الرئيسية | ترجمة | عزيزى هذه ليست رسالة غرام ! | دينغ لينغ | ترجمة عن الصينية : ميرا أحمد

عزيزى هذه ليست رسالة غرام ! | دينغ لينغ | ترجمة عن الصينية : ميرا أحمد

دينغ لينغ | ترجمة عن الصينية : ميرا أحمد

 

استبد بى الشوق، اشتد وجيب القلب، ما فارق طيفك عقلى طيلة الأيام الماضية.. شعرت أنك ستأتى اليوم وتستلم رسالتى، لكن دقت عقارب الساعة الخامسة والنصف ولم تأت بعد، فعصف اليأس بآمالى، تملكتنى خيبة الأمل.

ينبغى أن أعترف لك أنى تغيرت وصرت امرأة أخرى.. نعم، لا زلت أرغب فى أن أتحدث إليك، وأخبرك بكل شىء، لا زلت أنت الصديق الوحيد الذى أقف على أعتابه وألجأ إليه فى كل وقت، حتمًا سيهنأ قلبك بهذه الكلمات، وقلبى على يقين أنك لن تتخلى عنى يومًا، فصدقاتنا ليست صداقة عابرة، شعور كل منا بالآخر وفهمنا بما يضج فى نفوسنا، قد تخطى حدود الكلمات، تجاوز حدود البشر منذ زمن طويل.. أتدرى؟ لن أخبرك شيئًا، فأنت تعلم ما يعتمل فى صدرى.. نعم، أنت تشعر بى. من المؤكد أنك الآن سعيد لأنى قد تغيرت، نجحت فى أن أتغير للأفضل بعض الشىء.. ربما تحسب أن قلبى قد تحجر وعواطفى قد بردت نحوك، أو ربما لن تقدر على بث أحزان قلبك الكسير لى، لذلك لا تجرؤ على الحديث معى فى أية شىء، ودائمًا ما تحاول أن تلوذ بنفسك وتهرب بعيدًا.

أنت تأمل فى أن تحكى لى يومًا عما تحمله فى ثنايا قلبك، وأنا أيضًا أحيا على هذا الأمل، لنتحدث عن كل شىء، فأنت تتوق أكثر إلى سماع رأيى.. على أية حال أنا أخط إليك هنا ما أردت البوح به عنى وعنك. لكنى أتطلع بشوق إلى ردك المفعم بالكلمات على رسالتى.. أتطلع بمنتهى الشوق.
أنا أعلم أن بعض الأشخاص حينما يتحدثون عنى سرًا، لا يسعهم إلا أن تنطوى أحاديثهم على انتقادات حادة؛ بالطبع فهم يرون دينغ لينغ امرأة حالمة، تسبح فى سماء الحب (هذا يعتبر إدانة للمرأة).. امرأة تستغل مشاعر الآخرين، يغلف الجليد قلبها، قلب لا يعرف مشاعر الحب الصادق.. امرأة تلهث خلف قصص العشق والهوى من أجل التسلية وقتل الملل، (من المؤكد أنهم لا يحومون حول معنى سىء أو شىء مشين)… لكن دعنى أقولها لك من أعماق قلبى، أنا يا طالما كنت ألهث وراء رجل، أشعل نيران العشق التى لا تشبع فى قلبى الظمآن.. عشق رجل دفعنى لتحقيق رغبات مجنونة قد توارت فى حنايا الفؤاد وجنبات العقل منذ زمن طويل (لا تخش، رغبات مجنونة لكنها محسوبة)، قد سبحت بخيالى طويلًا ونسجت كثير من الأحلام الوردية، وعلقت أمالًا عريضة وأمنيات حلوة.. أتدرى، كم تألمت طوال هذه السنوات! كم تذوقت روحى طعم الحرمان!
وجدت فى الأحلام ما يكفينى من الصبر والسلوان، لكنها فى ذات الوقت كانت أحلام قاسية، تتدفق على إثرها الدماء الحارة فى العروق، تولد نزعة من الغضب الأسود، كل ما كنت أرغب به وقتها هو أن أقفز عاليًا فى الهواء، وأحطم الأشياء من حولى.. أنا أتحدث إليك بمنتهى الصدق.. الآن ينبغى أن أخبرك بكل شىء.. الآن أستطيع أن أطلعك على سر كبير، قبرته سنوات طوال فى أعماقى، كم تمنيت أن أبوح لك به! لكنى عجزت أن أفعل شيئًا. هل تدرى من هو هذا الرجل الذى ركض قلبى خلفه؟ نعم، هذا الرجل هو أنت! ذلك الرجل الذى يدعى (…) هو أنت! ربما لا تصدقنى وتحسبنى أكتب تُرهات، لكن سأوضح لك الأمر ثانية، وأعزز حديثى بشىء من المنطق، قد وقع البعض فى حبى، لكن أنا لم أفعلها، قد سبق واتهمنى بينغ زى بأنى امرأة من جليد، هذه حقيقة ولا أجادلك فى هذا الأمر.

