الرَّاعِي الْوَلْهَانُ | فيرناندو بيسوا، ترجمة: جمال خيري – فرنسا

فيرناندو بيسوا (ألبيرطو كاييرو)

ترجمة الشاعر الفرنسي من أصل مغربي جمال خيري

======================================

فرناندو آنطونيو نوغيرا بيسوا الشاعر البرتغالي الكبير (1888-1935 بلشبونة) وهذا “ألبيرطو كاييرو”، الذي ترجمنا له هذه الرائعة، ذاته الكاتبة الأخرى:

أَيَّامَ لَمْ تَكُونِي لِي

كُنْتُ أُحِبُّ الطَّبِيعَةَ مِثْلَمَا نَاسِكٌ رَصِينٌ يُحِبُّ

الْمَسِيحَ…

وَالْآنَ أُحِبُّ الطَّبِيعَةَ

مِثْلَمَا نَاسِكٌ رَصِينٌ يُحِبُّ مَرْيَمَ الْعَذْرَاءَ

بِخُشُوعٍ، كَعَادَتِي، قَبْلاً،

وَلَكِنْ بِشَكْلٍ آخَرَ أَكْثَرَ تَأَثُّراً وَأَكْثَرَ تَقَرُّباً…

أَرَى الْأَنْهَارَ أَحْسَنَ حِينَ أَمْشِي مَعَكِ

بَيْنَ الْحُقُولِ إِلَى ضِفَافِ الْأَنْهَارِ؛

وَحِينَ أُجَالِسُكِ نُشَاهِدُ السَّحَابَاتِ

أُشَاهِدُهَا بِوُضُوحٍ –

أَنْتِ لَمْ تَأْخُذِي مِنِّي الطَّبِيعَةَ…

أَنْتِ غَيَّرْتِ الطَّبِيعَةَ…

وَأَتَيْتِ بِهَا بَيْنَ يَدَيَّ،

بِوُجُودِكِ أَرَاهَا أَفْضَلَ، وَلَكِنْ مِثْلَمَا هِيَ

بِحُبِّكِ أُحِبُّهَا بِنَفْسِ الطَّرِيقَةِ وَلَكِنْ أَكْثَرَ

وَلِأَنَّكِ اخْتَرْتِنِي لِتَكُونِي لِي وَلِكَيْ أُحِبَّكِ

فَقَدْ تَعَلَّقَتْ عَيْنَايَ بِهَا مُتَوَقِّفَةً طَوِيلاً عَلَى كُلِّ الْأَشْيَاءِ

أَنَا لاَ أَتُوبُ عَمَّا كُنْتُهُ قَبْلاً

لِأَنِّي مَازِلْتُ دَائِماً عَلَيْهِ

الْقَمَرُ الرَّبِيعِيُّ يَعْلُو السَّمَاءَ.

وَأَنَا أُفَكِّرُ فِيكِ، فَأَتَحَقَّقُ كَامِلاً…

مِنْ خِلاَلِ الْحُقُولِ الشَّاسِعَةِ يُسَارِعُ إِلَيَّ نَسِيمٌ خَفِيفٌ.

أُفَكِّرُ فِيكِ، أَهْمِسُ اسْمَكِ؛ فَلاَ أَكُونُ أَنَا؛

لِأَنِّي سَعِيدٌ.

غَداً سَتَأْتِينَ، سَتَمْضِينَ مَعِي لِقِطَافِ الزُّهُورِ

فِي الْبَادِيَةِ.

وَأَنَا سَآتِي مَعَكِ إِلَى الْحُقُولِ لِأَرَاكِ تَقْطِفِينَ

الزُّهُورَ.

أَرَاكِ الْآنَ غَداً تَقْطِفِينَ الزُّهُورَ بِصُحْبَتِي

فِي الْحُقُولِ.

لِأَنِّي حِينَ سَتَأْتِينَ غَداً، تُرَافِقِينَنِي

لِقِطَافِ الزُّهُورِ فِي الْبَادِيَةِ،

سَيَكُونُ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَيَّ فَرَحاً وَحَقِيقَةً.

الْحُبُّ رُفْقَةٌ.

لَمْ أَعُدْ أَسْتَطِيعُ الذَّهَابَ وَحِيداً عَبْرَ الطُّرُقَاتِ،

لِأَنِّي لَمْ أَعُدْ أَسْتَطِيعُ الذَّهَابَ وَحِيداً إِلَى أَيِّ مَكَانٍ.

فِكْرَةٌ بَيِّنَةٌ تَجْعَلُنِي أُسَارِعُ

ولاَ أَرَى بِوُضُوحٍ، وَفِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ تُغْرِينِي بِرُؤْيَةِ

كُلِّ شَيْءٍ

أَنْ لَيْسَ ثَمَّةَ مَا لاَ يُرَافِقُنِي حَتَّى غِيَابُهَا.

وَأَنِّي أُحِبُّهَا إِلَى غَايَةٍ لاَ أَعْرِفُ مَعَهَا كَيْفَ أَشْتَهِيهَا.

إِلَّمْ أَرَهَا، أَتَخَيَّلُهَا فَأَتَقَوَّى

كَالشَّجَرِ الْعَالِي.

وَإِنْ رَأَيْتُهَا أَرْتَعِشُ، وَلاَ أَعْرِفُ

طَبِيعَةَ مَا أُحِسُّهُ فِي غِيَابِهَا.

وَكَأَنِّي كُلِّيَ قُوَةٌ تُفَارِقُنِي.

