الرئيسية | فكر ونقد | سياسات الذاكرة: بدائل علاجية بطعم المرض – 2 – | علي أوعبيشة

سياسات الذاكرة: بدائل علاجية بطعم المرض – 2 – | علي أوعبيشة

 

علي أوعبيشة

 

المصالحة مع الماضي، إنصاف أم انتقام؟

   هذه العودة إلى الماضي، ليست بهدف تكريس أزماته وتجميد عقده… بل، بغاية تدبير أشكال حضوره في الزمن الراهن، إنها عودة نقدية تعاتب كل القوى المسؤولة عن إعاقة الذاكرة وإنتاج الظلم والإقصاء وكل أصناف الإساءة، من خلال قوة قانونية تشكل ثمرةً لنقاش عمومي حرّ وهادف وقصدي، لا تكتفي بالوعظ والإرشاد وصياغات التوبة الأخلاقية(الاعتذار وطلب المغفرة والعفو…)، بل تركّز على الإمكانيات العملية والإجرائية لعلاج ما يمكن علاجه، ما لازال قيد الحاضر، أي تلك الذاكرة المستمرة التي لم  تنته بعد ولم تكتمل، وتشكّل امتدادا موضوعيا وعضويا للماضي.

     إن المصالحة مع الماضي، باعتبارها صيغة من صيغ تدبير الذاكرة والتعامل معها، لا تعني نسيان ما مضى، بالمعنى السطحي لكلمة “نسيان”، بل تشير إلى ردع كل الميكانيزمات والآليات المريضة التي من شأنها أن تربّي أجيال ‘الحاضر” على الحقد وتستنبت فيهم ثقافة الكراهية والميل اللاشعوري للانتقام، إننا إذا أمام نسيان لكن بالمعنى النيتشوي للفظ، الذي لا يعتبره “قوة عطالة  (Vis inertiae)كما يعتقد السطحيون”[18]، إنه لا ينظر للذاكرة على أنها خزان أو وعاء بارد وساكن، بل من جهة كونها قوة على التأثير وقدرة على الامتداد، وحشدا متحركا من الانفعالات والأحاسيس القابلة للتحقق والوقعنة كأفعال وسلوكيات…

   المصالحة أيضا بما هي تدبير للذاكرة، هي اعتراف بالإساءة لكن بشكل متبادل، وهذا عين اختلافها مع العفو أو الصفح، وتحمل مزدوج للمسؤولية، لكن، المصالحة، لا تتحقّق إلا إذا تعادلا الطرفين، في “الإقدام على الشر”، نظرا، لأن المُساء إليه/م، يحتاج/ون دائما إلى تعويض، ولا يحيل هنا التعويض إلى المقابل سواء كان ماديا أو رمزيا، بقدر ما يحيل إلى فتح الباب أمام المقصي/ين للمشاركة، وأمام المظلوم/ين لتحقيق العدالة وأمام المهمّش/ين،والهامشي/ين لتنمية إمكانياته/م، وفقا لمرجعيات عملية متكاملة وعادلة ومتعادلة، كل هذا من أجل “قليل من الصمت، قليل من الصفحة البيضاء حتى ينفسح المكان مرة أخرى للجديد”[19]

 النسيان إذا ليس محوا للماضي وليس تشطيبا للماضي من الذاكرة، بل إصلاحا لأعطابه، وهنا يقدّم النسيان نفسه كتذكّر عادل، ومن دونه، “لا يمكن أن تكون ثمة سعادة ولا صفاء ولا أمل ولا فخر ولا حاضر”[20].

