الرئيسية | حوار | محمد آدم: مضى زمن الأنبياء، والأجيال الجديدة أعادت قصيدة النثر إلى الأسوار.

محمد آدم: مضى زمن الأنبياء، والأجيال الجديدة أعادت قصيدة النثر إلى الأسوار.

محمد آدم  يصفه محبوه بأنه أحد أبرز الأيقونات الشعرية لجيل السبعينات  قد تختلف مع آدم  أو تتفق معه، ولكن أبدا لا يمكن أن تنفي عنه كونه أحد أبرز شعراء جيله، محمد آدم من مواليد محافظة المنوفية 1953م تخرج من كلية التجارة عام 1975م، ثم أكمل دراسة الفلسفة وحصل على إجازة الدكتوراه بعنوان: “فلسفة الجمال عند ميخائيل باختين” من جامعة عين شمس. يُعد من طليعة كتاب قصيدة النثر واستطاع أن يصل بها لآفاق عالمية، فترجمت قصائده للإنجليزية والفرنسية والإسبانية والعبرية وغيرها.. وطبعت أعماله الكاملة فى العديد من البلدان العربية. ومن الجدير بالذكر أن ديوانه: أنا بهاء الجسد واكتمالات الدائرة، قد صادره الأزهر في التسعينيات فواجه وحده النفي والتكفير.

خالد حماد- القاهرة

خالد حمادعن البدايات وسنوات اكتشاف الذات، عن ابن القرية الذي سكن المدينة  يقول  الشاعر محمد  آدم ” لا شيء سوى أنني كنت أرعى الأغنام في الحقل وأعمل مع أبى بالزراعة، ولم يكن أمامي إلا أن أتعلم لأهرب من تلك الحياة الفلاحية شديدة القسوة.

فكان لا بد لي من السباحة في النهر للوصول إلى الشاطئ وإلا فالفرق هو المصير المحتوم” ويسأل “آدم : كيف يمكن أن تنجو من هذا المصير المهلك؟ ويجيب: إلا أن تتعلق بقشة وأنت على وشك أن تغرق.. لم يكن لدينا أحذية لنلبسها ولا شيء يستر الجسد سوى جلباب من قطن على اللحم.

ويلفت  ضيفنا إلى أن المدينة مثلت له البعد الأسطوري من صورة “الفردوس المفقود” الذي بحث عنه “فإذا أردت أن تصل إليه عليك أن تخوض كافة بوابات للجحيم”.

ويشير آدم إلى أن عالم القرية هو في حد ذاته عالم أسطوري وكان البداية للولوج إلى عالم المدينة والذي اكتشفنا فيها غربتنا وغرابتنا.. “وكان علينا أن نناضل بالأنياب والأظافر حتى لا نعود مرة أخرى إلى القرى وظلامية القبور.”

في مديح العزلة :

تيمة العزلة إحدى التيمات الرئيس التي تشغل عالم “آدم” الشعري، يقول ضيفنا “هناك حقيقة الكائن وعزلته أيضا” وهو من النصوص التي صادرها الأزهر، لأنه وكما جاء في إحدى تقاريره والتي اطلعت عليها تقول أن محمد آدم “يحيل الله إلى جسد ويحيل الجسد إلى إله…!!”.

يعرف آدم العزلة بأنها منجم الإبداع العظيم للشاعر والموسيقى والفنان التشكيلي وحتى الفلاسفة الكبار، العزلة ضرورية وملحة من أجل انجاز مشاريع كبرى.

الحداثة :

عن سؤالنا حول  الحداثة هل  فهمتها الأجيال الجديدة  خطأً؟ هل جاءت  كرفض للثقافة العربية  أم رفض للأشكال الشعرية المحددة  وماذا عن وجه الحداثة  فى الشعر العربي  إذا تم  استعارة أشكال لها من ثقافة أخرى؟ يجيبنا “آدم” جل  ما يكتب الآن يصيبنى بالغثيان من فرط تشابه النصوص وتكرار الشاعر حتى لذاته، جاء جيلنا  ليحرر القصيدة من الأسر إلا أن الأجيال الجديدة  تعيدها مرة أخرى إلى الأسر، الآن يمكن أن تقول  أنه  نص واحد  يكتبه الجميع.

