الرئيسية | أدب وفن | محمود درويش ورنا قباني :معاناة الحب والزواج… والطلاق الأبدي!| محمد الماطري صميدة

محمود درويش ورنا قباني :معاناة الحب والزواج… والطلاق الأبدي!| محمد الماطري صميدة

هناك الكثير من العلاقات في حياة درويش تبقى في دائرة السرية ولا ترقى إلى أن تكون تجارب ثقافية… عاطفية… ولذلك إحترنا أن نتحدث عنه من خلال حبيبتين أثرتا في حياته..حبيبته اليهودية ريتا ـ ولقد حكينا عنهما في عدد الأمس ـ… وزوجته السورية رنا قباني… وسنحكي عنها اليوم…  !.
تقول رنا قباني إبنة أخ نزار قباني في مذكراتها :
كان محمود أكرم مخلوق عرفته، مع أنه كان فقيرا- أو لأنه كان فقيرا ـ فسرعان ما اكتشفت أن لديه عبقرية في إنتقاء الهدية البليغة، التي اتسمت دوماً بحس جمالي أو عاطفي ذي شحنة عالية، تركت في قلبي علامة لم تمح، رغم أن كل ما أهداني إياه سرق مني فيما بعد، أو أندثر في الحروب والتنقلات المتتالية، أو مات.

