الرئيسية | منبر الموجة | الحلاج شهيد التصوف أم مجرد مهرطق | فائز حسن

الحلاج شهيد التصوف أم مجرد مهرطق | فائز حسن

حسن فائز

يعد  الحلاج أحد أكثر الشخصيات التاريخية جدلا ، بين من يراه شهيد التصوف و من يراه زنديقا ساحرا كافرا ادعى الألوهية  و لعل أول اختلاف حول الحلاج جاء في سبب تسميته فيرجح البعض أنه سمي الحلاج لامتهانه رفقة أبيه مهنة حلج القطن في حين ذهب البعض أبعد من ذلك معتبرينه حلاجا للضمائر أي أنه كان يكشف لمستمعيه خفايا أفكارهم الدفينة.

ولد الحلاج في الطور وهي منطقة في الشمال الشرقي للبيضاء في مقاطعة فارس بإيران لكنه شد الرحال و أسرته مبكرا إلى العراق و هناك نطق العربية و أتقنها ليتعلم أصول الصوفية على أول معلم له وهو سهل بن عبد الله التسترى في سن السادسة عشر ثم لبس ثوب الصوفية بعدها في البصرة على يد عمرو بن عثمان المكي لتنطلق رحلة أحد أكثر المتصوفة جدلا في التاريخ الإسلامي.!

كتب ابن الجوزي كتابا يصور فيه الحلاج كساحر قصد دحض نظرية من كانوا يؤمنون بقدساته ، بينما اعتبره المنظر الصوفي الكبير ابن عربي القطب الصوفي السابع الواقع عند أقدام أيوب رغم إعجابه بشخص الحلاج و تجربته أكثر من عقيدته.

أماالمصلح الحنبلي ابن تيمية و عدو نظرية ابن عربي الأحدية فاعتبره شيطانا تخدمه الأبالسة و كفره مع كل من يؤمن بعقيدته أو يدافع عنها حتى فما الذي جعل الحلاج بهذا الموضع رغم حجه لبيت الله في مناسبتين و ما الذي جعله موضع الألسنة ؟

يقول الحلاج في كتابه الطوابين الذي ألفه في السجن و لم يكشف عنه النقاب إلا بعد موته ” إن لم تعرفوه (الله) فاعرفوا آثاره و أنا ذلك الأثر و أنا الحق لأني ما زلت أبدأ بالحق حقا ، و إن قتلت أو صلبت أو قطعت يداي و رجلاي ما رجعت عن دعواي” و يقول أيضا “لست بالتوحيد ألهو،  غير أني منه أسهو . كيف أسهو كيف ألهو، و صحيح أني هو ؟

كما يقول في أحد أبياته :

” كفرت بدين الله و الكفر واجب ، لدي و عند المسلمين قبيح”

إنه لمن البديهي لقارئ هذه الأبيات أن يحكم حكما مطلقا على صاحبها بالكفر و الزندقة و الهرطقة تماما كما فعل القدماء بقانون عقدي قائم مغفلا بذلك انصهاره الباطني و تجليه في الذات الإلهية لدرجة الغائه للذات البشرية فأنا الحق الحلاجية ليست مطلقة بمفهومها الحرفي بل مطلقة و نسبية معا مطلقة بما تمثله الذات الإلهية في تجلياتها و نسبية حسب محل هذه التجليات و وضعيتها.

يضع الحلاج للتصوف مفهوما فلسفيا قلب مساره الطبيعي فهو يعرفه بحصة الإنسان الغارق في وجد الحب فهو إفراد الواحد الأحد ، أي أن المتصوف يغرف في حب الله عميقا ليصل حد إفناء كيانه الشخصي بحيث لا يبقى سوى الله ، هذا هو هدف المتصوف الذي يذوب في الله حتى يصبح مجسدا من خلاله فالمتصوف في نظر الحلاج هو بمثابة الله المتجسد دون إدعاء الألوهية لذاته أو لشخصه رغم أن هذا كان سبب الحكم عليه بالموت بأبشع الطرق و أشنعها فالمسلمون يخدعون و ينخدعون ليس فقط حين يحكمون على مهرطق بل عندما يظنون أنهم بذلك يعدمون المذنب المفترض…!

أخذوا الحلاج الى ساحة و قطعوا له اليدين و القدمين بعد جلده خمس مائة جلدة ثم صلب و قطع رأسه و أحرق ليرمى رفاته في نهر دجلة ، و لعل مشهد موته يحيلنا إلى رواية الصلب المسيحية بكل ما حملته من هالة و نبل و تضحية و صبر و لعل هذا كان السبب الرئيسي لجعل المستشرق الفرنسي لويس ماسيتون يغوص بشكل مستفيض في أبحاث عن الحلاج و التصوف  لأحد أكثر الشخصيات جدلا و لغطا في التاريخ و قد نجح في رد الإعتبار و إزالة العديد من التهم الباطلة الملفقة حوله حيث التزم بدراسة الإسلام و اهتم بقصة أهل الكهف كنقطة لقاء بين المسيحية والإسلام وقرأ فيها الكثير من المعاني الروحية.

اعتبر الحلاج أن على النبي أن يشفع لصالح كل البشر و أن هناك حاجة للتبشير بديانة ليست فقط شريعة جماعة من المؤمنين بل تتجاوزهم إلى حقيقة الله ذاتها المتجلية في كل كائن بشري.

إذا تأملنا في طرحه ندرك أنه لا يمس شخص النبي بل يقصد من حصر دوره في ما دون مقام وظيفته كرسول و ليست الشريعة التي تكونت إلا وسيلة لإحقاق الحق و تحقيق الوصول إلى “الله”.

خاض الحلاج أيضا في الأمور السياسية فكان في تجواله ينتقد الأوضاع و قاد ثورة إصلاحية كادت أن تهز عرش المقتدر و تزعزع نفوس رجال الدولة آنذاك و على رأسهم حامد بن العباس و لعله أوغر الصدور بذلك أيضا فسرعت محاكمته و شرعت دماءه.

قال الواسطي قلت لابن سريج : ما تقول في الحلاج؟

قال : أراه حافظا للقرآن عالما به ماهرا في الفقه عالما بالحديث و الأخبار و السنن صائما الدهر قائما الليل و يعظ و يتكلم بكلام لا أفهمه فلا أحكم بكفره.

فليت الجميع ابن سريج لا يحكمون إلا بما يفقهون.

عندما أحس الحلاج بالخطر، خاطب قضاته بقوله : « ظهري حمي، و دمي حرام، و ما يحل لكم أن تتهموني بما يخالف عقيدتي، و مذهبي السنة، ولي كتب في الوراقين تدل على سنتي، فالله الله في دمي !!»

و لعل هذه كانت من المرات القلائل التي تكلم فيها الحلاج بكلام واضح مفهوم، و لكن ذلك لم يغن عنه شيئا، فقد جلد ألف سوط، و قطعت يداه و رجلاه، و أحرقت جثته، و رمي برمادها في نهر الفرات، و علق رأسه بباب الكرخ !

تلك باختصار هي قصة حياة الحلاج.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.