إن أسوأ أشكال المصالحة مع الماضي، تلك المصالحة التي لا تحقق عدالة بقدر ما تعيد إحياء الإساءة، تماما مثل النبش لاستخراج الجثة دون إعادتها إلى قبرها من جديد (إلى ماضيها)، فتصبح الجثة موضوعا للتنكيل مرّة أخرى وفرصة ثانية لتعنيفها رمزيا، وهذا حال العدالة الانتقالية في نسختها المغربية[21]، التي انطلقت في السادس عشر من  شهر غشت سنة 1999 حينما أصدر  رئيس الدولة الجديد آنذاك أمرا بإنشاء ما سمي ب”الهيئة المستقلة  للتحكيم والتعويض عن الضرر المادي والمعنوي لضحايا وأصحاب الحقوق ممن تعرضوا للاختفاء القسري والاعتقال التعسفي” مرورا بالإعلان عن هيئة “الإنصاف والمصالحة” التي تمت المصادقة على نظامها الأساسي في العاشر من أبريل سنة 2004 بموجب الظهير الملكي رقم 1.04.42 ونشرت المصادقة في الجريدة الرسمية يوم الثاني عشر من نفس الشهر، إذ إنها لم تعمل إلاّ على إعادة الروح للجراح، بالاعتراف بالجرائم المرتكبة والتصريح غير المباشر بأسماء الجناة، دون محاسبتهم، وضمان إفلاتهم من العقاب تحت مسمى نسيان الماضي “عفا الله عمّا سلف”. وعليه فإذا كانت المصالحة الحقّة تراهن على الحاضر لتدبير أمراض الذاكرة، وتفادي نتائجها السلبية في الزمن الراهن، فإن المصالحة المزيّفة تهتم بالماضي للتذكير به، قصد ضبط الحاضر والهيمنة على المنتمين تاريخيا إليه، كورقة ضغط للتخويف والترهيب، حتى تتخلى الأجيال الحاضرة عن أحلام وآمال الأجيال الماضية المساء إليها.

بهذا المنى، تكون المصالحة مع الماضي حاملة لمسؤولية إعادة الاعتبار لكل المقصيين والمهمشين والمعنفين لأسباب سياسية أو ثقافية أو نقابية… بهدف التأسيس لذاكرة عادلة أو من أجل ذاكرة العدل.[22]

لقد شكّلت التجربة المغربية في هذا الصدد، انتقاما آخر،  فبعد الجريمة المادية المتمثّلة في التعنيف المفرط والتعذيب الوحشي بأبشع الوسائل الممكنة والاختطافات والاعتقالات التعسفية والاغتيالات، جاء الدور على الجريمة الرمزية، التي تمت تحت يافطات المصالحة وشعارات العدالة الانتقالية والتقصي عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وكشف المظالم. هكذا، استنفرت السلطة عمق المرجعية الفلسفية-السياسية المعاصرة لإعادة تمثيل الجريمة، ليس لغرض بدأ مسيرة التحقيق فيها (بفضح المتورطين فيها)[23] بل من أجل استكمالها “إكمال الجريمة”، لكن هذه المرّة، من زاويتها الرمزية، لأن الهدف الأسمى لم يكن وعدا بعدم تكرار الانتهاكات[24] بل تأكيدا بطعم التهديد على ضرورة عدم تكرار التجارب (النضالية) التي كانت تلك الانتهاكات ردّ فعل قمعي تجاهها، لوأدها وإفشالها بكل الطرق الممكنة.

فأن تذيع السلطة على شاشات إعلامها الرسمي شهادات[25] لعينات من الضحايا/المعنفين والمعذبين والمعتقلين والمختطفين…تؤرّخ لذكريات مؤلمة ولجرائم فظيعة[26]، مع العلم أن شهاداتهم لن تكون كافية مبدئيا وبإطلاق لمساءلة ومحاسبة مرتكبي تلك الجرائم ومعاقبتهم، لَدليل واضح وصريح على أنّ الغرض لم يكن البتة تحقيق الإنصاف أو المصالحة، بل إعادة تكرار التجربة/الجريمة، حتى يتعلّم الجيل الحالي الدروس والعبر، وكأن السلطة تريد أن تقول: إياكم والحلم ولو بمجرّد التفكير فيه، إن ما وقع من قبل هو مصيركم!!!

لقد فطنت السلطة، إلى أن الذاكرة المؤلمة، سلاح رمزي  جد فعّال، لجعل الألم ساري المفعول، لجعله ممتدا في الحاضر، وذو  راهنية دائمة. هكذا أجرمت السلطة مرة أخرى في حق المُساء إليهم( الضحايا)[27] وفي حق الأجيال الحاضرة، لقد راهنت على الماضي من أجل كسب معركة الحاضر (تكريس الهيمنة)، ولو على حساب الضحايا والجراح والمأساة والذكريات المؤلمة.

