لا يُتعِبني جدَّتِي أن أقِف عنْد رأْسِك ليالياً تطُول، كأنِّي أعدُّ فيك آمالِي وخيْباتُك، وأرى فِيك صُور كلّ الّذين مرُّوا، أرى جدِّي وأهلِي ممّن لم ينتظروا قلِيلا، فودَّعُوا، أرى حقُول الكرمِ والدّالِية، وصفُوف البرقُوق، وظِلال الجوْز، وهشاشَة التُّوت؛ وأرى سرْب الطُّيُور تحلِّقُ من أعشاشِها، وتنْتهِي في حُضنُك.
لا يُتعِبني جدّتِي أن أطِيل في تجاعِيدك التأمُّل وابتسِمُ، أحبُّ وجْهكِ المُجعّد، وبرِيق عينيْك لم يمسسهُ الكبرُ ولا هان فيه البصرُ؛ كمْ يأسرُني التّاريخُ المجِيد فيك.
أراكِ تتعبِين مُكرهةً، مازال بامكانِك أن تُطعمِي الدّجاجات، وفي المساءِ حِين تطمئنِّين على دخُولها إلى خُمّها، نتحلّقُ حولَك، ونطُوف بك كالكعْبة، تحدّثينا عن معارِكِك، عن هزائِمك في الحبّ، وعن انتصاراتِك في الحُبّ، ونحنُ لا انتصار لنا إلاّ هزائِمنا في الحبّ، أراكِ مُتعبةً وجدّاً، مُكرهةً تجُرِّين غطاءكِ حتّى كتِفيْك، حتَّى لا تصيبنا الخيبةُ في الجسدِ المهزُوم، في الجسدِ الخائِن، وأنتِ هكذَا تطوِين اللّسان والذّاكرة، وحوْلك نتساءَل: هل ستعُود الجدّةُ؟
وأنتِ الشّجرةُ، والشّجرةُ تطوِي عُمرها واقِفة؛ لماذا هُنتِ جدَّتِي واستلْقيتِ وكلُّ قواكِ طويتِها، وطويْتِ أقفالَك، من تؤمِّنين بعدَك على ودائِعك، على الدّجاجات، والماءِ في البئْر، من تُؤمِّنين على البُنّ في خزائِنك والشّاي، وقطعِ الحلْوى، والمرآة الخضْراء القديمة، من يفْتحُ أقفالَكِ ويُغنِّي مواوِيلك دُون أن يُجرحَ في القِدْرِ سَمنٌ قدِيمٌ. وأنتِ الشّجرةُ، لماذا تطْوِين بكاءنا خلْفكِ، وأنْتِ تعلمِين أنَّا ليْس بوُدِّنا أن نُغنِّي.
Comments (0)