التمثيل في المغرب: مهنة أم فن؟
محمد مقصيدي
لا يمكن النظر إلى علاقة الفن بالتمثيل في المغرب من خلال مسلمات جاهزة ونظريات لمدارس لها باع طويل في السينما، وحتى لو عرفت السينما المغربية في السنوات الأخيرة حركية بعد تجارب فردية متراكمة، ونقد طويل ومرافعات دامت لعقود طويلة، فإن وضعية الممثل ما زالت تشوبها أسئلة تعود بمفهومي الفن والتمثيل معا في المغرب إلى نقطة الصفر. أين يبدأ الفن وأين ينتهي؟ أو بشكل أكثر دقة: متى يمكن أن نطلق صفة فنان؟ ثم هل يمكن لنا أن نعتبر كل ممثل أدى دورا على خشبة المسرح أو خلف الكاميرا فنانا؟ وهل يحق لنا أن نفاضل بين الفنانين من داخل نفس الحقل الفني في درجة الفنية في الشروط الراهنة؟ وإن كان شرعيا لنا هذه المفاضلة فعلى أية أسس ومعايير سوف تتم وتكتمل كي لا نجانب الصواب؟
إن هذه الأسئلة لم تعد حبيسة فقط للنقاش والنقد السينمائيين، وللجدل الجمالي والفني والاستيطيقا، بل تعدتها إلى أروقة وزارة الثقافة لتصنيف حاملي بطاقة الفنان المعتمدة أيضا.
لا شك أن الممثل الجيد أو حتى العظيم أحيانا ليس بالضرورة أن يكون فنانا، إذ يمكن أن يكون التمثيل ناجحا بواسطة الأداء الدقيق للشروط العامة للعمل الفني كالإصغاء الميكانيكي للمخرج أو طبيعة المؤثرات الأخرى المرتبطة بالعمل الفني كالسيناريو والموسيقى التي تزيد من قيمة أداء الممثل أو تنقص منه، فقد يحدث أن يكون الممثل فاشلا أو هاويا أو لم يسبق له التمثيل بشكل مطلق وليست له أية دراية بقواعد التمثيل ورغم ذلك ينجح بشكل كبير في أداء الدور المنوط به، بل ذهب الكثير من عمالقة الإخراج السينمائي عن قصد إلى العمل رفقة ممثلين غير محترفين أو قدموا بهم إلى السينما لأول مرة كما هو الحال مع فديريكو فيلليني وغيره، وهو ما اعتمده أيضا بعض المخرجين المغاربة، وليس السبب دائما اختيارا جماليا بل يكون هنا في ظل ما يعرفه سوق الإنتاج السينمائي بالمغرب راجع إلى عوامل اقتصادية أحيانا لقلة ذات اليد أو لجشع بعض المنتجين الذين يكونون مخرجين كذلك في نفس الوقت، بل ويحدث العكس أيضا، إذ يمكن للممثل أن يكون عظيما وفنانا لكن أداءه العالي لا يعكسه بشكل جلي المناخ العام للعمل الفني وجودته، بحكم أن الممثل ليس هو صاحب العمل الفني بل فقط مشارك فيه إلى جانب آخرين، ثم إن الكم وعدد الأعمال الفنية التي شارك فيها الممثل أو مدى انتشارها ليس معيارا للحكم على قيمة الممثل الفنية لأن هذا الأخير ليس كالروائي أو الرسام أو الشاعر فالمشاركة في الأعمال السينمائية والمسرحية تخضع لمنطق العلاقات والتسويق للفنان بأساليب ليست دائما فنية،
ونأتي إلى عقدة المنشار، أليس الفن عموما -بتسليمنا جدلا أن كل أشكال التمثيل تنسب من قريب أو بعيد إلى الفن- هو بالأساس يخضع للذوق سواء كان هذا الذوق عاما أو خاصا، نابعا عن معرفة أو عن إحساس فطري، عن عملية ذهنية مركبة أو عن انفعال عفوي؟ وبهذا يكون الحكم الاستطيقي هو حكم ذاتي لا قيمة له في سلم القيم باعتباره قيمة نسبية تخضع لمتغيرات عديدة تلمس الرؤية الفنية.