أعترف أنى لم أكن أحترم مشاعر الآخرين، فقد كان هناك كثير من الموضوعات التى يمكن أن نتحدث بشأنها، لكننا لم نكن نتحدث سوى عنى أنا و يه بين، لا أنكر أنى قد أحببته، لكن حينها كنا صغارًا، مثل سائر الصغار التى تظن الحب لعبة لهو وتسلية، فوقعنا فى المتاعب، فى الوقت ذاته تذوقنا طعم السعادة ونحن نلهو بلعبة الحب معًا. لم نبالِ بأحدٍ ولم نخش شيئًا، فى النهار تتشابك أيادينا ونحن نقضيان أوقاتنا، وفى الليل تتعانق أيدينا ونحن غافيان.. ارتفعت أصواتنا وتعالت ضحكاتنا، عشنا فى عالم أخر.. عالم روحى جدًا، لم تشغلنا الدنيا ولا أحوالها، كنا نحيا فى نشوة كأطفال الأساطير الخرافية.. وبعد مضى أكثر من ستة أشهر، هبطنا من مدينة الأحلام إلى أرض الواقع، واستفقنا على الحقيقة.. حقيقة أننا رجل وامرأة، حتى أن البعض كان يظن أننا زوجان، فلم نكن نملك إلا أن نضحك سخريًة.. لكن الحقيقة أننا وقعنا وقتها فى شرك الحب، حتى قابلتك، فتيقنت أننى لن أستطيع أن أترك يه بين، فكيف أنسى سنوات البراءة النقية! مع مضى الأيام، ابتعدت عنك وافترقنا، وفضلت أن أغلقت روحى على عذابتها، فعلتها من أجل سنوات الطهر والبراءة.. فعلتها من أجل يه بين وحبه الكبير.. كم هو مخيف حب الرجال!

كبرت عاطفتى نحوه مع مضى الأيام،
لكن الآن أستطيع أن أقول لك، أن حبنا كان أمرًا طبيعيًا وجاء فى غمضة عين، شعرت فى حبه بالأمان، لم أرسم أحلامًا أو أعلق أمنياتً، لم أكابد لوعات الحب، لم أقاسِ عذابات الفراق… لكن أنت الرجل الذى طالما بحثت عنه، كنت على أتم الاستعداد أن أخسر كل شىء وتقولها لى… “أنا أحبك!” لا تدرى كيف كانت حياتى فى هذه السنوات، قد أصبت بمس من الجنون، هل تصدق أنى لم أكن أضيع لحظة واحدة دون أن أمتع عينى برؤياك، لم أفوت فرصة دون أن تصافح يدى يدك، أطبع بها قبلتى… الآن لم أعد أرغب فى أن أخدع نفسى وأخفى الحقيقة أكثر من ذلك.. حلمت أن نذهب معًا إلى شنغهاى، أرخيت العنان لفكرى فوجدت نفسى معك فى اليابان، عشت وحدى أغزل الخيالات والأحلام… إذا لم يكن يه بين معى، لتركت العالم وذهبت معك!

