الرئيسية | ترجمة | لَيْلَةُ حُبٍّ فِي ثَلَاثَةِ أَنَاشِيدَ | خُولْيَا دِي بُورْغُوسْ
إدوارد هوبر، القاطرة، 1922

لَيْلَةُ حُبٍّ فِي ثَلَاثَةِ أَنَاشِيدَ | خُولْيَا دِي بُورْغُوسْ

خُولْيَا دِي بُورْغُوسْ*

ترجمة: الدكتور لحسن الكيري**

 

I – شَفَقٌ

يَا لَكَيْفَ تَعْتَمِلُ فِي رُوحِي فِكْرِةُ

قَضَاءِ لَيْلَةٍ كَامِلَةٍ بَيْنَ ذِرَاعَيْكَ

ذَائِبَةً كُلِّي فِي غَمْرَةِ الْمُدَاعَبَاتِ

بَيْنَمَا أَنْتَ تَسْتَسْلِمُ لِي مُنْتَشِيًا!

***

يَا لَرَعْشَةِ النَّظَرَاتِ اللَّامَحْدُودَةِ

الَّتِي سَتَكْتَنِفُ انْفِعَالَ الْعِنَاقِ،

وَ مَا أَوْدَعَ حِوَارَ الْقُبُلَاتِ

الَّذِي سَأَقُومُ بِهِ مُرْتَعِشَةً عَلَى شَفَتَيْكَ!

***

يَا لَنَفْسِي كَيْفَ أَحْلُمُ بِالسَّاعَاتِ الزُّرْقِ

الَّتِي تَنْتَظِرُنِي كَيْ أَنْبَطِحَ إِلَى جَانِبَكَ،

بِدُونِ مَزِيدِ نُورٍ إِلَّا نُورَ عَيْنَيْكَ،

بِدُونِ فِرَاشٍ سِوَى حُضْنِكَ!

***

يَا لَكَيْفَ أُحِسُّ بِحُبِّي يُزْهِرُ

فِي صَوْتِ غِنَائِكَ الرُّوحَانِيِّ:

نَغَمَاتٌ حَزِينَةٌ، سَارَّةٌ وَ عَمِيقَةٌ،

وَ الَّتِي سَتُؤَلِّفُ بَيْنَ شُعُورِكَ وَ نَشْوَتِكَ!

***

يَا لَلَّيْلَةِ الْمُرَصَّعَةِ بِالنُّجُومِ

وَ الَّتِي سَتُرْسِلُ مِنْ كُلِّ كَوَاكِبِهَا الْمُنِيرَةِ

أَنْوَارًا آيَةً فِي الِانْسِجَامِ الصَّافِي

كَهَدِيَّةِ زَوَاجٍ إِلَى فِرَاشِي!

***

II – مُنْتَصَفُ اللَّيْلِ

لَقَدِ انْتَهَتِ الْفِكْرَةُ الْمُرْبِكَةُ

وَ أَشْعُرُ أَنِّي فِي غَمْرَةِ عِنَاقِكَ،

قَدِ انْقَلَبْتُ إِلَى هَمَسَاتٍ خَرْسَاءَ

و َالَّتِي تَتَوَغَّلُ فِي أَعْمَاقِي مُغَنِّيَةً.

***

اَللَّيْلُ شَرِيطٌ مِنَ النُّجُومِ

الَّتِي أَحَاطَتْ وَاحِدَةً تِلْوَ الْأُخْرَى بِفِرَاشِي؛

وَ حَيَاتِي أَشْبَهُ بِهَذَا كَمَا لَوْ أَنَّهَا هَبَّةُ رِيحٍ

شَابَتْهَا انْدِفَاعَاتٌ وَثَنِيَّةٌ.

****

وَ تَخْرُجُ حَمَامَاتِي الصَّغِيرَةُ

مِنْ عُشِّ أَشْوَاقِهَا الْغَرِيبَةِ

وَ تَمْشِي مُجَسَّدَةً

تُجَاهَ سَمَاءِ يَدَيْكِ الْمِثَالِيَّةِ.

***

يَا لَكَيْفَ أَشْعُرُ بِنَفْسِي فِي جَسَدِكَ

مِثْلَ دَبُّوسٍ فِي ظُلْمَةِ كَوْكَبٍ!

يَا لَكَيْفَ أَشْعُرُ أَنِّي أَصِلُ إِلَى رُوحِكَ

وَ أَنَّكَ تُوجَدُ هُنَالِكَ مُنْتَظِرًا إِيَّايَ!

