الرئيسية | سرديات | الحلاج الصغير | د. ناصر السوسي

الحلاج الصغير | د. ناصر السوسي

د. ناصر السوسي

كنت صغيرا… صبيا … عودي كان طريا جدا… لم أكن أحفظ القرآن الكريم بتاتا لأستظهره عن ظهر قلب كباقي الأطفال داخل القسم… كان معلمي يضربني ضربا مبرحا لم أكن أتحمله… كنت أبكي بكاء شديدا و عذابي كان يبكي بعض رفاقي الأطفال ..

تارة يصفعني معلمي و طورا يضربني بمسطرة من عود العرعار على أطراف أصابعي يدي.. وطورا يجلدني بقسوة بواسطة سوط شاهدت شبيه شكله عند أصحاب ” كراريس ” النظافة التي كانت تخرج أفواجا أفواجا من بوابة ” الفوريان كل صباح ” قرب مدرستي .. لكنني لم أنس يوما أنه عذبني عذاب جهنم ذات صباح باكر بمساعدة تلميذين قويين نادى عليهما من وسط ساحة المدرسة حيث كانا بتجولان..

كان يعذبني فيسخر من بكائي … وحين كبرت تذكرت انني كنت أبا منصور الحلاج بمدرستي.. مسح الحلاج و هو مصلوب دمه بطرف يده المبتورة ومسحت مخاطي المتناثر على وجهي بكم قميصي البالي.. لم أكن أفهم سر تعذيبه لي بتلك الطريقة المغرقة في الوحشية في فصل كان من قره ينفق حوت البحر ب” المريسى القديمة “. بمدينتي الملونة ..لم يكن يعلم مدرسي هذا أنني في تلك السن كنت مفرنس اللسان داخل أسرتي و محيطي الذي كنت أتحرك فيه لذلك لم أكن أفهم إطلاقا الخط العربي فأحرى الخط العثماني أو الكوفي… ولم يكن يعلم أنني كنت في تلك السنة شارد الذهن لأنني كنت أعود إلى البيت فلا أجد حضنا آوي إليه .. والدتي كانت بالمستشفى بين الحياة والموت وأنا صبي …
أتساءل مع ذلك لماذا كان معلمي يعتدي بتلك الشراسة وقد كان شابا في مقتبل العمر ؟  

لماذا سجنني يوما بالخزانة ولما أخرجني من ظلمتها كنت كمن خرج من كهف أفلاطون لأنني لم أكن أرى غير سديم، فعاجلني بضربة خاطفة بمسطرة حديدية رأيت جراءها نجوم Patachou أمامي لا مقاعد و تلاميذ.

خلتني في تلك اللحظة أمام مقاتل محترف في حريب شج رأسي ثم انهمر الدم شلالا ساخنا على منضدته… كنت أتساءل أحيانا عن سر هذا الاعتداء… مرة صادفته بمدينتي.. كان هو هو.. تماما.. كنت في عطلة.. دعوته لارتشاف فنجان قهوة إكراما له. كمعلمي ذات زمان.. سألني باحترام زائد :

قل لي : ” هل تشتغل عميد شرطة” أجبته أشتغل مدرسا مثلك أستاذي العزيز … لم أسأله عن السر في اعتدائه على أطفال أبرياء في عمر الزهور.. حدست في عينيه الزائغتين علامات اكتئاب وفي سؤاله ذي النفحة المخزنية الذي وجهه إلي وأنا أجالسه فوبيا دفينة و في حركاته غير التلقائية شخصية لا مستقرة ، شخصية مفككة لم تعمل على تطوير ذاتها، شخصية مقهورة لميولاتها السادية كآلية نفسانية لا شعورية قصدها ضمان توازن نفساني مفقود بغعل تنشئة اجتماعية معينة…

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.