إذا كنت رجلًا أخرًا مثل يه بين، لنجحت فى إقناعى وربما كنت سأذهب معك. لماذا لم تغمرنى بحبك فى ذلك الوقت؟ لماذا لم ترغب فى أن تظفر بقلبى؟ كل ما فعلته تركتنى ومضيت! وتقابلنا ثانيًة فى شنغهاى، حينها تأكدت أن أحلامى فى سماء بعيدة، ولن تتحقق يومًا، شعرت أنه لا مفر فى أن أبقى مع يه بين، وأنك لست ذلك المغوار الذى سيهرب بى، لكن نيران عشقك ما خبت يومًا داخلى، حتى عندما غادرت هانغتشو، هل تتذكر وقتها كيف كنت دائمًا أسير على دربك وأنتهج مواقفك، مواقف تجعل من يتعامل معك يثق بك ثقة عمياء.. كم من مرات كنت بها معك على سجيتى.. كم من مرات امتثلت إلى أوامرك وأطعتك، وأنا التى لم تفعلها من قبل! ورغم كل هذا تركتنى ومضيت! على الرغم من المسافات بيننا، إلا إن قلبى ظل ينبض بحبك… فى صباح كل يوم مع تغريد الطيور يزورنى طيفك، فأرى الدنيا حلوة فى عينى، فى كل مرة أحرق بها رسائلك حتى لا يراها يه بين، كان قلبى يمتلأ بك، ما زلت أرتوى من ماء عشقك، وما ألبث أن أفكر فى أن هناك شخصًا فى هذا العالم أحبه ويحبنى، وعلى الرغم من أننا لا نلتقى، إلا أن روحى دائمًا تهفو إليه، فأقدم على الحياة ببأس وقوة، أجد الدافع لتمضى الحياة.. لكن فى الوقت ذاته تألمت كثيرًا، أعلم أن كلماتى تحمل من التناقض ما تحمله… فأنا دائمًا أشتاق إليك.. دائمًا أشعر أن ثمة شىء ينقصنى.. حينما كان يقبلنى يه بين، كنت أحلم أن تضمنى أنت وتقبلنى.