***

لَقَدِ اجْتَمَعَتْ يَا حُبِّي، لَقَدِ اجْتَمَعَتْ

ضِحْكَاتُنَا الْأَكْثَرُ بَيَاضًا مِنَ الْبَيَاضِ نَفْسِهِ،

وَ يَا لَلْمُعْجِزَةِ! فَعَلَى ضَوْءِ دَمْعَةٍ

تَلَاطَمَا نَحِيبُكَ وَ نَحِيبِي…

***

يَا لَكَيْفَ انْتَهَتِ الْأَمْيَالُ الْأَخِيرَةُ

الَّتِي كَانَتْ تَفْصِلُنِي عَنْ قِطَارِ الْمَاضِي!

يَا لَهَا مِنْ عُذُوبَةٍ تُحَرِّكُنِي كَيْ أَمْكُثَ

فِي الْفَجْرِ الَّذِي شَاطَرْتَنِي إِيَّاهُ!

***

III – فَجْرٌ

يَا لَلَّيْلَةِ الْمُرَصَّعَةِ بِالنُّجُومِ

وَ الَّتِي أَرْسَلَتْ مِنْ كُلِّ كَوَاكِبِهَا الْمُنِيرَةِ

أَنْوَارًا آيَةً فِي الِانْسِجَامِ الصَّافِي

كَهَدِيَّةِ زَوَاجٍ إِلَى فِرَاشِي!

***

يَا لَكَيْفَ تَعْتَمِلُ فِي رُوحِي

هِزَّةُ مَحْبُوبِي الْعَاطِفِيَّةُ،

إِذْ تَحَوَّلَ كُلُّ شَيْءٍ إِلَى أَخَادِيدَ عَمِيقَةً

حَيْثُ أَمْشِي وَ يَدِي فِي ذِرَاعِ حُبِّي!

***

لَقَدْ أَضْحَى حَنَانُ الْأَخَادِيدِ كُلِّهَا

حَائِرًا فِي خُطَايَ،

وَ اللَّحَظَاتُ الْعَذْبَةُ الَّتِي عِشْنَاهَا

لَا زَالَتْ، خَافِتَةً، تَحْلُمُ فِي رُوحِي…

***

إِنَّ الْعَاطِفَةَ الَّتِي انْبَلَجَتْ مِنْ حَيَاتِهِ

– الَّتِي كَانَتْ نَبْعًا فَيَّاضًا فِي حَيَاتِي -،

قَدْ سَارَتْ فِي طَرِيقِ الْفَجْرِ

وَ هَا هِيَ الْآنَ تُحَلِّقُ فَوْقَ كُلِّ الْمُرُوجِ.

***

لَقَدْ رَحَلَ اللَّيْلُ؛ وَ بَقِيَتِ السِّتَارَةُ

الَّتِي تَعْلَقُ بِالذَّاكِرَةِ، مُتَضَايِقَةً،

 تَنْظُرُ إِلَيْنَا مِنْ بَيْنِ النُّجُومِ الآفِلَةِ،

وَ مِنَ السَّمَاءِ تَطُوفُ عَلَيْنَا…

***

لَقَدْ رَحَلَ اللَّيْلُ؛ وَ بِعَوَاطِفِ الْفَجْرِ

 الْمُتَجَدِّدَةِ بَقِيَ عَالِقًا.

يَعْرِفُ النَّاسُ كُلَّ شَيْءٍ عَنِ الْأَغَانِي وَ الْفَوَاكِهِ،

وَ فِي يَدِي يُوجَدُ طِفْلُ حُبٍّ.

***

لَقَدْ أَمْسَتْ حَيَاتُكَ فِي حَيَاتِي

كَمَا يُمْسِي الْفَجْرُ فِي الْقُرَى؛

وَ يُوجَدُ أَلْفُ عُصْفُورٍ حَيٍّ فِي رُوحِي

مِنْ لَيْلَةِ الْحُبِّ هَذِهِ ذَاتِ الْأَنَاشِيدِ الثَّلَاثَةِ.

