الرئيسية | سرديات | الحب كله: ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي – فرنسا

الحب كله: ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي – فرنسا

حنان الدرقاوي – فرنسا

 

أن أنصت لأم كلثوم في بيت نظيف تفوح منه رائحة جافيل , كان ذلك مسعاي حين كنت أعيش في آزرو أيام مراهقتي. لا أعرف من أين أتى كاسيط “الحب كله” . أبي يمنع كافة أشكال الموسيقى فيما عدا الموسيقى الكلاسيكية التي كنا نتوفر على تسجيلين منها لموزارت. المهم عثرت على كاسيط أم كلثوم وصار همي الوحيد أن يفرغ البيت من ساكنيه وضيوفه لكي أنصت إليه. لم يكن هناك شيء في حياتي يجعلني أتذوق الجمال لكني كنت أخلق عوالم داخلية حيث الشعر والموسيقى. لم أكن أحب التسوق خاصة طقس شراء الخضر في سوق الأحد. لا أحب أن أختار الخضر الممزوجة بالطين والذباب ولا أن أرى البائعين بغضبهم وقسوتهم. كانت أمي تذهب إلى السوق مع أختي التي تحب التقلاب في الجوطية علها تنعم بقميص أو حمالة نهود. يخرج إخوتي الذكور للعب وغالبا ما يذهب أبي إلى المقهى. أنظف البيت بالماء والتيد وجافيل. أخلص الأرائك من الغبار وفضلات الطعام وأثر النوم. أفتح النوافذ العريضة. ألبس قميصا لأمي وأجلس على كنبة القاطيفة, كنبة عصرية كانت تمنح الصالون بعض الوجاهة وحسن الذوق. أتيه مع أم كلثوم وأردد ” الحب كله حبيتو فيك وزماني كله أنا عشت ليك” كنت أنا أيضا أعيش زماني لولد لطيف, حميد الذي كان حبيب الطفولة في ميدلت. هو أيضا يسكن آزرو لكنه في الجهة الأنيقة من المدينة, جهة الفيلات والقصور. أبوه موظف سام في المدينة. كنت أغني لحميد الحب كله وأتمنى أن لا يهتم بالفوارق بيننا. أترجم العبارة إلى الفرنسية في ذهني لأقولها له هو عاشق الفرنسية. كنت أتساءل هل ينصت هو أيضا إلى أم كلثوم أم أنه ما زال ينصت لجاك بريل واديث بياف؟ هل يمكن أن نكون عاشقين دون الإنصات لأم كلثوم؟ أشتاقه كثيرا , أن يحنو. أن يهمس لي بشعر بريفير. كانت الأمور أسهل حين كنا أطفالا. كان الإختلاط مع الأولاد متاحا. لماذا كبرنا يارب؟ لماذا لا يلتفت إلي؟ هل صرت ذميمة, غير مرغوب فيها أم أن فارق الطبقات بيننا هو السبب؟ في المرات القليلة التي زرت فيها بيته لم أستطع أن أكلمه واكتفيت بمشاهدة أفلام الفيديو مع أخواته. كنت أنتظر أن يكلمني, أن يرسل رسالة. أي شيء فقط عبارة أفهم منها أنه ما زال يحبني كما في طفولة ميدلت. أتابع الإنصات إلى الحب كله وأرسل عبارات الحب إلى حميد بطل طفولتي. رحلنا من آزرو ولم أعد أراه لكنني استمررت في الإنصات للحب كله من أجله, له وحده حتى آخر العمر. التقيت رجالا آخرين لكنهم لم يبعثوا بداخلي الرغبة في الإنصات لأم كلثوم وللحب كله. أن تنصت للست يستوجب أن تكون عاشقا, مولها مفتونا تستغني عن ذاتك لفائدة الآخر, تذوب فيه وتبعث من الرماد. كنت أبعث من رمادي وأنا أنصت للحب كله وتشتعل حواسي وأتمنى اللقيا, لقيا حميد التي تنهي اضطرابي وتوتري وتملؤني بالسكينة. السكينة بعد التوتر والتوتر بعد السكينة. كانت تلك دروس الحب العربي الذي لم يفهمه حميد المشغول ببريفير , بثقافة الإشباع. كنت أريد أن أدخله في عمق أصول العشق العربي: الحرمان والألم وتأجيل الإشباع الذي يولد التعلق الرباني بالآخر. كنا مختلفين من عوالم متناقضة لهذا لم نلتقي في الحياة إلا في الطفولة التي تسمى على الإختلافات. ليتنا بقينا أطفالا يارب.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.