العدالة الإنصافية(نسبة إلى الإنصاف)، لا يمكن أن تتحقق إلاّ بعدالة عقابية[28]، لأن مشكل الإفلات من العقاب بمثابة نسفٍ جذري لأي محاولة لرأب الصدع بين الظالم/المعتدي والمظلوم/المعتدى عليه، في حين تكتفي العدالة التصالحية (نسبة إلى المصالحة) بمصالحة الأطراف المتنازعة ونشر ثقافة التسامح والعفو والغفران بينها، تبعا لتحملها(أي الأطراف المتنازعة) للإساءة المتبادلة، وهذا، يعد تخفيفا من هول وحدّة ما حدث، الشيء الذي أفقد الشهادات المقدّمة من قبل الضحايا وأسرهم وأقاربهم معناها، لأنها قدّمت بهدف الكشف عن حقيقة ما حدث، دون اتهام أي كان[29]، ما جعل تلك الجرائم ترجع إلى كائنات غير معروفة (ميتافيزيقية) في حين أن مرتكبي تلك الجرائم أغلبهم لا يزال على قيد الحياة ويحظى بامتيازات مهمة وبمناصب سامية في الدولة. وبما أن هيئة الإنصاف والمصالحة لم يخوّل إليها المتابعة القانونية للجناة الذين ثبت في حقهم ارتكاب جرائم وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، فإنها تركت للضحايا الحرية في أن يتقدموا بشكاوى ضد من يشتبهون  في أنهم الجناة قصد تقديمهم للمحاكم، إلاّ أن كلا من المجلس والهيأة التزما الحياد، وامتنعا عن تقديم معلومات وأدلة تم جمعها بصورة منهجية وعن تقديم الدليل على المسؤولية الجنائية إلى السلطات القضائية[30].

تتطلّب المصالحة أولا وقبل كل شيء مصارحة[31]، أي اعترافا متبادلا وتحملا مزدوجا للمسؤولية. وهنا، يتساوى الجلاد مع الضحية، فيكون من الواجب على الجاني/الظالم أن يعترف بجرائمه، وعلى الضحية/المظلوم أن يعترف بالجرائم المرتكبة في حقّه (كشف الحقيقة كاملة)، وهنا، تتحوّل المصالحة إلى ما يشبه معاهدةً للصّلح، فيها وبها يتم الاحتفال بالنصر وتكريس التفوّق، وفرض الإذلال على الضحية، فيستحيل بوح المظلوم بالإساءة المرتكبة في حقه مصدرا لفخر واعتزاز الجلاد، وفرصة لاستعراض عضلاته الرمزية وتركته التاريخية، كما يستعرض الرجل ذكوريته أثناء تعنيف المرأة، إذ غالبا ما تكون شهادة المرأة في ذلك إعلانا عن تفوّق الرجل (الذكر).

تتطلّب المصالحة أيضا، عدالة (البعد الجنائي المتمثّل في المساءلة والمحاسبة والعقاب) وإنصافا( إعادة التأهيل النفسي والاجتماعي، جبر الضرر والإدماج…)، إذ من دونهما تبقى المصالحة عديمة المعنى بل في غالب الأحيان، جريمة ثانية، على هذا الأساس نفهم قول علي المانوزي عام 2001: ” لن يكون للمصالحة معنى إلاّ إذا تمت في إطارٍ من الحقيقة والإنصاف”[32]. إن كشف الحقيقة التاريخية إذن غير كافٍ ما لم يتم تحديد مرتكبي الجرائم وتقديمهم للعدالة، هذا ما يستدعي إصلاحا بنيويا لنُظم العدالة (القضاء والأمن)، إذ من الغير المعقول تحقيق العدالة بنفس (العدالة) التي كانت  تلك الانتهاكات تحت رعايتها ووفّرت كل الدعم القانوني للجناة وسمحت لمرتكبي الجرائم بالإفلات من العقاب.

