الرئيسية | سرديات | أولمب يرقص لشهوة الأسئلة | يونس طير

أولمب يرقص لشهوة الأسئلة | يونس طير

يونس طير
” لا نراقص عملاقا من دون ان يدوس على اقدامنا”

كلود لولوش .

صنع المسافات لم يكن يوما ما  الاجابة التي لا بد منها  على قبائل الاسئلة التي طرحها  بين وثيرة الانفاس النيكوتية الحمقاء، اسئلة جرذاء وعارية بلا حقيبة ولا سجائر ،وشيئ يكتفي بثورة مترددة في الزمن .هي مجرد لعنة اخرى تنضاف للائحة اللعنات التي اصابته .بدات باصطدام مترنح لتنتهي بمرارة تلتهم قطع السكر دون ان انفذ لجذرها المنتشي .

حبيبان بسحنة لا تخفى عن المطر ،بردائين منبهرين بالزرقة ،وعينين تحنان للضباب .علبة السجائر تئن بالقرب منهما ،تحتضن رعبا يرهن ذاكرة احدهما ،رعب العبث الذي يختبئ بصدريهما معا.رعب العشاء الاخير وقنينة النبيذ الاخيرة التي تحتضن مسائيهما.

والريح تصفر وتصفق كمعحبة من بعيد، يغمرها الجنون والحنين وجمالية الفوضى التي تخلفها .كانت خصلات الشعر الاشقر تلاعب الريح ،كامراة حائض تكتفي بوهم اللذة.

تخندق شعرها الذي يركض بلا بوصلة .تقتل مرارتها وسيجارة سرقت منها نفسا يتيما . تتمتم غير مهتمة بعينين نائمتين ودرس في الحب  مفتوح ،بلا اول ولا آخر ،كان الدرس موجها  للريح :

– لا المسافة ولا الاجداد ،لا الخمارات ولا ترسانة النيكوتين ،لا الرفاق ولا مقرات الاحزاب الواهنة ..ليس لك من صراط .انت تائه وهذا كل مافي الامر .تؤجل الركوع لقبلتك المسطحة كجريدة.ببساطة ايها الغريب ،بكلمات واهنة ،مكرورة ،لا مبالية :

تمج سيجارتها الواهنة بدورها وترمي الى افق قريب منها خصلة شعرها ،تعض بخفة غزالة شفتها السفلى ،وتغمض عينيها :

– انت تائه وهذا كل ما في الامر.

اظهر تأففا لكلماتها الواهنة ،ارمي الى جوف بعيد شيئا من نبيذ ،واغمض عيني .كسل خفيف يعاتب شفتي .اجيبها :

– ما ذكرته حبال تكاد تهترئ ،تنبئ بسقطة الى حضن يأوي اكثر من حياة .

– لتختصر طريقك نحو المأساة ببساطة .

تقول بلامبالاة بينة .وتبتسم .

– انا رجل يؤخر الكارثة والانبطاح لا غير ،اعي الامر،ليكن ..المهم شيئ من ارباك للزمن من جهة وارباك لك من جهة أخرى . اجيب

الموسيقى التي لا تنفك تربكك اكثر دون ان تمنح لك فرصة لاستجماع ذاكرتك المترامية الاطراف ،ذاكرتك الفارغة الا من حشائش مستعدة للاحتراق في اي وقت.ارنبة الانف تبدو صدئة تحيطها النباتات من كل جانب، حشرة ثقيلة وصفراء تلهو بالقرب من فمك، تبدو سعيدة ربما ،ابتسم ،الملامح صدئة هي الاخرى،اعاود الابتسام مجددا ،ليس من ذلك بد ،شعور بالكدر يربكني ،لا معنى لشيئ.

غير بعيد من ذاكرتي ،هناك على رصيف يقتنص المفاجآت والمستحيلات ،كانت انثى مستحيلة تضم نهدها للريح ،تقبل الحشرة التي رقصت ذات مرة على ارنبة انفي ،توزع الابتسامات ،تؤجل حيضها كي لا ينزعج الرجال ،رجالها الواهنين ،المجتمعين على مائدة كونك المثقل بآهاتهم وارتكاساتهم .انت آخر ماوى طالبي لجوئ الجسد .

