الرئيسية | بالواضح | الحجة الباهرة في هدم كنائس مصر والقاهرة | رباب كمال

الحجة الباهرة في هدم كنائس مصر والقاهرة | رباب كمال

رباب كمال -مصر

رباب كمال الكاتبة“الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها”، سيتم ترديد هذا الحديث على مسامعك  إن كنت من بين هؤلاء الذين يبحثون وينقبون في كتب التراث الديني لتبحث عن أصل وبذرة الأفكار المتطرفة حتى تواجهها بدون التفاف، بدلا من الاستسلام للمعالجة السطحية للفكر الإرهابي المتطرف والذي  نختزله في عبارة “حدث إرهابي  فردي”.

كلما وقع حادث إرهابي يستهدف كنيسة في مصر مثلا، تتعالى  الأصوات وتحتد الحناجر بقول أن الحادث فردي و هنا لابد أن نطرح عدة إشكاليات.

الاشكالية الأهم هي:  أنه  لا يجب اختزال تحليل الحادث بالسؤال عن كونه  فرديًا (تصرفًا شخصيًا) أم ُمنظم (ضمن جماعة راديكالية متطرفة) وإنما السؤال الحتمي هو هل هناك نصوص أو مصادر دينية أو فقهية تتحمل مسؤولية الفعل الإرهابي؟

في خضم هذه الأبحاث، كان علينا النظر في عدد من المخطوطات ومنها مخطوط بعنوان “إقامة الحجة الباهرة في هدم كنائس مصر و القاهرة”.  صاحب المخطوط ليس شيخًا سلفيًا وإنما هو الشيخ  أحمد بن عبدا لمنعم بن يوسف بن صيام الدمنهورى الشهير بالشيخ أحمد الدمنهوري و هو شيخ  الجامع الأزهر في الفترة ما بين عام 1767 و حتى  1776 ميلادية الموافق 1182 إلى 1190 هـ.

المكتبة الأزهرية هي مصدر المخطوط  الذي يحمل عنوان “إقامة الحجة الباهرة في هدم كنائس مصر والقاهرة” ورقم المخطوط بالمكتبة هو 326194، والمخطوط يقع في 26 صفحة و هو مكتوب بخط النسخ. و هناك مصادر أخرى لنفس المخطوط في دار الكتب القومية المصرية.

كنت قد سمعت لأول مرة  عن مخطوط إقامة الحجة الباهرة في هدم كنائس مصر والقاهرة من خلال الموقع الرسمي للأزهر حين كنت أجمع بعض المعلومات عن تاريخ مشيخة الأزهر وشيوخها، فالموقع الرسمي للأزهر أنشأ رابطًا بعنوان “ذاكرة الأزهر”  وتم إدراج عنوان هذا المخطوط ضمن مؤلفات الشيخ أحمد الدمنهوري باعتباره أحد شيوخ الأزهر.

بدأت قصة ذلك المخطوط-  الذي كتبه شيخ الأزهر الشيخ الدمنهوري-  حين شرع بعض المسيحيون في بناء كنيسة جديدة  في القاهرة، فغضب بعض المسلمون وتم استفتاء الشيخ على بناء و ترميم الكنائس وقد أورد الشيخ الدمنهوري في مخطوطه حرمانية ذلك حسب المذاهب الأربعة (الحنفية والشافعية والمالكية والحنبلية) بل وأورد أنه لا يجوز إعادة بناء كنيسة تهدمت حتى و إن ُهدمت بغير وجه حق.

كما أورد مخطوط الحجة الباهرة في هدم كنائس مصر والقاهرة أحاديث من السنة النبوية ومنها : عن عمر  رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه و سلم قال “لأخرجن اليهود و النصارى من جزيرة العرب” وهو حديث صحيح أخرجه مسلم وأحمد و الترمذي، وعن عائشة رضي الله عنها أن أخر ما عهد به الرسول أنه قال  لا  ُيترك بجزيرة العرب دينان” و هو حديث إسناده حسن،  أخرجه أحمد و الطبراني في الأوسط .

