تكون ضرورة أمنية وتنموية.

  • 2- ما هو تقييمكم لحضور الأسس العلمانية في البنية المجتمعية المغربية؟

من جميل الصدف أن الجيل الحالي من المثقفين الشباب، والناشطين في حقل التنوير العمومي، والإصلاح الديني، ولعلهم في تزايد مستمر، أكثر تقبلا لمفهوم العلمانية، مقارنة بالجيل السابق من المثقفين المغاربة. هذا الأخير قد يكون تأثر بتحفظات الأستاذ محمد عابد الجابري على مفهوم العلمانية، وقد كان يقترح الاستعاضة عنه بمفهوم العقلانية.. عموما فإن التحفظ على العلمانية في المغرب ينطلق من ثلاث أسس متعارضة ومتهافتة أيضا :

1-  العلمانية تهدد إمارة المؤمنين، وهذا الادعاء يقال على الأرجح من باب الابتزاز السياسي الذي يتقنه الأصوليون، على أن الأمر لا يستقيم مع حقائق الحداثة السياسية نفسها. وأمامنا أمثلة كثيرة للاستدلال، على سبيل المثال فإن إشراف الملك في بريطانيا العظمى، أو في عدد من الدول السكندنافية، على الكنيسة الكاثوليكية أو اللوثرية، لا يتعارض مع أسس العلمانية هناك، والقائمة على ثلاثة مبادئ واضحة : أولا، لا يوجد أي نص يمكنه أن يكون مصدرا للتشريع ويبقى في نفس الوقت غير قابل للتعديل؛ ثانيا، تتحدّد معايير العدالة انطلاقا من مستوى التطور الذي بلغه العقل الأخلاقي الكوني؛ ثالثا، تلتزم الدولة بالحياد الديني والمذهبي، ما يعني إما أنها لا تعترف بالأديان كفرنسا مثلا، أو أنها تعترف بها بنحو متكافئ ومتعادل كبلجيكا مثلا.

2 – لا تناسب العلمانية سوى المجتمعات القائمة على التعددية الدينية، أما المغرب فهو بلد يحظى بقدر كبير من التجانس الديني والمذهبي : الإسلام السني، على المذهب المالكي، ووفق العقيدة الأشعرية إلخ. وبالطبع يبقى هذا الادعاء ضارا من عدة جوانب، فهو يضعضع قدرة الإنسان المغربي علىى العيش مع الآخرين عندما يصبح العيش مع الآخرين ضروريا، سواء بحكم الهجرة، أو الزواج، أو العمل، أو غير ذلك. ثم أن هناك فعلا تنامي ملحوظ للأقليات الدينية في المغرب لا سيما في السنوات الأخيرة، شيعية وبهائية ومسيحية ويهودية، جراء الهجرة والعولمة والأنترنيت، ما تسبّب في ظهور ما يمكننا أن نصطلح عليه باسم السيولة الروحية. تلك السيولة الروحية لا تهم فقط سلاسة الانتقال من دين لدين، أو من مذهب لمذهب، وإنما تهم أيضا سلاسة الانتقال من التشدد إلى الإلحاد، أو العكس. وأنا هنا أتحدث فعلا عن عدد من المعاينات.  أحيانا قد تجد الشخص يعيش زمنا طويلا داخل المنطقة الرمادية بين دائرتين أو ثلاثة، وأحيانا أخرى قد يتنقل الشخص الواحد في حياته عدة مرات. فضلا عن ذلك، مهما بلغ “التجانس” الديني للمجتمع –وهو تجانس وهمي في الأخير- يبقى الفرد هو أصغر أقلية داخل كافة المجتمعات لا سيما مجتمعات القدامة، وتبقى المرأة هي أكبر أقلية داخل كافة المجتمعات لا سيما مجتمعات القدامة.

3- العلمانية تعيق إمكانية الحوار، وربما التحالف، مع أنصار الإسلام السياسي، سواء في إطار كتلة تاريخية كما كان يردد محمد عابد الجابري، أو في إطار كتلة شعبية كما كان يردد أحمد حرزني، أو في إطار  جبهة موسعة كما كان يحلم بعض اليساريين !

