الرئيسية | بالواضح | لذة الكتابة والقراءة أو الشهوة الناقصة والمكتملة | عزالدين بوركة
عزالدين بوركة

لذة الكتابة والقراءة أو الشهوة الناقصة والمكتملة | عزالدين بوركة

عزالدين بوركة

ما الكتابة وما القراءة؟

الكتابة موهبة ومهارة، إنها اكتساب للمهارة أيضا، إنها بهذا فعل توليد لشيء يصير فينا أو إنعاش لشيء فينا. إنك لا تكتب من أجل شيء بعينه إنما لنفسك، إنها حالة لاشعورية، إنها تمثل للاشعور عبر رموز بالأحرى. لكن ما الكتابة في آخر المطاف؟

ليست أكثر أو أقل من أنها  إفراغ الذات في ورق أو على شاشة حاسوب… إنها حركة في مكان وسفر إلى كل مكان في نفس الآن… إنك لن تسافر إلا بالكتابة، أو مقابلها القراءة، إلى كل مكان بدون حركة… فإن كان الزمن حركة في مكان، فالسفر هو حركة في زمن، وأنت تكتب أو تقرأ تتحرك في اللاشعور تتحرك عبر زمن قصير، وزمن طويل مجزأ إلى أزمنة قصيرة، فإنك لن تقرأ طيلة يوم كامل بل لساعات في اليوم.

ويبقى دائما السؤال ما القراءة؟

لن نخوض في مدارس التلقي وغيرها، إلا أن القراءة فعل تجدد، بمقابل أن الكتابة فعل خلق، إنك لا تقرأ إلا لتمتلئ بشيء جديد، وبالمقابل تزيح أشياء بائدة، إن الأفكار هنا المتولدة عن فعل القراءة يقابلها فيزيائيا تلك المسلمة الأرخميدية، إذ أنك لا تضع حجما في الماء إلا وتزيل ما يساويه من الحجم المائي في الوعاء (الدماغ في القابل). فإذن القراءة هي إفراغ وملء في آن.. إنها حركة بهذا المعنى، حركة أفكار بالمعنى الأدق…

الكتابة حركة افتراضية للجسد، والقراءة حركة للأفكار. إنك تقرأ وتكتب وتتحرك بشكل لاشعوري، إنك تتغير إذن، إنك تساير جريان النهر (التجدد)، إنك تضاد الركود والأَسْن. فالفرق كبير بين النهر والبركة، بين القراءة واللاقراءة بين الكتابة واللاكتابة.

وماذا لو كنتُ أقرأ ولا أكتب؟

إنك لا تكتب إلا ما قرأت، إنك تحوّر ما راكمت من قراءة، إنك تُسْقِطُ ماء النهر في البحر (الورق /الحاسوب…). إن القراءة حركة وامتلاء، والكتابة حركة وإفراغ… إنك لا تتعب من القراءة بقدر التعب من الكتابة، وإنك تتلذذ منهما معا… إنهما ساديان إلا أنهما تلذذ. فالكاتب يكتب ما قرأ… والقارئ غير مجبر على كتابة ما قرأ، فتكفيه لذة واحدة ليحيا… إنه طمّاع لا يبحث عن تفريغ لذته في عذراء (الورقة)، بينما الكاتب شهواني يبحث عن لذة جديدة كل مرة يكتب، إنه يفرغ شهوة قديمة بحثا عن إشباع آخر.

إن فعلا القراءة والكتابة مقترنان لا يفارق الآخر الآخر، إنهما زوجان يخونان بعضهما البعض، كل يبحث عن إشباع بعيدا عن الآخر، وينتظر الآخر ليفرغ فيه امتلاء شهوانيته.

لكن ماذا عن من يكتب ولا يقرأ؟

سؤال سريالي ! إنك لن تكتب إلا ما كتبت وستكتبه ناقصا كل مرة، إنك لن تتلذذ كما تلذذت أول مرة، إنك لن تشبع كما شبعت أول مرة، إنك ستظل فارغا فارغا، إن كتبت بلا أن تقرأ… إنك الكتابة بلا قراءة تشهبه المثل القائل (فاقد الشيء لا يعطيه)، إنك تقرأ لتأخذ وتكتب لتعطي… تأخذ ماذا وتعطي ماذا؟ تأخذ لذة وتعطيها في آن، بحثا عن لذة جديدة، لذة أكبر.. إنك إن تكتب بلا أن تقرأ فإنك تفرغ لذة وهمية فقط، حد الانقضاء والفراغ المطلق…

إنك لن تكتب إلا ما تقرأ، ولا تقرأ إلا لتتجدد، ولا تجدد إلا بإفراغ ما قرأت… إما كتابة وقراءة أو قراءة فقط..

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.