الرئيسية | سرديات | قتل الأم: ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي

قتل الأم: ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي

حنان الدرقاوي

 

دخلت الكازينو في شاطئ تمارة من أجل سهرة مع الشيخة زاهية، شيخة شابة من خريبكة. صوتها قوي وتذكرني بفاطنة بنت الحسين في شبابها.

دخلت الكازينو وكنت مع صديق. توجهنا إلى الكونتوار، طلبنا كأسا وبقينا نتتظر وصول الفرقة وبدئ العزف. كان هناك جمهور كبير فالشيخة زاهية أصدرت ألبومين وكان لها عشاقا كثيرون. تحادثت مع صديقي عن العيطة، ذلك الفن الغنائي الذي تتميز به الشاوية. كان دكاليا ويدافع عن عيطة دكالة. لم أكن اعرف الكثير عن العيطة. كنت أفضل غناء الأطلس المتوسط وكنت مسكونة بالجنية حادة اوعكي التي توقظ بداخلي شوق الطفولة المجروحة وآهاتها.

في الكونتوار كانت هناك امرأة. قالي لي صديقي أنها الشيخة عسولة وهي التي ربت وتكلفت بالشيخة زاهية منذ كانت طفلة. تذهب إلى كل حفلاتها. تكرع الكأس تلو الأخرى وتحكي بأسى عن الزاهية ” جاءت إلى بيتي خادمة كان عمرها ثمان سنوات. كانت نحيفة وبثور تملئ جسدها. شعرها مليء بالقمل. عطفت عليها. غسلتها وألبستها وعالجتها. علمتها كل شيء في فن العيطة. علمتها كيف تكون شيخة يحترمها الناس. جعلتها تغني في أرقى المطاعم والفنادق. دربتها على إحياء الأعراس وقدمتها إلى استوديو لتسجل أغانيها. دفعت من جيبي كي تسجل أول ألبوماتها. لو كانت لي ابنة ما اعتنيت بها كما اعتنيت بزاهية. زوجي كان يحذرني أنها ربما تعامل الخير والمعروف بالشر والجحود. كنت أقول لزوجي ” لقد من علينا الله بطفلة جميلة. سنفعل كل ما بوسعنا لنعتني بها ونقودها على دروب الحياة. مرت السنون وكبرت زاهية وصار لها فرقة. عرفت النجاح. لم أكن أعرف ما يحدث بينها وبين زوجي إلى أن وجدتها في فراشي. كدت أجن سألتها لماذا فعلت ذلك وأنا في منزلة أمها. ألم أربيها قالت أن زوجي يحبها هي ولا يحبني أنا العجوز الشمطاء.

طلقني وتزوجها، تشتت فرقتي ولم أعد أشتغل. أذهب إلى الأماكن التي تحيي فيها زاهية حفلاتها. أشرب وأستمتع بغنائها. لم تعد تريد أن تكلمني تقول أنني أفضحها في أماكن شغلها. ما العمل إني أحبها كأنها ابنتي. لايهم أن تأخذ زوجي وجزءا من شغلي. أريدها فقط أن تعود إلى حضني. أن تقبلني وتعانقني لكنها لم تعد تريد. تقول أنها كبرت الآن ولم تعد بحاجة إلى أم.

لازلت أمها وعليها أن تعترف بي هذا المساء. أن تقول في الميكروفون أنني أمها وأنها تعلمت فنها مني، لابد أن تعترف.”

دخلت زاهية تتبعها فرقتها. جلسوا جميعهم وغنت زاهية فيما عسولة تقهقه بأعلى صوتها بمزيج من الضحك والبكاء.

إنك تقتلينني، هل يليق قتل أم بهذا الشكل؟ هل يجوز نحري بهذا الشكل. تكلمي الآن اليوم ستقولين أنني أمك أمام العالم أجمع.

استمرت الزاهية في الغناء ولم تكثرت لعسولة التي أخذت قارورة ويسكي وانهالت بها على رأسها.

انهارت الزاهية ميتة فيما تابعت عسولة آهاتها

” أنا أمك أنا من صنعتك وقد قتلتيني لزمن لكني اليوم أقتلك لأحيا قليلا.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.