ويستطرد ما يحدث مؤسف، فإذا عدنا إلى  بودلير سنجده لم يتكرر، هذا لا يمنع أن هناك  الكثير ممن يقلدونه، كل شعرية لا بد أن تكون محملة بالوعي الجمالي والإنساني والمعرفي ودون سؤال الشعرية الكامن داخل بنية النص ذاته تكون الكتابة طحن هواء وغزل خيوط من الماء ، وهذا ما حاولته أنا على الأقل ومنذ متاهة الجسد وانتهاء بدرب البرابرة.

عن جدوى الشعر والشاعر في زمن الدمار والخراب يقول” محمد آدم” : مضى زمن الأنبياء، وهذا زمن الشعراء الذين يكونون بمثابة السجل الحي والشهادة الدامغة على عصر اللاإنسانية، هذا بعد أن تحولت الرأسمالية المتوحشة مثل سكين عملاقة تجز رقبة العالم ولا تخضع لأي قيمة سوى وحشية المادة، وتقوم بالتخريب الفعال لكل ما أنجزت الحضارات والثقافات والديانات من قيم ومعايير، والشعر هو هذه الروح الدفاقة التي تقاوم كل هذا الخراب اللاإنساني.

يلفت “آدم” أن للشاعر دوره في توثيق ما يجرى شعريا وشاهدا على العصر من خلال رؤيته الشعرية ويشير إلى “إليوت” كشاهد على عصره في الأرض الخراب؟ ويشير إلى “آدم” في نشيد آدم وفى درب البرابرة.

هل تتفق مع ما قاله الشاعر سعدى يوسف بأن البيت الأول تهبه لنا السماء، هذا ما يجعلني أسألك عن الباقي، وهل ثمة منهجية تخطيط لكتابة قصيدة دون وعي أو بوعي؟

لا يا سيدي، الشاعر ابن وعيه الجمالي والفلسفي والإنساني والشاعر أو الروائي الذي لا يكون محملا بسؤال الوجود مأساة الإنسان فى العالم هو خارج سياق الكتابة، إذن الكتابة تغترف الوعي من اللاوعي واللاوعي من الوعي الكامل بالشرط الإنساني والحضاري والمعرفي.

وسعدي ابن شعرية شفاهية تظل شعرية رعوية وصحراوية تلتصق بالأذن أكثر من انغماسها في الرؤيوي.

يصف البعض تجربة جيل السبعينات، بأنها مجرد خطابات ثقافية  مشغولة  بالتمرد لكن لم تقدم عليه، وما حدث أنهم صاروا امتداد للآباء  فلم يكن هناك انقلاب  شعري بالمعنى الفعلي وصارت  قصيدة هذا الجيل نحو التحسين اللفظي دون الانقلاب على اللغة؟ يجيب “آدم” هذا قد يطبق على حسن طلب وغيره من الشعراء الذين سقطوا في حجر الآباء أما محمد آدم هو الأب الشعري لقصيدة النثر كما يصفني النقاد.

ويسأل “آدم” أين كان هؤلاء الصغار ونحن نقاتل من أجل تأسيس حقيقي لقصيدة النثر بين حجازي وعبد الصبور وأمل وعفيفي مطر… لولانا ما كتب حرفا واحدا، نحن الذين عبدنا لهم الطريق.

البعض يرى أن بدر الديب سبقكم، وكذلك لويس عوض في ديوانه الأول والوحيد والذي أعلن فيه موت  الشعر القديم؟ نعم كل هذه كانت إرهاصات لكن الذي أعطى لقصيدة النثر خصوبتها وخصوصيتها حتى عن باقي الشعريات العربية جيل السبعينات المصري حتى مختلفا ومتمردا على تجربة أدونيس أو حتى محمد الماغوط.

