الرئيسية | سرديات | رقم خمسة | عبيد لبروزيين

رقم خمسة | عبيد لبروزيين

عبيد لبروزيين

البيت بارد جدا، أجلس في الفناء على أريكة مهترئة، وأتأمل صمت الجدران وضجيجها، أتحسس جسمي من لسعات البرد وأتأمل ابنا لم أنجبه بعد، يلعب مع القطة الصغيرة تحت المنضدة، ربما يناديني إن شاء طبعا، بابا أو أبي، لا أعبأ لذلك، بالنسبة لي لا فرق، غير أن عمي الملتحي قادر على إبداء امتعاضه من الأسماء الفرنسية، أو صفع الطفل أمام والده الذي يكتب الآن، يلعب مع القطة الصغيرة ويبتسم، بماذا سأناديه؟ هل أختار له اسما قد يلومني عليه لاحقا؟ لماذا لا أناديه برقم يعوضني عن الاسم؟ يا رقم خمسة، هل تشبه والدك اليتيم، رقم خمسة، إنك تغيظني بصمتك وابتسامتك، هل أطبع قبلة على خدك كي أبرهن لنفسي أني أحبك؟

ربما ستكبر سريعا كحريق مهول، وستجادلني بحدة بعد عامك الأول، وأقول لك ما قاله جارنا الأثرد لابنه ذات يوم: اخرج من المنزل ولا تعد إليه أبدا، لن أجرؤ على ذلك، ولكن دعني أخبرك أولا، وأعرض الأمر بين يديك، واعذرني بني، لأني لا أتحمل أن أناديك رقم خمسة. سأناديك من الان فصاعدا فراس. عزيزي، قبل أن تأتي إلى هذه الحياة، أريدك أن تعرف، أنك منذ الصرخة الأولى سيتسلل الأكسجين إلى رئتيك، الأكسجين العفن المليء بالحقد والحسد، سأضربك كلما شربت الشاي، لن نسافر في العطل، وقد لا أشتري خروف عيد الأضحي كما أفعل الان. بني، يمكنك أن تفعل ما تريد، مثل أن تأتي بصديقاتك إلى المنزل، أو أن نحتفل بعيد ميلادك أكثر من مرة في عام واحد، وفي هذه الفوضى سأتركك ترتكب الخطأ الذي ارتكبه والدي.

عزيزي، ستحتاج إلى المال، ومضطر لإعالة نفسك وأمك، لأنني لا أتوقع أن أعيش طويلا، اه يا بني، نسيت أمك، حسنا، اختر لونَ أمك وبشرتها، طولها وحوضها، لباسها وحذاءها، صحيح، لم أفكر في الأمر، دعني أكتب لها رسالة:

إلى زوجتي التي لا أعرف اسمها

عزيزتي، أكتب إليك ولا أعرف من تكونين، كنت أتحدث عن ابننا رقم خمسة، عفوا فراس، ولكن ماذا عنك؟ ربما اسمك نادية أو مريم، وأستبعد أسماء مثل ريتا أو نرمين، وربما لن تسيقظي إلا بعد الثانية عشرة، لأنك مضطرة لسماع حماقاتي طوال الليل، مضطرة أيضا لطاعتي أمام الناس، أعرف أنك ستشتميني في البيت، فقد نشأنا في مجتمع سكيزوفريني بما يكفي لتفعلي ذلك، عزيزتي، لا تغضبي سأحكي لك الحكايات، إن كنت تحبينها طبعا، أو عن فراس، ابننا الذي سننجبه. عزيزتي، أنا فوضوي جدا، أستيقظ في منتصف الليل لأعد الشاي، وأعد السيارات من البلكونة المطلة على الشارع، ولكن ماذا عنك؟ فربما كنت أسوأ مني طباعا. دعيني أناديك ش ب س، ماذا يا عزيزتي لو طلب والدك ألف ناقة مهرا لك، هه لست عنترة، لا أحتاجك ولا أحتاج فراس، أنا فقط أفكر في المستقبل وتحت قدمي زليج مزركش مطبوع باسم القبيلة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.