هناك من الإسلاميين المغاربة من أمسى يقترح مفهوم التمييز بدل الفصل بين الحقل السياسي والحقل الديني. ومعلوم أيضا أن حزب النهضة في تونس قد قرر الفصل التنظيمي للدائرة السياسية عن الدائرة الدعوية، ما يعني أن ثمة شعور حتى لدى بعض الإسلاميين بأن دمج الدين في السياسة له حدود. كل ما نفعله كقوى علمانية أننا نقول نفس القول، إنما بلا تحفظ : الدين دين، والسياسة سياسة.

  • 3- هل ترون من أفق لعلمنة الدولة والمجتمع في المغرب؟

لا شك أن أوقاتا عصيبة تنتظرنا كعلمانيين مغاربة. إذ ثمة اختلال كبير، وربما غير مسبوق، سواء داخل الدولة أو داخل المجتمع، لفائدة قوى العنف والكراهية والتحريض الطائفي المجاني.  لكن الذي يجعل العلمانية تفرض نفسها في الأخير، أنها تبقى في كل الأحوال ضرورة أمنية..  على أمل أن نستوعب الدرس من التجارب الأخرى، بدل انتظار تقديم نفس الكلفة.

  • 4- ما الاختلالات التي تعرفها الحركات الداعية إلى العلمانية، مما يجعلها غير ذات تأثير وامتداد في المجتمع؟

معضلة العلمانية عندنا أنها يجب أن تكون جزءا من رؤية إصلاحية للدين. لا يكفي القول بالفصل بين الدين والدولة، أو بين الشريعة والقانون الوضعي، أو تمييز الفضاء الديني عن الفضاء السياسي، أو الحياد الديني للدولة… إلخ، لا بد وأن يكون هذا القول جزءا من رؤية إصلاحية تجيب عن أسئلة رئيسية : أولا، ما هي وظيفة الدين؟ ثانيا، ما وظيفة القرآن؟ ثالثا، ما الشريعة؟

أولا، وظيفة الدين هي تحقيق نوع من “الأمن الروحي” في مواجهة أسئلة الموت والفناء. طبعا، هذا الهدف لا يحققه الخطاب الديني السائد في مجتمعاتنا والقائم على إثارة كل المخاوف الانفعالية حول أهوال الموت وحكايات القبر والثعبان الأقرع أو الأعور أو لست أدري. هذا يعني أن ثمة انحراف مذهل عن الوظيفة الأصلية للدين. وهذا باب من أبواب الإصلاح الديني.

ثانيا، وظيفة القرآن ليست أن نبني دولا أو نصوغ أحكاما وقوانين، وإنما للقرآن وظيفة تعبدية خالصة. وهذا ما يجب أن تستحضره استراتيجية الإصلاح الديني.

ثالثا، الشريعة ليست كلام الله، ولا كلام الرسول، وإنما هي محصلة الجهد الذي قام به الفقهاء على مدى عدة قرون وهم يحاولون أن يستنبطوا من بعض آيات القرآن، بإضافة الأحاديث النبوية، وحتى الأحاديث الصحابية ثم التابعية أحيانا، بعض الأحكام العامة. ثم أن جهدهم ذاك قد تم في عصر التوسعات الإمبراطورية، ما جعل من المتن الفقهي مشحونا بمفاهيم العصر الإمبراطوري : الغزو، السبي، الغنيمة، الجزية، الجهاد، دار الحرب ودار الإسلام، الطاعة، الجماعة إلخ. لهذا السبب فإن الشريعة ( والتي قلنا إنها كلام الفقهاء حصراً ) لا تتناغم مع عصر الدولة الوطنية ولا مع عصر العولمة. إننا في حاجة ماسة إلى قوانين حديثة، تتبنى مفاهيم حديثة.. العلمانية توفر هذه الإمكانية.

