الرئيسية | شعر | على السادس من شباط أن يمر بسرعة.. | ليالي درويش

على السادس من شباط أن يمر بسرعة.. | ليالي درويش

لي درويش (فلسطين):

 

 

اليوم عيد ميلادك، كيف يبدو المكان عندك؟ أخاف دائماً أن يكون مظلماً، ربما لأنني مادية وأعتقد أن النور هو نور الكهرباء فقط، ولكن على أية حال لا أعتقد أن هناك مكاناً أكثر ظلمة من المكان الذي نحن فيه الأن بدونك. لدينا مصابيح كثيرة وشموع بروائح مختلفة، والشوارع أيضاً تعمل الحكومة دوماً على زيادة أعمدة الإنارة فيها، ولكن المكان مظلمٌ وبارد، وكلما إزدات الإنارة كلما أدركنا حجم العتمة التي نعيش فيها. نعم نحن متطورون بحيث يمكننا أن نطور الانارة جيداً لنرى عتمتنا جيداً ولكننا مهما فعلنا لا نغلب العتمة. إنها تأكلنا هنا، هل قلت هنا؟ فصلتك عنا وهذا غير مناسب أبداً لعيد ميلاد نجتمع فيه حول كعكة الشوكولاتة التي تحبها.

لماذا فقدت الأشياء بساطتها؟ لماذا أمنيات أعياد الميلاد لم تعد مباشرة وبسيطة، ربما لأن الأمنيات تحولت إلى وجع والوجع بطبيعته كائنٌ معقد، فأنت لا تعرف كيف تصفه -وهذا وجعٌ إضافي- ولكنك تعرف أنه المسافة الثقيلة الفاصلة بين ما نتمناه وما نحصل عليه، أو بين ما كنّا نتوقع حدوثه وبين ما حدث أصلاً. نحن لم نتمنى المزيد من الأيام معك لأننا ظننا أننا نملكها، عندها كانت المسافة صفراً على مقياس الوجع، وكنا نتوقع اليوم أن تتم عامك الثاني والعشرين وتأكل الكثير من الشوكولاتة وعند سؤالنا لك عن أمنيتك كانت ستكون بسيطة جداً لها صوتٌ يضحك وفمٌ مليءٌ بالشوكولاتة يقول: أتمنى أن يكون كل يوم هو عيد ميلادي حتى أكل كل يوم الكثير من الشوكولاتة.

كنّا سنوبخك ونخبرك بأنك محظوظٌ بعدم زيادة وزنك ولكن هذا لا يعني انه مسموح لك بالكثير من السكر لانه مضر بالصحة. نعم مضرٌ بصحتك التي نتسأل الان كيف تبدو، والصحة بعد الموت موضوع مهم يستدعي معه جميع الأسئلة الوجودية: أين أنت تحديداً؟ من معك؟ هل أنت وحيد؟ كيف هو الوقت بعد الموت وكيف هي أعياد الميلاد هناك؟ وحدها الاجابات كانت لتمنحنا الراحة، الإجابة عن حال صحتك الان وعن وقتك كيف تقضيه، ستمنحنا الراحة، هذه أمنية عيد ميلادك المعقدة المستحيلة، أرأيت كيف أصبح كل شيء معقداً جداً!

لا أستطيع أن أتذكر ما الذي كان يحزننا من قبل؟ هل تتذكر؟ كيف كانت الأخبار السيئة تبدو؟ هل أنا مصابة بفقدان الذاكرة أم أن كل شيء يبدو تافهاً وغير جدير بالتذكر، ربما لا أعلم، ولكني أتمنى أن نحزن من جديد معاً وأن نسمع الكثير من الأخبار السيئة معاً وان نبكي وان تواسيني وتخبرني ان كل شيء سيكون على ما يرام. أو أن توبخني لأنني أقضي وقتاً طويلاً في البكاء. البكاء بعدك أمرٌ طويل ومختلف أنت لا تعرفه. كان علينا أن نتدرب على الموت معاً ولكننا لم نفعل، أغفلناه فغافلنا. تجاهلناه فضربنا بقسوة.

الإفراط في أمنيات أعياد الميلاد أمرٌ مضحك، كأن تقول: عقبال الـ ١٢٠، لا أحد يريد أن يعيش ١٢٠ عاماً! أو ان تقول: العمر كله بالصحة والسعادة، هذه تبدو حزينة الان، وعليك أن تقرأها ببطأ حتى تفهمها جيداً: “العمر..كله..بصحة..وسعادة” من الذي اخترع أمنيات أعياد الميلاد؟ لقد نسي أن يبهرج لنا الموت ولم يعلمنا ماذا نقول في عيد ميلاد من ماتوا وماذا نتمنى لهم! ونحن نخرج من هذا المأزق بشكل أناني خالص ونتمنى لنا قسطاً من الراحة وإجابة وجودية واحدة والكثير من الذاكرة الضعيفة وكتفٌ يحمل القلب عندما يثقله الموت..

كم هو ثقيلٌ هذا الموت وكم هو طويل!

عيد ميلاد سعيد حبيبي ساجي وكما نقول دائماً: لا تأكل الكثير من السكر.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.