كُلُّ الْوَاقِعِ يَنْظُرُ إِلَيَّ وَعُبَّادُ شَمْسٍ قَلْبُهُ

قَدْ يَكُونُ وَجْهَهَا.

الرَّاعِي الْوَلْهَانُ قَدْ ضَيَّعَ عَصَاهُ،

فَتَفَرَّقَتِ الشِّيَاهُ فِي الْمُنْحَدَرِ.

وَهْوَ، مِنْ فَرْطِ التَّفْكِيرِ، لَمْ يَعْزِفِ الْبَتَّةَ عَلَى النَّايِ

الَّذِي كَانَ قَدْ أَخَذَهُ مَعَهُ لِيَعْزِفَ عَلَيْهِ.

لاَ أَحَدَ ظَهَرَ أَوِ اخْتَفَى بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ. وَلَمْ يَعْثُرْ أَبَداً

عَلَى عَصَاهُ.

آخَرُونَ، مُزْبِدِينَ فِي وَجْهِهِ، جَمَّعُوا شِيَاهَهُ.

لاَ أَحَدَ أَحَبَّهُ، فِي نِهَايَةِ الْمَطَافِ.

حِينَ نَهَضَ مِنْ الْمُنْحَدَرِ وَمِنَ الْغِوَايَةِ، رَأَى كُلَّ شَيْءٍ :

الْأَوْدِيَةَ الْكَبِيرَةَ زَاخِرَةً بِنَفْسِ الخُضْرَةِ كَالْعَادَةِ،

وَبَعِيداً، الْجِبَالَ الْعَظِيمَةَ أَكْثَرَ وَاقِعِيَّةً مِنْ أَيِّ

إِحْسَاسٍ.

الْوَاقِعَ بِأَكْمَلِهِ، بِسَمَائِهِ وَهَوَائِهِ وَالْحُقُولِ الَّتِي

تُوجَدُ، هِيَ كَذَلِكَ حَاضِرَةً

(وَالْهَوَاءُ الَّذِي كَانَ يَنْقُصُهُ مُنْذُ مُدَّةٍ،

مَلَأَ، مِنْ جَدِيدٍ، بِرُطُوبَتِهِ رِئَتَيْهِ)

وَأَحَسَّ، مِنْ جَدِيدٍ، أَنَّ الْهَوَاءَ قَدْ فَتَحَ مَجَالاً

لِنَوْعٍ مِنَ الْحُرِّيَةِ فِي صَدْرِهِ، وَلَكِنْ

بِأَلَمٍ.

لَمْ أَنَمْ لَيْلَتِي، وَأَنَا أَرَى هَيْأَتَهَا خَارِجَ

الْفَضَاءِ،

وَأَرَاهَا بِأَشْكَالٍ مُخْتَلِفَةٍ عَمَّا تَبْدُو

عَلَيْهِ فِي الْوَاقِعِ.

أُرَكِّبُ أَفْكَاراً مَعَ ذِكْرَى مَا هِيَ

وَهْيَ تُكَلِّمُنِي،

وَمَعَ كُلِّ فِكْرَةٍ أَرَاهَا تَتَحَوَّلُ فِي انْسِجَامٍ

مَعَ صُورَتِهَا.

أَنْ تُحِبَّ مَعْنَاهُ أَنْ تُفَكِّرَ.

وَأَنَا الَّذِي أَنْسَى الْإِحْسَاسَ بِهَا لِمُجَرَّدِ التّفْكِيرِ فِيهَا…

لاَ أَعْرِفُ مَا أَشْتَهِيهِ، وَلَوْ مِنْهَا، وَلاَ أُفَكِّرُ

إِلاَّ فِيهَا.

أُعَانِي مِنْ حَيْرَةٍ كَبِيرَةٍ هَائِجَةٍ.

حِينَ أَشْتَهِي لِقَاءَهَا

أَكَادُ أُفَضِّلُ أَلاَّ أَلْقَاهَا،

كَيْ لاَ أَضطَرَّ إِلَى فِرَاقِهَا بَعْدَ ذَلِكَ.

لاَ أَعْرِفُ بِالضَّبْطِ مَاذَا أُرِيدُ، وَعَلَى أَيِّ حَالٍ فَأَنَا لاَ أُرِيدُ

مَعْرِفَةَ مَا أُرِيدُهُ. أُرِيدُ فَقَطُّ

التَّفْكِيرَ فِيهَا.

لاَ أَطْلُبُ شَيْئاً مِنْ أَحَدٍ، وَلاَ مِنْهَا حَتَّى، إِلاَّ

التَّفْكِيرَ.

الآنَ أَسْتَيْقِظُ كُلَّ يَوْمٍ عَلَى فَرَحٍ وَعَلَى

حُزْنٍ.

قَبْلاً كُنْتُ أَسْتَيْقِظُ دُونَ أَيِّ إِحْسَاسٍ: كُنْتُ أَسْتَيْقِظُ، وَفَقَطُّ.

أَفْرَحُ وَأَحْزَنُ لِأَنِّي أَفْقِدُ مَا أَحْلُمُهُ

وَأَسْتَطِيعُ الْعَيْشَ فِي الْوَاقِعِ الَّذِي يُوجَدُ فِيهِ.

لاَ حَاجَةَ لِي بِأَحَاسِيسِي.

لاَ حَاجَةَ لِي بِنَفْسِي وَحِيدَةً بِرُفْقَتِي.

أُرِيدُهَا أَنْ تَقُولَ لِي شَيْئاً مَا لِتُوقِظَنِي مِنْ جَدِيدٍ.

 

Comments (0)


اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *