الرئيسية | سرديات | نكتة غير مضحكة!!! | عبد الوهاب أوذاير

نكتة غير مضحكة!!! | عبد الوهاب أوذاير

عبد الوهاب أوذاير

 

  الساعة تشير إلى العاشرة ليلا إلا خمس دقائق، بعد لحظات ستبدأ عملية سحب الأرقام الفائزة للعبة “……” لهذا اليوم، جلس السيد “ك” ـ وهو رجل أربعيني ذو وجه كالح ومجعد، وشفتان داكنتان بسبب التدخين، وعينان غائرتان ذابلتان يعلوهما حاجبان رماديان كثيفان ولحية كثة سوداء وشارب كثيف يعلوه أنف سميك وجبهة عريضة ذات غضون بارزة ـ مقابلا لشاشة التلفاز المسطحة ذات ال32 بوصة منتظرا البدء في عملية السحب…

 بدأت عملية سحب الكرات التي تحمل داخلها أرقاما معينة، فانقبض صدر السيد “ك” وشرع يخفق بسرعة وسرت في بدنه قشعريرة باردة وتصلبت شرايينه وتوهجت عيناه واتسع بؤبؤهما اتساعا ملحوظا، وهو ينتظر على أحر من الجمر ما ستسفر عنه عملية السحب، ويُمنِّي النفس بأن يحالفه الحظ هذه المرة وأن لا يخذله كما خذله لسنوات طويلة،. وضع الأرقام بين يديه المرتعشتين وكأنهما يدا عجوز شمطاء أنهكتها كثرة الأتعاب. كان يحدق تارة إلى الأرقام المعروضة أمامه وتارة أخرى إلى شاشة   “LCD  ” ذات الماركة العالمية الشهيرة…

انتهت عملية السحب وظهرت على الشاشة الأرقام الفائزة لهذا اليوم، حدق في الأرقام الظاهرة عليها وفي الأرقام التي بين يديه المرتعشتين، خفق قلبه خفقات متوالية، وبرقت عيناه، وارتعش جسده بشكل مباغت وهو يعاود التحديق في الأرقام مرة أخرى، وكرر العملية لمرة ثالثة، وعلى الأثر شحب وجهه شحوبا شديدا، وهبّ واقفا على قدميه اللتان لم تعودا قادرتان على حمل جسده وصاح بصوت مرتفع ومبحوح بسبب الإدمان الشديد على السجائر الرديئة والرخيصة حتى ظهرت نواجذه المتسوسة :

ــ لقد ربحت، انظروا للأرقام  التي بين يدي، إنها نفسها المعروضة على الشاشة!!

ها..ها.. ها… لقد ربحت !!!

ثم استطرد وهو  يعرض الأرقام التي بين يديه للجالسين في المقهى بشكل هستيري: نعم، لقد حققت حلمي، حلمي الذي طاردته لسنوات، الحلم الذي خسرت عليه أموالا طائلة، وخسرت من أجله عائلتي و…

صمت فجأة وراح يمسح جبهته المتفصدة عرقا، في حين عانقه بعض زبناء المقهى مهنئين، فيما رمقه آخرون بنظرة مزدرية تنم عن الحسد الذي يشتعل داخلهم، ثم عاد وجلس على كرسيه، بعدما استعاد بعضا من “توازنه العقلي” الذي كان قد افتقده قبيل لحظات حين تم إعلان الأرقام الفائزة !!!

أشعل سيجارة من ذاك النوع الرديء والمفضل لديه، وشرع يمص عقبها وينفث دخانها في الفضاء وقد تهللت أساريره وتلألأت عيناه فرحا، وطفق يحدث نفسه قائلا:

ـ “الآن يجب أن أفكر كثيرا قبل الإقدام على أية خطوة، يجب استعادة منزلي الذي استولى عليه البنك….”