 

*تحتل الشاعرة خوليا دي بورغوس مكانة أديبة بارزة في بورتوريكو، فهي الأعظم شهرةً بين شاعرات بلادها، كما تعتبر من أهم شاعرات أمريكا اللاتينية. وعلاوة على شهرتها، عرفت بنشاطها النضالي في مجال الحقوق المدنية وحقوق المرأة. ولدت بورغوس في 17 شباط / فبراير 1914 في مدينة كارولينا في بورتوريكو. أنهت دراستها الابتدائية في مدرسة منيوز ريفيرا عام 1928، ثم ارتحلت عائلتها إلى مدينة ريو بييدراس، حيث أنهت دراستها الثانوية. وفي عام 1931 التحقت بجامعة بورتوريكو، وتخرجت عام 1933 لتعمل معلّمة في إحدى المدارس الابتدائية وهي في سن التاسع عشرة. وفي نفس الوقت عملت كاتبةَ في برنامج إذاعي للأطفال. لكنها ما لبثت أن فُصلت من عملها بسبب آرائها السياسية. كذلك، توفقت عن التدريس عام 1934 بسب الزواج. إلا أن زواجها لم يمنعها من العمل السياسي والنضال من أجل استقلال بورتوريكو عن الولايات المتحدة. فقد انضمت عام  1936 إلى منظمة بنات الحرية، حيث تم انتخابها أمينة عامة للمنظمة التي كانت تابعة للحزب الوطني. في عام 1937 انفصلت عن زوجها بالطلاق. وبعد ذلك بفترة وجيزة وقعت في حب طبيب من الدومينيكان. وكان لتلك العلاقة أثر كبير في شعرها، إذ استلهمت العديد من قصائدها من مشاعر الحب التي تُكنّها له. وقد سافرت معه إلى العاصمة الكوبية هافانا في عام 1939. وهناك درست لبعض الوقت في جامعة هافانا. بعد ذلك سافرت معه إلى مدينة نيويورك وعملت صحفية لدى صحفية تقدمية تصدر بالإسبانية. ثم عاد العشيقان إلى كوبا، إلا أن العلاقة بينهما بدأت تتوتر. حاولت بورغوس أن تنقذ العلاقة لكنها لم تلبث أن تركته وعادت إلى نيويورك. وهناك اضطرت إلى قبول أعمال وضيعة لتأمين لقمة العيش. في عام 1943 تزوجت موسيقاراً يدعى أرماندو مارين. لكن علاقتهما لم تدم طويلاً، وانتهى رباطهما إلى الطلاق في عام 1947. وقد أفضى ذلك بها إلى مزيد من الاكتئاب وإدمان الكحول. صدرت للشاعرة ثلاث مجموعات شعرية. الأولى عام 1938، والثانية بعدها بفترة وجيزة. وقد جابت بورغوس جزيرة بورتوريكو لتسويق هاتين المجموعتين. أما المجموعة الثالثة فقد صدرت عام 1954، بعد وفاتها بعام واحد. في 28 حزيران / يونيو عام 1953 غادرت بورغوس منزل أحد أقاربها في حي بروكلين في نيويورك، واختفت. وتبيّن فيما بعد أنها انهارت على رصيفٍ في المنطقة الإسبانية القريبة من حي منهاتن في 6 تموز / يوليو 1953، ونقلت إلى المستشفى، ثم فارقت الحياة لاحقاً لإصابتها بالالتهاب الرئوي. ونظراً لأن هويتها كانت مجهولة فقد دفنت في مقبرة خاصة بمجهولي الهوية.  إلا أن بعض أصدقائها وأقاربها تمكنوا من العثور على قبرها وتم ترتيب نقل جثمانها إلى ديارها في بورتوريكو، حيث دُفنت في احتفال رسمي في مسقط رأسها كارولينا. و فيما بعد أقيم لها نصب تذكاري في المدينة تخليداً لذكراها. عبرت بورغوس في قصائدها عن مشاعرها الذاتية وعن النضال الاجتماعي الذي يخوضه الفقراء والمحرومون الذين يتعرضون للظلم والاضطهاد، كما عبرت عن طموحها في استقلال بلدها عن الولايات المتحدة. تأثر بها العديد من شاعرات وشعراء أميركا اللاتينية الذين يكتبون بالإسبانية. وكان بابلو نيرودا من أشد المعجبين بشعرها، كما رأى العديد من النقاد أن شعرها مهد الطريق أمام كاتبات وشاعرات الحركة النسوية. (هذا التعريف مأخوذ عن الصديق نزار سرطاوي أثناء تقديمه للشاعرة عندما ترجم بعض قصائدها إلى العربية، فتحية عالية مني إليه).

**كاتب، مترجم، باحث في علوم الترجمة ومتخصص في ديداكتيك اللغات الأجنبية – الدار البيضاء -المغرب.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.