يا طالما تمنيت أن أغط فى النوم وأنا بين ذراعيك، تضع يدك برفق على قلبى الخافق. اعتدت فى الليالى المقمرة، أن أذهب وأتمشى وسط الأشجار الكثيفة، أستند برأسى إلى حجر كبير ومن وسط أوراق الأشجار أتطلع إلى النجوم المضيئة، فيركض قلبى بعيدًا، حيث الفضاء الواسع، فقط أنا وطيفك هناك.. “أه! ألن أراك ثانية؟ أنا أرغب فى رؤيتك، دقيقة واحدة تكفينى”، دائمًا ما تجتاحنى هذه الفكرة. أه! عزيزى (…) لماذا لا تأتى ولو مرة واحدة! أنت تحبنى فلا تخذلنى هذه المرة وتهرب منى ثانية، لكن دائمًا ما كانت تنتقصك شجاعة المحب وحماسة العاشق، ولم تأتِ وتلبى نداء القلب، لم تكن بجانبى حينما كنت بحاجة إليك، جئت بعد فوات الأوان.. وقتها لم أكن أرغب فى رؤياك، كان كل ما منحته لك ذكرى أليمة من ذكريات الزمن الغابر، منذ وقتها والحواجز تكبر بيننا… انفطر قلبك، ورغبت فى محو صورتى من قلبك الجريح، ذهبت وارتبطت بفتاة أخرى. أما أنا… فلم أتغير، لم تتزعزع ثقتى بك يومًا، وها أنا ما زلت أشتاق إليك، كم من مرات رغبت فقط أن أكتب إليك! كم من مرات تمنيت فقط رؤياك! لكن طوال هذه السنوات وأنا أتحلى بالصبر الجميل.
دائمًا ما كنت أشعر أنى لا زلت فى قلبك، أما أنا سأظل أحبك حتى الموت، سأظل ألجأ إليك فى كل وقت..حينما أفكر فى حبك، أتيقن أنك تستشعر معاناتى، فتنتعش روحى وأرغب فى أن أحقق مزيد من النجاحات، حينها أشعر أننى لست وحيدة فى هذا العالم، فتملأنى الحماسة لأصبح امرأة ذات شأن.. هذه الكلمات قلتها لك، ومن قبل تحدثت بها إلى تشاو و ناى تشاو، أنت لم تكترث وهم لم يتفهموا، لكن بالفعل هذه هى الحياة التى عشتها خلال هذه السنوات، فقط بنغ زى هو الشخص الوحيد الذى يعلم أنى أصدق القول، فقد كشفت له عن كل ما يختلج فى صدرى، وعريت أمامه روحى المتشققة بالمعاناة.. أخبرته أنك قد تسببت لى فى حرجًا لن أنساه ما حييت. بعد ذلك تقابلنا صدفة، كنا دائمًا نلتقى.. سنلتقى إلى الأبد.. وقتها لم تعيرنى اهتمامًا، فى كل مرة نتقابل بها كنت تضع حجرًا ثقيلًا على قلبى، فأعيش أيام فى قلق وحيرة، لم تكن مأساتى فقط عندما ألقاك، فى كل مرة كنت أخرج بصحبة يه بين ويرغب فى لقائك، كان يبدو على الارتباك الشديد وأنا أقف أمامك. كنت أخشى أنا أسبب الازعاج لك أو إليه، أخشى لكونى امرآة أن أعوق نجاح الآخرين باسم الحب، ما زلت أرغب فى أن أتحمل وحدى العذاب، لذلك لم يلحظ أحد على شيئًا فى تلك الفترة.. حتى قبل الأيام القليلة الماضية، رأيتك فى شمال سيتشوان، ركضت من خلفى بزهوٍ حتى صرت أمامى، تجاهلتنى كأنى امرآة لا تعرفها، شخص ضئيل لا يستحق أن تلتفت إليه، فانتفض قلبى من بين ضلوعه وركض خلفك، تأذت مشاعرى وتألمت روحى بسبب تجاهلك لى.. أنا أكرهك.. أكرهك بشدة.. دائمًا أفكر غاضبة: “أه! هل تظن أنى لازلت أحبك؟” لم يشغلنى يومًا عدم تقديرك لى، فى كل مرة لايسعنى إلا أن ألتمس لك الأعذار وأغفر خطاياك… كل ما أرجوه الآن أن ألقاك ثانية على الطريق، لأطمئن على أحوالك، أتدرى؟ اعتدت أن أركض حيثما تسكن أنت!
لا أعلم لماذا لم تكن تشعر بوجودى.. فى الواقع إذا ما انتويت الرحيل، حينها كنت سأراك مرارًا، فتزداد جراح القلب، اضطر إلى البوح بمكنون الفؤاد.. وأتمنى وقتها أن لا تستمع إلى كامرآة ذبل قلبها من حب بلا أمل، ولا تحسب أنك سبب بؤسى وشقائى.. لا أعرف حينها كيف كنت سأطلعك على أحلامى الجديدة…هذه هى حياتى فى الماضى.. هذه هى الحياة التى تجرعتها قبل أن أكتب لك هذه الرسالة.
الآن قد تغيرت قليلًا، لأنى أراك لا تبالى بالأمر، عزمت أن لا يقودنى الحب لأكون امرأة محطمة بائسة، فلينعم كل منا بحياة هادئة، نعمل فى صفو و راحة بال، ونترك الأحاديث الفارغة جانبًا.
عزمت أن أكتب لك رسالة طويلة، لكن بعد أن قابلتك اليوم، تشوشت الأفكار فى عقلى، واستعصت الكلمات أن تنساب من بين يدى. ربما لأن هناك كلمات لا ينبغى أن تتحرر من محبسها، لا ينبغى لك أن تقرأها.. أنا حقًا امرآة لا طائل منها، أتمنى لو تفعلها أنت، فأنت رجل قوى، ربما لو فعلتها سأشعر بالخجل من نفسى ويعتصر الألم قلبى، وربما لا أبالى بشىء، وأتعلم كيف أكون امرآة صالحة. أرجوك بث من شجاعتك المعهودة فى روحى الممزقة.. ساعدنى لأن قلبى يعصانى و لا يكف عن حبك.. أنا أعيش هذه الأيام فى حيرة كبيرة. على كل حال، أتمنى لك السعادة يا صديقى العزيز.. يا صديقى للأبد!
21/08/1931