امتص نفسا بلا معنى ،احاول ترتيب كلماتةلخطبتي الاخيرة ،افتح نافذة ماضيك ،رائحة نتنة تركلني ،اسقط متمسكا بالتسامتك المخبئة في قنينة نبيذ تكاد تنتهي وتنهي مأساتنا .

وانت هناك لا تزالين منهمكة بالرقص للريح ،اانت انت ؟ ام كنت نجوى تتسلل بين الفينة والاخرى لتقتات على هفوات اللغة ؟ ماذا اسميك يا انت ،نعم ،انت التي هناك ترقصين للريح ؟

ذكرى ؟ حكاية ماتنفك تتمدد ؟بطلة في رواية ضائعة ؟نجوى ؟نكرة ؟انثى مستحيلة ؟بوصلة صدئة ؟ام نجوى تلاحقنا وتختفي ؟

اجتماع طارئ ،المقر كخلية نحل ،مأساة مقبلة لا محالة ،ملصقات هنا وهناك تحمل كلمات :في ضرورة الاسم .ينتهي الاجتماع ،الاسم بلا اهمية ،ذاكرتها تقضم كل شيئ ،ورورة ايجاد نظرية في ثورة الذاكرة ،مادية جدلية اخرى لتفكيك بنية الذاكرة ،ذاكرتك التي تحيي وتميت .

النجوى تقتنص الفرص للقبض على سبابتك وقضمها دفعة واحدة ،قبل ان تأتي على باقي الجسد ،اتفحصها فاغرا فاهي ،تمتثل السيجارة لبيروقراطية فجائية، تسقط ملتصقة برمادها .اليد سليمة والنجوى هنالك ،تبتعد اكثر فأكثر ،تحتضن العابها الخمسة ،الاربعيني والخمسيني والعشريني والثلاثيني ورجل اصلع يسكن  مقبرة  المدينة .وتبتعد .صمت ولا مبالاة .

صوت فجائي يرتطم بدخان السيجارة من يساري ،يحثني على الحياة ،جهة اليسار بالضبط ،مباشرة بمحاذاة لوحة يغرق بها رجال ،اعدهم ،اربعة وخامسهم شبح يقاوم فيض الازرق ،يشربه تارة ويسحبه تارة اخرى بثقب جهة القلب ،ليرسم به هناك خطوطا ووشوما ،عل غمازتيها تبتسمان .فقط لو تبتسمةغمازتيها .ياليتةالغمازتين تبتسمان .يا ايتها الغمازتين ابتسما ..

 الريح تتعلم السباحة في اقبية المعابد ،تكرع قبيلة نبيذ بين الفجر ورقص الالوان في ظهيرة الفجر..

-توزع الغمزات والتنهدات بالمجان . صوت من بعيد.

-لكأنها تحضر لانقلاب في اولمبها ؟!اولمبها الذي باعه زيوس مقابل عشاء اخير ورقصة مبتذلة.

-هو ذاك ،هو ذاك..

الريح حكاية بنكهة الغربة ،تستمر الحكاية وتنتهي حين تشاء.

تنجذب المسافة الى نقطة ابعد ،تمتد على هواها كامراة بنهدين مجنحين .الانفاس تتوطد صلتها اكثر بالفم الغريب ،غربته جميلة لانها تلهيه عن اليومي الاغبر ، المتشبث بتلابيب الطقوس المحسوبة على رؤوس الاصابع .يا غربته ،يا غربتي ،يا غربتنا التي تسوَدٌ وتقتُم .

– الغربة الجميلة ام النجوى المتلهفة للقضم ؟

– كلاهما مسافة بدون معنى ..اجيب.

– آن الاوان كي تفصل ..

– بين ماذا وماذا؟

– بل بين من و من؟

– ليكن ،الآن لا قوة للحسم ،الخمول يِشِي بالموت ،بلذة مخدِرة تنتعش بذكرى اللقاء الذي لا يمتد الا ليشعر الاخرين بالجوع العصِيِ على تاريخ القبائل كلها .

الريح تندب حظها ،تدخن باسترسال ،وترسم شبح رجل ،تلقمه نهدها ،وتشعل سيجارة .الريح تشعل سيجارة للريح .تمرغها بعد نفس او اثنين ،وتقضم وهَنَهَا باشتهاء .

والاولمب يتهاوى حجارة تلوى خيانة .وصوت زيوس ثملا وبلا لحية:

– انا الله وجميعكم الى الجنة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.