تعمل السلطة على أن تجعل من الماضي ملكا(ملكية خاصة) لها ومن ثمة مصدرا تستمد منه شرعيتها، لذلك تسعى إلى احتكاره (احتكار حق التصرف فيه)، كي تغطي على جرائمها وتخفي مساوئها وتظهر نفسها بمظهر الخير. في حين يقاوم الضحايا (موضوع الاعتداء) سواء كانوا أشخاصا أو أقليات أو فعاليات ثقافية (لغة، فكر، نمط عيش، مذهب ديني، تيار سياسي أو نقابي …) كل صيغ احتكار الماضي قصد تحرير الذاكرة من ثقل الإيديولوجي وما يتبعها نتيجة لذلك من زيف وإيهام وتشويه…يقول فرويد “تظل روح المظلوم تصرخ وتستنجد حتى يعترف الظالم بما ارتكبت يداه من جرم في حقها”[33]

لم يكن الأشخاص الذين تعرضوا في السابق لمختلف أنواع الاختطافات والاعتقالات والتعذيب… فقط، من مثلّوا هذه الذاكرة المؤلمة، وليست فقط الكتابات السجنية-التي بلغت في مجملها 33 عملا-  التي روت وسردت شتى أنواع التنكيل والإذلال…  هي التي مثّلت وسمة عار في مسار العدالة والأمن المغربيين، بل إنّ مناطق جغرافية بأكملها، ظلت لسنوات طوال ولا تزال عنوانا للتهميش والإقصاء، فقط لأن مدينة أو بلدة  من هذه المناطق ارتبطت باسم من الأسماء التي عارضت السلطة أو بانتفاضة من الانتفاضات التي قمعتها قوى الأمن. علامات على الذاكرة المقصية والمقموعة، لارتباطها برجال عارضوا السلطة أو حاولوا الانقلاب عليها…

خاتمة:

مجتمعات معيّنة، تبعا لخصوصياتها، تناضل بكل ما أوتيت من جهد، في سبيل نسيان حروبها وصراعاتها وفضاعاتها وإرث تياراتها السياسية المتطرفة، ضد التذكّر المرضي، من أجل مجتمع مفتوح ومستقبل منفتح، بدون مركبات نقص ومن دون عوائق أو حواجز أو أثقال، ومجتمعات أخرى، منها، مجتمعنا، تحتاج إلى التذكّر نكاية في النسيان، كمقاومة  لسياسة المحو الممنهجة والكذب التاريخي الذي تمت مأسسته لأهداف سياسية، إننا في حاجة إلى الذاكرة وإلى التذكّر، في حاجة للاصطدام العنيف بالماضي المؤلم الذي تلاعبت به الأيدي/الجيوب التي وصلت إلى السلطة فتحكّمت في الكتابة التاريخية ومختلف القنوات التي يمكن للتاريخ/ الماضي أن يتسلّل عبرها إلى الأجيال اللاحقة، لكي نستيقظ وننزع عن أعيننا حجاب الجهل أو بالأحرى تلك الغشاوة التي خدعتنا وتخدعنا إلى اليوم، في حاجة ماسة إلى معرفة الحقيقة المرّة، ولو مجرّد معرفتها، لأن النسيان أو الصفح أو التسامح أو الغفران استراتيجيات تتطلّب أولا وقبل كل شيء الحق في ذاكرة الحقيقة (الحق في معرفة الحقيقة)، لنكتشف، ولو لمرّة كيف خدعنا وكيف تحقّق لهم خداعنا، إننا في حاجة لكل مساوئ التذكّر، لنقتنع بأننا عبدنا الزيف وانتصرنا للوهم وخلّدنا الأحداث المصطنعة وهلّلنا للخونة وافتخرنا بالقتلة، في حاجة لكل هاته الهزائم/الانتكاسات/الزلازل والهزّات… لنكون على بيّنة من ماضينا، لنا الحق في معرفة ما حدث بالضبط، ولو أن ذلك سيخلّف فينا جروحا أعمق وندوبا أكثر إيلاما، لكن، إن الحقيقة، لا تقدّر بثمن، فل”نصبر لبعض الوقت، لأن الأكاذيب لا تعيش طويلا. إن الحقيقة ابنة الزمن، وعما قريب ستظهر للدفاع عنّا”[34]