أمسكت بزمام قلبى طيلة يومين، وفى النهاية لازالت الرغبة تحثنى لأكتب إليك، فاستسلمت إليها لكنى لم أكمل الرسالة، فقط أردت أن أخبرك أنى قد تغيرت، إذا أسعدك هذا التغيير، إياك أن تحسب أنى قد تغيرت نحوك وترسو الأحزان فى قلبك، فتبتعد عنى وتجافينى. كل ما فى الأمر أن أمورًا كثيرة عصفت بكيانى! أرجوك ساعدنى، لأكون امرآة صالحة. كم أتمنى أن تأتى اليوم!

31/08/1931 فى صباح

فى الليل الطويل، دائمًا يجافى النوم عيون المرء؛ يستفيق من وسط الأحلام، يستفيق ويبقى كأنه يعيش الحلم، يشعر بخدر لذيذ يجعله سعيدًا منتشيًا.. لا أعلم كم من الأشياء التى تتأجج داخلى، فقط أتمنى لو أستطيع أن أحكى عن بعض مما أحمله وحدى.. فقط أرغب فى أن أضحك بصوت عال.. أرغب فى أن أفعل شيئًا يحمل من البراءة والطهر، أو ربما شيئًا مجنونًا طائشًا، لا… أنا لا أتوق إلى هذه الأشياء، كل ما تصبو إليه نفسى أن أغرق فى بحور التفكير وأجوب دنيا الأحلام، لأن هناك أرى طيفك وأسمع صوتك، وتتعانق قلوبنا الزاخرة بالحب الكبير، فقط وحدنا من يعرف مقدار حبنا.. حب عفيف يعلو فوق كل الصغائر! أتطلع إلى الحائط أمامى فأراه يرتسم ببياض ناصع، وأرفع طرفى إلى السماء فأجدها تتلون بزرقة صافية، أمد بصرى إلى الأفق البعيد فأجده مليئًا بغبار كثيف، لكن بفضلك أنت، وبسبب حبنا السامى أحببت هذه الأشياء! أشعر أن الطقس جميلًا اليوم، وأفضل من الأمس، كأنه يوم من أيام شهر مارس عليل النسيم.

فقط أتمنى أن أعانى ثانية وأنا بجوارك، أسير بجانبك دون تعب، أتحدث إليك دون ملل، مثل ما كنا نفعل فى الماضى، لكن هل هذا سيضعك فى موقف حرج (حبى لك).. نحن الآن صديقان فقط، هل تذكر أننا لم نكن نصرح بمثل هذه الكلمة فى الماضى، فقد كانت علاقتنا طبيعية تحمل من مشاعر الود والألفة بين أى صديقين، فلم تكن تتجاهلنى فى يوم، أو نتعامل بشىء من التحفظ.. على ما يبدو أنى أسهبت فى الحديث، لكن كان ينبغى أن أخط لك هذه السطور، فقد اعتدت على الصبر، وما أجمل ما يجنيه المرء بعد الصبر الطويل!