668_334_1440432219
عفوا… في قصة درويش وريتا اليهودية «غموض واضح»، والضجيج ليس بسبب العلاقة في حد ذاتها، بل على هوية العاشقين في خضم الصراع العربي الإسرائيلي. وفي قصة درويش ورنا قباني هناك «وضوح غامض» يتجلى في شكلانية الزواج وسرعته.
و تروي رنا مذكراتها أو ذكرياتها، كجزء من الكتابة في محيطها العربي وبطريقة أقرب إلى سيناريو فيلم وثائقي أيضاً، وربما يكون جوهر المذكرات وأساسها وروحيتها، زواجها من الشاعر محمود درويش… هذا الزواج الذي يحمل الكثير من الأسرار، تروي بعض تفاصيله بطريقة سلسلة لكن خالية من الدراما والسيكولوجيا والنميمة والنفس الوجودي.
لا نستطيع أن نحكم على مذكرات قباني الآن، بانتظار أن تصدر في كتاب، وهي حتى الآن اختارت أن تبوح بالأمور الإيجابية واللطيفة والجذابة، مكتفية بذلك، بعيداً عن لغة الشحن وتصفية الحسابات مع الماضي. واللافت في زواجها من محمود درويش طريقة الانجذاب وطريقة التعارف وطريقة الزواج التي تمت من دون مقدمات.
لقاء فزواج
تقول رنا إنها حضرت أمسية شعرية لدرويش في أمريكا، و«في اللحظة التي جلست أثناءها، كانت عينا محمود تحدقان بالأسود الطاغي المتنافر مع بياض جلدي. كان ينظر بفضول واستغراب، وحين رفع عينيه، وجد أنني أمسكته متلبساً بالنظر إلى ساقي، فضحكت.
حينها، بدأ هو الآخر بالضحك اللاإرادي، ثم التثاؤب من دون توقف».
ولا يكتفي الأمر على «البصبصة» المرحة والمحببة، فبعد انتهاء الأمسية، والتقاء الشاعر برنا التي كانت طالبة جامعية، وبعد كلمات قليلة، قال لها: «اسمحي لي بسؤالك على انفراد للحظة»… ابتعدنا عن الجمع لمدة خمس دقائق، فقال مباشرة: «هل تقبلين الزواج مني؟». تقول رنا: «أجبت بنعم، أقبل الزواج منك»… وحصل ذلك على وجه السرعة…
بعد السفر إلى باريس والحديث عن الفنادق والمطاعم والوضع الفلسطيني العربي، تحط الطائرة في بيروت في خضم الحرب، يعود العريسان إلى بلد وفي قلبيهما شوق العودة، وهنا تروى رنا فظائع زمن الحرب الأهلية اللبنانية: «وصلنا إلى مبنى دبوس، وأبلغني محمود حينها أنه يسكن في الطابق الثامن، وأن الكهرباء مقطوعة منذ أكثر من سنة.
فحملت إحدى الحقائب الثقيلة، وبدأت الصعود إلى حياتي الجديدة، ليبلغني، على عتبة الطابق الرابع وهو يلهث، أن الماء مقطوع من وقتها أيضاً، والتدفئة غير موجودة».
ويدخل الشاعر وزوجته إلى «شقة شاعريا التي كانت تخلو من أي شاعرية»، بحسب وصف رنا، وتضيف: «وفي الأيام التي تلت وصولنا إلى لبنان مدمرا، لم يخرج بعد من حربه الأهلية، ازدحمت شقتنا الصغيرة بعدد هائل من الزوار، قادهم فضولهم ليأتوا للمباركة لمحمود بزواجه المفاجئ. لم يفهموا كيف ولماذا «كتب كتابه» على فتاة شامية تصغره بست عشرة سنة، أعادها معه من رحلة قصيرة إلى واشنطن»…
زواج… فطلاق !
أبلغ ما كتبته رنا قباني هو بعض التفاصيل في سلوكية محمود درويش، بدءاً من الهدايا التي كان يقدمها، مروراً بأشياء منزله المتواضعة. ربما تقول أموراً جديدة في أجزاء جديدة من سيرتها أو مذكراتها. المهم أن الشاعر والطالبة تزوجا لثلاثة أعوام أو أربعة، غير أنها تركته لتحصل على شهادة الدكتوراه في جامعة كمبردج وكان مستحيلاً الاستمرار. تزوج درويش لاحقاً لنحو عام، منتصف ثمانينات القرن العشرين بالمترجمة المصرية، حياة الهيني، ولا تفاصيل عن هذا الزواج.
تقول حياة الهيني عن انفصالهما: «التقينا محبين وافترقنا محبين». ويقول درويش: «لم نُصب بأية جراح، انفصلنا بسلام، لم أتزوج مرة ثالثة ولن أتزوج، إنني مدمن على الوحدة.
لم أشأ أبداً أن يكون لي أولاد، وقد أكون خائفاً من المسؤولية، ما أحتاجه استقرار أكثر، أغيّر رأيي، أمكنتي، أساليب كتابتي، الشعر محور حياتي، ما يساعد شعري أفعله وما يضره أتجنبه».
يعترف درويش بفشله في الحب كثيراً، «أحب أن أقع في الحب، السمكة علامة برجي (الحوت)، عواطفي متقلّبة، حين ينتهي الحب، أدرك أنه لم يكن حباً، الحب لا بد من أن يعاش، لا أن يُتذكر».
العقل التقليدي ما زال أقوى في العالم العربي.
حتى محمود درويش نفسه كان تقليدياً في علاقته بزوجته، بحسب ما ينقل مقربون منه.
في نهاية النهاية تقول رنا قباني حزينة…
حين أتت السنوات النهائية من حياته، حين سمح لنفسه أن يغفر لي، وتقابلنا وتحدثنا أكثر من مرة قبل وفاته. كم ترجيته، مثل كاساندرا، في المكالمة الهاتفية الأخيرة، أن لا يتوجه الى غرفة العمليات في ولاية تكساس، وان لا يسلم نفسه لجراحة خطيرة. قلت له إنني متأكدة انها ستقتله… أدهشه رد فعلي القاطع هذا، ولا بد ان ملامحه تغيرت حين أصغى إلي، فسمعت صوت ليلى شهيد، ممثلة منظمة التحرير، التي كانت تحرسه مثل ظله، تصرخ من غضبها: «ماذا تقول لك؟ كفى! كفى! لا ترد على كلامها وانه المخابرة فوراً!».
أما عقاب القدر القاسي لتركي هذا الشاعر الكريم النفس، والمترفع عن المادة مثله مثل الناسك ـ رغم إيهامه الجميع أنه كان متعلقا بملذات الحياة الدنيا ـ والذي بالرغم من ذلك كان يحلم ان يمطر على زوجته الصغيرة كل جواهر الأرض النادرة، دون أن يملك ثمن علبة يضعها فيها، جاءني بعد سنين، حين ذقت الذل على يد أبخل البخلاء. !

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.