فريدريك نيتشه، جينيالوجيا الأخلاقـ ترجمة فتحي المسكيني، تونس 2010،ص: 81[18]

[19]  فريدريك نيتشه، جينيالوجيا الأخلاقـ ترجمة فتحي المسكيني، تونس 2010،ص: 82

 نفس المرجع، ص: 82[20]

[21]  شكل تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة اعترافا صريحا للدولة المغربية بالجرائم التي ارتكبتها في حق العديد من النشطاء السياسيين والنقابيين… بالمغرب خلال سنوات الرصاص، إلاّ أنها اكتفت فقط بتعويض البعض منهم (ماديا) دون تقديم الجناة للعدالة لتتم مساءلتهم، مما شكّل إساءة مضاعفة للمعتدى عليهم، وكأن الدولة تقرّ لهم بأن كل ما وقع يمكن تعويضه، عكس بعض التجارب الرائدة في العدالة الانتقالية إذ عملت على ردّ الاعتبار للمساء إليهم رمزيا بتثمين تجاربهم، مع محاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة.

[22]  نحو ذاكرة العدل أو “الذاكرة العادلة”: تعد هذه العبارة من أهم المفاهيم الوازنة التي طرحها الفيلسوف الفرنسي بول ريكور، والتي لها امتداد قوي، في الدراسات الفلسفية والتاريخية المعاصرة.

[23]  والدليل على ذلك محدودية صلاحيات هيئة الإنصاف والمصالحة، بل، إنها أكثر من ذلك، عمدت أثناء جلسات الاستماع العمومية إلى توجيه من أدلوا بشهاداتهم نحو عدم ذكر أسماء الجناة الأفراد ما أثار حنق بعض الضحايا ومنظمات حقوق الإنسان(تقرير منظمة العفو الدولية الموسوم ب : لا لأنصاف الحلول: التصدي لحالات الإختفاء القسري في المغرب والصحراء الغربية، غشت 2009، رقم الوثيقة MDE 29l005l2009)

[24]  كان من العادل والمنصف أن يهيئ التقرير النهائي للهيئة، الفرصة لرئيس الدولة “محمد السادس”  لتقديم اعتذار رسمي كامل للضحايا، باسم الدولة، عن دورها في الانتهاكات المرتكبة ضد شعبها، والفرصة لتجديد تعهده بوضع حدّ للإفلات من العقاب في المغرب(أنظر في هذا الصدد تقرير المركز الدولي للعدالة الانتقالية عن العدالة الانتقالية بالمغرب نونبر 2005 بقلم فيرلا أوبغنهافن ومارك فريمان)، إلاّ أن هذا لم يتحقّق، بل على العكس من ذلك استمرّت الدولة في مسلسل الانتهاكات (القمع المفرط للتظاهرات السلمية والعنف الوحشي الذي قوبلت به احتجاجات القبائل) ورعاية المبدأ البرجماتي للدولة المتمثّل في (الإفلات من العقاب)

[25]  عقدت الهيئة سبع جلسات استماع عمومية متلفزة في ستة من أقاليم المغرب، تحدّث فيها عشرات من الضحايا وأقارب الضحايا وأقرباء المختفين  عما مروا به من تجارب، وألغيت جلسة استماع ثامنة كان من المقرر أن تعقد بالعيون (تقرير منظمة العفو الدولية الموسوم ب : لا لأنصاف الحلول: التصدي لحالات الإختفاء القسري في المغرب والصحراء الغربية غشت 2009، رقم الوثيقة MDE 29l005l2009)

[26]  تبدأ من فترة ما بعد (الاستقلال)، التي يمكن تحديدها في الثورة الريفية عام 1958 نتيجة لوعيهم بأن كفاحهم من أجل الاستقلال قد انقلب ضدهم، يوم بيع المغرب بأبخس الأثمان في معاهدة إكس-ليبان الخيانية، هاته الثورة التي “سرعان ما سحقتها القوات  المسلحة الملكية بصورة وحشية أدت إلى سقوط الألاف من القتلى، ولا تزال المنطقة حتى يومنا هذا تعيش في عزلة نسبية عن باقي البلد، وتتسم بارتفاع نسبة البطالة والاستثمارات المحدودة من الحكومة المركزية”(أنظر: تقرير المركز الدولي للعدالة الانتقالية عن العدالة الانتقالية بالمغرب نونبر 2005 بقلم فيرلا أوبغنهافن ومارك فريمان)

[27]  من التوصيات المعروفة في أوساط المؤسسات الدولية المختصة في العدالة الانتقالية نجد التوصية بإنشاء نصب تذكارية لتخليد  ذكرى الذين تعرّضوا للمعاناة، الأمر الغائب تماما عن توصيات الهيئة.