هناك  من صار فى درب أدونيس حتى صار ظله وهناك من تعثر ووقف كثيرا عند تقليد الآباء.

ظل الكتاب المقدس منبعا للاستلهام ويبدو أن التناص معه يمثل إشكالية إذ يظل نصا فوقيا وسابقا والتناص معه يحيل النص إلى هامش ومع ذلك هناك قصائد عديدة فى أعمالك تتمحور حول الكتاب المقدس كيف تتجاوز أسبقية وقداسة العهد القديم؟ نعم هناك الكتابات المقدسة وعالم الأساطير والتاريخاني واليومي كل هذه مسالك وطرق ومتابع للشاعر أن يعترف منها بشرط أن يكون نصه متجاوزا كل هذه الينابيع.

وكيف يمكنه التجاوز؟  ألا يصير هذا التجاوز  هامش  لمتن ؟ هذا يتوقف كما قلت لك يا سيدي على ذخيرة الشاعر وبئره الذى يغترف منه فكلما كان الشاعر ممتلئا وبئره فائضة كانت شعريته متجاوزه وكلما كان فقيرا فى مخيلته وبئره ناضبة جاءت شعريته فارغة كذلك.

الترجمة والشعر:

ترجمة الشعر هي أصعب أنواع الترجمة ففي النهاية هي تقرأ روح النص. يقول عنها “آدم” أنها تسرق وتختلس أجمل ما في النص، روحه الشعرية، ولكن شيء أفضل من لاشيء.

فاشية اللغة:

يقول بارت أن “اللغة فاشية ” كيف يمكن الانقلاب على فاشية اللغة؟

يجيب ضيفنا بأن اللغة تتحول إلى لغة فاشية حينما يكون هاجس الشاعر الأكبر هو اللهاث خلفها، أما حينما تتحول اللغة إلى أداة طيعة في يد الشاعر فهو الذي يسيرها كيف يشأ ولغتنا العربية يسر لا عسر ونحن نملكها كما كان القدماء يملكونها ولنا أن نضيف إليها من ألفاظ وعبارات لم تكن مستعملة من قبل، هنا تتحول اللغة من فاشية إلى مطية سهلة لاقتناص المعنى.

المشروعات الشعرية  والمشهد الشعري:

عن مفهوم المشروع الشعري والذي سعي إليه الكثيرون كعفيفي مطر وأدونيس وهل تجاوز المشهد الشعري هذه الفكرة الكلية؟ يجببنا “آدم” بأن المشروع الشعري هو رؤية جمالية وفلسفية تجتاح الشاعر من أوله إلى آخره، وليس كل شاعر صاحب مشروع. هناك شعراء أصحاب مشاريع شعرية بالفعل وهناك شعراء القصيدة الواحدة، الشاعر صاحب المشروع الشعرى شاعر كوني يتحول الكون كله إلى ذرات في بنائه الشعرى، أما الشعراء الصغار فهم شعراء يكتبون قصائد متفرقة، كل قصيدة منها تخضع لشرط كتابتها فقط. وأعتقد أنني أنتمي إلى الشعراء أصحاب المشاريع.

