الرئيسية | سرديات | العصافير تتحرر من أقفاصها | الطيب طهوري -الجزائر

العصافير تتحرر من أقفاصها | الطيب طهوري -الجزائر

الطيب طهوري -الجزائر

 

كانت العصافير تتوالى أسرابا أسرابا.. ووحدانا وحدانا أحيانا.. وعلى القمة كانت تحط..
ما هذا الذي يحدث؟.. لماذا؟.. تساءل الجبل حائرا ..
قالت شجرة لأختها: لم أر إطلاقا مثل هذا القدوم.. ترى ما السر؟..
نظرت الصخور إلى بعضها متعجبة..
النهر الذي كانت تعبر سماءه العصافير الجماعية تعجب أيضا..
صارت العصافير آلافا وآلافا..
امتلأت الأغصان كلها..
تأملت العصافير بعضها .. غيوما داكنة كان الحزن على وجوهها..وكان الصمت لباسا رهيفا لها..
قال عصفور شارد البال: ما إن مد أبي منقاره إلى قطعة الخبز حتى تلقفه الفخ..انتفض الجناحان فيه..لكن اليد اللعينة كانت أسرع منه..وُضع في القفص..ومنذ تلك اللحظة الرهيبة لم أره..
كل يوم أقف على الشرفة..أسمع زقزقة أمي..صباحا أسمعها.. ومساء..أبكي مزقزقة..وتبكي مزقزقة..وأفارق المكان متألمة حزينة.. قالت عصفورة نحيلة الجسد تحكي..
عصفور كان يقف على الغصن المتطرف قال باكيا: لم أر أختي ذات اللون السماوي منذ زمن بعيد..بعيد..
تململت الصخور..قالت صخرة لأختها: أكل هذا يحدث للعصافير؟
أجابت أختها: كنت وانا أرى العصافير تزقزق فرحة سعيدة وتقفز على الأغصان هنا وهناك أتحسر على الحال التي أنا عليها..ما كنت أتصور أبدا أن كل هذا يحدث لها..
هكذا هي الدنيا.. قالت حصاة لجارتها..
حول العصافير كانت تقف الحيوانات البرية..والمدجنة أيضا..
الأفعى التي كانت تتربص بالعصافير بين الأغصان لاقتطاف غذاء يومها زحفت باكية بعيدا ..
النسور التي كانت تحوم في الأعالي طأطأت رؤوسها خجلا وغادرت..
تكلم العصفور الذي كان يقف في أعلى القمة: نرمي قاذوراتنا على النوافذ والأبواب.. صباحا ومساء نرمي.. في كل وقت نرمي..مؤكد أنهم سيطلقون سراح أمهاتنا وآبائنا وإخواننا وأخواتنا من أقفاصها..
بعد يومين من اجتماعهم الأول كان الثاني…
وقعت أختي في الفخ ..قال عصفور ما يزال الزغب يغطي بعض أجزاء جناحيه..
أمي ماتت في الفخ ..قالت عصفورة ودموع الحزن تنهمر من مقلتيها..
ثالث: صديقتي..
صديقي..قال الرابع..
أرسلت السماء حزنها سحبا رمادية اللون..
بكت السماء أمطارا غزيرة..
أسمعت الرياح الأرضَ والسماء شهيق نواحها وزفيره ..
تأوهت الأشجار وتساقطت دموعها أوراقا باهتة الاصفرار ..
ارتمت الصخور على بعضها البعض ناحبة..
رفست الخيول الأرض بعنف وحمحمت كثيرا كثيرا..
شح حليب الأبقار والنعاج والماعز..
ماءت القطط ، ولم تتوقف أبدا عن موائها..
تواصل نباح الكلاب الذي كان يشبه العواء ..
سأل البحر مياه النهر الطينية..وأرسل أمواجه غضبا ملتهبا حين عرف الحكاية..
***
أشارت البومة التي دعتها العصافير لأخذ رأيها على الجميع بالسكوت..وسكت الجميع..
تأملت البومة الوجوه العصفورية الحزينة بعمق شديد.. نظرت إلى الجهات الأربع..
تهامست الأشجار والأحجار والأطيار والصخور والعشب والحصى حين طال صمت البومة..
نظرت العصافير إلى بعضها البعض حائرة..و..
تكلمت البومة: سلاحكِ زقزقتك أيتها العصافير..
سأل العصفور الذي كان يقف قريبا منها: كيف يا سيدة الحكمة؟..أوضحي..
سلاحك زقزقتك أيتها العصافير..كررت..
وسمع الناس حيث الأقفاص زقزقة العصافير..
قبل الفجر..وقبل هبوب نسائم الصباحات تزقزق العصافير الكثيرة موسيقاها الشجية الحارة..
انتظر الناس يوما..يومين..
حالة، قالوا،تمر بها العصافير وستتوقف..
لكن الزقزقة االشجية الحارة لم تتوقف..
تساءلوا: ما السر ياترى؟..لماذا تفعل العصافير هكذا؟..
وأدركوا الأمر حين سمعوا عصافير أقفاصهم تزقزق موسيقى شجية حارة في نفس الوقت هي أيضا..
وحين كانوا يخرجون حاملين بنادقهم في الصباح الباكر كانت الزقزقة الحارة تتوقف والعصافير تختفي..وعرفوا السر حين سمعوا قبل خروجهم عصافير الأقفاص تصدر زقزقة غريبة لم تسمعها آذانهم من قبل أبدا..
***
ورأت الجبال والأشجار والحصى والأحجار والطيور والأنهار والصخور والبحار والحيوانات والأزهار العصافيرَ مزهوة بجمالها زقزقة راقصة..
كان العصفور الذي كان الشارد يعانق فرحا أباه..
كان العصفور الذي كان الشارد يعانق فرحا أباه..
قبل العصفور الصغير أخته العصفورة ذات الريش السماوي بحرارة شديدة الدفء..
كانت السماء شديدة الزرقة..كما لم تكن بهذه الزرقة من قبل أبدا..
كان البحر هادئا عميقا ..كما لم يكن عميقا هادئا هكذا من قبل أبدا ..
وكانت الغيوم البيضاء تراقص ماءها ..من بعيد..
و الجبال الشاهقة كانت أكثر شموخا..
عانقت الابتسامات وجوه الصغار والعجائز والشيوخ والأرانب والقطط والكلاب والأبقار والماعز والنعاج والدجاج..
وامتلأت وجوه الرجال والنساء بالفرح العميق..
رأى الناس الكثير من الورود البيضاء والحمراء والزرقاء والصفراء تملأ شرقات المنازل والعمارات..والكثير الكثير من الأشجار الصغيرة على سفوح الجبال الشاهقة الشامخة.
وكانت الأعشاب خضراء ندية تعانق الجبال والسهول والحقول والمدى..

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.