الرئيسية | بالواضح | هوامش لا أدرية | علي أوعبيشة

هوامش لا أدرية | علي أوعبيشة

 

علي أوعبيشة

وحده النحت من ينفخ الروح في الإنسان.

-1-

يريد الكاهن أن يقنعنا بأن كل شيء مؤجل إلى ما وراء الموت، بأن السعادة الحقيقية والعدالة والحق…، أمور لا يمكن أن تتحقق إلاّ بعد الحياة (الأولى)، كنت أسأل دوما بحرقة قاتلة، هل هذا يعني أن الله غائب عن هذا العالم؟ وإن كان حاضرا، هل يحضر باعتباره قوة منظمة للعالم تحفظ توازنه وثبات نواميسه أم بوصفه قوة أخلاقية تبتغي بالأساس حفظ الخير؟ مع الوقت، تأكدت شيئا فشيئا، بأن الرب بالمعنى الذي تقصده نصوص الكاهن أصمّ وأبكم – متزهد في برجه العاجي- يعرب عن قلقه الدائم وأسفه الشديد مما يحدث، يمهل حدّ الإهمال، يَحُولُ العجز  بينه وبين  فعل أيّ شيء، وكأن الله لا يضمن الخير للعالم كما يدعي حراس النصوص. إن مهمة الرب كما يروّج لها الكاهن شبيهة إلى حد كبير بوظيفة الأمين العام للأمم المتحدة، كثير الكلام قليل الفعل، شرخ هلامي كبير في روح اللغة وعجز صارخ عن التدخل لإنهاء أكثر الفظائع قبحا. فهذا طفل بريء بمقاس حلم صغير لفظته ألسنة لهب البحر وهذه عائلة بسيطة بآمال كبيرة تطحنها القنابل العنقودية لتحول الابتسامات إلى شظايا أشلاء وهذه قرية منكوبة بدون حرب تحاصرها لعنة الجغرافيا ومكر السلطة، أينك أيها الرّب؟ أصاب المسيح مرة واحدة لما ناداك بحسرة قائلا: إلهي.. لمَ تخلّيت عنّي؟

-2-

من يمثّل نقطة الانطلاق في المسخ؟ غيرغور سامسا أم الحشرة الضخمة/العملاقة؟ لوكيوس أم الحمار؟ أنت يا فرانكنشتاين أم المسخ الذي تدعي أنك صنعته؟ لماذا لا نقول عكس هذه (الإنسية بالخُلف) بأن الإنسان هو المروية الوحيدة التي يمكن أن نتصورها عن المسخ؟ هل من الضروري أن يكون الإنسان حدثا أصليا لأي تحوّل متخيّل؟ لماذا لا نبحث معا عن جنيالوجيا مختلفة للمسخ(Die Verwandlung/La Métamorphose)، جنيالوجيا ساخرة من هذا التأريخ المُتَرَهِّل للذات ومتخيّلها، دعني أجرّب المحاولة.

فرانكنشتاين.. ربما هذا هو النص المبتور من مسودة ماري شيلي، كتبته وهي تفكر في جون جاك روسو:

أراد الرب (صورة الإنسان الأولى) أن يرى نفسه من الخارج فأوجد الإنسان (المتمدن)، أراد الإنسان أن يرى نفسه من الداخل فخلق الرّب. الرب هو ما نحمله فينا والإنسان هو ما يراه الآخرين منّا. الإنسان هو كل ما تبقى من الرب فينا، ذلك الإنسان الذي كنا إياه.

-3-

تأخذ منا النهايات ما لا يأخذه العمر كلّه، كل نقطة نهاية تقتل فينا حياةً كاملة وتجهض مسيرة عُمْر، في مفترق الطرق، وفي مخاض القرارات الحاسمة وبين مقصلة الفصل بين ما مضى وما سيأتي…تولد مداخل جديدة، تمنحنا تشاؤما أعمق ويأسا أكبر… وبلا شك تفكيرا أكثر غرابة، ولذلك فإن أجمل ما في الحياة هذا الألم الجميل المسمى “نهايات”.

-4-

أعشق الزمن كموعد، تلك المسافة الممتدة بيني وبين العالم، التي تجعل من الانتظار ترحالا، وتسعف المسافر ما أمكن أن يستقر أكثر من مرة دون أن تستكين روحه لوطأة الزمن. في المقابل أمقت الزمن كلقاء، ذلك الستار المخيف الذي يجمد حيوية الوجود في مرايا متقابلة ويقمع بحنكة الصدى انسيابية المعنى على حبل الممكن.

-5-

الممثلون في المسرح.. إما يضعون أقنعة أو يخلعونها وأكثرهم نجاحا من الصنف الثاني، لذلك، يوفّر المسرح في بعض الأحيان فرصة لبعض الأشخاص ليكونوا أنفسهم  على الرّكح (على الأقل).

-6-

للحزن عشاق قلائل وأعداء كثر، فالكثيرون لا يرغبون فيه، يكرهون فكرة أن يحزنوا، لأنهم لا يتحملون أن ينظروا إلى أنفسهم من الداخل، قلائل من يحبون الحزن وحينما يحزنون، يحزنون بصدق، يرحبون به ويأخذونه على محمل الهم وهو يمزّق أوتار أرواحهم، هؤلاء اختارهم الحزن ليكتبوا عنه.. .  ليتنفسوا به، ليقاتلوا به وعنه.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.