الرئيسية | بالواضح | كيف أحببت الفلسفة؟ | الدكتورة يسرا السعيد

كيف أحببت الفلسفة؟ | الدكتورة يسرا السعيد

يسرى السعيد

-1-

لم تكن الفلسفة خياري، ولكن معدل النجاح جعلها قدراً حولته فيما بعد لحتمية لا أستطيع الانفكاك عنها، ولم أكن أعرف شيئاً عنها سوى أنها الكلام المعقد و غير المفهوم، وأول محاضرة تلقيتها في المدرج الخامس بكلية الآداب بجامعة دمشق، ردد المحاضر على مسامعنا نحن طلاب السنة الأولى البسطاء: ” إذا كان الله موجوداً فليقدم لنا أوراق اعتماده على الأرض”، ثم بدأت المحاضرات تتنوع، والمحاضِرِين تختلف آراءهم، وبعد جهلي بالمكان وعدم إدراكي للحكمة من الزمان الذي وضعني في محراب الفلسفة بدأت تنسدل الستائر على العمر الماضي، وتتفتح في ذهني آفاق جديدة أبحرت من خلالها في رحلةٍ لم تكن سهلة، لكنها كانت الأجمل في حياتي.

علمتني الفلسفة القديمة أن سقراط كان وسيبقى المعلم العظيم الذي صرخ: “اعرف نفسك بنفسك”،  وحقا لم أكن أفكر في معرفة نفسي، ولم أنا هنا؟، على هذه الأرض، وفي هذا الزمن، وعلمني سقراط أن للمبادئ ثمن ولكننا يجب أن نقدمه دون ندم.

أما افلاطون فقد شغلني كثيراً بنظرية المثل، وكيف نفهم وبكل ثقة أن الذي نراه من هذا العالم، ونختبره من خلال الحواس هو عالم غير حقيقي، إنما هو عالم مشابه للعالم الحقيقي و بصورة غير كاملة. وأن جميع الأشياء في هذا العالم تتغير، تأتي وتذهب، وأن عالمنا هو عالم الاخطاء الكثيرة ،المشوهة، والمتناقضة من خير وشر، وأن هذا العالم غير حقيقي!

أما أرسطو فقد تناسيت كل ما تعلمته منه في المنطق والمعرفة، حين قرأت رأيه في المرأة وتشدده في ذلك الرأي، وكيف اعتبر أن المرأة من الرجل كالعبد من السيد، وكالعمل اليدوي من العمل العقلي، والمرأة بنظره رجل ناقص، تركت واقفة على درجة واحده من الدنيا نحو سلم التطور، والرجل متطور بالطبيعة والمرأة دونه بالطبيعة، والرجل حاكم والمرأة محكومة، كيف اعتبر أن المرأة ضعيفة الإرادة وبذلك فهي بنظره عاجزة عن الاستقلالية، وأفضل مكان لها حياة بيتية هادئة.

وفيما بعد استوقفتني اعترافات القديس أوغسطين: “يا ليتك أيها الرب إلهي تخبرني ماذا أنت ليً؟ ليتك تقول لنفسي أنا خلاصك! … هكذا تكلم لعلي أسمعك!!.

وأما هيجل وعلى الرغم من شقائي في فهمه، إلا انه أسرني بمؤلَّفه فينومينولوجيا الروح، الذي حاول من خلاله عرض ملحمة الوعي، بأن ينفي ما سبقه، ليرتقي، ويتدرج عبر هذا النفي، إلى درجة من الواقع الأسمى وكيف أعاد هيجل بأفكاره رسم مسيرة الإنسانية وتطورها.

وأسرني صاحب العقل المتقد كما أسميه، وأقصد بذلك برتراند راسل، الذي كنت أمتع عقلي دائما بقراءة كل مقولاته، والتوقف عندها، ” غاية الفلسفة هي الابتداء بشيء في غاية البساطة لدرجة أنه يبدو لا يستحق البداية، والانتهاء بشيء في غاية التناقض لدرجة أن أحداً لن يصدقه”.

أما قصة الفلسفة المعاصرة فلي معها حكاية أخرى، أكملها لاحقا.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.