الرئيسية | سرديات | رجل تؤنسه طقطقات الأحذية | يونس الطير

رجل تؤنسه طقطقات الأحذية | يونس الطير

يونس الطير
إلى آسية بوعسري و أمين  الجيلالي ،وماسح الأحذية أمام وادي سبو ؛ذاك الذي نسيت اسمه ..

“إني أشتاق إلى الكائنات البشرية وأبحث عنهم, ولكنني دائما أجد نفسي فقط, مع أنني لم أشتق إلى نفسي. لم يعد يأتي أحد إلي, ولقد ذهبت إليهم جميعا ولم أجد أحدا”

                                                              نيتشه

التيه الذي يشعر به، والذي يكاد يرافقه طيلة قفزات الحياتية المذيلة بالسخف، والممسك بتلابيب القلق من فجائية الانسحاب، لا يعبر في خاتمته البنيوية إلا عن تفاصيل فانية، صعبة المراس وغير قابلة للقبض، إنه شيئ من قبيل الريح أو الروح . أهمية هذا التيه تكمن لا محالة في أنه يدرك من خلاله  عبثية العمر والاسترزاق من تكرارات الزفير والشهيق المملة، إلا في عدها العكسي عندما تصبح للحركات الموحية بالوجود هاته قيمة لا تقارن بقيمة أخرى، اللهم وهم مابعد الاستراحة، أو وهم اللحظة الفاصلة بين الموجود والممكن الوجود؛ هذا الذي قد يخون في أية لحظة فلا يوجد.. وتذهب جهودنا وطقوسنا الأرضية وكل التعاويذ سدى..

هكذا قضى على آخر نفس نيكوتي ومارس عذاباته اليومية بنهم شديد وباستناد كلي لمنطق البغج، لذلك بدا كمن  يسترد أنفاسه الملتهبة كجمرة قادمة لتوها من معترك عقاب إلاهي.

سرح بخياله قليلا قبل أن يبارك شعره الكثيف المتمرد على جديد التقليعات:

_  آن الأوان لحماية بقايا السجائر، ولما لا تأسيس منظمة لحقوق السجائر والعقب ؟

وبصوت مسموع ليوهم بشفافية لا تناقش :

_ وما بين العمر والعمر ترقص غانية برفقة غانية رقصة النفاق أو قل  كل النفاق…

وبأعلى صوته الشبيه بآخر نكسات ممثل فاشل:

_ يشحذن سيوف الطمث لا غير .. أو هكذا يقول قائل خارج المتاهة…

المدينة تكاد تنتهي من أمسية عقابية، دعى إليها طيف يملك كل شيء ولا يمتلك شيئا، بزي أبيض تارة ملوحا بشارة نصر لم يأت مذ تقمص لعنة القطع والضرب والمج والتغني والعويل والغناء والتعذيب وفض البكارات واللكم والرفاه والقضم والرفس وال “لا” وال “نعم”..

يا سادتي المهملين ،يا معشر البقايا:

_ الطيف من عرق حكم مملكة نص روائي بحجم خرافة. الطيف لا يجيد لغة الضاذ ولا سمفونيات الأضرحة ولا يقتني أزياء الصحراء، طيفنا لم يحلم بعالم ساجد دوما.

 لقد حلم بوطن راقص ..

الوطن يمتطي بين الفينة والاخرى دراجة هوائية، واليد طويلة جدا تنتهي بمحفظة جلدية منتفخة دوما، تتقيأ بين الحين والآخر وخاصة على موائد المقهى الهادئ دوما، على مقربة من “راس الما ” الكتاب جلدي بمنتهى الحزن،يكاد يلفظك إلى مملكة البكاء أو هكذا يوهم.. الوطن يتزين بالقطن الأسود والقبعة التي تحلق فوق تبعث خيوطها المتشابكة لتحتضنك. الوطن يشرح صدره الأسود الشارد في متاهات بنفسجة ليخرج علبة السجائر..

 الوطن لا يلوث الهواء.. إنه ينفث أملا .

الوطن يغني قبل النوم ويسكب ساديته في حوض الحمام لينعم بدفء الإنسان ، يتقيأ أحيانا أحلاما عن باريس وساحاتها السماوية .

 للوطن صديقة بشعر ازرق تعاشره كل ليلة كي لا تسرقه إناث  الملائكة.

صديقة الوطن ذات الشعر الأزرق ،تؤمن بكل الآلهة والقديسين، تشرب نبيذا وتصلي  تتأفف وهي تتنقل كفراشة وعن انقراضها الوشيك بين الكنائس والمساجد ومتاهات الله.. هذا الله الذي يوجد في كل مكان دون أن يطرق الباب أو يحني ظهره.

الله قابض على جدار قاني اللون بقبعة تتبدى كسحابة قطنية بلا معنى..

يا سادتي المهملين، يا معشر البقايا:

_ انظروا، افتحوا ماتبقى لكم من أعين .. هو ذاك الوطن قادم من العمل محملقا بعيدا، الوطن يبكي بغصة …

الوطن يتحول الى إنسان، يستنشق جرعة إنسانية ويبكي كثيرا كبطل في مسرحية تافهة ..

صديقة الوطن ذات الشعر الازرق تحولت الى تمثال سرقته الكنيسة، الوطن الآن يحمل بقدسية  مفرطة جدا كتابه الجلدي الحزين ويتيه هو الآخر بين الأسطرالتي تنفلت من تناقضات ذاته المتحسرة والمريدة لسطوة الشجر والمياه والسلام ..

 كان الوطن بشعر راستا مسافر  دوما بلا حقائب ولا تذاكر .. الراستا يرى فيما يرى النائم أن المسيح و  يونان زنجيان.. وهو الهارب من سلاسة الزمن  يراه نبيا خانه الوحي بعد أن فقد ساكن السماء  ثقته بسعاة البريد..

وديوجين أخرق لا يجيد فن السياسة، هل نتلعثم خجلا أمام نيتشه، أم نستهتر بشاربه الأشقر الذي لم ينحني للريح يوما ؟

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.