  • 5- في ظل تغلغل الحركات الإسلامية في بنيات المجتمعات المغاربية والمشرقية، ما هي السبل الكفيلة في نظركم لمواجهة هذا المد؟

لا بد من إصلاح مناهج التعليم الديني وفق رؤية إصلاحية متحررة من قيود الموروث الفقهي، ولا بد من الشجاعة في هذا الأمر.. لا بد من تحديث خطب الجمعة شكلا ومضمونا وعدم حصر معيار الاعتدال في الموقف من الحاكم، فهذا خطأ قاتل. ولا بد من وجود رؤية واضحة في هذا الإطار.. لا بد من تحرير الإعلام الديني من المفاهيم الفقهية التي تبلورت في العصر الإمبراطوري، عصر الغزوات والسبي والغنيمة والجزية والطاعة والجماعة والعورة إلخ. ولنتذكر دائما أن المفاهيم ليست مجرد وسائل للتواصل لكنها أدوات لتوجيه الفكر والسلوك. وهنا المعضلة.. وفوق كل ذلك لا بد من شجاعة المثقفين التنويريين في ممارسة التنوير العمومي بكل الوسائل المتاحة.

  • 6- أخيراً، إلى أي حد يمكن للحوار والكتابة الفلسفية والفكرية –داخل مجتمعات أمية- أن تمدّ تيارات العلمانية بأدوات تجعلها قادرة على فهم المجتمع وتجاوز أعطابه؟

بعض الكلمات يكون لها مفعول السحر من حيث لا نحتسب.. كنت لا أزال تلميذا في المرحلة الثانوية عندما سمعت مفكرا عربيا -لا أذكره- يقول عبر إحدى الإذاعات : الخطاب العلماني يعرف ماذا يقول لكنه لا يعرف كيف يقول، والخطاب الإسلامي يعرف كيف يقول لكنه لا يعرف ماذا يقول. ونحن نحتاج اليوم إلى خطاب يعرف ماذا يقول وكيف يقول. بمعنى، أننا نحتاج إلى علمانية تعرف كيف تقول. منذ ذلك الوقت، بقيت هذه الكلمات ترن في ذهني. ولعلها ظلت توجهني مثلما يفعل الحدس الداخلي.

عندما قررت الشروع في الكتابة طرحت علىى نفسي نفس السؤال : كيف أكتب في مجتمع يصنف ضمن أكثر المجتمعات تأخرا من حيث نسبة القراءة؟ بل، كيف أنجح في توسيع دائرة القراء في مجتمع علاقته باللغة الفصحى لا تتعدى ثلاثة محاور : خطبة الجمعة، تغطية مباريات كرة القدم، وبعض المسلسلات المدبلجة؟ بل، كيف أقنع مجتمعا غير قارئ بقراءة مسائل متعلقة بالفكر والفلسفة، وهي عسيرة الهضم بالأساس؟

كان الرهان أن أطور أسلوبا خاصا، يجعل القارئ يستوعب الفكرة بأقل جهد ممكن، وبشيء من المتعة أيضا. في الحقيقة أدركت أيضا مغزى مقولة فتجنشتين البسيطة والبليغة : كل ما يمكنك قوله، يمكنك قوله بوضوح. لا أشك في أن هذا هو سلاحنا الأهم في الأخير : الوضوح.

 

تعليق واحد

  1. المشكله فى المخ العربى واظنهم طارت عقولهم وهم بلا عقول كل واحد ماسك مدفع يقتل اخوه لماذا لان فى واحد قال له كن معى لاجلس على كرسى الحكم وفى الحقيقه يفقد حياته .وهكذا الكل يفقد حياته لان فى واحد عايز يجلس على كرسى الحكم عقول ليس بها عقل ولا حكمه دمروا البلاد بالطمع فى الكرسى .ولا حد فيهم يعرف ربنا من اصله وليس للدين اى دخل بيحشروا الدين ليجدوا مبرر لانفسهم .لقد جن الرجال ووجب لهم الانسحاب ويتركوا الساحه لحكم النساء .لا ينفع يحكم العالم مجانين عندهم شيزوفرينيا . مرضى نفسيين يذبحوا البشر ويتباهوا برؤسهم المقطوعه تنحى ايها الرجل من حكم البلاد فقد ان الاوان ان يعود الملك لاصحابه وقد ثبت فشلكم الذريع وخرجت الذئاب التى خلقهم الله فيها .

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.