الرئيسية | شعر | شهقات الحافة
يوسف الأزرق

شهقات الحافة

 

يوسف الأزرق

 
-1-
لا زالت الغيمة النحيلة نائمة
على سرير الضوء المشبع بالأصوات الراقصة
سأخرج لرؤية المطر القديس
الذي يمحو خطايا العابرين
و يردم الأصوات الثملة المرمية
على كتف الليل
وسأجلس في مقهى البراكين
لأتفرّج على الظل الهائل
صاحب الأجنحة الحديدية
” الابن الشرعي لقصيدة النثر ”
و هو يلاحق نوارس السماء المبجّلة
و سأتخلّص من بعضي الرمادي
حتى أكون مستعدا للذوبان في زفير الشفاه
هكذا فقط
ستتجاوزني قطعان القُبح
و طوابير الجرارات الحاقدة

بفرشاتي الطويلة سأرمي البحر في القماش
وأسجن قمري النزق
سأعلق جسدي المحروم في جدار الكلام
لأتوغّل عميقا…عميقا في شرايين الذاكرة المنتظرة
و أقتنص شهقة صغيرة معتقَلة برحم الزمن
فالمركب الأخير في الميناء
ينتظرني لأسافر من جديد
و لأرافق جرح الريح لجزيرة النور الأخضر

-2-
يا شبيهي الراقد و العالق في أسلاك عمود مغترب
لا تلمس الجرح بأصابعك التي بترتها سكاكين الليل
فالظل الممدّد على رصيف اللغة يرمقنا بحذر
لا تختلط بزحام النشيد من دون أن تخلع عنك البراءة..
الوحوش تنهش أثر قصائدنا الحمراء
والنساء تتربص بآخر غريب يلج المدينة
والمدية في يدك تتوعّد بالشاعر المفلس
لا مجال للندم يا شبيهي
كل ما اقترفتُه في حقي
صدى لروحي الناقمة على الأوطان الشرسة
و كل ما روّضناه من شغف و ضياء
يخوننا ليرتمي في حضن العاصفة
العزلة ملاذنا المتوحد و بئرنا العميقة
حيث تتخدّر عروقنا الناشفة بإبر متعفنة
حيث نستمع بصفاء لآهات الفجر الأولى
يا شبيهي لا تتوقف عن قتلي آلاف المرات
ولا تتوقّف عن طعن نظراتي
حتى يتجدّد موتي
وتغتالني شموس الإشراقات
للعري الملطخ بدم الشهب الصاخبة,أهَب خيوط وحشة السراب.وللمخلوع من جسدي أصرخ:لا تتمادى أيها الطوفان في هبوبك القاتم فالأشياء كما الألوان جسور ارتعاشة و شفق غاضب و حنين مستمر لوردة غادرت حديقتها المسوّرة بعطور مزيفة،والجدران التي تتزاحم لامتصاص الحريق تستحيل شباكا مثقوبة تمتص ألمنا اللذيذ.
……………………………………
العزلة ماء الشعر
والبحر الراسخ في قلبي
أنشودة الصقيع المحموم

-3-
الموسيقى المنكمشة بين تلافيف الورقة الميتة
تحمل رجع الحاضر و شهيق الشجيرات المخنوقة
يا أنين الحيطان المتواري في كأس مثقل بالخسارات
تمدّد في جسد الكلام و جرب لسعات الخيانات المتورمة
فالصدى سئم صوته المجروح
و ضفيرة الموجة تسحبها عربات التمرئيات
لكنك أيها الوجع الصديق ستظل آية الانكسار
و وهما راسخا في رحم النهايات
فاقتلع من نافذة اللغة كتبك المزيّفة
و اسقط في وحدة المصباح الشاحب
كي تتناسل خيباتك الجديدة
شباكك تعشق الغرق و تكره غرور الصيادين
شباكك تغريها أظافر المرأة البحرية
لكن حكمة التدفق تسحبك بأياديها لكهف القلق
حتى تولد قصيدة بحجم العزلة
لا بد لك أن تفقد قطعة من عمرك المنخور بديدان الفجيعة

-4-
بين المقهى والبحر أجمع عطورا شريدة
أرشها على نسيم عابر لما وراء الغروب
في نفس المكان الذي سقطت فيه صرخة
و تهاوت على ضلعه رعشة
أتمدّد بكامل حواسي الهائجة
لأعيد للنمل الثوري المتوجه لساحة الخوف
قصائده الغاضبة التي نسختُها
و وزّعتها على زبائن الغيم
ذات غضب رمادي
لا الريح تفهمني
ولا الألوان تحتويني
ولا الرمال تتحمّل ثقل خطواتي
سأكتفي بارتشاف ماء الظل
منتظرا أن يلمحني الضوء الأعمى
لأتفتّت في شاهدة الزلزال الصديق
المكان،في نفس المكان
أرمي المكان و أغدو بقعة خريف
-5-
طيفك المندس بين أضلاعي الهشّة
يوقظ صلصال النسيان كلما تأوّهت الجهة الأخرى
من الذاكرة المزدحمة بديدان الشهوة
في موسيقى الناي المستحم بحمم الحرائق
أغمس نظراتي الحالمة في خصر الأقنعة الغفيرة
لعل جسدك يرقص وجعا متورما
و يتشابك مع أغصان الضوء الأخضر
لتنعرى الغابات من سعادتها الواهمة
و يتفحّم الجسر المعلّق بين قبلتين
فأجمع أصواتك المتوارية بخجل قاتل
خلف الخفة البنفسجية لعناق قديم
أعري الصحو المتكلس على عتبة قوس واحد
لازال يُسددني بك كلما غرقتِ في محبرتي الدامية
للصفاء المنشود أُصلي و أشرب النار قربانا لامرأة ما لا تشبهك
فلتتعطّر ضلوع النفق بخطوي المتجاور لسيلان الهدير
و لتتهجى البحار غيومي المحمّلة منذ النزيف
بمزيد من حصص الهجرة المضاعفة
بيد واحدة أمسك جمجمة الغرق
و بيدي الثانية أشق جموح التيه و غربة الظل النحيف
تتواطأ على قتلي المدن والبحار و الوديان والموانىء
والمقابر والسماء الملتهبة ونسور الغروب
سأظل وحدي أقاتل بسلاح الصبر المتبقي في دلو مثقوب
منتظرا برعم الطوفان ليكبر في قلبي الصغير
و بجسد هائل الرغبات ، مسلوب اللون و معصوب العينين
سأرسم جزيرة للحب والشعر والوحدة
وسيكون قبري نجمة ساكنة في أنيني الميت

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.