كان البنك قد استولى على منزله قبيل أربعة أشهر من الآن بعدما لم يستطع تأدية القروض التي أخذها على فترات متقطعة مما جعل مسئوليه يستولون على  منزله الذي ورثه عن أبيه. لم تستطع الزوجة احتمال الأمر، ففرت بمعية الطفلين الصغيرين، إلى بيت أبيها الذي يقطن في إحدى القرى على بعد مئات الكيلومترات من المدينة..قبل انقضاء المهلة التي منحته إياها المحكمة لإخلاء البيت، باع أغراضه في سوق الخردة، واكترى غرفة صغيرة في إحدى الشقق التي تستأجر الغرف، وقطن فيها بمفرده…

وهو جالس على كرسيه واضعا رجل فوق رجل، كان  لا يزال غير مصدق بعد بأنه ربح مبلغ 50 مليون سنتيم، كان المبلغ كافيا جدا لتسديد القرض واستعادة الشقة، واستعادة زوجته كذلك !!!

غمره فرح لا يضاهى، وارتسمت على شفتيه ابتسامة عريضة، وقال محدثا نفسه مرة أخرى:

ــ “ستفرح زوجتي كثيرا عندما يبلغها أنني ربحت خمسين مليونا، حتما ستصاب بهستيريا من الفرح..هها”

قهقه قهقهة عالية، تنبه لها كل من في المقهى، وأشعل سيجارة أخرى، وشرع يمتص دخانها من عقبها القطني وينفث دخانها في الفضاء، كح كحة خفيفة ثم تحولت الكحة إلى سعال حاد كاد يخنقه، عب كأس الماء وأفرغه في حلقه الجاف، ثم استعاد هيئته العادية. وفي اللحظة التي كان يهم للمغادرة، شعر بدوار حاد وبرغبة شديدة في التقيؤ، وما هي إلا ثوان حتى سقط مغشيا عليه…

استعاد وعيه وهو مضطجع فوق السرير، وقد تحلق حوله بعض الرفاق…

قال الطبيب بنبرة آسفة وهو يقترب منه:  لقد تضررت كليتك ضررا شديدا، ولم تعد تؤدي وظيفتها إطلاقا، أنت تحتاج إلى كلية جديدة، ثم حملق في وجهه الشاحب واستطرد بنوع من التحفظ وبصوت خافت بعض الشيء: إنك لا تتوفر سوى على كلية واحدة، أين الأخرى؟ !!

اِحمر وجهه خجلا أو وجلا ثم قال هامسا: لقد بعتها، أقصد تبرعت بها !!!.

“كان جالسا في المقهى بمفرده يدخن السيجارة تلو الأخرى شاحب الوجه، عبوسا إلى أقصى حدود العبوس، تعيسا إلى أبعد حدود التعاسة، حينما وصل السيد “ج” وهو أحد أصدقاء العمل، وجلس بجانبه وسأله قائلا:

ــ  أراك مهموما يا صديقي ما الأمر..؟؟

أجاب بصوت متهدج:

ــ إنني غارق في المشاكل يا صديقي العزيز “حتى الأذنين”، وأمُرُّ بفترة صعبة وأزمة مالية خانقة، لقد تراكمت عليّ الديون، وفرت زوجتي من البيت، وتم الاستيلاء على شقتي، وحتى الغرفة التي اكتريها، قبل شهر طردت منها لعدم تأديتي واجب الإيجار..

نظر إليه صاحبه نظرة أسيانة وحوقل، ثم تنهد تنهيدة طويلة وقال:

ــ  اسمع لدي اقتراح….”

ووافق على اقتراح الصديق دون تفكير، وباع الكلية مقابل مبلغ زهيد…”

قال الطبيب بنبرة حاسمة:

ــ لا خيار أمامك يا رجل سوى زرع كلية جديدة، وإلا…

ــ حسنا كم سيكلف ذلك؟

ارتبك الطبيب بعض الارتباك ثم قال وهو يضع يده على رأسه:

ــ حوالي 50 مليونا بما فيها مصاريف العملية  ووو…

اخرج “الورقة الرابحة “من جيبه، ومدها لصديقه المقرب السيد “ع”، وأغمي عليه…مجددا !!!!

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.