36757752_303

توقفت كثيرًا عما ورد في هذا  المخطوط، خاصة وإن أدركنا أن بعض شيوخ السلفية يلجئون له  تحديدًا  (كونه يستند  إلى المذاهب الأربعة في أطروحته) لدعم تأويلاتهم عن ضرورة هدم الكنائس أو على الأقل منع بناء الجديد منها وتركها بلا ترميم و كان من بين أشهر المؤيدين لهذا المخطوط :  الدكتور أحمد  عبد الرحمن النقيب  و هو شيخ سلفي وفي ذات الوقت هو استاذ بكلية التربية جامعة المنصورة و قد نال الدكتوراة في الدراسات الإسلامية ، نعم لدينا استاذ جامعي في جامعة حكومية مصرية يتحدث بكل حرية عن هدم الكنائس في مصر بدون أن يقف أمام المحكمة بتهمة التحريض على العنف ضد دور العبادة كما هو مبين في المواد 160 و 161 من قانون العقوبات و بدون أن يمثل لقانون ازدراء الأديان و التحريض بالقول كما هو مبين في المادة 98 ( و ) من ذات القانون ، و السبب واضح ، فهو يستخدم مصادر شرعية للازدراء . فهل تحاكمه الدولة أم تحاكم مصادره الفقية و الدينية ؟

بل قام الدكتور أحمد النقيب بكتابة مقدمة لهذا المخطوط الذي ُنشر عام 2012 في كتاب  يحمل نفس عنوان المخطوط الأصلي و صدر عن دار الفاروق للنشر ، و قد حصل الكتاب على رقم إيداع في دار الكتب و الوثائق القومية المصرية بدون أدنى اعتراض و رقم الإيداع هو 1883\2012

لكن الموضوعية تُحتم علينا كذلك ألا نغفل أن الخطاب (الرسمي المؤسسي) لمؤسسة الأزهر حاليًا يفتي بجواز بناء الكنائس و قد يكون لذلك أسباب عديدة و منها تأثير الخطاب السياسي على الأزهر خاصة فيما يتعلق بشعار الوحدة الوطنية ولا يجب أن نغفل كذلك  أن الأزهر مؤسسة دينية(حكومية)،  ولهذا فلا يمكن أن يناقض الخطاب الحكومي نفسه خاصة في موضوع  شائك كهذا و لا يمكن كذلك أن نغفل فتوى شيخ الأزهر الحالي د. أحمد الطيب الذي صرح بأنه يجوز بناء الكنائس في أغسطس 2014، بالرغم أنه وضع الفتوى في إطار جواز البناء طالما لا يضر بالأمن القومي و كأن بناء الكنائس هي التي تضر بمستقبل الوطن لا الإرهاب و الفقر و الجهل و التعصب ؟؟  و لا يمكن كذلك أن نغفل فتوى دار الافتاء المصرية في أكتوبر 2011 التي أجازت البناء بما لا يتعارض مع قوانين الدولة و هو الأمر الذي تطلب قانون دور عبادة موحد و ليس قانون لبناء الكنائس وحده..

الموضوعية تحتم علينا كذلك أن نسأل… لماذا لم ينتقد الأزهر مصادر المخطوط والمخطوط نفسه؟ لماذا لم  يواجه المشكلة الحقيقية بدلا من اللجوء إلى فتاوى تطييب الخواطر أو الامتثال للرسالة الحكومية الرسمية على طريقة تفصيل الفتاوى؟

المشكلة الحقيقية هي الكم الهائل من التراث الديني الذي يحتاج للمراجعة والمواجهة.. لماذا نكتفي بردم التراب على منابع التطرف وننتظر لحظة انفجاره في وجوهنا كما انفجر في حادث كنيسة  البطرسية الإرهابي وغيرها من الحوادث التي تستهدف كنائس الصعيد في غفلة من الإعلام الذي يختزل الأمر في زيارة الرئيس المصري  للكاتدرائية ليلة الاحتفالات بعيد الميلاد المجيد  ؟ حتى الرئيس المصري نفسه يختزل الأمر في التبرع لبناء كنيسة و مسجد إلى جوار بعضهم البعض  في العاصمة الإدارية الجديدة .