لكن أنت ما فارقت قلبى لحظة واحدة، فى كل مرة أتحدث إليك، كانت تفيض روحى محبة وأتشبث بالحياة أكثر، أفكر فقط كيف أكون امرآة فاضلة.. حينما كنت أمقت نفسى أو يستولى على اليأس، فقط لأنك كنت تأتى، أشعر أن كل ما عشت به مجرد تفاهات وسرعان ما تتوارى خلف ستائر العزيمة والإرادة.. ما زلت إلى الآن أمسك بزمام حالى، لم تعد لدى مثل هذه الأفكار القاتمة، هذا بفضل شجاعتك التى تبثها داخل روحى. (…) لا أحد سواك.. لا شىء سوى الأمل الذى كنت تمنحنى إياه.. الأمل الذى علقته على خططى المستقبلية.. خطط لأسير على الدرب القويم فى الحياة. طيلة هذه السنوات وأنت سندى الكبير، لا يمكننى أن أنكر مثل هذه حقائق.. ها أنا قد كشفت عنها مؤخرًا!

طيلة هذه السنوات وأنا أحاول أن اكون امرآة عاقلة تكبح جماح عواطفها، لكنى لا أزال حتى الآن أرغب بك، ما زلت أنسج الأحلام وأجوب واحة الخيال… رأيت بخيالى صورة حياتنا معًا. توهمت أننا نتحلق حول الطاولة ونكتب مقالًا، ونجلس على المقعد ونقرأ كتابًا، نتجاذب الحديث عن عملنا.. حياة أكثر بساطة وسلاسة عن حياة الآخرين.. حياة مفعمة بالصدق. سيشعل بنا الحب لهيب الحماسة والنشاط، سيلهمنا الحب لنعمل بجد واجتهاد، سنشق دروب الحياة دون هوادة أو راحة. حتى أصغر الأماكن قد رأيتها بعين خيالى، سبحت بخيالى الحالم ورأيتك قد غسلت شعر رأسك (فقد رأيته عدة مرات غير مغتسلًا) تصورتك وأنت صافى الذهن ورائق الفكر، وتكن أطيب المشاعر لزملائك وأصدقائك، سيتعذر على الآخرين تفهم بعض الجوانب فى شخصيتك.. وحدى أنا من يستطيع أن يتفهمها.

أما أنا فحتمًا سأكون امرأة دؤوبة، لا تكل ولا تمل، لأنك تحبنى هكذا.. امرأة ناضجة ذات عقل راجح، لأنك تهوى أن ترانى هكذا.. سأسعى لأصبح أفضل امرأة بين نساء الكون، لا أغض الطرف حتى عن الأشياء الصغيرة.. امرأة اجتمعت بها أحب الأشياء إلى نفسك. لا أقول أنى سأعيش حياة هنية من أجل رجل، لكن ينبغى أن أعيش هذه الحياة لأنك معى، وأنت معى أستطيع أن أكون أفضل، أنا على يقين أنى سأكون شخص أفضل.. من المؤكد أن ما من مرء لا يرجو مثل هذه الحياة، لكنها فى النهاية هى مجرد أحلام.. أحلام حلوة.. لا أعلم لماذا لا يجتمع شملنا حتى الآن، لماذا لا نسير على درب الحياة معًا مثل الآخرين.. أعلم أن هذا كل ما يتردد داخلك، ها قد صرخت به أنا!

