الرئيسية | سرديات | فيك رائحة البحر | عبد الكريم ساورة

فيك رائحة البحر | عبد الكريم ساورة

عبد الكريم ساورة

 

حبيبتي، لن أظل أرْقُبُكِ من بعيد، أرتشف قهوتي وأسرق عناوين تافهة على جرائد متناثرة بين جدران هذه المقهى التي أكلت من عمري الكثير، شاهدة على آهاتي، كبريائي الفاضح والذي علمني أن البعد عنك هو فضيلة تعلم عشق كبير.

أذكرك كل صباح رفقة أصدقائي بالمقهى، أحدثهم عن لباسك السخيف، تسريحة شعرك القديمة، شغفك للشعر باللغة الفرنسية، أنت تعرفين أنني أكره الشعراء الذين لا ينطقون سوى لغة الخشب ولا يقتربون من مفردات الحب ورنين الثورة.

أصدقائي، سيموتون من الغيض عليك، لأني حكيت لهم أنك تحتقرين المرتدين من الرجال على المقاهي بشكل يومي، المقهى تأكل العواطف كما تأكل النار الخشب،  قلت لهم أنك دائما كنت تشبهينها بمستودع الأموات وأنها قبلة الفاشلين، ومع ذلك سقطوا كلهم في غرامك، أأنا السبب؟ عندما أبدعت في تزوير تاريخك، وأيقظت شهوة هؤلاء المرضى لنهش سيرتك؟

نادل المقهى، الحقير، يعرف جيدا اسمك، وفصيلة برجك، ونوع السمك الذي تفضلين، سرق كل كلمات الحب التي كنت أدونها سرا، وأصبح يقدمها هدية للزائرات، كان يعرف نقطة ضعفي، بخلي في الإفصاح عن سر الكلمات…. عن جنون الكلمات…كان ينتشي عندما يُستقبلْ بالتصفيقات، أصبح بطل هذه الشرذمة  من العاشقات…

وأنا الجالس في ذلك الركن البارد أتخيل وأتلذذ وقع هذه التصفيقات…

وجه العالم الأسود، لم يعد يقلقني كما كان، بعد أن حجزت لك مكانا بهذه المقهى، وجهك الملائكي يتلألأ أمامي، يمشي كضلي بين هذه الصور الغريبة المعلقة على الجدران، بين الكراسي الكثيرة المتلاشية التي تملأ المكان، مع رائحة القهوة الممزوجة بالغبار المتطاير من جانب الطريق، مع خيوط السجائر التي تتسابق في الهواء. أنت هنا حبيبتي تسكنين كل شيء، تسبقين ضوء الصباح، أهِ لو كان وجه العالم يشبهك ؟

حان الوقت لأعترف لك أنني كنت قاسيا في العشق، عندما طلبتك أن تبقي جاريتي مدى العمر، تقرئين لي كل ليلة ليلاء أشعارا في أسطورة الجسد… الجسد، السماء الوحيدة التي نتلهف نحن الرجال الصعود إليها بدون أجنحة، هل أنا السبب ؟ هل أنت السبب ؟ عندما وقفتِ ذات يوم ساخن أمام المرآة بلباسك الشفاف وكل فواكه الشهوة بارزة كمدفع تعلن حالة الطوارئ؟ هاهي صوركِ العطرة أتلمسها برفق أخفف بها وطأة الوجد.

وأنت بعيدة، تسامرين رمال البحر وتكتبين اسمي خطأ على الماء، أعرف أنني لم أكن سوى موجة صغيرة في بحرك الغارق، وأنا العاشق لعواصفك الهوجاء، أحلم بالركوب على قاربي الخشبي والموت في أعماقك.

 

كاتب مغربي

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.