الرئيسية | فكر ونقد | هل من حقنا الحلم بطه حسين مغربيا، وزيرا لمدارسنا؟ | سعيد بوخليط

هل من حقنا الحلم بطه حسين مغربيا، وزيرا لمدارسنا؟ | سعيد بوخليط

 سعيد بوخليط

 

فقط، أود تحت كنف هذه الشذرة، الانفلات قليلا عبر ومضة حالمة، من سياق واقعنا المقرف، المنغمس تفننا في إنتاج الغباء، والاحتفاء به، ثم تجريده نحو أعلى عليين. فقط، أتوخى مجرد الاستمتاع، في غفلة مني ومن الآخرين، بهذه المساحة اللغوية،التي لا يمكنها سوى أن تكون في غاية الإيجاز والاقتضاب، مادامت تأسيسات الحلم، صارت بعيدة بل مستعصية يوما بعد يوم.

   بكل تأكيد، استمرت للوقائع الكبرى، بداياتها بواكير أحلام صغرى. هكذا، بنين التاريخ الإنساني تحقاقاته على نحو أفقي ذي مقصدية غير قابلة بتاتا للانعكاس. بالتالي، طه حسين، مشروعا ونموذجا ؛عقلا وروحا؛ رؤية ورؤيا وروية؛ شخصا وفلسفة؛ أديبا ومفكرا؛ مناضلا؛ مثقفا موسوعيا؛ مربيا؛ ملهما وصدقا وشجاعة، تحقق مرة إلى الأبد. ولن تتفتق عنه زبدة التاريخ وتقطير ترياق عصارة ما جرى معه، سوى كلمح البصر.التاريخ، لا يعيد نفسه على مقاس ما أدركناه بوعي، بعد زمن انقضائه.

إن فضل تحقق من عيار وعيِّنة طه حسين، على مسار بلده مصر خاصة ثم المنظومة العربية – الإسلامية عموما،ليس هينا بالمطلق.يكفي فقط ذكر، ويكفينا في هذا المقام تذكيرا، يَجٌبٌّ ما قبله وما بعده ، كونه الرجل الذي أنقد أجيالا بأكملها من ظلمات الجهل بل مصائبه، متحولا بها نحو نورانية العلم بمختلف خيراته.

بناء على شعارات في غاية التحضر، مثل : 1 -التعليم كالماء والهواء حق لكل مواطن. 2- الجهل حريق لا ينفع معه التقطير. 3 –لا يمكن أن تقوم ديمقراطية حقيقية دون أن يتعلم الشعب. 4- إن الجامعة تتألف من طالب حر وأستاذ حر… وغيرها غزيرا،عزيزة جدا على فؤاد طه حسين ، بحيث لم تتوقف مؤلفاته العديدة والمتنوعة والغنية والمختلفة؛ كمِّا ونوعا؛ شكلا ومضمونا؛ كي تبثها وتذيعها حسب هذا النحو أو ذاك.لأن طه حسين،راهن على سعي واحد فقط، حقيقة على منوال سياق سلالة علماء الإنسانية :المدرسة.

تبدو المقارنة المستخلصة، غير مطروحة أساسا : طه حسين أفضل وزير تعليم عرفته مصر،وطبعا كل البلاد العربية. ثم بالمطلق وحتما على ارتدادات ابتسامة صفراء متعبة، لن تعاود معرفته ثانية.ببساطة، لأنه مصلح عبقري، بالمعنى المتكامل للمفهوم. والعبقرية، نماذج متفردة أحادية؛ وواحدة. تحضر أيضا، على غير هدى توقع؛ تختفي وتغيب، وقد رسمت خضما بلا هوادة، لتوقعات شتى.

لم يحطم طه حسين بنفاذ بصيرة لا تنتهي، وحماسة مفكر نهضوي لا يقهر، تلك الأسوار العالية التي نصبتها عاليا الملكية الإقطاعية في مصر، أمام أبناء الفلاحين والفقراء، بحرمانهم من التعليم، بالتالي الحياة الكريمة قصد تأبيد ذات البنية الهرمية المجتمعية التي تصب منعرجاتها في نهاية المطاف، عند ذات مركزية استفادة تحالف الملك والأعيان.

لذلك حينما كتب طه حسين عمله :”المعذبون في الأرض”.متطرقا من خلاله إلى الأوضاع البئيسة لفقراء مصر،سرعان ما قذفه المعسكر المناوئ بالشيوعية، مما دفع بداية الملك فاروق كي يعترض على ترشيحه وزيرا للمعرفة في حكومة النحاس باشا، ثم حدث التراجع بعد ذلك.أقول، بأن عميد الأدب العربي، أكثر من كونه، فتح أبواب الارتقاء الاجتماعي، لأبناء الغالية العظمى من الفقراء والبؤساء، عبر تمتيعهم بسلاح العلم مجانا؛ ومن ثمة ممكنات ارتقائهم الطبقي– بالفعل أغلب أعضاء النخبة المصرية الثقافية والفنية والسينمائية ابتداء من سنوات السبعينات، يعود فضل تشكلها وبروزها إلى دور طه حسين – فقد قوض جوهريا متاريس الجهل الجاثمة طيلة أزمنة سحيقة،على انبجاس العقل العربي من سباته.

اعتُبر كتاب : ”مستقبل الثقافة في مصر”(1938) ، بمثابة المشروع النظري المتضمن رؤية طه حسين للتعليم، بمختلف تفاصيلها الجزئية.مباشرة، بعد انتقاله إلى المجال التنفيذي، انكب على التفعيل العملي لقناعاته العلمية تلك.تجلى الأمر بداية، عندما اتخذه أحمد نجيب الهلالي، الذي تولى وزارة المعارف،مساعده الأول، فاشتغلا معا، على تكريس مبدأ مجانية التعليم إلى أن صادقت عليه الحكومة خلال العام الدراسي (1943-1944) . في المنطلق، همت الخطوة المرحلة الابتدائية والإعدادية. بين سنتي (1950-1952) ، ُرشح بإلحاح  كي يشرف طه حسين، على مسؤولية وزارة المعارف أو التربية الوطنية، مثلما تغير اسمها، لكنه أصر بدوره عدم قبوله المنصب، إلا إذا تواصل تطبيق مبدأ المجانية كي يشمل السلك الثانوي ثم الزيادة في الميزانية المخصصة للتعليم. حينما،  وصل عبد الناصر،  إلى سدة الحكم، بعد نجاح الثورة ،ضاعف الرئيس الوطني رغبة العميد حسب ما يليق بمقامه وأثراها، بتشريع مجانية الجامعة.

هكذا نجح طه حسين الأنواري والعالِم المتعدد، في تعميم المجانية.أنشأ جامعة أسيوط وأرسل بعثات عدة إلى الخارج.تعاقد مع أساتذة فرنسيين وانجليز، كي يلقنوا الطلبة المصريين، ويتمكنوا بمستوى رفيع من اللغتين، متوخيا إنشاء منظومة تعليمية رصينة، بوسعها منافسة نظيرتها الغربية.امتلكت كل مدرسة مسرحا وقاعة للموسيقى والفنون التشكيلية …إلخ.

كما صرحت أعلاه ، تبقى هذه الديباجة السريعة مجرد استعانة متلهفة بالحلم، على ترهل واقع تعليمي وتربوي وقيمي مغربي، بينه وبين مثال طه حسين، مابين كوكب المريخ والأرض.

http://saidboukhlet.com/

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.