الرئيسية | سرديات | ساعة من حياة امرأة: ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي

ساعة من حياة امرأة: ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي

حنان الدرقاوي

 

حضرت قبل سنوات عرس إحدى قريباتي بقرية تايرزا واحة تنجداد. رقصنا وأكلنا مرق القرع البلدي والفلفل الحار.

جاءت اللحظة الحاسمة، لحظة “أحانو” أي الدخول إلى الغرفة الزوجية. استلقت أم قريبتي متظاهرة بالمرض أو ربما مرضت بالفعل. المهم أنها وضعت قناعا من القلق الحاد على وجهها وانبطحت أرضا. قالت أن رجليها فاشلتان وهي عاجزة عن الحركة ودقات قلبها تتسارع والعرق يهطل منها شلالات.

صاحبنا العروس إلى غرفتها وانتحينا ليعبر العريس، شاب لم يتجاوز العشرين من عمره، يشتغل رصاصا في ورشته الخاصة. كان وضعه ذاك مصدر فخر قريبتي التي رأت معه الأمان المادي دون أن تتعرف عليه كشخص.

بدأ رقص هيستيري وقرع على الطارة والطعريجة. أغاني كانت كلها تدور على الإفتضاض وتحث العريس على الإسراع في مهمته المقدسة: افتضاض بنت في أقل وقت ممكن.

كنت لا أغادر أم قريبتي بنظراتي. أرمقها وأتملى من  تفاصيل سلوكها خلال تلك اللحظة الحاسمة، اللحظة التي تقدم فيها دليل شرف ابنتها لتستمر القبيلة وتأمل في رحمة الله لأن حب الله مرسوم في ما بين أفخاذ النساء.  تقدم شرف ابنتها عربونا اعتراف بقرية حرست ما بين الأفخاذ واعتبرته نهاية الشرف ومبتدأه. قدر النساء كله مرتبط بذلك المكان اللزج من حرسته نجت ومن فرطت فيه أهلكت. أم قريبتي حرست بناتها السبع منذ الصغر. ربتهن على الخدمة في المنزل وعلى الحشمة خارجه. درسن لحدود الشهادة الإبتدائية وسحبتهن من المدرسة ولم تسمع حتى إرادتهن. الغريب أنهن كلهن نجحن في نيل الشهادة وكانت إحداهن تود الذهاب إلى الإعدادي لكن أمها رفضت. أية سخافة أن تذهب بنت إلى المركز مثل الشباب. هذا يعني أن تعبر حقول النخل وأن تعبر النهر الجاف في اتجاه مركز تنجداد. مغامرة لم يقدم عليها أحد في قرية تايرزا. من يعرف أين يختبئ الذئب الذي سيأتي ويفتض بكارة البنات. الأحسن عدم المخاطرة فمن يأمن جانب امرأة متعلمة؟ كانت هاته حكمة أم قريبتي التي لم تنصت لرغبات بناتها. هن أيضا لم يثرن على الواقع. كن خانعات بفعل الخوف وضرورة طاعة الوالدين. كانت أمهن جزء من الطاغوت الذي يشلهن، إذ الجنة تحت أقدامها فيجب خدمة أقدامها وخدمة الأخ والأب والأخوال والأعمام وكلهم يحملون السياط الساخنة التي تنزل على كل من حاولت أو فكرت في تلطيخ شرف العائلة.

لا زالت أم قريبتي في وضعها والنساء يحطن بها. جلبن لها ماء الورد والسكر. ربطن رأسها بخرقة ووضعن قطع الحامض حولها. صارت تعاني من ألم الرأس والدوار. طلبت المسامحة من الجميع وأخبرتهم أن ساعتها قد أزفت. ودعت النسوة كأنها على سفر.

نصف ساعة على دخول قريبتي إلى أحانو ولا زال السروال لم يخرج. فكرت أنها ربما فعلتها مع يوسف الشاب الذي حدثتني عنه والذي يكلمها في الحقل وفي النبع. أكدت لي أنها لم تمكنه من شيء. خفت ماذا لو كانت قريبتي بدون بكارة؟ ماذا سيفعل بها الغجر أهلها؟ تخيلت كل السيناريوهات، سيضعونها في كيس القمح ويجرونها، سيجز أبوها عنقها بعد أن يسلخها أخوها ضربا. ستطلق أخواتها المتزوجات وستظل الأخريات عوانس.

فكرت في أن أدخل الغرفة وأهرب مع قريبتي عبر النافذة لكن إلى أين سأقودها؟ إلى أين نهرب؟ لا هروب من الواقع الذي جعلنا جنسا أقل من الرجال. نحن محاصرات بالأهل، بالحواجز ولايبقى أمامنا إلا الحلم. الحلم بالنسبة لقريبتي كان أن تتعلم وتخرج من ذلك السجن لكن حتى هاته النافذة أغلقوها.

بعد ساعة من الزمن وبعد إغماءات متعددة لأم قريبتي خرج السروال الملطخ بالدم تتبعه الخالات والعمات، حارسات معبد الدم. تعالى الغناء والضرب على الآلات الموسيقية والرقص الهيستيري. حملت خالة قريبتي السروال وأرته لأم قريبتي التي كانت قد دخلت في غيبوبة. تشممت الدم ولمسته لتتأكد أنه دم حقيقي وليس دواء أحمر.

أشارت برأسها للأخريات أن كل شيء على مايرام. قامت بسرعة. أمسكت البندير وصاحت ” تبارك الله على ابنتي غير ساعة في المغانة” سقط الحامض ورمت بربطة الرأس بعيدا، تحزمت ورقصت لآلهة الغباء.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.