الرئيسية | فكر ونقد | صور مُسَلّية.. لكنها قَاتلة | لبروزيين عبيد

صور مُسَلّية.. لكنها قَاتلة | لبروزيين عبيد

لبروزيين عبيد

 

الصُّور مسلية، لكنها قاتلة، قد يبدو عنوان المقال مثيرا، لذلك سأنطلق في البداية من جرائم بعض للصّور، وهنا أحيل القارئ إلى جريدة هسبريس الإلكترونية، وبالضبط إلى مقال بعنوان “طفل مغربي ينتحر شنقا بسبب مسلسل تركي”، والمقصود مسلسل تركي بعنوان “خلود”.

الصورة الأطفاليقال إن صورة واحدة تعادل ألف كلمة، ولم أكن أخالها يوما أنها تعادل حياة بريئة، وقد تأكد لي ذلك بعد ما ذكرته من جريمة لصور المسلسل التركي، ولا بأس أن أعطي نموذجا آخر لتأثير الصور على الأطفال والمراهقين، إذ أثار المسلسل المصري “الأسطورة” لغَطا كبيرا، حيث بلغ تأثيره في الإنسان المصري البسيط، مبلغا كبيرا لا يمكن غض الطرف عنه، فقد اقتدى الشباب به في جمهورية مصر العربية، اقتفوا، عن قصد أو غير قصد، حلاقة البطل، واتبعوا سلوكه في الحياة، ووضعوا صورة الرفاعي (بطل المسلسل) في بعض الألبسة، الصور إذن، وبهذا المعنى مسلية، لكنها قاتلة أيضا.

الصور المسلية قاتلة ومتوحشة، فقد استطاعت في ظرف وجيز أن تغير أنماط العيش، وتوغلت في الفكر الجمعي للمجتمعات، ونسفت أنظمة من العادات والتقاليد، واستنبتت ثقافات هجينة، لا هي متمسكة بعراقة الإنسان في علاقته ببيئته، ولا هي تبنت الثقافة الجديدة بإيجابياتها وسلبياتها، وهو ما أدى إلى مرض جماعي، يعرف في علم النفس بانفصام الشخصية.

وأمام هذا الوضع القائم، نحن اليوم نعيش مفارقة غريبة، البحث الأكاديمي ما زال لم يستيقظ من دراسة المعلقات، وبعض الظواهر السوسيولوجية المبتذلة، وممسوخة أحيانا بسبب رداءة الترجمة، وتاريخ يحصي عدد القتلى والجرحى والحروب، ولا يستطيع المثقف العربي اليوم، أن يتجرأ على الصورة، تحليلا ودراسة، لأنها شيء ثانوي، لا يستحق عناء القراءة، أو لأنه لا يملك آليات قراءته، فكيف يمكننا أن نتعامل مع هذا الكم الهائل من الصور التي تحاصرنا؟؟

مسايرة العصر ليس في اللباس والماكياج واقتناء أنواع السيارات الفاخرة، وإنما بالاهتمام ببناء الإنسان، ولن نحتاج عصا سليمان لنفصل بيننا وبين الغرب، لأن الخطر تسلل عبر الأثير، فيما يشبه الموت الرحيم، تسلل إلى غرف الجلوس والنوم، وبالتالي أضحت مقاومته بالمقاطعة ضربا من الجنون.

الإنسان العربي إنسان مؤسلب، فقد في عصر الصورة هويته وتاريخه وثقافته، هو ضحية الصور المسلية القاتلة المتوحشة، لتقترف في حق العرب جريمتان، الأولى في حق الإنسان المواطن، والثانية في حق الهوية والثقافة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.