عندما ننظر إلى الممثل ونقول هذا ممثل جيد أو فاشل أو عظيم، إنما تعكس أحكامنا تصورا ذاتيا عن التمثيل لما هو متوافر وموجود، ورغم ذلك فهي أقل تعقيدا من أن نضفي على الممثل صفة فنان فنثبتها لأحد وننفيها عن آخر، لأن الحكم في هذه الحالة يكون تصورا ذاتيا عن التمثيل، عن الفن، وعن الحياة في نفس الوقت. لكنه لا يمكننا مطلقا أن نقول أن هذا الممثل فنان فاشل، أو فنان سيء، لأن الفن ليس وظيفة. كما أن الفنان هي صفة ترتبط بذات الشخص الذي قد ينجح كثيرا إلى درجة العبقرية أو يفشل أحيانا في إنجاز عمل فني ما، ولا ترتبط زمنيا بالعمل الفني، كما هو حال الشاعر الذي قد يكون عظيما ويحدث أن يكتب في أحد الأيام قصيدة شعرية متوسطة أو قصيدة ليست بذات قيمة.
هنالك مثلا تجربة فنية خاصة في مجال التمثيل بالمغرب للفنانة نادية الزاوي التي تشتغل بصمت وبعمق رغم غيابها عن أدوار البطولة، ورغم عدم حضورها الدائم الذي يرجع بالأساس للمناخ المتبع والمعروف من طرف المنتجين والمخرجين السينمائيين في المغرب ولحضورها أيضا على الركح، ربما ارتباطها الروحي بالمسرح هو الذي جعلها تضفي عند وقوفها أمام الكاميرا حضورا خاصا، حيث يتجسد بجلاء معنى المحاكاة الذي قال به أرسطو، أي لسنا في الفن أمام تصوير لشيء جميل، بل نقف أمام تصوير جميل لشيء ما، لقد استطاعت الممثلة ناديا الزاوي أن تؤكد إلى جانب أسماء أخرى أن التمثيل في المغرب ليس فقط مهنة بل فنا، لا تعتمد بذلك فقط على مسارها الدراسي وما راكمته نظريا في هذا الباب، ولا على تجاربها في ميدان التمثيل، بل أيضا أسست جمعية الزاوي للمسرح والتنشيط الثقافي التي تنظم مهرجان الدار البيضاء للفنون والثقافات والذي يقام سنويا بشراكة مع وزارة الثقافة بالمغرب من أجل المساهمة في الرفع من الحركية الفنية بالمغرب.
يكتب ستانسلافسكي إلى ليوسان بينار سنة 1897، يقول: “إنه من وراء التقاليد لا يأتي الممثل الموهوب بشيء مبدع في الدور، لماذا؟ لأنه في حالة وجود التقاليد لا يبقى أمامه ما يخلقه فقد تم التفكير بكل شيء دون مشاركته”، هذا ما يظهر في أعمال الممثلة نادية الزاوي التلفزيونية والسينمائية كفيلم ” نعم ألالة” ( نعم سيدتي)، حيث نجد أن لغة الجسد تقول لنا أكثر ما تقوله اللغة، ومن الأفلام الأخرى التي شاركت بها نذكر ” رحلة إلى طنجة”، “الحياني”، “عين النسا” وغيرها، ومن المسلسلات ” شوك السدرة”، أما الأعمال المسرحية فهي عديدة جدا، كان من آخرها مسرحية “الموسم”.
الممثلة نادية الزاوي تتعامل مع الشخصيات التي تجسدها بشكل تذوب فيه الشخصيتان معا، شخصيتها الحقيقية والشخصية موضوع الأداء، إذ لا يمكننا أن نتخيل في الأدوار التي أدتها أن الشخصية الحقيقية حاضرة وقت التمثيل، لكنه في نفس الوقت تضفي على الشخصية طابعا خاصا يصبح من الصعب فيه أن نتخيل الشخصية موضوع الأداء بعيدا عن الممثلة نادية الزاوي. وهذا ما يخلق فنا حقيقيا، وهو ما يدفعنا إلى القول أيضا أن التمثيل بالمغرب ورغم ما يعرفه من بعض العثرات وصل في العديد من التجارب إلى مرحلة النضج وأصبح بالإمكان أن نقول بصوت مرتفع أن لدينا ممثلين فنانين مغاربة رغم مشاكل القطاع.
السينما المغربية نادية الزاوي 2017-05-16