السؤال الحتمي هو  لماذا  لا نواجه جذور التطرف و نقتلعها  و نواجه أنفسنا بأن هناك مشاكل بالفعل  في صلب التراث الديني الذي ُترك جامدًا لعدة قرون عدا بعض المحاولات الفردية والتي لم تسلم من خطاب التطرف .

لربما كانت أكبر المشاكل التي واجهتها الدولة المصرية  في العصر الحديث هو ما حدث في مايو  1997 و هذا ليس بتاريخ بعيد كما يعتقد البعض ، حين ُسئل الشيخ عطيه صقر و هو رئيس قسم الفتوى الأسبق عن بناء الكنائس في بلاد المسلمين ( و هنا نعترض على وصف مصر ببلاد المسلمين، فمصر بلاد المصريين)، فاستشهد  الشيخ عطيه صقر ضمن فتواه  بحديث بن عدى عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم” لا تبنى كنيسة في الإسلام”، و تلك المشكلة أثبتت أن استقلالية الأزهر بعيدًا  عن الخطاب السياسي ليست بالضرورة هي الحل كذلك  بسبب الأصوات السلفية بداخله و التي قد تسبب أزمة… إلا إذا تضمن هذا الاستقلال انفصالا عن دائرة صنع القرار و التشريع وخضع للقانون إن صدر منه خطابًا تحريضيًا .

36757752_303

الموضوعية أيضًا تحتم علينا السؤال “لماذا لم يصادر الأزهر الذي حصل على حق الضبطية القضائية من وزارة العدل عام 2004 كتاب الحجة الباهرة في هدم كنائس مصر والقاهرة الذي صدر حديثًا عن دار الفاروق؟ فالأزهر استخدم الضبطية القضائية لمصادرة كتابات الروائيين و المفكرين على اعتبار أنها تضر بالهوية الإسلامية لكنه لم يجد ضررا بالهوية الإسلامية  في كتاب ُيشرعن هدم الكنائس و الذي يتعارض أساسا مع فتاوى الأزهر الرسمية في الأعوام السابقة ..

من أكثر الإشكاليات التي وقفت أمامها هي مصادرة  الأزهر لكتاب يدعو لتجديد الخطاب الديني بعنوان الخطاب والتأويل لنصر حامد أبوزيد حسب قرار من مجمع البحوث الإسلامية في 27/11/2003 أي بعد 4 شهور فقط  من التخلص من دولة  الإخوان  التي ُعرفت  إعلاميا بدولة الفاشية الدينية!

ليس مطلوبًا من الأزهر أن ُيجمل الماضي لكن مطلوب من الراغبين في تجديد الخطاب الديني أن يدركوا أن المستقبل لا يصنعه الماضي السحيق.

حقيقة الأمر أن شيخ الأزهر الأسبق  أحمد الدمنهوري الذي كتب مخطوطًا  بعنوان  إقامة الحجة الباهرة في هدم كنائس مصر و القاهرة لم يخطئ في جمع مصادره، لأن مصادره ليست من بنات أفكاره، السؤال الحقيقي هو كيف نواجه تلك المصادر التي تروج للعنف و العنصرية بدون تجميل؟

 من الذي يوقظ الفتنة النائمة؟ أهو من يشير إلى منابع التطرف والعنصرية في التراث والنصوص أم من يستخدمها كذريعة للإرهاب؟ علينا التفريق بين إيقاظ الفتنة ودفن الرؤوس في الرمال وكان كتاب ومخطوط إقامة الحجة الباهرة في هدم كنائس مصر والقاهرة مجرد نموذجا بسيطا لهذه المعضلة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.