الرئيسية | بورتريه | في ذكرى أني سيكستون | عزالدين بوركة
سيكستون

في ذكرى أني سيكستون | عزالدين بوركة

عزالدين بوركة

 

عزالدين بوركة

عزالدين بوركة

كثيرات هن المبدعات اللواتي اخترن الرحيل عنا، عن العالم، إلى أقصى ذواتهن.. رحيلٌ اختياري حرّ. أني سيكستون  Anne Sexton(الشاعرة الأمريكية) واحدة منهن اختارت الرحيل عن هذا الواقعي، إلى اللاواقعي. رحلت بعدما تركت أثرا في طريق مسيرتها. كم هن رائعات اللائي يتركن أثرا، يتركن روحا، يتركن سبيلا إلى الأبدية.

غير أنّ الانتحار له لغته الخاصّة. تقول أني سيكستون (1928-1974) في إحدى روائعها، لغة خاصة هي التي تكتب بها أني Anne  قصائدها. لغة تختزل كل نفس أنثوية، وتحوم في سماء الوجودية. بقدر أنوثتها وفلسفتها الوجودية، تكتبها سيكستون بعمق ألم وجراح، وصراع من الذات التي تتجرع ألام الكآبة، التي تطاردها دائما.

يسْلبُ الموتُ دائما منا أحبة.

شبحٌ هو الموت يطاردنا ويفعل.

إنه جريمة الآلهة في وجه إبداعنا الأبدي. إنه الألمب المستعصي علينا اختراقه. كثيرون هم من رحلوا بلا إياب.. بلا عودة.. بلا أن يقولوا وداعا.. ماذا عن الرحيل اختيارا؟

أليس هو الحرية في أقصى حلولها؟ أليس الموتُ اختيارا (تسمونه أنتم انتحارا) مواجهة شُجاعة في وجه الموت؟ إنه إقدام على ما تقوم به الحرب دونما أيّة نذالة. إنه مواجهة للحرب، سلام مع الذات.. ووقوف على رأس الألمب هناك حيث الآلهة تشرب نخب خلودها.

وُلدت أني سيكستون سنة 1928 (9 نونبر) بمدينة نيوتون بولاية ماسَشوسيت الأمريكية Massachusetts من عائلة من الطبقة المتوسطة، عانت منذ طفولتها من التهجير الأسري، مما ترك في نفسيتها أثرا عميقا، سيصاحبها طيلة عمرها. اشتغلت عارضة أزياء لإحدى الشركات الخاصة بصناعة الأزياء لمدة معينة. سنة 1948 تزوجت بشخص يسمى ألفرد مولر سيكستون sexton أو كايو kayo (لتأخذ عنه لقبها الذي صاحبها إلى آخر يوم من حياتها). لتنفصل عنه سنة 1970 قبل رحيلها بأربع سنوات. أنجبت منه طفلين جوسي وليندا غري سيكستون، هذه الأخيرة التي ستصير من بعد إحدى أشهر الروائيات الأمريكيات.

عرفت حياتها تقلبات وضغوط نفسية، أثرت على مسيراتها كثيرا.. جسّدتها في غالب أشعارها المُتسِمة بنفحة أنثوية وفلسفة غائصة في الوجودية. أولى ضغوطها العصبية ظهرت سنة 1954 لتعاودها بشكل كبير سنة من بعد. في تلك الفترة تعرفت على الطبيب مارتان أورون Martin Orne الذي شجعها وحمسها وهي في سن الثالثة والعشرين على كتابة الشعر، لتنخرط بالتالي في إحدى دورات كتابة الشعر تحت إشراف الشاعر الأمريكي الشهير جون هوملس. بعد اشتغال دؤوب عرفت نجاحا باهرا، بعد أن حظيت مجموعة من قصائدها بالنشر في كبرى المجلات والجرائد الأمريكية. تعرفت في تلك الدورة على الكاتبة الأمريكية ماكسين كومين Kumin التي ستصاحبها طيلة حياتها المتبقية إلى آخر يوم.

إلى جانب تلك الإيغالات الوجودية، تعدّ أني سيكستون من أولى الكاتبات (الطائفيات confessionnalisme) اللواتي اخترن الكتابة الإبداعية كشكل من أشكال الدفاع عن المرأة وإزالة الحُجب على معانSexton-1اتها اليومية. كتاباتها عامرة بمتعلِقات الأنثى الجنسانية والجسدية (الاستمناء، الحيض، الحمل، الولادة، الجنس، الموت…). مما يجعل منها إحدى أهم الكاتبات في القرن الماضي، اللواتي عالجن بشكل إبداعي تلك المشاكل النسائية.

بعد تصديرها أولى أعمالها All My Pretty Ones (1962) لقيت أني سيكستون اهتماما واسعا من القراء والمهتمين بالشأن الثقافي بأمريكا. حصدت عدت جوائز أهمها وعلى رأسها Frost Fellowship to the Bread Loaf Writers’ Conference (1959)، و  Radcliffe Institute Fellowship (1961)، سنة من بعد حازت على جائزة Levinson Prize، من ثم في سنة 1963 جائزة الأكاديمية الأمريكية للفنون والأدب، لتليها جوائز عدة وكثيرة.

في عمر 46 فقدت آخر قدرتها على التحمل في مواجهة ألامها وكآبتها المتكررة والمتواصلة، فاختارت بكامل حريتها الرحيل، بعدما تركت أثرا خالدا، في مواجهة كل مساوئ هذا العالم. رحلت بعد أن اجترعت من جرعات سائل أحادي أكسيد الكربون القاتل.

خلّد رحيلها في معزوفته الشهيرة، الموسيقار البريطاني، بيتير غابرييل سنة 1986 تحت عنوان Mercy Street (شارع الرحمة).

قصيدة الرغبة في الموت

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.