سأظل أقولها لك إلى الأبد، أتمنى لو أجد مكانًا صغيرًا لى فى قلبك.. نعم، سيكون هذا أفضل بكثير، لكنى أعلم أنك لن تستطيع أن تفعلها، من المؤكد أنه لديك الكثير من المسئوليات، وأنا لا أجرؤ على إحراجك مرة أخرى.. أرغمت نفسى على الجلوس على مقعدى الأثير، لأكتب لك هذه الرسالة، فكما تعلم أنا أزعم أنى أجيد الكتابة.. ربما تدخل رسالتى السرور على قلبك، لكنى عجزت عن إتمامها، فركض قلبى إلى البعيد البعيد، فوق الغيمات البيضاء المتزاحمة فى السماء، هناك نتعانق عناقًا سخيًا، نسبح فوق السحابات الفضية غبطة وفرحة.. لا أخفى عليك، لا زال لدى الكثير من الكلمات تضج بها الروح أرغب أن أرويها على مسامعك.. مازال يئن الفؤاد بحديث طويل، أطمح أن أصرح لك به، لكنى لم أرغب فى أن أسترسل فى الكتابة. سأنتظر ذلك اليوم الذى تأتى به، أستلقى بجوارك ساعات طوال، حينما تضمنى إليك، سنروى ثانية حكاية حبنا بشغف كبير، ستتعرى أسرار أرواحنا المعذبة.. ما من قوة فى هذا العالم ستخمد حبنا الكبير.. لن تخبو نيران العشق فى قلوبنا..

أريد أن أقولها لك، “أنا أحبك”.. كم أتمنى أن تحبنى!
صديقتك “ديفا آيرس”
5/1/1932
هذه ليست رسالة غرام! عزيزى،

نشرت للمرة الأولى فى 1/9/1933

كتبت دينغ لينغ هذه الرسالة بعد وفاة زوجها يه بين بعامين، تكشف بها عن حبها لرفيق كفاحها فنغ شويه فنغ، سنوات المعاناة التى عاشتها، وهى ترسم على شفتيها الابتسامة وقلبها يدمى.. تناضل بشراسة من أجل الحقوق، روحها تتمزق من الألم.. عاشت سنوات طوال بين صراع العقل والقلب.. بين نداء القلب وصرخة القلب.. لم تتخلٍ عن يه بين وفضلت أن لاتتركه عن أن تلبى نداء الحب الذى باغتها.. لفت نفسها على عذاباتها وجراح قلبها الحزين سنوات طوال.. فى النهاية غلبها ضجيج الحب، كشفت عن سرها الدفين لرجل حياتها، فقط لتخبره أن حبه سيظل نابضًا حيًا مدى الحياة..

 

دينغ لينغ

(1904- 1986) اسمها الحقيقى جيانغ واى، كتبت تحت عدة أسماء مستعارة مثل: بين تشى، سونغ شوان وغيرها. درست الأدب الصينى فى جامعة شنغهاى، ناشطة اجتماعية، انضمت إلى الحزب الشيوعى الصينى فى عام 1932. أضفت دماء جديدة إلى الحركة الأدبية فى الصين، قدمت اسهامات عظيمة فى تاريخ الأدب الصينى الحديث. من أهم أعمالها: “الشمس تشرق على نهر سانغ جان”، “يوميات الأنسة صوفيا”، “فتاة اسمها أ ماو”، “أنا فى قرية شيا”، “العطلة الصيفية”،”عزيزى هذه ليست رسالة غرام”، “ذات ليلة”.. استطاعت دينغ لينغ أن تتخطى حدود العصر الذى عاشت به، نجحت فى الخروج من وصف المعرفة، العالم الضيق المفعم بالآلام الإنسانية، معاناة المرأة، وبدأت تصف نضال وكفاحات المجتمع الثورى، جسدت الأنشطة والأهداف الثورية للحزب الشيوعى الصينى. صُنفت ضمن كتاب أدب الثورة. حصلت على جائزة ستالين الأدبية (وهى أرفع جائزة كانت تُمنح فى الاتحاد السوفيتى) فى عام1952 عن رواية “الشمس تشرق على نهر سانغ جان”، وترجمت أعمالها إلى العديد من اللغات.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.