عن  السؤال الذي يشغل آدم بداية من نشيده الشعرى إلى اللحظة الراهنة التي نعيشها؟ حينما قابلت نجيب محفوظ في منتصف السبعينات وقد اطلع على بعض نصوصي الشعرية آنذاك قال لي بالحرف الواحد إذا لم تدرس الفلسفة فكف عن الكتابة، لأن الكتابة التي لا تمتلك سؤالها الخاص هي كتابة خارج دائرة الكتابة وهو الأمر الذي جعلني أدرس الفلسفة في آداب عين شمس ودرست على يد فؤاد زكريا وحسن حنفي وكنت أذهب إلى زكى نجيب محمود في بيته لأساله وأتعلم منه ، هذه الدراسة هي التي فتحت عيني على سؤال الوجود ككل مواساة الإنسان في العالم… وكان الهاجس المريع والذي يسكنني هي هذا البون الشاسع بين ما يمكن أن أسميه هذا العالم الافتراضي القائم على العدل والحرية والمحبة وكل ما يحيل الأرض إلى فردوس وبين العالم الواقعي شديد المأساوية والذي غرقت فيه الإنسانية في الدم والخراب والتدمير الذي لا ينتهى، لكل تلك القيم المقدسة مأساة الإنسان في العالم، وهو الأمر الذي جعلني التفت إلى الجسد الانسانى باعتباره الحامل الأكبر لفكرة الله الكبرى للوجود الانساني المقدس أو هو هذه العلاقة الهائلة بين المرئى واللامرئي.

يسير”آدم” على درب ابن عربي ودائما ما يصدر بأنه امتداد خاص في طرحه لأفكار قلقة لا يمكن  استيعابها بسهولة دون التفكير فيها وغالبا ما تطرح جدلا. يلفت ضيفنا إلى أن ابن عربى مرحلة ما من مراحل تطوره الرؤيوي والفلسفي والشعري والإنساني هي علاقة الروح الإنسانية من أجل أن تكون هناك كتابة وعي لا كتابة ثرثرة بلاغة فارغة.. .كل هذه القراءات تعيد خلخلة كل ما هو قار وثابت، وتحول كل ما هو ثابت إلى متحرك أو متحول بلغة أدونيس، والكتابة الحقيقية في نهاية الأمر ما هي إلا خلخلة لكافة الثوابت من أجل الدخول إلى أرض الرمال المتحركة وهى هي أرض الشعر بلا منازع ، وهو المر الذي أعطى لكافة كتاباتي طعم ، وشكلت نوعا من الكتابة الانقلابية حتى على المفهوم الساذج لقصيدة النثر.

ماذا تعنى المفهوم الساذج لقصيدة النثر؟

أعني عملية الاستسهال الذي حول قصيدة النثر من قصيدة تحررت من كافة البنى الصحراوية التي كبلت الروح الإنسانية إلى نص يكتبه الجميع ولا تستطيع أن تكتشف فيه البصمة المختلفة والمغامرة لكل شاعر على حدة لأنك لا يمكن أن تقول أن بودلير هو رامبو وأن مالارمه هو لوتريامون كما لا يمكن لك أن تقول أن النفري هو الحلاج ولا يمكن لك أن تقول ان السهروردي هو ابن عربي، هذا هو الشعر وتلك هى القصيدة، إنها البصمة الخالصة والخاصة للروح الانسانى.

يلاحظ أن عالمك الشعري يشغله المزج ما بين الأسطوري والمألوف، الارتفاع بالقصيدة إلى عوالم أكثر غرابة. هل هذا ناتج عن تنوع عالمك ومحاولة جادة لإعطاء ملامح  مغايرة  لمشروعك؟ يجيب ضيفنا: نعم حاولت أن اقترب من عالم الأسطورة والتاريخاني وكذلك اليومي والجسداني والميتافيزيقي أو أن شئت الدقة عالم المقدس، وحاولت أن أقوم بعملية مزج بين كافة هذه العوالم في بناء أو بناءات شعرية، فمرة انطلق من كل ما هو جسدانى إلى كل ما هو ميتافيزيقي وأحيانا انطلق من كل ما هو أسطوري إلى ما هو جسداني بحث لم يعد. هناك فصل أو فرق بين ما هو جسداني وما هو أسطوري أو ما هو مقدس أو مدنس أو بعبارة أخرى بين ما هو مرئي أو لامرئي، وتحولت كافة العوالم الشعرية إلى عالم واحد تمتزج فيه كافة العوالم.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.