[28]  هذا ما انتبه إليه المركز الدولي للعدالة الانتقالية الذي حظّ المغرب على  اتخاذ الخطوات اللازمة لإحالة هؤلاء إلى العدالة كلما تبث لها ارتكاب جرائم خطيرة وتم تحديد مرتكبيها، كما طالبت المغرب في شخص هيئة الإنصاف والصالحة أن تنظر في إمكان التوصية باتخاذ الإجراءات المنصفة والفعالة للتحري عن الأشخاص في المغرب بهدف عزل مرتكبي الانتهاكات من المناصب العامة في قطاعي العدل والأمن، وهذا لم يتحقق بأي شكل من الأشكال.  (أنظر في هذا الصدد تقرير المركز الدولي للعدالة الانتقالية عن العدالة الانتقالية بالمغرب نونبر 2005 بقلم فيرلا أوبغنهافن ومارك فريمان)

[29]  هذا ما وصفته منظمة العفو الدولية في تقريها بهذا الشأن، بقولها بأن شرح افتقار هيئة الإنصاف والمصالحة منذ بدء عملها إلى أي عنصر يتعلّق بتطبيق العدالة يعني “التركيز على العدالة التصالحية وليس على العدالة الاتهامية” بل إن المنظمة عبّرت عما دعته تخاذلا من قبل الهيئة بعدم  رفعها أي توصية إلى السلطات المغربية بتقديم الجناة إلى العدالة، إذ لم ترد أية أنباء –حسب منظمة العفو- عن مقاضاة أي مسؤولين مغاربة بمن فيهم أفراد قوات الأمن، لارتكابهم انتهاكات إبان “سنوات الرصاص”.

[30]  منظمة العفو الدولية، مرجع سابق غشت 2009، رقم الوثيقة MDE 29l005l2009.

[31]  لم تمكّن السلطة الجميع من النتائج التي توصّلت إليها الهيئة، إذ أبقتها سريّة وفي طي الكتمان ومحظورة على الجمهور المهتم (مودعة حاليا لدى المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان) (أنظر: تقرير منظمة العفو الدولية الموسوم ب : لا لأنصاف الحلول: التصدي لحالات الاختفاء القسري في المغرب والصحراء الغربية)، في حين كان من اللازم (لو كانت ثمة إرادة سياسية للدولة لطيّ صفحة الماضي غشت 2009، رقم الوثيقة MDE 29l005l2009) أن تمكن الجمهور المهتم من نتائج التحقيقات، حتى تكون مجالا لنقاش عموميّ هادف، ما يؤكد بالملموس أن الغرض لم يكن بحجم الرهانات الرسمية والشعارات التي رفعتها مبادرة رئيس الدولة في خطاب السابع من يناير 2004″ الغاية من هذه الهيئة هي ضمان تصالح المغاربة مع أنفسهم ومع تاريخهم، وتفريغ طاقاتهم وتكاتفهم لبناء مجتمع عصري ديمقراطي، فهو أفضل حماية من العودة إلى الوراء”

[32]  أنظر في هذا الصدد (تقرير منظمة العفو الدولية الموسوم ب : لا لأنصاف الحلول: التصدي لحالات الاختفاء القسري في المغرب والصحراء الغربية غشت 2009، رقم الوثيقة MDE 29l005l2009)

[33]  عن هاشم صالح، لا مصالحة قبل المصارحة, مؤسسة مؤمنون بلا حدود، ملف بحثي: الصفح والمصالحة، نشر في العدد الثاني من مجلة يتفكرون.

 مقولة شهيرة لإيمانويل كانط، بتصرّف[34]

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.